عندما يكون التطبيع مكافأة للمعتدي!
التاريخ: 
07/09/2020

قبل البدء بنقاش التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال، ثمة أهمية لاستبعاد رأي المتهافتين المنحازين لدولة الاحتلال بمعزل عن انتهاكاتها وجرائمها وبمسوغات تفتقد إلى عالم المعارف والمعلومات والوقائع، وتفتقد إلى معايير وضوابط قانونية وإنسانية وأخلاقية. هؤلاء يسيؤون إلى شعوبهم قبل الإساءة إلى الشعب الفلسطيني ويقدمون نموذجاً عن حالة الانحطاط السياسي وبؤس الحل المطروح. على سبيل المثال لا يمكن نقاش مَن يتبنى الرواية التاريخية لعتاة المتزمتين المستوطنين، ولا الذين يتبنون الرواية السياسية الإسرائيلية وجماعة "فلسطين ليست قضيتي" وغيرهم، وفي المقابل لا يمكن نقاش فلسطينيين اكتفوا بتوزيع اتهامات الخيانة. هذه المواقف تعبر عن خطاب شعبوي يحرض على الكراهية ويحول الاتفاق محط خلاف عميق إلى قضايا صغيرة من نوع "نكران الجميل"، "والسيادة" وغير ذلك. للأسف في غياب السجال السياسي العميق والمسؤول، الناجم عن استنكاف نسبة كبيرة من المستوى الثقافي الفني الأكاديمي العربي والفلسطيني بصورة خاصة، عن الإدلاء برأيها، وفي غياب حرية التعبير ومعاقبة كل معارض للاتفاق، تسود حالة من الاحتقان الذي يجد متنفساً له في الاستقطاب الشعبوي البائس وشديد الضرر بالشعوب العربية وقضاياها المشتركة والخاصة. الاتفاق الثلاثي لا يخص الدول الثلاثة وحدها وإنما يخص الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى الذي من حقه الدفاع عن حقوقه الوطنية، ورفض كل ما من شأنه المس بها، وبحقه المشروع في تقرير مصيره من دون وصاية أو تدخل، وبحقه في رفض أي دعم وأي غطاء لدولة الاحتلال المتنكرة لحقوقه الوطنية والمدنية والسياسية.

تجارب غير ملهمة في التطبيع

"التجربة أعظم برهان" ولدى العالم العربي تجارب عديدة في مجال التطبيع واتفاقات "السلام" مع إسرائيل. السؤال، هل التجارب السابقة مشجعة لانضمام دول أُخرى إلى ركب التطبيع مع دولة الاحتلال؟ تقول تجربة كامب ديفيد المصرية أن نتائجها خلال أربعة عقود كانت على النقيض من الوعد بتحويل مصر إلى أرض السمن والعسل. سياسياً، عادت سيناء بشروط أمنية مهينة منعت دخول الجيش المصري إلى مناطق واسعة من سيناء، ولم تسمح له بامتلاك سلاح ثقيل وهو ما أدى إلى تحول سيناء إلى قواعد للإرهاب والاتجار بالمخدرات وكل أشكال التهريب. والأخطر أن مصر خسرت دورها ومكانتها الإقليمية العربية والأفريقية وأصبحت من أضعف دول الإقليم حضوراً سياسياً ولم يعد لها تأثير يذكر في القرار العربي والإقليمي. ولم تحترم إسرائيل الحل الذي قدمته مصر لحل القضية الفلسطينية بسقف حكم ذاتي. وفي هذا يقول الكاتب المصري أسامة الغزالي حرب أنه ما لبثت التطورات أن أنهت عملياً أي بعد عربي لعملية السلام، وبالعكس أمعنت إسرائيل في بناء المستعمرات في الضفة والقطاع، واتخذت قراراً بتوحيد القدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل سنة 1980، وضربت المفاعل النووي العراقي سنة 1981، واجتاحت لبنان وقضت على وجود منظمة التحرير فيه في سنة 1982.[1]  باختصار كان موقف إسرائيل واضحاً ولا يقبل الالتباس، ويتمثل في إخراج مصر من الصراع والاستفراد بالشعوب والدول العربية، وخصوصاً إعلان حرب لا هوادة فيها ضد الشعب الفلسطيني، وكل ذلك باسم السلام. اقتصادياً، أرادت مصر الخلاص من الحرب التي أنهكتها وذلك بتحويل المبالغ الضخمة "المخصصة للحرب، 20% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2%"[2]  لمصلحة التنمية الاقتصادية والبشرية. وعلى الرغم من ذلك تشير الأرقام إلى أن الدين العام المحلي لمصر بلغ 270 مليار دولار يمثل 69% من الناتج المحلي. في حين بلغ الدين العام الخارجي 112.6 مليار دولار يمثل 33% من الناتج المحلي، ليشكل الدين العام الكلي ما نسبته 86% من الناتج المحلي في نهاية العام المالي الحالي، وتبلغ إجمالي فوائد خدمة الدين العام 35.3 مليار دولار.[3]  وتشير الأرقام إلى دخول مصر في علاقات تبعية سياسية واقتصادية وأمنية وما ترتب على ذلك من أزمات خانقة. ويلاحظ تراجع مصر في مختلف المجالات في عهد السلام، وقد دفع الشعب المصري ثمن ذلك بانخفاض مستوى الدخل وبارتفاع نسبة البطالة، وأصبح ما نسبته 32.5% من المصريين تحت خط الفقر، بحسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.[4]

ولم يمض طويل وقت قبل أن يكتشف الشعب المصري زيف السلام الأمر الذي أدى إلى تنامي الرفض الشعبي لإسرائيل وللعلاقة معها. فقد بادرت أحزاب ونقابات عمالية واتحادات مهنية للمحامين والصحافيين والأطباء وهيئات ثقافية وهيئات تدريس إلى مقاطعة إسرائيل، وتشكلت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، واللجنة القومية لمناصرة شعبي فلسطين ولبنان، ولجنة الدفاع عن الاقتصاد القومي، ولجنة مقاطعة السينما الصهيونية، ولجنة مناهضة الصهيونية.[5]  أسقط الشعب المصري التطبيع معه كشعب، وكان المثل الأبرز منع إسرائيل من المشاركة في معرض القاهرة للكتاب، وإصدار المرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية فتاوى بمنع زيارة دولة الاحتلال لدواعي الحج والصلاة. وكانت النتيجة الإجمالية لا سلام مع مصر ولا ازدهار ولا استقرار فيها، وحروب في جوارها.

 لا تختلف تجربة اتفاقات وادي عربة مع الأردن عن تجربة كامب ديفيد المصرية. سياسياً، جرى فصل الحل مع الأردن عن حل القضية الفلسطينية، وكذلك عن حل قضية الجولان، فقد فاقمت الإجراءات الإسرائيلية الصراع مع الشعب الفلسطيني، وسرعان ما تحول السلام الأردني مع إسرائيل إلى سلام بارد. سلام اقتصر على اتفاق الحكومتين، بينما رفضه الشعب الأردني الذي سرعان ما نزع الثقة وكشف كذب الادعاءات الإسرائيلية. وعانى الأردن أزمات اقتصادية متلاحقة فاقمت ديون البلد المحلية والخارجية التي تراكمت في عهد السلام وناهزت في سنة 2019 الـ 40.8 مليار دولار، أي ما نسبته 92.6 % من الناتج المحلي الإجمالي.[6]  وتعاملت إسرائيل مع الأردن كممر مناسب لصادراتها باتجاه دول الخليج وأسواق عربية وإسلامية مستخدمة التلاعب. أرادت إسرائيل التحكم بالعلاقات الاقتصادية التجارية من دون الحاجة إلى البحث عن حلول سياسية، وهي تعيد إنتاج علاقات السيطرة والهيمنة على مصادر الطاقة لتزيد من رهن سيادة "الشركاء."[7]  وتقول وزيرة السياحة الأردنية السابقة إن السياح الإسرائيليين لا ينفقون فلساً واحداً في الأردن، فقط يتركون لنا مخلفاتهم. ويتعاملون مع موقع النبي هارون كموقع ديني لا كموقع أثري ويمارسون فيه طقوساً دينية باستخدام ملابسهم الدينية خلافاً للتعاليم الأردنية، وأكدت الوزيرة مشاهدة كثير من الإسرائيليين يدفنون قطعاً تبدو أثرية عليها كتابات عبرية في مواقع عديدة مثل وادي بن حمّاد في الكرك والبتراء وطبقة فحل. وقالت، "قبضنا عليهم بالجرم المشهود"، وأضافت: "هم يريدون إقناع العالم بأن أي مكان مروا به ولو لليلتين في غابر الأزمان هو من حقهم.[8]  ويلاحظ أن إسرائيل تتعامل بعقلية الهيمنة والاستئثار الاستعماريين إضافة إلى الأطماع والاستفراد بكل طرف على حدة. وقد جاءت عملية قتل مواطنيَن أردنييَن على يد حارس السفارة الإسرائيلية، وقتل القاضي الأردني رائد زعيتر في أثناء زيارته الأراضي المحتلة لتقدم الغطرسة الإسرائيلية على حقيقتها. وقد ولّدت السياسات الإسرائيلية رأياً عاماً أردنياً مطالباً بإلغاء معاهدة وادي عربة، وكان من نتائج استمرار الاحتقان في الشارع الأردني إعلان الملك عبد الله الثاني، بتاريخ 10/11/2019، انتهاء العمل بملحَقَيْ الباقورة والغمر، وإعادة السيطرة الأردنية على المنطقتين.

طبعاً، التجربة الفلسطينية في صناعة السلام كانت الأسوأ بما لا يقاس، وتكفي الإشارة إلى نتائجها التي عبّرت عنها صفقة القرن وبرنامج معسكر اليمين واليمين المتزمت و"قانون القومية" وضم القدس واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، وشطب حقوق اللاجئين، ونقل 700 ألف مستوطن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وتشريع الاستيطان، وحق إسرائيل في ضم غور الأردن و30% من أراضي الضفة، وفرض السيادة الاستعمارية الإسرائيلية على فلسطين الوطن والشعب، ووضعه في بنتوستونات وحكم أبارتهايد، وقرصنة أموال الضرائب وفرض حصار خانق على قطاع غزة، واستمرار عمليات القمع وهدم المنازل والاعتقال ومصادرة الأراضي والتنكر لأبسط حقوق الإنسان.

الإمارات تغير قواعد العمل السياسي

لا بد من تحديد معايير ومبادئ في الحكم على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأميركي، وهي بالتأكيد معايير ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذي يشمل (القانون الدولي والاتفاقات والمعاهدات والقرارات) التي تُعتبر ناظماً للدول والشعوب في أثناء الحرب والسلم. ولمّا كانت دولة الإمارات عضواً في الأمم المتحدة فإنها ملزمة بتلك المنظومة عندما تكون بصدد إبرام اتفاقاتها الإقليمية والدولية. الطرف الوحيد الذي لا يلتزم بالقانون الدولي هو دولة إسرائيل ومعها إدارة ترامب وبعض الدول الأُخرى التي ترأسها أحزاب عنصرية أو تابعة للسياسة الأميركية والإسرائيلية، وهي أقلية ضئيلة من الدول التي استبدلت ميثاق الأمم المتحدة بمرجعية (أيديولوجيا دينية متزمتة) وبغطرسة المال والقوة، تحدد حقوق هذا الشعب وتشطب حقوق شعب آخر، وتعتبر هذا النظام أو ذاك مارقاً وداعماً للإرهاب أو على النقيض من ذلك إذا ما خنع للشروط. المقياس الوحيد هو المصالح التي تعزز الهيمنة الاستعمارية. ولا أظن أن أي شخص عقلاني عربي وإماراتي وفلسطيني وفي أي مكان يقبل بأن تصطف أي دولة عربية كالإمارات وغيرها من الدول إلى جانب حكومة استعمارية عنصرية تدوس على القانون الدولي وتشطب حقوق شعب آخر، ويقبل بأن تستجيب لمواقف وسياسات إدارة ترامب التي تدافع عن الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وتستخدم نفوذها في فرض إسرائيل شرطياً يحتكر السيطرة الإقليمية. لم تكترث إسرائيل وأميركا للجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب السوري من مختلف الأطراف، ولا بمصيره الكارثي، المهم بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية وتعزيزها، حتى لو اقتضى ذلك دعم تنظيم النصرة – القاعدة سابقاً-. يُذكر أنه في أثناء الانتفاضات العربية أعلن أكثر من مسؤول إسرائيل أنه يفضل نظاماً استبدادياً على تغيير ديمقراطي يطرح اتفاقاتها وإملاءاتها على بساط البحث، والآن تعمل إدارتا ترامب ونتنياهو على تبييض وتثبيت نظام البشير السوداني الذي ما زال يحكم بعد إقصاء رمزه الأول، ويسعيان الآن لإبرام صفقة معه تقضي بتبرئته من تهمة دعم وممارسة الإرهاب ورفع العقوبات والحصار عنه إذا ما أبرم اتفاق "سلام" مع إسرائيل. ولا أحد يقبل استخدام الاتفاق مع الإمارات والصفقة مع العسكر في السودان ومؤتمرات تطبيع في السياق ذاته، كدعاية انتخابية لترامب وكإنجاز يحمي نتنياهو من المحاكمة والفشل الداخلي، فضلاً عن الربح الوفير والهيمنة.     

 قد يقول إماراتيون وخليجيون نحن لم نتراجع عن حقوق الشعب الفلسطيني المعرّفة في القرارات الدولية والعربية. كل فلسطيني يتمنى ذلك، لكن هل يمكن الجمع بين الالتزام بحقوق الضحية (فلسطين)، والتحالف مع الجلاد (إسرائيل) في الوقت نفسه؟ هل يمكن الالتزام بحقوق الضحية، والتحالف مع من يدمر أو يشطب تلك الحقوق؟ كيف يمكن التعايش مع عدالة قضية فلسطين وطريق تحررها، ومع لا عدالة وظلم الاحتلال الناهب للأرض وكل الموارد، والذي يدوس على حق تقرير المصير وحقوق الإنسان الفلسطيني عبر (أبارتهايد) يُعد وصمة عار في جبين الإنسانية. وبحسب القانون الدولي ومبادئ المحكمة الدولية فإن النظام الاستعماري العنصري الإسرائيلي من المفترض أن يقاطَع ويعاقَب ويحاكَم على جرائم الحرب التي ارتكبها، وبحسب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأميركي، فإن هذا النظام يكافأ ويشجع على الاستمرار في سياساته العدوانية. هذا ما قاله نتنياهو الذي استبدل مبدأ (السلام في مقابل الأرض) بمبدأ (السلام مقابل السلام) وما يعنيه ذلك من بقاء الاحتلال وضم الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، وواقع الحال السلام للاحتلال والحرب على الشعب الفلسطيني في مقابل سلام الدولة التي تبرم الاتفاق. وفي الحالة الإماراتية فهي بلد لا يحتاج إلى هذا "السلام" الأميركي الإسرائيلي، ولا يحتاج إلى وضع أمواله تحت رحمة الأطماع الأميركية الإسرائيلية. الإمارات دولة سيدة وهي التي تقرر، ليس في ذلك خلاف، لكن هناك فرق في القرار السيادي الذي يضع هذه الدولة في خندق المتوحشين والمستعمرين، والقرار الذي يضعها في خندق الشعوب والتحرر والعدالة وحقوق الإنسان.

الافتقاد إلى أساس قانوني

الإمارات باتفاقها تناقضت مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون، وميثاق جامعة الدول العربية وقرارات القمم العربية، فهل كان قرارها منسجماً مع دستور دولة الإمارات. يقول ناشطون إماراتيون وقعوا بياناً ضد الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية: "الاتفاقية تنقض ما نصت عليه المادة 12 من الدستور الإماراتي، التي تقول: "تستهدف سياسة الاتحاد الخارجية نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق الدولية المثلى." ويضيف البيان: "وتتجاهل الاتفاقية القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 1972 بشأن مقاطعة إسرائيل،"[9]  الذي تنص المادة (1) منه على حظر إبرام صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته. "وتعتبر الشركات والمنشآت أياً كانت جنسيتها التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم." وجاء في المادة (2): "يحظر دخول أو تبادل أو حيازة البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بكافة أنواعها كما يحظر الاتجار فيها بأية صورة." والمادة (6): "يعاقب كل من يخالف أياً من أحكام المواد (1)، (2)، (3) بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز عشر سنوات". والمادة (13): "تلغى القوانين والمراسيم والقرارات المخالفة لأحكام هذا القانون."[10]

الاندفاع بسبب الخوف   

في غياب المسوغين السياسي والقانوني، ما الذي دفع دولة الإمارات ودول أُخرى إلى إعلان تحالفها مع إسرائيل؟ هل يوجد تهديد حقيقي عنوانه إيران والإخوان المسلمين؟ مهما قيل عن الهلال الشيعي والخطر الذي يشكله، فإن إيران وأذرعها أخفقت في سورية ولولا التدخل الروسي لانهار النظام السوري. أمّا في البحرين فجرى الحسم لمصلحة النظام والحلف الخليجي، وفي اليمن بات ميزان القوى لمصلحة قوى التحالف الخليجي حتى من دون حسم عسكري، بينما يغرق العراق في ازدواجية السلطة ما بين إيران وأميركا. بهذا المستوى لا يوجد خطر جدي إيراني داهم يستدعي هرولة الإمارات ودول أُخرى نحو إسرائيل، فضلاً عن الحماية التي تؤمنها القواعد والأساطيل الأميركية لدول الخليج. وبالنسبة إلى الإخوان المسلمين، فالحركة هُزمت في مصر ومحاصرة في غزة، وكانت في موقع دفاعي في ليبيا ولا تستطيع تركيا إعادتها إلى الواجهة في المدى المباشر والمتوسط. إذاً، في غياب خطر داهم لماذا أقدمت الإمارات على التحالف مع دولة الاحتلال؟ لم يبقَ إلاّ الخوف من التغيير الذي طرحه الربيع العربي، واستعداد الولايات المتحدة للتغيير باستبدال رموز وعائلات برموز جديدة في سياق إعادة بناء السيطرة وعلاقات التبعية وقطع الطريق على التغيير الديمقراطي الذي كان محتملاً في أثناء اندلاع الانتفاضات الشعبية السلمية العربية. الخوف دفع الدول الخليجية إلى إنقاذ النظام المستهدف بدعم مالي كبير، وبالانحياز إلى المرشح الجمهوري ترامب الذي يهمه المال وإسرائيل فقط، وسارعت إلى إعلان دعمها له بمئات المليارات، وإلى إبرام صفقات السلاح بعشرات المليارات، وتسخير النفط لهذه الغاية، وتأييد مشروعه السياسي المسمى صفقة القرن. إلاّ إن خشية هذه الأنظمة من سقوط ترامب في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، دفعها إلى الهرولة للتحالف مع إسرائيل كضمانة أقوى للبقاء. ومن هنا خرج الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في هذا التوقيت والاندفاع والحماس. غير أن التجارب السابقة في العلاقة مع إسرائيل، والأزمات الحادة التي تعيشها شعوب المنطقة والتي تحتمل الانفجار والانتفاض من أجل التغيير والحرية والكرامة والخبز، تحتمل تغيير قواعد اللعبة السياسية بما لا يأتي على هوى المتعاقدين على التحالف غير المقدس الجديد.   

 

[1]  أسامة الغزالي حرب، "الأعوام العشرة الأولى للعلاقات المصرية الإسرائيلية، تحليل وتقويم"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 1 (شتاء 1990)، ص 86.

[2]  ديفيد ماكوفسكي، "استعراض مكاسب مصر من معاهدة السلام مع إسرائيل"، معهد واشنطن.

[3] https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/videos/2020/06/29/%D9%87%D8%B0%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1

[4]  "معدل الفقر في مصر يرتفع إلى 32.5 في المئة من عدد السكان"، 30 تموز/ يوليو 2019.

[5]  الغزالي حرب، مصدر سبق ذكره.

[6] https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/economy/2020/04/27/%

[7]  هنادي قواسمة، "23 عاماً من التطبيع الاقتصادي: تاريخ مختصر للعلاقات الاقتصادية بين الأردن و'إسرائيل"، موقع "حبر"  20/4/2017.

[8] وزيرة أردنية سابقة، "شكاوى الإسرائيليين أخرجتني من الحكومة" 3/8/2019.

[9] بيان مشترك من ناشطين إماراتيين ضد تطبيع حكومة الإمارات مع الكيان الصهيوني.

[10] شبكة قوانين الشرق.

عن المؤلف: 

مهند عبد الحميد: صحفي وباحث يعيش في رام الله.