الليكود غداة خسارته الانتخابات: صراع في شأن الزعامة
Keywords: 
الحكومة الإسرائيلية
نتائج الانتخابات
حزب الليكود
الكنيست الإسرائيلي
الأحزاب السياسية الإسرائيلية
يتسحاق شامير
القيادة السياسية
Full text: 

              أخذ الليكود، غداة إعلان نتائج انتخابات الكنيست الثالث عشر، يتخبط مجدداً في خلافاته الداخلية، التي أُضيفت إليها الآن خلافات جديدة تتعلق بمن يتحمل مسؤولية الفشل في الانتخابات، وبمن سيكون رب البيت الليكودي الذي هزّه "الزلزال". فقد بدا واضحاً، عقب إعلان النتائج مباشرة، أن صراع الأشخاص والمعسكرات، الذي ضعضع "التكتل" بينما كان لا يزال في الحكم، والذي قام بدور رئيسي في إذاقته طعم الفشل المرير، سيتواصل – وربما يتفاقم – بعد أن انتقل الليكود إلى مقاعد المعارضة كسير القلب مهيض الجناح. وتح وطأة الهزيمة، بدأت الأسئلة تتوالى: كيف يمكن استخلاص الدروس، مع إطاحة رؤوس أو من دون إطاحتها؟ من سيقود سفينة الليكود الجانحة، ويعيد تأهيلها لخوض المعارك المقبلة التي لا مفر منها، سواء للحفاظ على معاقل التكتل في المجالس المحلية في الانتخابات التي ستجري بعد عام ونصف العام، أو لتوسيع نطاق سيطرته على الهستدروت في انتخابات سنة 1994، أو حتى استعداداً لمعركة الثأر في انتخابات الكنيست الرابع عشر؟ وماذا ستكون طريقة حسم الصراع في شأن الزعامة؟ وأكثر من ذلك: أي مستقبل لليكود؟ 

رأس جبل الجليد:

اعتزال شمير وآرنس

              فور سماع النتائج الأولية للانتخابات، في "قلعة زئيف" في تل أبيب، وبينما كانت صدمة الهزيمة تلمّ بزعماء الليكود وأعضائه المتجمعين في مقر حزبهم، بدأ ما سيصبح بمثابة الخبز اليومي للحزب لأيام طويلة مقبلة: الاتهامات المتبادلة في شأن تحمل مسؤولية الفشل؛ واستعدادات الكبار، تالياً، لدخول السباق الحتمي نحو قمة الهرم الحزبي. وكان الذي "أشعل نيران التمرد في الليكود" هو نائب الوزير بنيامين نتنياهو، الذي سيصبح – يوماً بعد يوم – أحد أوفر المرشحين الشباب حظاً في رئاسة الحركة. فقد صرح حينها أن الابتعاد عن الليكود نجم عن سوء إدارته، لا عن خطه الإيديولوجي، مضيفاً أن أسلوب السُّباعيات، وكل ما رافقه، هو الذي دمر الحزب. ولم يقتصر أمر "تصفية الحسابات" في تلك الليلة العصيبة من ليالي الليكود، على نتنياهو وحده؛ إذ جرى تراشق الاتهامات بين مختلف الهيئات الحزبية: هيئة التنظيم برئاسة الوزير دافيد ماغين؛ هيئة الانتخاب برئاسة الوزير موشيه نسيم؛ وهيئة الإعلام برئاسة الوزير روني ميلو. وبدأت، منذ تلك الليلة، الخلافات في شأن الهيئة التي ستنتخب القيادة الجديدة، وكيفية هذا الانتخاب: أتكون مركز الحزب، الذي يمكن أن يلتئم بسرعة، "من دون إضافة وقت"، من أجل إعادة تأهيل الحزب استعداداً لمعركة انتخابات الكنيست المقبلة، أم تكون المؤتمر الذي، وإنْ استغرق فترة طويلة من الإعداد، سيمنح الشباب حظاً من النجاح أوفر، من خلال طريقة الانتخابات الأولية (Primaries)؟ ومع هذه الخلافات، بدأت المخاوف والشكوك أيضاً إزاء إمكان عدم التوصل إلى اتفاق في شأن تركيبة اللجنة التحضيرية بسبب النزاع بين المعسكرات داخل الحزب، بل إزاء أحد أبرز قادة الليكود دافيد ليفي، "البطن الرخو"، الذي قيل إن حزب العمل يمكن أن يغريه بالانضمام إلى الحكومة التي يسعى لتأليفها، إذا ضمن يتسحاق رابين له وزارة الخارجية فيها.[1]

بعد الانتخابات بيومين فقط، جاء إعلان يتسحاق شمير عزمه اعتزال العمل السياسي، بما في ذلك تخليه عن رئاسة الليكود. ولم يكن في هذا الإعلان من مفاجأة، نظراً إلى الأوضاع التي أحاطت به. كما أن شمير نفسه كان يفكر في ذلك قبل الانتخابات بوقف طويل، كما قال في مقابلة صحافية،[2]  لكنه لم يشأ أن يتحمل مسؤولية الضرر الجسيم الذي ستلحقه النزاعات الداخلية بالليكود، إنْ هو استقال. وأكد، في المقابلة نفسها، أنه سيستقيل قريباً عندما يرى بداية الإجراءات الفعلية لانتخاب خليفة له، وأنه لا يترك فوضى تامة وراءه.

لكن المفاجأة كانت مع إعلان موشيه آرنس، في الوقت نفسه أيضاً، قراره اعتزال الحياة السياسية عقب تأليف الحكومة الجديدة. صحيح أن آرنس زعم، هو الآخر، أنه كان يفكر في الاعتزال "منذ فترة طويلة، لكن ربما كان قراري بتأثير من الخسارة"،[3]  لكن وطأة الخطوة التي اتخذها أحدثت "زلزالاً"[4]  داخل المعسكر الذي يحمل اسم شمير واسمه في الليكود، وهو الذي كان يعتبر خليفة زميله المرجح. فكان أن انفتح باب الصراع في شأن الزعامة على مصراعيه.

أمّا الأسباب التي حدت آرنس على اتخاذ قرار الاعتزال، فهي متباينة بحسب المصادر الإسرائيلية المختلفة. فأحد هذه المصادر،[5]  مثلاً، حدّد سببين "أساسيين" للقرار، هما: خيبة أمل آرنس الشديدة من سلوك شمير، وخصوصاً في إبان "أزمة السُّباعيات"، والخلاف في شأن موقع دافيد ليفي في قائمة الليكود، حين خضع شمير لليفي، كما يرى آرنس،؛ إدراكه أن جيل الشباب في الحركة قد لا يدعمه، في حال قرر دخول المنافسة بشأن القيادة. واعتبر مصدر آخر،[6]  أن قرار آرنس جاء نتيجة تضافر أربعة عوامل، هي:

(1) النقمة التي أحسّ آرنس بها نتيجة إصرار شمير على ترؤس قائمة الليكود في الانتخابات بنفسه، مما حرمه آخر فرصة تمنحها الانتخابات لمن في مثل سِنّه (66 عاماً) للبدء بقيادة الليكود.

(2) وكَوْن آرنس يمثل مجموعة داخل الليكود لا تتفق مع الخط السياسي المتصلب للحزب، في العديد من المجالات، مثل: غياب المرونة في شأن استمرار السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة. وهو، إذ لم يعبر عن آرائه داخل الحكومة سابقاً، فسيكون من الأصبع عليه أن يفعل ذلك من صفوف المعارضة.

(3) كَوْن الهزيمة في انتخابات الكنيست قد بلورت معسكَريْ خضميه، دافيد ليفي وأريئيل شارون، في حين فكّكت "الائتلاف الغامش" المسمى معسكر شمير – آرنس. ولم تعد قيادة ىرنس لهذا المعسكر امراً مفروغاً منه.

(4)  اعتقاد آرنس أن المعسكر الذي شارك في قيادته يجب أن يتحمل وزره من الهزيمة.

ومهما تكن اعتبارات آرنس في إعلانه قرار الاعتزال، فإنها كانت مناسبة عرض فيها بعض آرائه، وخصوصاً فيما عنى أسباب فشل الليكود في الانتخابات، التي لخصها في ثلاثة: الصراعات الداخلية؛ الفشل في الحقل الاقتصادي؛ ما يتعلق بالمجال السياسي – الأمني. وكان جديد آرنس في هذا المجال قوله: "إن جزءاً من الجمهور لا يرى في شعار أرض – إسرائيل الكاملة رداً ملائماً، أو كافياً، للمشكلات المعقدة المتعلقة بوجود عدد كبير من السكان الفلسطينيين في المناطق [المحتلة]." كما كان القرار نفسه مناسبة لتضمين التصريحات التي تبدي الأسف الشديد له بالهمّ الأساسي المسيطر: من سيتزعم الليكود؟ مثال ذلك تصريح شارون، الذي أنهاه بالقول "... أمّا الآن، فيجب أن ينظم الليكود صفوفه من أجل  انتخاب رئيس جديد، وذلك فقط بأسلوب الانتخابات الأولية، وبعد إجراء إحصاء [للأعضاء]."[7]

 

"حرب الخلافة"

              شهد يوم 28 حزيران/يونيو، وهو مطلع أول أسبوع بعد الفشل في الانتخابات، بداية السباق الطويل إلى زعامة الليكود. ففيه انتقل مركز قرار الحركة إلى منبر وزرائها في الحكومة الانتقالية؛ ذلك المنبر الذي قرر في أول جلسة عقدها بعد الانتخابات اختيار خليفة ليتسحاق شمير عن طريق انتخابات داخلية أولية تقام بحلول نهاية السنة الحالية. ويبرز مغزى هذا التطور، فيما عنى الصراع في شأن زعامة الليكود، إذا أخذنا في الحسبان الاعتبارين التاليين:[8]

(1) إن نقل الصلاحيات الفعالة إلى "منبر الوزراء" إنما قُصد به في المقام الأول، بحسب ما صرح أحد وزراء الليكود البارزين، الحيلولة دون بروز الحاجة إلى انتخاب رئيس للسكرتاريا بدلاً من آرنس المستقيل، وبالتالي دون تجدّد النزاعات داخل القيادة خلال المرحلة الانتقالية.

(2) وجود رأي مخالف عبّر شارون عنه في اقتراح قدمه في أثناء الجلسة، يدعو إلى نقل قيادة الليكود في المرحلة الانتقالية إلى الذين جرى انتخابهم في السُّباعية الأولى، باعتبار أن من شأن ذلك منح الشرعية لخطوة ديمقراطية تعكس آخر قرار اتخذته الهيئة الناخبة. وقد رفض الوزراء هذا الاقتراح، مفضلين إبقاء زمام الحزب في أيديهم هم، مرشحون رئيسيون للزعامة.

في اليوم التالي لاجتماع "منبر الوزراء"، أعلن بنيامين نتنياهو قراره دخول المنافسة بشأن رئاسة الليكود في الانتخابات الأولية المقبلة. وقد أوضح أنه أعلن هذا القرار لاقتناعه بأنه مؤهل لإجراء إصلاح في الحركة خلال فترة وجودها في المعارضة، ولإعدادها لمنافسة حزب العمل في انتخابات الكنيست المقبلة. وفي اليوم نفسه، عقد نشيطو معسكر شارون أول اجتماع لهم بعد الانتخابات لمناقشة الاستعدادات اللازمة لمعركة رئاسة الليكود. وقال شارون في الاجتماع أنه يرى نفسه كمن سيضطر إلى تحمّل العبء الأساسي في إصلاح الحزب.[9]

عاد المنبر إلى الانعقاد في الأول من تموز/ يوليو، وكان الموضوع المدرج في جدول أعماله الانتخابات الداخلية الأولية. وفي الجلسة أيد نتنياهو، وحده بين سائر المتنافسين، إجراء هذه الانتخابات فوراً، محاولاً على ما يبدو استغلال الجو العام السائد في الليكود لمصلحته، كما أيد أن يكون رئيس الحزب المنتخب فيها هو نفسه المرشح لرئاسة الحكومة في انتخابات  الكنيست المقبلة. ذلك بأنه، شخصياً، خرج "نظيفاً" نسبياً من معركة الانتخابات السابقة، كما أنه حذّر من أن خوضها على أساس حملة شخصية ضد رابين سيلحق الفشل بالليكود. وفي الجلسة ذاتها، اقترح شمير أن تتولى لجنة الحزب الدستورية وضع القواعد التي ستحكم الانتخابات الأولية. ومرة أُخرى، عارض نتنياهو الاقتراح على أساس أنه لا يقبل تركيبو اللجنة الحالية، وأصر على معارضته، حتى بعد أن عرض شمير إجراء تعديلات على تلك التركيبة وإضافة أعضاء جدد إليها.[10]

عقد "منبر الوزراء" جلسته الثالثة في 5 تموز/يوليو، ونشبت فيها الخلافات مجدداً بشأن مستقبل الليكود، مما دعا شمير إلى التهديد بالاستقالة فوراً، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سريع. أمّا قضايا الاختلاف الرئيسية، فكانت ثلاثاً:[11]

(1)  الفصل/ الدمج بين منصبي رئيس الحركة، الذي سينتخب في الانتخابات  الأولية، ومرشحها لرئاسة الحكومة؛ فقد أيد الحاضرون جميعاً، باستثناء ليفي ونتنياهو، الفصل بين المنصبين، وتأجيل انتخاب المرشح لرئاسة الحكومة إلى حين اقتراب أجل انتخابات الكنيست. أمّا الرأي المقابل، فقد عبّر نتنياهو عنه بقوله إن من شأن هذا الفصل أن يفضي إلى إدامة الوضع السابق في الليكود، الذي أدى إلى الهزيمة.

(2)  من يكون الشخص الذي سيدير الليكود بعد اعتزال شمير، وإلى حين إجراء الانتخابات الأولية بعد ستة أشهر؛ فقدرُفض، مثلاً اقتراح دان مريدور تسمية عضو الكنيست عوزي لنداو لهذه المهمة. كما قوبل اقتراح آخر، بتعيين إيهود أولمرت رئيساً للسكرتاريا خلفاً لآرنس، بالرفض – وخصوصاً من جانب ليفي.

(3) الموضوع المالي: فقد أعرب عدد من الوزراء عن شكه في إمكان إجراء الانتخابات الأولية في ظل العجز المالي الكبير الذي يعانيه الليكود.[12]  وفي المقابل، ادعى نتنياهو أن هذه الانتخابات لن تؤدي إلى اي إنفاق نقدي، بل على العكس، ستؤدي إلى مداخيل نقدية – كما جرى مع حزب العمل.

وفيما بدا أنه تطور بارز، قرر "منبر الوزراء"، في اجتماع آخر له، مواعيد محددة لسلسلة من الإجراءات التنظيمية على طريق حل أزمة الليكود الداخلية: إجراء إحصاء لأعضاء الحزب حتى 30 تشرين الأول/ أكتوبر؛ إجراء الانتخابات الأولية في 31 كانون الأول/ ديسمبر، يتم فيها انتخاب رئيس الليكود ومندوبي المؤتمر وأعضاء مجلس الفروع؛ عقد المؤتمر في موعد يتراوح بين أواخر شباط/فبراير وأوائل آذار/ مارس. لكن هذه القرارات ظلت حبراً على ورق، وخصوصاً بعد أن تمّ حلّ المنبر نفسه. من جهة أُخرى، فإن كتلة الليكود في الكنيست، التي أصبحت الهيئة الحزبية الوحيدة ذات الصلاحيات عقب انفراط عقد "منبر الوزراء"، قررت في أواخر تموز/يوليو تأليف لجنة خاصة، برئاسة عضو الكنيست حاييم كوفمان، لدراسة وضع الليكود المالي وتقديم توصيات لإصلاحه. لكن شمير سرعان ما طلب من رئيس الكتلة موشيه كتساف ما طلب من رئيس الكتلة موشيه كتساف وقف أعمال هذه اللجنة، باعتبار أن مهمة الإصلاح المالي للحزب ليست ملقاة على عاتقها.[13]

لم تكن معارضة شمير للجنة الإصلاح المالي المؤشر الوحيد إلى محاولته القيام بدور أخير في قيادة مسيرة الليكود؛ فقد ظل يردد في الآونة الأخيرة أنه لا يعتزم الاعتزال قبل إجراء الانتخابات الأولية وانتخاب خلف له. وهذا ما فسّره البعض بأنه محاولة من شمير للحيلولة دون ممارسة ليفي مهمته كقائم بأعمال رئيس الليكود، وسيطرته على الحزب تالياً. وفي مطلع آب/ أغسطس، أطلق شمير مبادرة تسعى لإقامة "إدارة الليكود"، التي يتمثل فيها مختلف أجنحة الحزب، وتكون برئاسة عضو الكنيست إيهود أولمرت. وأراد من هذه الإدارة أن تكون قيادة للحزب، بدلاً من السكرتاريا والمركز. وعلى الرغم من الرفض الشديد الذي جوبهت الفكرة به من قبل أقطاب الليكود (شارون وليفي ونتنياهو وكتساف)، فإن شمير بدا مصرّاً عليها.[14]

إضافة إلى مبادرتيْ كتلة الليكود وشمير، السالفتي الذكر، اقترح شارون وليفي مبادة أُخرى تقضي بإعادة تفعيل سكرتاريا الحزب، التي توقفت عن العمل منذ بدء معركة انتخابات الكنيست، وظلت كذلك عقب اعتزال آرنس. وإذا كانت مصلحة ليفي في مثل هذه المبادرة واضحة، فإن "المفاجأة" كانت في دعم شارون لها. لكن هذا الأخير سرعان ما أوضح أنه يفضل أن يكون شمير نفسه على رأس السكرتاريا.[15]

في 5 آب/ أغسطس، بدأت "مرحلة جديدة" في الصراع بشأن قيادة الليكود، عندما شن نتنياهو حملة واسعة النطاق لجمع تواقيع أعضاء جدد في الحزب، يطالبون بإجراء الانتخابات الأولية، وبـ"انتخاب قيادة جديدة"، وبترشيحه للزعامة. وقال نتنياهو، معلقاً على هذه الحملة؛ "إنني أتوقع أن يصبح في الليكود، في نهاية هذه العملية، نحو 200 ألف عضو، يشتركون في خطوة 'الانتخابات الأولية' ويشلّون كل محاولة لمباريات القوة." وفي اليوم نفسه حدث تطور آخر، يبدو أنه على علاقة بحملة نتنياهو؛ فقد أعلنت مجموعة من نشيطي الليكود الشبان الرئيسين، برئاسة يسرائيل كاتس، إقامة معسكر جديد باسم "المعسكر الاجتماعي القومي". وقال أعضاء هذه المجموعة أنهم قرروا إقامة المعسكر، في مواجهة خطر التفكك الذي يهدد الحزب، بهدف انتخاب قيادة جديدة، ووضع قواعد لعبة نزيهة، ووقف الحروب الداخلية.[16]

المرشحون للزعامة

              هناك ستة مرشحين يتنافسون بشأن خلافة شمير في زعامة الليكود، هم: أريئيل شارون، ودافيد ليفي، وبيني بيغن، وبنيامين نتنياهو، ومئير شيطريت، وموشيه كتساف. ولمّا كان شارون وليفي، منذ السابق، منافسَيْن لشمير نفسه، في حين لم يكثر شيطريت من التحركات والتصريحات،[17]  ولم يقرر كتساف بعدُ دخول السباق،[18]  فإن الأضواء الإعلامية سُلِّطت على المرشحيْن الشابين بيغن ونتنياهو.

              لقد سبق أن نافس شارون شمير، ونال 40% من أصوات مركز الليكود. وهو اليوم، عقب استقالة آرنس، الأول في الليكود بعد شمير. أمّا ليفي، فقد كان الرجل الثاني في الحزب طوال أعوام. ويؤهله منصبه، كقائم بأعمال رئيس الليكود، لتولي الزعامة إذا استقال شمير قبل انتخاب رئيس جديد.[19]  وهو، إضافة إلى ذلك، يستند إلى قاعدة رؤساء البلديات، في الانتخابات الأولية المقترحة.[20]

يشير بعض التقديرات، مع ذلك، إلى أن المعركة الأشد بشأن زعامة الليكود ستدور بين نتنياهو وبيغن، وأنهما هما اللذان سيتنافسان، في نهاية المطاف، في جولة الانتخاب الثانية. وفي هذا السباق المتوقع، يمتاز من منافسه لجهة "الجو العام" الذي خلفته نتائج انتخابات الكنيست، كما أشرنا سابقاً. وهو يحظى بتفضيل التقارير الصحافية له، واعتباره المرشح الأكثر شعبية، ويرى الكثيرون من الليكود فيه أنه صاحب حظ معقول في منافسة رابين خلال الانتخابات المقبلة، عندما يُطبق أول مرة قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة.[21]  أمّا بيغن، فقد دفع ثمناً شخصياً في معركة انتخابات الكنيست، إذ كان رأس رمح الليكود في مواجهة حزب العمل ورابين. وانصبّ عليه، عقب الفشل، قدر كبير من سهام النقد. لكنه، في المقابل، يحظى بدعم "الأمراء" في الحركة: روني ميلو، ودان مريدور، وإيهود أولمرت، إضافة إلى أعضاء نافذين في الكنيست مثل إلياهو بن – أليسار وتساهي هنيغبي. كما أن حملته، في سعيه للوصول إلى الزعامة، ستكون "إيديولوجية": فهو سيظهر كمن لم يتمتع حتى اليوم بنِعَم السلطة، وأنه دخل المؤسسة السياسية نظيف الكف. وإلى ذلك كله، يحظى بيغن بتأييد واسع في صفوف الطوائف الشرقية، وهو – بالتالي – الوحيد الذي يستطيع أن يروّج صيغة "الوحدة" بين الأشكنازيم وأبناء هذه الطوائف داخل الليكود -  مع ما لهذه الصيغة من فعل السحر، بعد عامين من الصراعات الداخلية.[22]

لكن تقديرات أُخرى أحدث تشير إلى أن "المعركة الكبرى" بشأن الزعامة ستكون بين نتنياهو وليفي؛ ذلك بأنهما الوحيديْن اللذين ينشطان على الأرض، ويجندان مئات الأعضاء الجدد لليكود كل أسبوع. أمّا بيغن فلا يزال وضعه في الليكود بحسب التقديرات نفسها، غير واضح، وقد اهتزت مكانته بعض الشيء مؤخراً.[23]

الخلاصة

              مهما يكن الأمر فإن المعركة نفسها تبدو بعيدة، والطريق إليها متشعبة ومتعرجة وشاقة، وقد تعترضها تطورات مفاجئة. صحيح أن الفريق الذي يقود الليكود الآن يُجمع على مبدأ ضرورة إصلاح الحركة، عقب خسارة انتخابات الكنيست، لكن أعضاء الفريق نفسه يختلفون في كل  شيء آخر تقريباً، وخصوصاً في كيفية الإصلاح والإجراءات التنظيمية المحددة للخروج من الأزمة الداخلية الراهنة. وخَلْف هذه الاختلافات، يخبّىء كل منهم مصلحته الشخصية والفئوية في الوصول إلى زعامة الحزب المنهك، والمنهمك في الصراعات بين الأشخاص والمعسكرات. وخلفها أيضاً، يحاول كل منهم تحصين موقعه في واحد من مراكز القوى المتعددة القائمة، أو التي يمكن إقامتها، داخل الليكود: منبر الوزراء، كتلة الكنيست، السكرتاريا، المركز، الإدارة المقترحة، الانتخابات الأولية، ثم المؤتمر؟ وما يعزّز هذا القول غياب أية خلافات تذكر في المجالين السياسي والأيديولوجي، أقله حتى الآن.

              إن المعركة في شأن زعامة الليكود لم تكتمل فصولاً، ولا تزال احتمالات مستقبله مفتوحة، تتراوح بين الانشقاق (وربما التفكك)، وبين استمرار الوحدة الهشة فترة أُخرى. وفي الحالتين، تظل الحاجة قائمة إلى تيار قوي يمثل الاستمرار التاريخي للشق التنقيحي في الحركة الصهيونية. ويمكن المغامرة بالقول إن مثل هذا التيار سيخرج من بين أنقاض الليكود، وربما بالالتحاك مع حركة "تسومت" الصاعدة، وإن المرشح "الأوفر حظاً" للزعامة هو الذي يحظى، أكثر من غيره، بمواصفات الرجل الذي يستجيب لهذه الضرورة التاريخية.

أواسط آب/ أغسطس 1992 

[1]   أنظر: يراح طل، "هآرتس"، 25/6/1992؛ دانييل بن – سيمون، "دافار"، 24/6/1992.

[2]   أجرى المقابلة أبراهام تيروش. النص الكامل في: "معاريف"، ملحق السبت، 24/7/1992، ص 10-11.

[3]   "هآرتس"، 26/6/1992. أنظر أيضاً: "معاريف"، 26/6/1992.

[4]   أنظر: دان مرغليت، "معاريف"، 26/6/1992.

[5]   "هآرتس"، 26/6/1992.

[6]   مرغليت، مصدر سبق ذكره.

[7]   "هآرتس"، 26/6/1992.

[8]   أنظر: "هآرتس"، 29/6/1992.

[9]   للتفصيلات، أنظر: إيلان شاحوري، "هآرتس"، 30/6/1992.

[10]   أنظر: أوريت غاليلي، "يصعد من بين الأنقاض"، "هآرتس"، 5/7/1992.

[11]   د. بن – سيمون، "دافار"، 6/7/1992.

[12]   تتراوح التقديرات بشأن هذا العجز بين 8 ملايين شيكل و10 ملايين شيكل. للتفصيلات، أنظر أيضاً: "هآرتس"، 30/6/1992؛ مناحم راهط، "معاريف"، ملحق السبت، 10/7/1992، ص 5 – 6. بل إن اللجنة التي ألفتها كتلة الليكود في الكنيست قدرت هذا العجز بخمسين مليون شيكل، بحسب ما تسرّب من أعمالها إلى بعض المصادر. أنظر مثلاً: إيلان شاحوري، "هآرتس"، 12/8/1992.

[13]   أنظر: إيلان شاحوري، "هآرتس"، 5/8/1992.

[14]   للتفصيلات، أنظر: المصدر نفسه؛ إيلارن شاحوري، "فرادى في طرق الإصلاح"، "هآرتس"، 9/8/1992؛ شاحوري، "هآرتس"، 7/8/1992 و12/8/1992.

[15]   أنظر: شاحوري، "فرادى في طرق الإصلاح"، مصدر سبق ذكره.

[16]   شاحوري، "هآرتس"، 6/8/1992.

[17]   في واحد من تصريحاته النادرة، أعلن "أن ابن فقراء أيضاً سيدخل في مواجهة الأمراء." أنظر: بينا برزيل، "يديعوت أحرونوت"، ملحق السبت، 3/7/1992.

[18]   برزيل، مصدر سبق ذكره.

[19]   المصدر نفسه.

[20]   أنظر: غاليلي، مصدر سبق ذكره.

[21]   برزيل، مصدر سبق ذكره؛ إيلان شاحوري، "مفرق طرق"، "هآرتس"، 6/7/1992.

[22]   غاليلي، مصدر سبق ذكره؛ أنظر أيضاً: برزيل، مصدر سبق ذكره.

[23]   شاحوري، "فرادى في طرق الإصلاح"، مصدر سبق ذكره.