التعليم عن بعد: مستقبل يجب أن نعيشه في حاضرنا
التاريخ: 
30/03/2020

 الحال في فلسطين والعالم العربي مع أزمة الكورونا كما هو الحال في معظم دول العالم؛ فعنصر المفاجأة وتسارع الحدث أثارا أسئلة كثيرة حول كيفية استمرار الحياة في ظل هذه الأزمة، التي لا يعرف مداها الزمني وآثارها على كل مناحي الحياة .

 ولكن المذهل أن الجامعات العربية هي من أكثر المتفاجئين وأكثرهم ارتباكاً، مع أنه كان من المفروض أن يكون لدى هذه المؤسسات القدرة على استشراف أهمية التعليم الإلكتروني أكثر من غيرها، ليس في زمن الازمات بل  للتحضير والتهيؤ  للمستقبل .

في 27 نيسان/أبريل 2016 (أي قبل أربع سنوات)، نبّه أستاذ الدراسات المستقبلية في جامعة اليرموك (وهو أبرز الخبراء العرب في هذا المجال) على صفحته على الفيسبوك إلى أهمية التعليم عن بعد وانتشاره في العالم، داعياً إلى أخذه في الاعتبار. وها نحن الآن نواجه هذه المشكلة في جامعاتنا ، ونكتشف أن تطبيقه تفاوت بشكل كبير بين الجامعات الأردنية الحكومية مثلأً ( في زمن الكورونا) إلى حد أن بعضها لم يتمكن من بلوغ نسبة 40% .
وأبرز المشكلات التي ظهرت هي أن البنية التحتية، ووفرة المتطلبات من أجهزة ومعرفة لدى الكادر التعليمي  والطلاب، غير مؤهلين لاستخدام التعليم عن بعد. وكان قد برز قبل الأزمة جدال كبير في العالم العربي  بين مدرسة التعليم التقليدي والتعليم عن بعد، إلى حد أن وزيرة للتعليم العالي في إحدى الدول العربية نعتت التعليم الالكتروني " بالعبط"  علماً أن أعرق الجامعات العالمية (هارفارد ، أوكسفورد ، برنستون ، وأمستردام وغيرها ) تمنح شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه  عن طريق التعليم عن بعد .

وفي دراسة مقارنة أجرتها البروفيسور سارة جوري- روزنبلت، لمعرفة العلاقات والتوترات بين جامعات التعليم عن بعد، والجامعات التقليدية في أنظمة التعليم العالي في خمس دول       هي: المملكة المتحدة، وأسبانيا، وألمانيا وكندا وإسرائيل، عرضت  وناقشت  التطورات التي طرأت على كل واحدة من   خمس جامعات للتعليم عن بعد، نشأت في أوائل السبعينيات من القرن العشرين في تلك الدول، وذلك خلال عقدين بعد نشأتها. فأبرزت  الدراسة أوجه الشبه والاختلاف بين هذه الجامعات فيما يتعلق بالنظم الإدارية، والتمويل، والنظم الأكاديمية، والتبعية الحكومية أو الخاصة في ظل  البيئة الوطنية لكل منها، والجامعات المشار إليها هي: الجامعة البريطانية المفتوحة، والجامعة الإسبانية الوطنية للتعليم عن بعد، والجامعة الإسرائيلية المفتوحة، والجامعة الألمانية المفتوحة، وجامعة اثاباسكا الكندية. ويستخلص من التحليلات المركزة والمتعمقة الواردة في الدراسة  أن هناك سبعة اتجاهات ستفرض نفسها على الأهداف المستقبلية لجامعات التعليم عن بعد والجامعات التقليدية، وستكون بمثابة تحديات مشتركة لنوعي الجامعات. وهذه الاتجاهات هي: تعدد فئات الطلبة الملتحقين بالجامعات، ووجود أعداد كبيرة في كل فئة؛ تغير في أدوار المشرفين الأكاديميين(المحاضرين) سواء في التعليم أو الأبحاث؛ مرونة كبيرة في المناهج الأكاديمية التي تقدمها الجامعات؛ استخدام التكنولوجيا الحديثة لإيصال المعرفة للطلبة وللتواصل مع معلميهم ومع زملائهم؛ تحديد تعاقدات جديدة بين الجامعات والمجتمعات المحيطة بها؛ تنامي التعاون بين الجامعات في إنتاج المواد التعليمية والأبحاث؛ عولمة التعليم العالي، أي أن العولمة ستغزو التعليم العالي وستؤثر فيه بشدة وتوجه كثيراً من أنشطته.

خلاصة القول،  يتوجب علينا  ان لا ننتظر المفاجآت من جهة، ولا ننتظر المستقبل بل لا بد من أن نحضر المستقبل إلينا،  ونتعامل معه كواقع  ونستشرف  المستقبل لكي نعيشه بأمان. عندما قيل لأينشتين لماذا انت مشغول بالمستقبل ، أجاب لأنني سأعيش هناك.

فاجأ الكورونا الجميع ، فاتخذت جامعاتنا قرارات ارتجالية ، وكما يقول المثل الشعبي " العليق عند الغارة لا ينفع"، لذا اقترح بديلاً مؤقتاً لا سيما أن الأزمة قد تطول :
1- بعد العودة للدوام المعتاد، يتم إلغاء إجازة يوم السبت على أن يقوم الدكتور بإعطاء 3 ساعات كل يوم سبت للتعويض عن الفترة الحالية.
2- إلغاء الفصل الصيفي ودمج إجازة ما بين الفصل الثاني والصيفي مع الفصل الصيفي، ودمج إجازة ما بين الفصل الصيفي والأول للعام القادم معا، وهو ما يعوّض بقدر كبير التوقف الحالي عن التدريس، واقتصار الإجازة على يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
3- يتم تنظيم دورات إجبارية ( حضور وغياب ) لكل أعضاء هيئة التدريس، مع إيقاع العقوبات المتناسبة مع كل من يتغيب عن هذه المحاضرات بعد العودة للوضع الطبيعي .
4- أن يقوم كل دكتور بعد تخرجه من الدورات بتعيين محاضرة تجريبية للتعليم عن بُعد للتأكد من قدرته.
5- إبقاء المحاضرات في شهر رمضان القادم       المدة نفسها  التي تستغرقها المحاضرة في الأيام العادية.

وهكذا نكون قد أعددنا كوادرنا لأية أزمة قادمة وجارينا التطور في آليات التعليم ، وفي       الوقت نفسه عوضنا خلال المرحلة القادمة.
لقد تواصلت مع عدد كاف من الزملاء والطلاب ، وأكد لي أغلبهم مواجهة مشكلات عديدة لتطبيق الخطة الحالية للأسباب التي أشرت لها، وخصوصاً أن بعض المناطق لا تتوفر فيها التغطية الكافية للشبكة، وبعض الطلاب ليس لديه الموبايل/ ناهيك عن أن بعض المساقات لا سيما ذات الطابع التطبيقي والمحتاجة للمختبرات لا تصلح معها هذه العملية التي تقوم بها جامعاتنا
فأتمنى التفكير في هذا الاقتراح ...

الشعوب التي تتغير أو تتكيف هي الأقدر على البقاء والتمتع بالتطور، أما المجتمعات الراكدة فهي كالحجارة غير المتدحرجة لا تجمع إلا الطحالب .

عن المؤلف: 

عبد الرحمن التميمي: أكاديمي وباحث في شؤون التنمية.