حديث صحافي لرئيس الحكومة الإسرائيلية في شأن السلام
Full text: 

س ـ لماذا اقترحتَ عقد لقاء مع الرئيس حافظ الأسد؟

ج ـ لقد قام السادات، رئيس مصر، باختراق تاريخي سنة 1977، عندما وضع نهاية للحرب وأقنع كلاً من المصريين والإسرائيليين بأنه كان مستعداً لصنع السلام. لقد هدم أسوار الشك والتحامل. اليوم، الرئيس الأسد ليس مستعداً للإقدام على 20% مما أقدم السادات عليه، ليقنع إسرائيل بأنه مستعد لاتخاذ خطوات غير متوقعة، أو غير اعتيادية، لتحقيق السلام. قلت أنني لا أعتقد أن في إمكاننا تحقيق السلام من دون لقاء بين قيادتي البلدين على أعلى مستوى، لأن لا معنى للسلام بالمراسلة في سياق الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بسبب تراكم مشاعر الحقد والشك. يجب أن يتم ذلك بطريقة تشير إلى كل من الشعبين بأن قادته قرروا أن يضعوا نهاية للحرب، وأن يقيموا السلام.

س ـ يشعر كثيرون من العرب بأن السادات ضحّى بحياته بزيارته القدس وبتحدي باقي العالم العربي. هل هناك لفتة مختلفة يستطيع الأسد القيام بها لإثبات صدقه؟

ج ـ لقد غيرت، كرئيس حكومة، موقف إسرائيل من مفاوضات السلام. كنت واضحاً في أننا مستعدون للتقدم على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي ينص على الانسحاب إلى حدود آمنة ومعترف بها في إطار السلام. وكانت الحكومة الإسرائيلية السابقة تشدد على "السلام في مقابل السلام"، ولا شيء آخر. لكن قلت أيضاً إنه لا يجوز أن يجري التفاوض في شأن بُعد التنازل عن الأرض، قبل أن نعرف ما إذا كانت سوريا مستعدة لسلام كامل، بحدود مفتوحة أمام حركة الأشخاص ضمن مجموعات، وعلاقات دبلوماسية بما فيها السفارات، وعلى الأقل اتفاقية من حيث المبدأ لتطبيع العلاقات. ثانياً، قلت إن اتفاقية السلام بين سوريا وإسرائيل يجب ألا تتأثر بنجاح المفاوضات مع الوفود العربية الأُخرى، أو بعدم نجاحها. لا اشعر بأن سوريا مستعدة لسلام كامل، ولاتفاقية سلام قائمة بذاتها. ويتساءل كثيرون من الإسرائيليين: كيف يمكن أن تشارك سوريا في مفاوضات السلام، في حين أنها تسمح للتنظيمات الفلسطينية الرافضة، والتي مقراتها قائمة في دمشق، بأن تطالب الفلسطينيين بالانسحاب من المفاوضات. وعلى الرغم من أنه صحيح أن إيران هي التي تنظم حزب الله وتلهمه وتموله وتسلحه، فإن قواعده الأساسية في سهل البقاع في لبنان تقع تحت السيطرة العسكرية السورية.

س ـ هل يمكن التوصل إلى اتفاقية إسرائيلية ـ سورية منفصلة، خارج الإطار العربي الأشمل؟

ج ـ لا أعتقد أنه يمكن التوصل إلى سلام شامل مع الأطراف العربية جميعها في وقت واحد. إذ يجب أن يتم هذا على أساس ثنائي. فالاتفاقيات التي توصلنا إليها مع الدول العربية، منذ سنة 1949 حتى سنة 1979، لم تتم إلا بعد أن تفاوضنا مع شريك عربي واحد في كل مرة.

س ـ يصرّ السوريون على السلام الشامل، ويدعون أن السادات ارتكب خطأ بتوقيع اتفاقية ثنائية.

ج ـ أعتقد أنه لولا شجاعة السادات وحنكته لما كان هناك سلام بين دولة عربية وإسرائيل. لقد ابتدع النموذج، وأثبت أن السلام ليس وهماً أو حلماً.

س ـ يصرّ السوريون على السلام الشامل، لأنهم لا يريدون أن يكونوا معزولين.

ج ـ في سنة 1980، قابلت الرئيس السادات في الإسكندرية، وسألته إنْ كان حقاً عارض انضمام الملك حسين، ملك الأردن، إليه في كامب ديفيد. قال: "تتذكر أننا وصلنا إلى حافة الفشل مرتين في لقاء الأيام الثلاثة عشر. لو كنا أضفنا مشكلة إسرائيل مع الأردن ومع الفلسطينيين إلى المشكلات القائمة بين مصر وإسرائيل، لما كان للسلام أن يتحقق في العشرين عاماً المقبلة." إذا أعطيت شريكاً عربياً واحداً حق الاعتراض (الفيتو) على شريك آخر، فإنك تستطيع أن تنسى تحقيق السلام.

س ـ ما هي المخاطر المتعلقة بالتفاوض مع سوريا؟

ج ـ هناك مخاطر بالنسبة إلى كل من سوريا وإسرائيل. ففي أية اتفاقية سيتعين علينا أن نعطي أشياء ملموسة، وفي المقابل نحصل على ورقة. الاتفاقيات المكتوبة يمكن تمزيقها، أمّا الأشياء الملموسة فيجب أن تؤخذ بالقوة. وعندما أقول أشياء ملموسة أعني بذلك الأرض. نحن نعيش في منطقة لا يشكل الإنجيل أو القرآن أساساً للاتفاقيات فيها. قبل عامين، قام العراق بغزو الكويت واحتلالها وضمها، منتهكاً بذلك انتهاكاً فاضحاً الاتفاقيات العربية المشتركة. إذا كان حدوث هذا الأمر ممكناً بين دولتين عربيتين، فما الذي يمنع حدوثه بين العرب وإسرائيل؟

س ـ لقد حصلت مصر على سيناء بالكامل في مقابل السلام وعلاقات دبلوماسية في سياق عملية التطبيع. لماذا لا تُطبق الصيغة نفسها على مرتفعات الجولان؟

ج ـ الجغرافيا مختلفة. ففي سيناء صحراء طولها 250 كلم تفصل إسرائيل عن ذلك الجزء من مصر الواقع غربي القناة. بينما يبلغ طول أعرض منطقة تفصلنا عن السوريين في الجولان 23 كلم. لقد قلت إنني على استعداد لإضافة بُعد يتعلق بالأرض في المفاوضات، لكني لا أريد أن أتفاوض بشأن مساحة هذه الأرض قبل أن أعرف ما إذا كانت سوريا مستعدة لسلام لا يشترط السلام الشامل. نحن نكافح دائماً من أجل سلام شامل، لكن هذا السلام يجب أن يبنى على جسور ثنائية. إذا لم نتوصل إلى اتفاقيات ثنائية مع كل من الأطراف، فلن نتوصل إلى سلام مع أي منها.

س ـ هل هناك أوضاع يمكن أن تفكر، على أساسها، في الانسحاب الكلي من الجولان؟

ج ـ لن أذهب حتى إلى حد الالتفات لمعالجة مسألة الانسحاب من الجولان، من دون أن أعرف أولاً ما إذا كانت سوريا مستعدة لسلام كامل، سلام قائم بذاته.

س ـ لو حضر الأسد إلى القدس وأبدى استعداده لتوقيع اتفاقية سلام، فهل ستغير موقفك بشأن الجولان؟

ج ـ أنت لست الأسد. أنت لا تمثل الأسد، وأنت لست رئيس حكومة إسرائيل. مع الأسف، فإن موقف سوريا، كما عبر عنه وزير الخارجية فاروق الشرع ـ "انسحاب كلي في مقابل سلام كلي" ـ ليس واضحاً تماماً. لا أعرف ما هو السلام الكلي [المقصود]. لا أعرف ما هو الانسحاب الكلي [المقصود]. إنه ليس مقصوراً على سوريا وإسرائيل؛ فهو يتعلق أيضاً بالضفة الغربية وقطاع غزة.

س ـ لكن ألا تستطيع أن تطبق تصريحه على المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية فقط؟

ج ـ لا أعرف. إنه لم يخبرنا [قصده] قط. حتى اللحظة، أوضح السوريون في المفاوضات أن ما يسمونه السلام هو تطبيق القرار 242. هذا القرار لا يتحدث عن حدود مفتوحة، أو عن علاقات دبلوماسية. ليس من شأني أن أحزر. يجب أن أتخذ قرارات، والقرارات تتخذ بناء على مواقف ملموسة للجانب الآخر ـ لا بناء على أسئلة افتراضية.

س ـ لقد قلت، خلال حملتك الانتخابية، أنك ستحاول التوصل إلى اتفاقية مع الفلسطينيين خلال عام. هل ما زلت تتوقع حدوث ذلك؟

ج ـ أنا متأكد من أننا خلال عام سنعرف إنْ كان ذلك ممكناً. أنا أميل إلى الاعتقاد أننا سنتوصل إلى اتفاقية في منطقة واحدة على الأقل، لكنْ هناك مثل في الشرق الأوسط يقول: "من أجل الحرب، يكفي طرف واحد. من أجل السلام، نحن بحاجة إلى طرفين."

س ـ ما هي المنطقة الأكثر أهلية لعقد اتفاقية؟

ج ـ [....] لا يجرؤ اللبنانيون على الإقدام على شيء من دون موافقة دمشق. نحن غير معنيين بإنش مربع من الأراضي اللبنانية، ولا بمتر مكعب من مياههم. المشكلة هناك هي الأمن ـ غياب حكومة لبنانية تستطيع السيطرة على الأراضي التابعة لسيادتها، ومنع قيام الأعمال الإرهابية ضد إسرائيل. كذلك لا يستطيع الأردن عقد اتفاقية منفصلة من دون حل المشكلة الفلسطينية. وهذا يجعل المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، والمفاوضات الإسرائيلية ـ السورية، المسألتين الرئيسيتين. بالنسبة إلى سوريا، لدينا شريك، ورئيس يتخذ القرارات. والسؤال هو: ما مدى استعداد الأسد لعقد سلام حقيقي؛ إذ لا أحد يكشف أوراقه في بداية المفاوضات. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فقد يكون الأمر أسهل لأن إسرائيل ليست مضطرة الآن إلى تقديم تنازلات بشأن الأرض.

س ـ هل تعتقد أن فوز كلنتون سيعجّل في العملية السلمية، أم سيبطّئها؟

ج ـ أعتقد أن سياسة الولايات المتحدة ستكون دعم عملية السلام.

س ـ لقد اقترحت سوريا ودول عربية أُخرى فرض حظر كامل على أسلحة الدمار الشامل. فهل تعارض ذلك؟

ج ـ لقد أوضحنا أكثر من مرة أننا مستعدون لجعل الشرق الأوسط مناطق خالية من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، على أساس اتفاقيات ثنائية. لماذا؟ لقد وقع العراقيون اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقبهم. فهل اكتشفت شيئاً هناك؟ أنظر ماذا حدث. نحن نؤمن باتفاقية إقليمية مبنية على اتفاقيات ثنائية بين إسرائيل ودول المنطقة، وعلى رقابة متبادلة فيما يتعلق بالموضوع. أنا مستعد لأن أوقع غداً بناء على هذا الأساس.

س ـ هل تشكل مشتريات إيران الضخمة من الأسلحة تهديداً استراتيجياً لإسرائيل؟

ج ـ من دون شك. وبالإضافة إلى ذلك، تستطيع إيران مضايقتنا من خلال نشاطات حزب الله في لبنان وخارج الشرق الأوسط. هناك خطان للنشاط في الشرق الأوسط يسيران بصورة متوازية، ويناقض أحدهما هدف الآخر، وهما: مفاوضات السلام، وتسارع سباق التسلح. والدول التي ليست جزءاً من عملية السلام ـ إيران والعراق وليبيا ـ ماضية في عملية سباق التسلح. ولهذا يجب أن نهتم بقدرتنا الدفاعية لنضمن بقاءنا، ولنوفر قدراً كافياً من الأمن لمواطنينا ولمصالحنا الحيوية، ولنقنع الزعماء العرب بأنهم لن يحققوا شيئاً من خلال استخدام القوة.

س ـ ما زال الرئيس الأسد مستمراً في اقتناء صواريخ سكود، هل تعتقد أن سوريا يمكن أن تخوض حرباً ضد إسرائيل؟

ج ـ يجب أن نأخذ في الاعتبار إمكان نشوء تهديد في حال وصول المفاوضات إلى طريق مسدود. أرجو ألا يحدث ذلك. لن يكون من الحكمة أن تبدأ سوريا وحدها حرباً ضد إسرائيل؛ فالمظلة السوفياتية لم تعد قائمة فوق رؤوس بعض الدول العربية. ولا تستطيع هذه الدول الاعتماد على مساندة العراق. كما أن مصر لن تنضم. إن المنطق ليس هو الحقيقة المسيطرة دائماً على عملية تقرير الأحداث في الشرق الأوسط، إلا إني أميل إلى الاعتقاد أن ذلك لن يحدث. لكن يجب أن نكون مستعدين لأي إمكان.

س ـ بانتهاء الحرب الباردة، هل تعتقد أن إسرائيل ستستمر في تأدية دور الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة؟

ج ـ هذا أمر يعود القرار في شأنه إلى الولايات المتحدة. إن الأمن الإقليمي، كما أراه، سيظل مسألة مطروحة في المستقبل المنظور. لقد رأينا ما حدث في أزمة الخليج.

س ـ يخشى بعض الزعماء العرب أن تهدد الأصولية المتطرفة الاستقرار، إذا لم يحدث تقدم في محادثات السلام. فهل يقلقك هذا الأمر؟

ج ـ نرى ذلك قائماً هنا وهناك، ولا سيما بين الفلسطينيين. والسؤال هو: ماذا يستنتج من ذلك أولئك في الجانب العربي الذين يخشون الأصولية؟ أعتقد أن ذلك يجب أن يقودهم إلى التفاوض بجدية أكثر مع إسرائيل، لأن صعود الأصولية ليس بسبب موقفنا فقط بل بسبب موقفهم أيضاً. يجب أن يدركوا أن التوصل إلى اتفاق يتم بتنازل من الطرفين.

س ـ هل أنت متفائل بأن يتحقق السلام الشامل وأنت في قيد الحياة؟

ج ـ أرجو أن يتحقق. لا أعرف إنْ كان ذلك سيتم وأنا لا أزال في قيد الحياة.

 

المصدر: Time, November 30, 1992.

* رئيس الحكومة الإسرائيلية: يتسحاق رابين.