اتفاق لم يكن مفاجئاً، لكنه شكّل طعنة للفلسطينيين
التاريخ: 
14/08/2020
المؤلف: 

"إنه تقدم كبير" و "اختراق هائل" غرّد دونالد ترامب على صفحته على "تويتر" البارحة، واصفاً اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات بأنه "اتفاق سلام تاريخي بين صديقينا الكبيرين". بينما صرّح وزير خارجيته مايك بومبيو بأن الاتفاق يمثّل "تقدماً باهراً لدولتين تعتبران من الدول الطليعية والأكثر تقدماً على المستوى التكنولوجي في العالم"، وأضاف أن "الولايات المتحدة تأمل بأن تكون هذه الخطوة الجريئة الخطوة الأولى على طريق التوصل إلى اتفاقات تنهي 72 عاماً من النزاعات في المنطقة"، منهياً تصريحه بالقول: "مبارك لصانعي السلام" باللغتين العربية والعبرية.

الاتفاق لم يكن مفاجأة

والواقع، أن هذا الاتفاق، الذي أُنجز من خلال اتصالات هاتفية بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو ومحمد بن زايد، لم يكن مفاجئاً لكثير من المراقبين الذين تابعوا تطور العلاقات بين إسرائيل، من جهة، ودولة الإمارات، من جهة ثانية، والتي كانت تتعمق أكثر فأكثر وتنحو في اتجاه تطبيع العلاقات بين الدولتين.

فمنذ منتصف شباط/فبراير 2017، وخلال زيارته الأولى إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، صرّح بنيامين نتنياهو بالآتي: "إن بلدانًا  في المنطقة العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً، وإنما ترى فيها، أكثر فأكثر، حليفاً". أما وزير الطاقة في حكومته يوفال شتاينتز فقد صرّح، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، لإذاعة الجيش الإسرائيلي بما يلي: "لدينا علاقات مع دول إسلامية وعربية جانب منها سري بالفعل، ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها، الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات، ونحن نحترم رغبة الطرف الآخر". وفي 27 أيلول/سبتمبر 2018، قال بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن الاتفاق النووي مع إيران "قرّب أكثر من أي وقت مضى إسرائيل من دول عربية عدة، باتت اليوم أقرب إلى إسرائيل، على أساس [علاقات] حميمة وصداقة لم أكن أتصورها طوال حياتي، ولم يكن في مقدور أحد تخيّلها قبل سنوات"، وأضاف: "آمل أن تصل إسرائيل في يوم قريب إلى توسيع نطاق السلام، السلام الرسمي، ليتجاوز مصر والأردن ويشمل جيراناً عرباً آخرين". وفي تصريح لاحق له، قال: "لقد اعتقدنا دوماً أننا سنفتح أبواب السلام مع العالم العربي بمعناه الواسع عندما نجد حلاً للقضية الفلسطينية...لكن لعل من الصحيح أننا إذا ما انفتحنا على العالم العربي وطبّعنا العلاقات مع دوله، فهذا سيفضي في نهاية الأمر إلى فتح باب الصلح والسلام مع الفلسطينيين".

ولم يمضِ سوى شهر على خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة حتى كانت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية آنذاك ميري ريغف، المتحدثة السابقة باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، تقوم بزيارة أبو ظبي، على هامش بطولة عالمية للجودو، وعندما فاز أحد اللاعبين الإسرائيليين بميدالية ذهبية وعُزف "السلام الوطني" الإسرائيلي، سالت الدموع من عينَي الوزيرة، وقالت بين زفرتين: "لقد صنعنا التاريخ". وتعليقاً على تلك الزيارة، كتب الحاخام مارك شنيير، الذي يتردد على دول المنطقة، ما يلي: "بعد أن أصبح التقارب بين إسرائيل ودول الخليج مكشوفاً، يبقى الأمر الخفي الوحيد هو معرفة من هي، من بين هذه الدول، الدولة الأولى التي ستتجرأ على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل". وبعد أيام من زيارة ريغف، قام وزير المواصلات الإسرائيلي أيوب قرا بزيارة مدينة دبي في مناسبة انعقاد مؤتمر للأمن السيبراني، وذكر في الخطاب الذي ألقاه أمام المؤتمرين "أن السلام والأمن، فضلاً عن التقدم الاقتصادي والعلمي، هم ضمانة مستقبل الأجيال الطالعة".

وبينما كان عدد من المحللين الغربيين يتحدث عن تطور العلاقات الأمنية بين إسرائيل ودولة الإمارات، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، في عددها الصادر في 12 حزيران/يونيو 2020، مقالاً كتبه سفير دولة الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة، المعروف بتأييده تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، والذي تربطه علاقات جيدة مع السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمير، دعا فيه الحكومة الإسرائيلية إلى التخلي عن مخطط الضم، وكتب: "إن رغبتنا في الإمارات العربية المتحدة، وفي جزء كبير من العالم العربي أن نؤمن بأن إسرائيل هي فرصة وليست عدواً"، مضيفاً: "نحن نواجه كثيراً من المخاطر المشتركة، ونرى القدرة الكبيرة المحتملة في علاقات أحسن". وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه، أعلن بنيامين نتنياهو قيام تعاون "علمي" بين إسرائيل ودولة الإمارات لمواجهة جائحة كوفيد 19، مشيراً إلى أن هذا التعاون "سيشمل مجالات البحث والتنمية، والتكنولوجيا، والمجالات الكفيلة بتحسين الأوضاع الصحية في المنطقة"، وهو "نتيجة اتصالات مطوّلة ومكثفة جرت بين البلدين في الأشهر الأخيرة". وعقب هذا الإعلان، حطت طائرة تابعة لشركة "الاتحاد" الإماراتية في مطار بن غوريون بحجة نقل مساعدات طبية إلى الفلسطينيين، وهي المساعادات التي رفضت السلطة الفلسطينية تسلمها. كما وقعّت شركتان إسرائيليتان تعملان في مجال صناعة الطيران والفضاء، مملوكتان للدولة، مذكرة تفاهم مع Group 42 ، وهي شركة تكنولوجيا خاصة مقرها في أبوظبي، وذلك خلال حفل تمّ عبر الفيديو كونفرنس.

طعنة للفلسطينيين وتنكر لـ "مبادرة السلام" العربية

إذا لم يكن التوصل إلى اتفاق التطبيع هذا مفاجأة لكثير من المراقبين، فإنه شكّل طعنة للفلسطينيين وتنكراً لـبنود "مبادرة السلام" العربية لسنة 2002، التي ربطت تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل "بانسحابها الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية".

لقد زعمت دولة الإمارات أنها وافقت على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ممهدة بذلك الطريق أمام دول عربية أخرى للقيام بخطوة مماثلة، في مقابل تخلي حكومة بنيامين نتنياهو عن مخطط الضم في الضفة الغربية. فبعد إعلان دونالد ترامب عن الاتفاق "التاريخي"، غرّد محمد بن زايد على صفحته على تويتر "أنه في ضوء الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو، تم الاتفاق على وضع حد لأي ضم إضافي في الأراضي الفلسطينية". بينما صرّح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في مؤتمر صحفي عقده، بأن "معظم البلدان سيرون في الاتفاق محطة جريئة للتوصل إلى حل الدولتين، بما يسمح بإطلاق المفاوضات"، مضيفاً بأن البلدين سيفتتحان "قريباً" سفارتين. أما السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، فغرّد على صفحته على تويتر "أن إعلان اليوم هو نصر للمنطقة وللدبلوماسية"، وأضاف: "إنه تقدم على مستوى العلاقات بين إسرائيل والبلدان العربية"، مؤكداً أن الاتفاق "يحافظ على خيار الدولتين الذي تتبناه الجامعة العربية والمجتمع الدولي".

لكن بنيامين نتنياهو كذّب هذه المواقف الإماراتية، فهو اعتبر أن الاتفاق "فتح عهداً جديداً في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي"، مؤكداً أن تطبيع العلاقات مع دولة الإمارات ستكون نتيجته "تأجيل" مخطط الضم الإسرائيلي، الذي لم يتخل عنه، وأضاف: "لقد جلبت السلام، وسأحقق الضم". بينما صرّح مسؤول إسرائيلي كبير أن إسرائيل مصممة على ضم مناطق في الضفة الغربية، مضيفاً "أن إدارة ترامب طلبت منها تعليق إعلان السيادة مؤقتاً بغية البدء بوضع اتفاق السلام التاريخي مع الإمارات وضع التطبيق". والواقع، أن البيان الصادر عن الدول الثلاث، الذي أعلنه البيت الأبيض، أكد أن الزعماء الثلاثة "توافقوا على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارت بصورة كاملة، وأن هذا التقدم التاريخي سيؤدي إلى تقدم السلام في الشرق الأوسط، ويشهد على الدبلوماسية الجريئة وعلى رؤية الزعماء الثلاثة، وكذلك على شجاعة الإمارات المتحدة وإسرائيل لرسم طريق جديد يسمح بكشف الطاقات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة". وأضاف البيان "أن إسرائيل "ستعلق إعلان السيادة على مناطق في الضفة الغربية التي تطرقت إليها خطة السلام التي طرحها دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير". كما أشار البيت الأبيض إلى أن الاتفاق "سيفضي إلى تحسين وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى في البلدة القديمة في القدس"، وأن "وفدين من إسرائيل والإمارات سيجتمعان خلال الأسابيع القادمة للتوقيع على اتفاقات ثنائية تشمل الاستثمار، والسياحة، والرحلات الجوية المباشرة، والأمن، والاتصالات ومجالات أخرى. وستتبادل الدولتان السفراء قريباً".

وكان حزب "الليكود" قد علّق على الاتفاق بقوله: "إن اليسار الإسرائيلي والعالمي قال دوماً أنه لا يمكن التوصل إلى سلام بين إسرائيل والدول العربية قبل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، لكن بنيامين نتنياهو، كسر، ولأول مرة في التاريخ، هذه المقولة". أما وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، فقد دعا دولاً عربية أخرى إلى القيام بخطوة مماثلة للخطوة الإماراتية، وقال: "أرحب بهذا الاتفاق المهم والمعبّر، وأود أن أشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الصديق الحقيقي لإسرائيل، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والشيخ محمد بن زايد"، وأضاف: "أن هذا الاتفاق يظهر التحالف بين بلدان المنطقة المهتمة بالازدهار والاستقرار فيها، ويؤكد طموح إسرائيل الدائم للسلام مع جيرانها. وأنا واثق بأن هذا الاتفاق ستكون له تداعيات إيجابية عديدة على مستقبل المنطقة، وأدعو الدول العربية الأخرى إلى تحقيق التقدم في علاقاتها مع إسرائيل والتوصل معها إلى اتفاقات سلام إضافية".

وقد أدركت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الدلالة الحقيقية لهذا الاتفاق ومراميه، فأعلنت الرئاسة الفلسطينية "رفضها واستنكارها الشديدين للإعلان الثلاثي الأمريكي، الإسرائيلي، الإماراتي، المفاجئ، حول التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة"، واعتبرت في بيان ما قامت به الإمارات "خيانة"، ووصفته بـالعمل "المشين"، داعية إلى "عدم مقايضة" تعليق ضم غير شرعي للأراضي الفلسطينية بالتطبيع. كما طالبت بعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وأكد الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في بيان تلاه عبر شاشة التلفزيون الرسمي أن الاتفاق " نسف المبادرة العربية للسلام"، وهو "خيانة للقدس والأقصى وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية وعدوان على الشعب الفلسطيني".

ترامب ونتنياهو يراهنان على الاستفادة من الاتفاق

يراهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن يفضي هذا الاتفاق إلى تحسين وضعه الانتخابي، قبل ثلاثة أشهر من موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، خصوصاً بعد تراجع شعبيته نتيجة جائحة كوفيد 19 التي أصابت أكثر من خمسة ملايين أميركي وتسببت في وفاة 166000 آخرين، كما نجم عنها أضرار كبيرة للاقتصاد الأميركي؛ بيد أن هذا الرهان قد لا يكون واقعياً، على اعتبار أن الناخبين الأميركيين لا يهتمون كثيراً بسياسة بلادهم الخارجية لدى تقرير خياراتهم الانتخابية. أما بنيامين نتنياهو فهو يراهن، من جهته، على أن يساعده هذا الاتفاق على تجاوز الملاحقة القضائية التي يتعرض لها، والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تطالبه بالاستقالة نتيجة إدارته السيئة لملف جائحة كوفيد 19 وتداعياتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والخلاف الدائر بينه وبين شريكه في الحكم بني غانتس، وأن يمكنه من استعادة شعبيته التي راحت تضعف لصالح حزب "يمينا" القومي المتطرف بزعامة نفتالي بينت، التي بيّنت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه يتقدم انتخابياً بينما تتراجع قوة "الليكود" الانتخابية.

وختاماً، فقد قدّر الصحافي والمؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال، في مقال نشره على صفحته على "فيسبوك"، أن الحديث عن "اتفاق تاريخي" بين إسرائيل ودولة الإمارات فيه "مبالغة"، ذلك "أن تل أبيب وأبو ظبي تقيمان علاقات وثيقة، ولو أنها شبه رسمية، منذ سنوات عدة، ويبقى أن ننتظر كيف سيترجم هذا التطبيع بينهما، فيما يتجاوز تبادل السفراء، وخصوصاً إذا تسبب هذا الاتفاق بالتوصل إلى اتفاقات أخرى مع البحرين والسعودية"، معتبراً أن الاتفاق هو "خطوة مهمة على طريق تطبيع العالم العربي مع اسرائيل؛ ولهذا السبب كان الحكم القاسي لقادة منظمة التحرير الفلسطينية عليه".

 

المراجع