الهجرة تستنزف وجودهم: احتفالات المسيحيين الفلسطينيين بأعياد الميلاد..درب من الآلام
التاريخ: 
20/12/2019

أراد الناشط المقدسي نضال عبود نقل احتفالات أعياد الميلاد من الحارات المسيحية إلى كل حارات القدس القديمة وأزقتها، ولكن مصيره كان الاعتقال من الشرطة الإسرائيلية.

نضال عبود، الذي برز لدى مشاركته مسلمين احتجاجاتهم على قرار السلطات الإسرائيلية وضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى في شهر تموز/يوليو 2017، قال لموقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية "الهدف كان نقل الصورة التي نريد عن القدس إلى العالم أجمع".

بدأت مسيرة احتفالات الميلاد بمشاركة نحو 200 شخص، بمبادرة من التجمع الوطني المسيحي وانتهت في منطقة باب العامود بوجود أكثر من 1200 شخص، وفق تقديرات عبود.

وقال :"سارت المسيرة، التي اشتملت على فقرات غناء تراثي فلسطيني، في الحارات المسيحية والإسلامية في البلدة القديمة، ومرت على عدة بوابات في المدينة العتيقة وأسواقها التاريخية وتمت إضاءة شجرة الميلاد".

مجمل هذا النشاط كان في صلب التحقيق الذي أجراه عناصر الشرطة الإسرائيلية مع عبود بعد اعتقاله من منطقة باب العامود.

ولكن هذا التحقيق، وهو ليس الأول، لم يردع عبود الذي قال "هدفنا هو إبراز القدس بهويتها العربية الفلسطينية، وأن نقول إننا لن نقبل مخططات إسرائيل تهويد المدينة من خلال تغيير المعالم وتغيير المناهج التعليمية وغيرها من إجراءات هدم ومصادرة المنازل الفلسطينية وبناء المستوطنات الإسرائيلية".

احتفالات إضاءة الشجرة في الناصرة، حقوق الصورة موقع عرب 48

في السنوات الأخيرة، تحولت إضاءة شجرة عيد الميلاد، في مدخل باب الجديد في البلدة القديمة من المدينة، إلى نشاط يبرز هوية المدينة المحتلة في مواجهة مخططات إسرائيلية متصاعدة يقول الفلسطينيون إنها تهدف لتهويدها.

وقال الدكتور برنارد سابيلا، النائب السابق في المجلس التشريعي عن دائرة القدس، لمجلة الدراسات الفلسطينية :"عيد الميلاد هو عيد تقليدي فلسطيني، فأعياد الميلاد استمرت منذ ولادة المسيح، واحتفل السكان بأعياد الميلاد في الحقب التاريخية المختلفة، سواء خلال الفترة العثمانية والانتداب البريطاني، والحكم الأردني، والاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية".

وأضاف:" في رأيي، فإن عيد الميلاد هو عيد فلسطيني بامتياز وليس فقط عيد مسيحي، إذ إن المسيحيين الفلسطينيين مرتبطون بهذه الأرض مثل أي فلسطيني آخر، واحتفالنا هو تأكيد على أننا جزء لا يتجزأ من هذا الشعب وتقاليده واستمراريته في كل أراضي فلسطين".

ولفت سابيلا إلى منع إسرائيل الفلسطينيين من سكان قطاع غزة من الوصول إلى القدس وبيت لحم للمشاركة في احتفالات الميلاد لهذا العام، وقال:"هذا فقط مثال بسيط على الظلم الذي يلحقه الاحتلال الإسرائيلي بأبناء شعبنا، فالاحتفال في القدس وبيت لحم هو حق من حقوق الإنسان الأساسية بغض النظر عن الديانة".

ومع ذلك، فقد استدرك د.سابيلا قائلاً: "ولكن عيد الميلاد هو عيد الأمل والمحبة والابتهاج وباحتفالاتنا فإننا نؤكد على أننا كفلسطينيين نتطلع إلى السلام والحرية وإلى تحقيق حقنا المشروع كشعب بإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس".

ومع انطلاق أعياد الميلاد، فإن الأنظار تتوجه إلى مدن القدس وبيت لحم والناصرة.

ويقول الفلسطينيون إنه في حين أن القدس تقع تحت قبضة احتلالية شديدة، فإن مدينة بيت لحم تعاني من الجدار الخرساني الذي يحاصرها. أما المواطنون في الداخل الفلسطيني، فإنهم يعانون من سياسات إسرائيلية تمييزية.

وقال وديع أبو نصار، رئيس لجنة الإعلام في مجلس الأساقفة في الأراضي المقدسة، لموقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية: "إن المسيحيين الفلسطينيين في الداخل يعانون من التمييز وتحديات كثيرة شأنهم شأن باقي المواطنين العرب". وأضاف: "ولكن هناك أيضاً المسيحيين غير العرب، سواء من العمال الأجانب أو اللاجئين، فهم يعيشون في حالة فقر ومعاملة صعبة من قبل المؤسسة الإسرائيلية".

وكانت إسرائيل قد أقرت في شهر تموز/يوليو 2018 قانون القومية، الذي يتفق المواطنون العرب على أنه قانون عنصري لأنه ينص على أن إسرائيل هي "الوطن القومي للشعب اليهودي" وأن حق تقرير المصير فيها " يخص الشعب اليهودي فقط".

وأدت السياسات الإسرائيلية إلى دفع أعداد كبيرة من المسيحيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية والداخل الفلسطيني، خلال السنوات الماضية، إلى الهجرة، ما عكس نفسه على انخفاض كبير في أعدادهم.

وأشار د.سابيلا إلى أن عدد المسيحيين الفلسطينيين في العالم يصل إلى مليون شخص، وقال: "من أصل هذا العدد فإن 17٪ فقط يعيشون في فلسطين التاريخية، أي ما يقارب 170-180 ألفاً، بينهم 50 ألفاً يعيشون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، و120 ألفاً يعيشون في إسرائيل"، مشيراً إلى أن "هناك 10 آلاف مسيحي فقط يعيشون في القدس".

وأضاف: "معظم المسيحيين الفلسطينيين، أي قرابة 60 ألفاً، أصبحوا لاجئين بعد حرب 1948".

ولفت د.سابيلا إلى أن المسيحيين الفلسطينيين منتشرون في أنحاء العالم، ولكن يتواجدون بشكل كبير في الأميركيتين الشمالية والجنوبية، وأستراليا، فضلاً عن أوروبا.

أجواء العيد في رام الله

ومن جهته، يشير أبو نصار إلى أن الفلسطينيين المسيحيين في الداخل يهاجرون، كما يهاجر الفلسطينيون المسيحيون في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ولكن بأعداد أقل. وقال: "إن نسبة كبيرة من المهاجرين المسيحيين من الداخل يتواجدون في أميركا الشمالية، في حين أن النسبة الأكبر من المهاجرين المسيحيين من الضفة الغربية والقدس يتواجدون في أميركا الجنوبية".

وأضاف: "هجرة المسيحيين من الداخل مستمرة، ولكن وتيرتها انخفضت في السنوات الأخيرة ليس لأنها غير مرغوبة وإنما لأنها باتت أصعب بسبب التطورات العالمية وأزمة اللاجئين والصعوبات الاقتصادية".

وتابع أبو نصار: "بالنسبة إلى المسيحيين من الضفة الغربية والقدس، فإنهم يسافرون إلى الأردن ومن هناك يهاجرون إلى دول مختلفة، بينما هذا الأمر غير قائم بالنسبة إلى المسيحيين من الداخل الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية".

ورأى المحامي رفول روفا، مدير مؤسسة "سانت ايف" الحقوقية في القدس، أن أهم أسباب هجرة الفلسطينيين المسيحيين في القدس والضفة الغربية هو الوضع الاقتصادي الصعب وانعدام الاستقرار السياسي. وقال لمجلة الدراسات الفلسطينية: "من خلال المتابعة، فإن أهم أسباب الهجرة هي الوضع الاقتصادي الصعب، وتحديداً في القدس، وانعدام الاستقرار السياسي نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف: "في القدس تبدو الصورة أصعب بسبب سياسات سحب الهويات، وعدم لم شمل العائلات، وقلة المساكن وارتفاع ثمنها، والضرائب الباهظة وتكاليف الحياة المرتفعة مقارنة مع الدخل المتدني".

ولفت روفا إلى أنه استناداً إلى معلومات أولية، فإن هناك هجرة مستمرة من القدس وبيت لحم وبيت ساحور ولكن الهجرة من بيت ساحور أعلى. ورأى أنه "لو كانت هناك دولة فلسطينية مستقلة لما كانت هناك هجرة، خاصة وأن الجميع يحبون هذه الأرض ولا يغادرونها إلا مرغمين بسبب صعوبة الأوضاع وقساوتها".

بيد أن الناشط نضال عبود يتوقف عند التسهيلات التي تقدمها القنصليات والسفارات الغربية لهجرة المسيحيين الفلسطينيين، وقال: "يجري تسهيل هجرة المسيحيين، وهذا خطأ إذ إن المسيحيين في فلسطين، تماماً مثل إخوانهم المسلمين، يريدون الحرية والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإذا ما أرادت الدول الغربية تقديم العون لهم، فإن ذلك يكون بمساعدتهم على الخلاص من الاحتلال وليس تسهيل هجرتهم".

 صورة الغلاف: بابا نويل في القدس، حقوق الصورة: القدس أونلاين.