شركة المياه الوطنية .. نحو إدارة قطاع المياه في إطار العلاقة مع إسرائيل
التاريخ: 
15/12/2020
المؤلف: 

تسيطر إسرائيل بشكل تام على موارد المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حارمةً الفلسطينيين حرية الوصول إلى مواردهم المائية وإدارتها، الأمر الذي يجعلهم في مواجهة أزمة إن لم تتضح معالمها الآن بشكل جلي، فإنها ستنفجر في المستقبل القريب. 

ووضعت إسرائيل مع احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في سنة 1967، يدها على منابع نهر الأردن، والمياه الجوفية في الضفة، ونقلت السيطرة على تلك الموارد لاحقاً إلى شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت"، التي أصبحت تستفيد من تلك الموارد وتجني أرباحاً طائلة سواء من خلال بيعها للفلسطينيين، أو من خلال ضخها للمستعمرات. 

وقد سيطرت إسرائيل بقوة احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، على المياه ونهبت الثروات الطبيعية، من خلال إصدار جملة من الأوامر العسكرية منحت نفسها بموجبها نهب تلك الثروات والمقدرات، وكان أبرزها الأمر العسكري رقم 92 الصادر في آب/اغسطس 1967، الذي يمنح جيش الاحتلال السلطة الكاملة على جميع الأمور المتعلقة بالمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأمر العسكري رقم 158 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 1967 وينص على عدم السماح للفلسطينيين بإقامة أي منشآت مائية جديدة دون الحصول أولاً على تصريح من جيش الاحتلال، كما يقضي بمصادرة أي منشأة مائية تُقام من دون تصريح، وكذلك الأمر العسكري رقم 291 الصادر في كانون الأول/ديسمبر 1968، وينص على إلغاء جميع الترتيبات المتعلقة بالأراضي والمياه التي كانت قائمة قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية.

ومنذ احتلال الضفة وحتى يومنا هذا، لا تزال هذه الأوامر العسكرية سارية المفعول في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتطبق فقط على الفلسطينيين، كما تولى جيش الاحتلال السيطرة على هيئة مياه الضفة الغربية التي أنشأتها المملكة الأردنية سنة 1966، لتطوير مصادر المياه وتمديداتها وصيانتها، إذ كانت تسيطر على 13 بئر مياه. وفي سنة 1982 سلم جيش الاحتلال شركة ميكوروت جميع مرافق البنية التحتية للمياه إلى الشركة التي سيطرت على 42 بئر مياه، والتي أولت المستعمرات أولوية في إمدادها بالمياه وبيع ما يتوفر للفلسطينيين.

منعت إسرائيل الفلسطينيين من حفر آبار مياه جديدة أو إصلاح الآبار الموجودة أو تنفيذ أي مشروع له صلة بالمياه إلاّ بتصريح من جيش الاحتلال، الذي كان يرفض جل تلك الطلبات، ولم يغير اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير وإسرائيل سنة 1993 وحتى الاتفاقيات اللاحقة له في سيطرة إسرائيل على المياه، التي جرى تحويل ملفها إلى قضايا الوضع النهائي، وعلى سبيل المثال نص اتفاق "القاهرة"، اتفاقية، "غزة وأريحا" وملاحقها التي وقعت في أيار/مايو 1994 على أن تقوم السلطة الفلسطينية بتشكيل جميع شبكات وموارد المياه والصرف الصحي وإدارتها وتنميتها بطريقة تحول دون حدوث أي ضرر لموارد المياه، وأن تستمر شركة مياه ميكوروت في تشغيل وإدارة شبكات المياه القائمة التي تزود المستعمرات ومنطقة المنشآت العسكرية بالمياه وشبكات وموارد المياه داخلها، كما أن البند "ج" من المادة نفسها ينص على أن: "تتم كافة عمليات الضخ من موارد المياه في المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية، وفق الكميات الحالية لمياه الشرب ومياه الري، مقابل ذلك فإن السلطة الفلسطينية لن تؤثر على الكميات بصورة سلبية."

وتضمنت اتفاقية أوسلو إنشاء لجنة مشتركة للمياه يعمل في إطارها الإسرائيليون والفلسطينيون على تنسيق إدارة الموارد المائية في الضفة، والتنسيق في تنفيذ مشاريع البنية التحتية (خطوط ناقلة، خزّانات وشبكات مياه وصرف صحي، محطات ضخ مياه، محطات معالجة) في العديد من المناطق الفلسطينية في الضفة. 

ويتمثل دور اللجنة المشتركة التي جرى إنشاؤها للعمل في الفترة الانتقالية من اتفاق أوسلو (1995-1999) بالموافقة على جميع المشاريع المائية والإشراف على موارد المياه في الضفة، باستثناء نهر الأردن، ونظراً إلى استمرار الفترة الانتقالية إلى ما بعد 1999، فقد تواصل عمل اللجنة حتى توقفها في سنة 2010، بسبب اشتراط الطرف الإسرائيلي موافقته على المشاريع الفلسطينية بموافقة الفلسطينيين على مشاريع المستعمرات في الضفة في محاولة لشرعنة الاستيطان، إلى جانب عقبات أُخرى كرفض الإسرائيليين منح التراخيص اللازمة لحفر آبار المياه أو تطوير المشاريع المائية في المنطقة (ج). 

تتوزع المياه الجوفية في الضفة الغربية على ثلاثة أحواض رئيسية تعد أهم مصادر المياه، وهي الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والحوض الشمالي الشرقي، يضاف إليهم مياه نهر الأردن، وجميعها تقع تحت سيطرة إسرائيل التي تنهب، كما ذكر سابقاً أكثر من 80% من تلك المياه الجوفية.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني سنة 2019، فإن نسبة المياه المستخرجة من المياه الجوفية والسطحية مرتفعة نسبة إلى المياه المتاحة في فلسطين، إذ بلغت نحو 77% في سنة 2017، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يحرم الفلسطينيين استغلال حقهم في مياه نهر الأردن منذ سنة 1967، والتي تقدر كمياتها بنحو 250 مليون متر مكعب سنوياً، وقد بلغت كمية المياه التي تم ضخها من آبار الأحواض الجوفية (الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والحوض الشمالي الشرقي) في الضفة الغربية لسنة 2017 نحو 86 مليون متر مكعب.

وبحسب بيانات الإحصاء، فقد وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي من شركة ميكوروت الإسرائيلية نحو 83 مليون متر مكعب سنة 2017، وهي تشكل ما نسبته 22% من كمية المياه المتاحة التي بلغت 375 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى 23.5 مليون متر مكعب مياه متدفقة من الينابيع الفلسطينية و264.5 مليون متر مكعب مياه متدفقة من الآبار الجوفية، و4.0 مليون متر مكعب مياه شرب محلاة.

وسعت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها لإدارة ملف المياه، فأنشأت بموجب قانون رقم (2) لسنة 1996 سلطة المياه الفلسطينية، التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، ولها ميزانيتها الخاصة، بحيث تتبع الرئيس، ويكون لها رئيس يُعين بقرار من الرئيس الفلسطيني. ومنذ إنشاء هذه السلطة جرت تعديلات على قانون المياه، كان آخرها ما جاء في القرار بقانون رقم 14 لسنة 2014 بشأن المياه، والذي تضمن توضيحاً بشأن الصلاحيات الموكلة إلى سلطة المياه وإدارة مصادر المياه في فلسطين وتطويرها، وزيادة طاقتها وتحسين نوعيتها وحفظها وحمايتها من التلوث والاستنزاف وتحسين ورفع مستوى تقديم الخدمات المائية من خلال تطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة والمستدامة لمصادر المياه.

واستناداً إلى ذلك القرار، تسعى الحكومة الفلسطينية اليوم لإدارة ملف المياه بطريقة مغايرة لما جرت عليه العادة خلال السنوات الماضية نظراً إلى التحديات الماثلة في هذا القطاع من ازدياد الطلب على المياه، واستنزاف كميات الفاقد من المياه أموال الضريبة "المقاصة" الفلسطينية التي تقتطع منها إسرائيل ما تشاء من أموال أثمان المياه الفاقد، وكذلك ما تستهلكه بعض البلديات ولا تقوم بدفع أثمانها.

ومن أجل ذلك قررت الحكومة الفلسطينية في 2 تشرين الثاني/نوفمبر إنشاء "شركة مياه فلسطين"، وهي مشروع قيد الدراسة والتأسيس بهدف تعزيز الموارد المائية وتحقيق الاستدامة المائية والمالية والمؤسساتية، لتكون شركة حكومية، كما قررت الحكومة اعتماد خطة إنشاء مرافق المياه في المحافظات.

وسيترتب على إنشاء الشركة دمج مزودي خدمات المياه فيها، وتشكيل لجنة لمعالجة قضايا المياه على المستوى الوطني والتي تشمل الأسعار، والفاقد من المياه، والديون المستحقة على مزودي المياه، والجوانب القانونية، والرقابة على شبكات المياه وآبارها. 

تستند الحكومة في قرار إنشاء شركة المياه إلى قرار بقانون رقم (14) لسنة 2014 الذي صدر عن الرئيس محمود عباس في 12 حزيران/يونيو 2014، إذ اشترط القرار أن تكون الشركة مملوكة بشكل كامل لدولة فلسطين، وسيقع على عاتق الحكومة تحديد رأس مال الشركة، وإصدار نظام لتنظيم الشؤون المالية لها. 

وستكون شركة مياه فلسطين بديلاً من دائرة مياه الضفة، وسُتلقى على عاتقها بموجب القرا، اختصاصات ومهمات عديدة، أبرزها: تزويد وبيع المياه بالجملة لمصالح المياه والهيئات المحلية ومجالس خدمات المياه المشتركة والجمعيات، واستخراج المياه من مصادر المياه وتحليتها ونقلها بالجملة وفقاً لترخيص تحصل عليه من السلطة لهذه الغاية، وإدارة وتطوير وتنمية أي موجودات تتسلمها من السلطة، وضمان حسن سير العلاقات التجارية مع الزبائن والمزودين، وتوفير الوسائل اللازمة لتطوير جميع النشاطات وأعمال البنى التحتية الخاصة بتزويد المياه بالجملة، وإعداد مقترحات التعرفة الخاصة ببيع المياه والخدمات المتعلقة بها ورفعها إلى المجلس لتصديقه.

 وقال أمين عام مجلس الوزراء أمجد غانم، في تصريحات صحافية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إن إنشاء الشركة يهدف إلى تعزيز الموارد المائية، وتحقيق الاستدامة المائية والمالية والمؤسساتية، وإصلاح قطاع المياه، وضمان التوزيع العادل للمياه وتخفيض أسعارها. وأوضح أنه جرى تشكيل لجنة من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، لضمان تنفيذ ذلك على أرض الواقع خلال العامين المقبلين، من خلال خطة كاملة تشمل الجوانب القانونية والمالية والرقابية على قطاع المياه. 

لن تكون الشركة المنوي تأسيسها بديلاً من سلطة المياه ولن تحل مكانها، بل ستكون ذراعاً تنفيذية للسياسات والقرارات التي تقرها سلطة المياه، وخصوصاً أن قرار إنشاء الشركة جاء بموجب القانون لسنة 2014 في إطار استكمال توجه السلطة إلى إصلاح قطاع المياه الذي بدأ آنذاك.

وقال خبير المياه، ورئيس سلطة المياه الفلسطينية سابقاً، شداد العتيلي، إن قرار إنشاء الشركة جاء متأخراً ست سنوات، لافتاً إلى أن القرار في القانون الذي صدر سنة 2014 كان هدفه تنظيم قطاع المياه في فلسطين وإصلاحه، وهو القطاع الذي تتداخل فيه مجموعة من القوانين والمرجعيات، إذ كانت سلطة المياه آنذاك تقوم بأدوار تنظيمية ووزارية وتشغيلية وتنفيذية وهذا لا يعقل أن يكون كله في يد جهة واحدة، وبالتالي فإن التوجه حينها كان نحو فصل المهمات، وحصر السياساتية والتخطيطية منها بسلطة المياه التي باتت أشبه بالوزارة.

وترجمة لقانون سنة 2014، وتنفيذاً لعملية الإصلاح التي تحدث عنها العتيلي جرى تأسيس مجلس تنظيم قطاع المياه في سنة 2014 ليكون في المستوى الثاني بعد سلطة المياه.

ومجلس تنظيم قطاع المياه هو مؤسسة مستقلة مالياً وإدارياً تقدم تقاريرها مباشرة إلى الحكومة الفلسطينية، وفقاً للمادة 18 من قانون المياه رقم 14 (2014)، والهدف من إنشائه مراقبة كل ما يتعلق بالنشاط التشغيلي لمقدمي خدمات المياه، بما يشمل الإنتاج والنقل والتوزيع والاستهلاك وإدارة مياه الصرف الصحي، وذلك من أجل ضمان جودة وكفاءة خدمات قطاع توفير المياه وخدمات مياه الصرف الصحي في فلسطين الموفرة للمستهلكين وبأسعار مناسبة.

 يُعد إنشاء الشركة الوطنية اليوم خطوة أُخرى ضمن محاولات إدارة قطاع المياه لكنها جاءت متأخرة جداً، وستحل الشركة بدلاً من دائرة مياه الضفة التي كانت تعاني كثيراً من المشكلات التي تعيق عملها بحسب العتيلي، الذي أضاف أنه "على الرغم امتلاك الدائرة وإدارتها بعض الآبار لكن الكمية المستخرجة لم تكن تتجاوز 15 مليون متر مكعب سنوياً، في وقت كان لدى المواطنين كميات من المياه أكثر من الحكومة، وهو ما كان يضطر الحكومة إلى الشراء منهم."

وتابع العتيلي أن دائرة مياه الضفة كانت بحالة شلل بسبب مشكلات إدارية، إذ كان يعمل فيها كادران من الموظفين أحدهما يتبع للإدارة المدنية الإسرائيلية، وآخر يتبع للحكومة الفلسطينية، ولم يتم تحويل كادر الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية كما حدث في بقية الوزارات مع قدوم السلطة، بسبب ربط قضية المياه بقضايا الوضع النهائي.

وأوضح العتيلي أنه جرت محاولات لحل هذه المشكلة في سنة 2011 من خلال تسوية أوضاع الموظفين التابعين للإدارة المدنية، لكن لم يوافق على تلك التسوية التي ضمنت رواتبهم وحقوقهم سوى 15 من أصل 80 موظفاً، نظراً إلى فرق الرواتب بين الحكومة والإدارة المدينة، بينما كان هناك 120 موظفاً لدى الحكومة، وقد أدّت الإشكاليات بين الموظفين إلى شلل عمل الدائرة طيلة السنوات الماضية، وهذا ما أثر في الإشراف على الآبار، مضيفاً "على سبيل المثال في سنة 2009 كان لدى الدائرة 9 آبار متعطلة من أصل 11 بئراً في منطقة بيت لحم."

وتعوّل الحكومة على الشركة الوطنية لمساعدتها في خفض الاستنزاف المالي لأموال المقاصة من جانب إسرائيل ثمناً للمياه، عبر تقليل الخسائر من خلال تحسين جباية أثمان المياه، وصيانة الشركة لشبكة المياه وخطوط النقل من المياه. وبحسب سلطة المياه فإن نسبة فاقد المياه في فلسطين تبلغ قرابة 30%، وتتم على مستوى الخطوط الناقلة والتوزيع داخل البلدات والقرى، بالإضافة إلى السرقات. 

وقال العتيلي إن مهمة الشركة ستكون تقليل الخسائر من خلال تحسين الجباية ولذلك قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة للنظر في مديونية المياه، كما سيتم بعد ذلك تسوية سعر تعرفة المياه وتحديده، ومعالجة الفاقد من المياه الذي يتم شراؤه من إسرائيل، لافتاً إلى أن الفاقد الذي يتراوح بين 30 – 40 % يذهب جزء منه سرقات وجزء آخر يتم هدره في الأرض بسبب تسريبات وخلل في الشبكات وخطوط النقل وهذه مهمة ستكون على عاتق الشركة.

بلغت ديون دائرة مياه الضفة الغربية، المسؤولة عن شراء المياه من شركة "ميكوروت"، وتوزيعها على البلديات قرابة مليار و300 مليون شيقل، بسبب عدم دفع الهيئات المحلية الفواتير الشهرية أو أجزاء منها، وتخصيص جزء من تلك الأموال للإنفاق على نفسها، إلى جانب عدم التزام بعض المواطنين بدفع فواتير المياه. بينما بلغت فواتير المياه والديون على المواطنين لمصلحة البلديات والهيئات المحلية قرابة مليار و600 مليون شيقل في الضفة وغزة، بينما تقتطع إسرائيل ما بين 111- 150 مليون شيقل سنوياً من أموال المقاصة، تحت حجج معالجة مياه الصرف الصحي التي تدخل من الضفة إلى فلسطين المحتلة سنة 1948، ونتيجة عدم تدقيق الفواتير. 

سيشكل تحديد أسعار تعرفة المياه إحدى القضايا الرئيسية أمام الشركة، نظراً إلى تفاوت سعر المياه بين محافظة وأُخرى، وحصة المواطن من المياه بين منطقة وأُخرى، فعلى سبيل المثال فإن كوب المياه في رام الله أغلى أربعة أضعاف من قلقيلية وطولكرم، نظراً إلى توفر مصادر مياه وآبار لدى المواطنين. 

وبعيداً عن الجانب التنفيذي الذي ستقوم به الشركة، فإن الحكومة وإن كانت تريد إدارة قطاع المياه بطريقة أفضل، فإن ذلك القطاع لا تزال العلاقة به منوطة ومرتبطة بإسرائيل دون القدرة على الخروج من التبعية لها وتحديداً في القطاعات الاستراتيجية الرئيسية مثل المياه والطاقة على سبيل المثال.

وتعتمد السلطة الفلسطينية على إسرائيل في تزودها بالمياه، كما هي الحال في القطاعات الرئيسية كالوقود والكهرباء، إذ تشتري السلطة الفلسطينية المياه من إسرائيل لتلبية الحاجات المتزايدة للمواطنين. وجرّاء تحكمها المطلق بالموارد المائية، فإن إسرائيل تستغل قرابة 85% من موارد المياه في الضفة. 

ولعل أحد خطايا المفاوض الفلسطيني في أثناء إبرام اتفاق أوسلو ترحيل ملف المياه إلى جانب ملفات أُخرى مثل اللاجئين والقدس والأراضي إلى ما بات يعرف بقضايا الوضع النهائي، وهو ما أطلق العنان لإسرائيل خلال السنوات الماضية لنهب الأرض وتعزيز المستعمرات وضخ المياه لها من فوق طاولة المفاوضات وتحتها.

وبحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء وسلطة المياه في سنة 2015 فإن متوسط نصيب الفرد الفلسطيني من المياه هو أقل بسبع مرات مما يحصل عليه كل مستوطن "إسرائيلي" في الضفة.

وشهدت الأشهر الماضية قيام شركة ميكوروت الإسرائيلية بتنفيذ مشروع جديد هو عبارة عن خط مياه ناقل يبدأ في الداخل المحتل ويمر من قرى وبلدات شمال الضفة، ليغذي المستعمرات المقامة في شمال الضفة بالمياه، في خطوة تنفيذية تمهد لإعلان حكومة الاحتلال مخطط الضم.

 وفي الوقت الذي تواصل حكومات الاحتلال المتعاقبة تنفيذ مخططاتها الناهبة للأرض وما فوقها وأسفلها، فإن السلطة الفلسطينية تحاول إدارة القطاعات الحيوية الفلسطينية في إطار ضيق مرتبط بإسرائيل وليس بعيداً عنها. وما قطاع المياه إلاّ كغيره من القطاعات المهمة مثل الطاقة والكهرباء، وبالتالي فإن استمرار سيطرة إسرائيل على مياه الفلسطينيين وتحكمها في الشريان الذي يبقيهم في قيد الحياة، يعزز تلك التبعية، وهناك حاجة إلى تفكير رسمي وشعبي للتخلص ما أمكن من التبعية لإسرائيل فيما يتعلق بالمياه، وطرح حلول خلاقة تعطي الفلسطينيين ولو قليلاً من السيطرة على زمام الأمور.  

عن المؤلف: 

أحمد ملحم: كاتب صحافي من رام الله.