فارسات الحلم
التاريخ: 
26/08/2020
المؤلف: 
ملف خاص: 

مشاهد غير عادية

في عيد الأم

دخلت دنيا ابنتي، التي لم تتجاوز التسعة أعوام لزيارتي وعينيها تملؤهما الدموع، كان صوت بكائها عالياً، بكت بأعلى صوتها وكانت تشهق من شدة البكاء ومبعث الحسرة لها. تأثرت كثيراً من بكائها الذي سيطر عليَّ، حتى إن جميع الأسيرات في قاعة الزيارات وعائلاتهن من الجهة المقابلة أسرهم بكاؤها الذي لا يتوقف.

 تساءلت ما سبب بكائها فلم يجبني أحد. قبّلتها عبر الزجاج الفاصل بيننا، في محاولة لتهدئتها وكفكفة دموعها التي لا تطالها يدي. سعيت لمعرفة سبب حزنها وضيقها. فلم يجبني أحد من موقع العائلات.

هي وحدها كانت تعرف سرّ بكائها، وبصوت فيه من البحّة الحزينة والحشرجة قالت لي: "أخذوا مني الوردة اللي جبتلك إياها عشان اليوم عيد الأم .... كل عام وأنتِ بخير يمّا.."

بكى قلبي حزناً وفرحاً، وما كان مني إلاّ أن هدأت من روعها وطلبت منها أن تبتسم. ومَن مثل الطفلة قادرة بطيبتها على التحول من البكاء إلى الضحك؟

قلت لها: "هذا هو الاحتلال يا ابنتي صادر الوردة. خوفه ليس فقط من البشر وإنما من الورد والشجر. هذه هي ديمقراطية إسرائيل وهذا تعاملهم مع الأطفال، وبالنسبة لي اعتبري الوردة وصلت وإنتِ أحلى من كل الورد" وابتسمنا سوية ..

                                                                             قصة ق.س

                                                                          *سجن الشارون

 * يقع سجن الشارون في مركز الداخل الفلسطيني

 يوم ميلاده .. يوم فقدانه

"يا ريتك يمّا تبقى صغير وما تكبر" .. خاطبته مودعة إلى أن غاب عن أنظارها وهي تعلم أنها آخر زيارة له، وخلافاً لطبيعة الأمومة التي تفرح لنمو طفلها بكت وناحت وكما قال المثل "حطت الحزن بالجرة".  سيكبر ابني غداً، فغداً عيد ميلاده السادس عشر، ويوم ميلاده هو يوم فقدانه في لغة السجون!!

ملاحظة:

عندما يبلغ الطفل سن السادسة عشرة يحرمونه زيارة أمه بادعاءات أمنية، مرات بحجة ما يسمى "رفض أمني" من ما يسمى "الجهات الأمنية" أي الاستخبارات، وأحياناً يُسمح له بدخول السجن والزيارة، لكن جيش الاحتلال يصدر أمراً بمنعه من عبور الحاجز.. تعددت الأسباب والحرمان واحد.

                                                                             قصة: ق.س

                                                                              سجن الشارون

 خطوبة من دون عروسين

على الرغم من القيود تواصلت القلوب، فالقلوب حين تلتقي تكون أقوى من القيد والسجان، أحبا بعضهما وارتبطا عبر الرسائل والصور إذ إن كل واحد منهما في سجن مختلف. كما سائر الفتيات كان حلمها أن تلبس ثوب الفرح يوم عقد قرانها وأن تراقص خطيبها متشابكي الأيدي، إلاّ إن أحلامها تكسرت عندما اصطدمت بواقع أسلاك السجن الشائكة.

في السجن لا يوجد مستحيل وقد صمما على أن يفرحا ما استطاعا إليه سبيلا.. أُقيم حفل عقد القران عند الأهل من دون العروسين، أمّا رفيقات العروس في السجن فقد احتفلن بها على طريقتهن ضمن الإمكانات المتاحة والمسموحة ليدخلن الفرح إلى قلبها..

ثماني سنوات مضت ولم تحظ بلمسة يد حنونة ولم تسمع بأذنها كلمة "أحبك".." كيف لها أن تسمعها والسجان يحول دون ذلك.. طلبات متكررة تقدمت بها إلى إدارة السجن للقاء كونهما زوجين تم رفضها جميعها، لكنها لم تيأس ولم تستسلم لتعود وتكرر الطلب بين الحين والآخر.

بعد طول انتظار وأمل لا يخبو للحظة تم السماح لهما باللقاء، حلق قلبها طرباً وعاشت نشوة الخيال الندي، فلم تنم ليلتها..حلمت بأدق التفصيلات للقاء عاشقين، كيف وماذا ستقول وماذا ستسمع؟ في صبيحة يوم الزيارة جهزت نفسها للقاء حبيبها بل زوجها الشرعي وعند اللقاء مُنِعت يداها اللتان تتوقان شوقاً وحرماناً من ملامسة يديه، وكان الزجاج يفصل بينهما وسجانهما يسترق السمع لما يدور بينهما من حديث ....

                                                                             قصة أ.ت

سجن الشارون

ملاحظة:

تسمح إدارة السجون الإسرائيلية للسجين الجنائي بأن يعقد قرانه ويتزوج وينجب الأطفال وهو في السجن، أمّا الأسير السياسي فيحرم من ذلك بدواعي أمنية..

انظر:  "التماس سجناء (المحكمة المركزية في الناصرة) 609/08 وليد دقّة ضد إدارة مصلحة السجون"؛ إذن التماس لمحكمة العدل العليا، دقة ضد إدارة مصلحة السجون (قرار بتاريخ 5.12.2010)" https://www.adalah.org/ar/content/view/105

 سماء من دون أسلاك

"طلبني مدير السجن أنا وممثلة الأسيرات للحديث عن عدد من المسائل التي تتعلق بظروفنا الحياتية. إنها أول مرة نصعد إلى مكتبه.

عندما رأيت الدنيا بفضائها الواسع، السماء من دون أسلاك، التفتّ فرأيت البحر فأجهشت بالبكاء، فهذه أول مرة منذ أربع سنوات ونصف السنة أرى السماء من دون أسلاك، وأول مرة في حياتي  أرى البحر ...."

                                                                     قصة الأسيرة: ي.س

*سجن الدامون

* يقع سجن الدامون على سفوح جبل الكرمل بالقرب من حيفا

عن المؤلف: 

حنان خطيب: محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين.