Kano, The Problem of Land in the National Conflict between Jews and Arabs, 1917-1990
Reviewed Book
Full text: 

مشكلة الأرض في الصراع القومي بين اليهود والعرب، 1917 - 1990*

جاك كانو. تل أبيب: سِفْريات بوعاليم، 1992.

 

يقع الكتاب في 162 صفحة، ويتألف من ستة أجزاء، تشتمل على ثمانية فصول، بالإضافة إلى الخلاصة والملاحق والإشارات البيبليوغرافية. ويغطي الكتاب فترة طويلة (73 عاماً) من الصراع على الأرض بين الشعب الفلسطيني ومشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. لذا، جاءت الفصول قصيرة، وأحياناً قصيرة جداً (صفحتان فقط، كما في الفصل الثاني).

يتناول المؤلف في الفصل الأول أصناف ملكية الأراضي عشية الانتداب البريطاني، ولا يضيف جديداً إلى هذا الجانب، المطروق كثيراً في مؤلفات بمختلف اللغات. لكن هذا الفصل يشتمل على إشارتين قد تفصحان عن المنحى العام للكتاب. ففي صفحة 24، يشير كانو إلى معاناة الفلاح الفلسطيني نتيجة البنية الإقطاعية للزراعة، وينتقل ليؤكد، بصورة قاطعة، أن "لا شك في أن الاستيطان اليهودي ساهم كثيراً في تخفيف ضائقة الفلاحين"! وفي صفحة 30، وما يليها، يتناول الأساليب الصهيونية في "تجاوز" قوانين الأراضي الانتدابية – مثل هذا التجاوز الذي سيكون ركناً ثابتاً في السعي الصهيوني/ الإسرائيلي للاستيلاء على الأراضي العربية.

في الفصل الثاني عن "الحركة الوطنية العربية ومشكلة الأراضي"، يشير المؤلف، بسرعة، إلى المحاولة الفاشلة التي قامت هذه الحركة بها لإنشاء "صندوق الأمة" سنة 1934 للحفاظ على الأراضي العربية. ويرد الفشل إلى "فساد" بعض أوساط القيادة نفسها، وتورط ذلك البعض في بيع الأراضي، وهو فساد شمل بحسب قوله، حتى قادة حزب الاستقلال، ورئيس "المشروع الإنشائي العربي" موسى العلمي، والقاضي د. كنعان، وعائلة روك، بل شمل أيضاً عوني عبد الهادي (في بيع أراضي وادي الحوارث)، وأبناء عائلة الحسيني (في بيع الأراضي التي أقيم كيبوتس كفار مناحم عليها) (ص 34 – 35).

تناول كانو السياسة الصهيونية حيال الاستيلاء على الأراضي العربية في الفصلين الثالث والخامس. ويرى المؤلف أن هذه السياسة تبلورت في النصف الثاني من الثلاثينات، بعد أن كان شراء الأراضي يتم "في أي مكان ممكن" (ص 36). ففي تلك الفترة، كانت الثورة الكبرى مشتعلة، وبدأت لجان التحقيق وغيرها تطرح مشاريع لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود. فاتبعت القيادة الصهيونية سياسة "فرض الوقائع على الأرض"، خصوصاً في الجليل الأعلى ووادي عارة وجنوبي بيسان وطريق يافا – القدس. وكان هدف هذه السياسة، كما حددها بن – غوريون، "ضمان الحدود المستقبلية للدولة"، و"تعزيز أمن الييشوف"، وزيادة الناتج الزراعي (ص 65). واستمرت هذه السياسة، فيما بعد، في مواجهة التطورات اللاحقة: الكتاب الأبيض؛ قانون الأراضي لسنة 1940؛ خطة موريسون – غرايدي لسنة 1946.

على الأرض، "اشترى" الصندوق القومي اليهودي، في الفترة 1936 -  1947، ما مجموعه 286 ألف دونم، يقر الكاتب بأن 175 ألف دونم منها (أي أكثر من 60% منها) تم "افتداؤها" من أيدي اليهود أنفسهم. كما يقر بما اشتملت صفقات الشراء عليه من ممارسات قامت شركات وأفراد يهود بها: السمسرة والمضاربة حتى على الصندوق القومي؛ الأساليب التي "تفتقر إلى أية قيمة قومية"؛ الخداع الذي وصل إلى حد بيع أراض "لا وجود لها بتاتاً" من يهود في الخارج (ص 40 – 41).

لكن كانو يزعم أن هذه السياسة الصهيونية "حرصت على عدم التسبب في ظلم الفلاح العربي، لأسباب براغماتية، وأُخرى أيديولوجية خلقية." وللبرهنة عن هذا الزعم، يضيف أن تلك السياسة تجسدت في منح تعويضات للمزارعين العرب و/أو "نقلهم" إلى أماكن أُخرى (ص 42). وبمناسبة الحديث عن النقل (الترانسفير)، يشير المؤلف إلى أنه لم يكن، من وجهة النظر الصهيونية، حلاً لمشكلة الأرض فحسب، بل كان حلاً سياسياً أشمل، يتضمن "نقل" أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى حوران أو إلى شرق الأردن (ص 46 – 47). ويشير إلى أن "ترانسفيراً" قد تم فعلاً، بعد شراء أراضي عائلة الشيخ زيناتي في بيسان، حين "نُقل" مزارعوها إلى شرق الأردن (ص 48). ومع ذلك، لا يعترف المؤلف بفشل فكرة "الترانسفير" بسبب عدم قدرة القيادة الصهيونية على تنفيذها في ذلك الحين، وعلى الرغم من تبني المؤتمر الصهيوني لها سنة 1937، ويصر على أنه "لم تكن خطط 'الترانسفير'، قط سياسة رسمية لقيادة الييشوف، وبذلك لم يكن هذا خط عملٍ أثمر نتائج.." (ص 49).

تناول الفصل الرابع مسألة "نزع الملكية" من أيدي العرب، وهي المسألة التي أجمعت لجان التحقيق (شو، سمبسون، فرنش) على أن الاستيطان يؤدي إليها. وهنا ينبري كانو لتناول المسألة، على غرار من سبقوه من المبررين الصهاينة وبالاستناد إليهم (كان آرييه ل. أفنيري، مثلاً، قد وضع كتاباً كاملاً عن الموضوع بعنوان "دعوى نزع الملكية"). ونراه يحرف الانتباه في هذه المسألة الحساسة، في اتجاهين:

1- القول بوجود شريحة كبيرة من "الحراثين" بين الفلاحين الفلسطينيين، تُحسب على مَن لا ملكية لهم، من دون النقاش الجدي للمسألة الأصلية (ص 56).

2- أكثر من ذلك، الزعم أن الاستيطان اليهودي قام بتطوير حثيث للزراعة وبتحديثها، الأمر الذي أفاد الفلاحين الفلسطينيين، والعرب في بعض الأقطار المجاورة (ص 56). وهنا أيضاً ينتقل الكاتب، على نحو مفاجئ، من القضية المطروحة للنقاش، ليبحث في "مسارات الهجرة العربية"، على امتداد ست صفحات زاخرة بالجداول (ص 57 – 62)، فَيَصِل التبرير به إلى حد التزوير، عندما يتلاعب بالأرقام المقارنة عن هجرة كل من العرب واليهود إلى فلسطين! (ص 62).

في الفصل السادس، يتناول كانو التحول الخطر الذي طرأ على مسألة الأرض، في إثر قيام الكيان الصهيوني. فمنذ صدور قرار التقسيم، لم يعد المطروح "شراء" أراض عربية، بل احتلالها، كما ذهب بن – غوريون، الذي لم يعد معنياً "بكوشان، بل بالقوة" (ص 71). وبعد قيام الكيان، تم الاستيلاء، بالطرق "القانونية"، على 4,588,973 دونماً من الأراضي "المتروكة" (ص 75). وأسفرت هذه التطورات عن بروز عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، يقدرهم المؤلف بما يتراوح بين 600 ألف و700 ألف لاجئ. وعلى الرغم من المنحى التبريري للكاتب، فإن بعض وقائع جلسة الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 16 حزيران/ يونيو 1948، التي ينقلها بنفسه، يبرهن بجلاء عن أن منع عودة اللاجئين كان "السياسة" التي تبنتها الحكومة (أنظر: ص 74).

يتابع المؤلف، في الفصل السابع، ما يسميه السياسة الحكومية حيال الأراضي في الفترة 1949 – 1967، أي، في الواقع، الوسائل التي اتبعت في هذه الفترة لمواصلة الاستيلاء على الأراضي العربية – وهي وسائل أصبحت – في أية حال – معروفة على نطاق واسع. ولم يبق في أيدي العرب، بعد الحرب، سوى 867 ألف دونم، "تقلصت" (بحسب تعبير الكاتب) إلى 529,428 دونماً فقط سنة 1950 (ص 79). وتواصلت عمليات الاستيلاء، استناداً إلى القوانين الجديدة والذرائع الأمنية – الاستيطانية القديمة/ الجديدة (أنظر ص 80 – 95). وهنا ينصف الكاتب الفلاح العربي، عندما يتحدث عن تعلقه بأرضه، وعن انخفاض "التعويضات" التي كانت تُفرض عليه لقاء الأرض (ص 94). وكان آخر المصادرات 80 ألف دونم من أراضي بدو النقب، تم الاستيلاء عليها بعد المعاهدة مع مصر، من أجل إقامة مطارات عسكرية جديدة عليها (ص 101).

يتناول الفصل الثامن، والأخير، من الكتاب "السياسة" الإسرائيلية حيال الأرض في المناطق المحتلة؛ بين سنتي 1967 و1990. ولا يضيف الكاتب هنا كثيراً إلى ما غدا معروفاً عن مختلف وسائل الاستيلاء على الأراضي العربية، في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان المحتلة، وعن المساحات التي تم الاستيلاء عليها، وعن المشاريع الاستيطانية... إلخ. وهو يقر، هنا أيضاً، بارتكاب القطاع الخاص "أعمالاً غير قانونية، بل وإجرامية" في أثناء بناء المستوطنات، ويعطي أمثلة لذلك (ص 121 – 122).

أما الخلاصة (ص 129 – 131)، فهي تجميع وتكثيف للمقولات التبريرية التي تخللت فصول الكتاب جميعاً. فالصهيونية، بحسب المؤلف، كانت تتمسك بـ"مفهوم يرضع من التاريخ"؛ وهي "فعلت كل شيء لتقليص الصراعات" مع العرب، "مع التفكير بمصير الفلاح العربي..."؛ و"حرب الاستقلال" أدت منذ البداية إلى فرار مفاجئ للسكان العرب"؛ و"الشروط الأمنية والاقتصادية والاستيطانية للدولة الفتية" هي التي أوجدت "الحاجة إلى حلول جذرية وعاجلة"، مثل تقييد حركة السكان العرب، ونقلهم من مكان إلى آخر، ومصادرة أراضيهم. ونشير هنا إلى أن المؤلف كان قد ذكر في مقدمة الكتاب "التورط الشخصي" الذي لا يمكن لأي باحث، "شاء أم أبى"، إلاّ أن يقع فيه لدى تناوله موضوع الصراع على الأرض في فلسطين (ص 11). وجاءت صفحات الكتاب دليلاً على هذا الاعتراف بـ"التورط" المذكور.

***

في هذا الكتاب، يعرض كانو المسألة، بصورة مغلوط فيها من أساسها، بوصفها "مشكلة الأرض في الصراع القومي بين اليهود والعرب". بل إنه يتخلى في هذا العرض، حتى عن المساواة الظاهرية بين طرفي الصراع، لمصلحة اليهود، حين يصور المسألة، في الخلاصة، بأنها تمسك من جانب الصهيونية بـ"حق اليهود في استيطان أنحاء أرض إسرائيل"، في ظل "المبدأ القائل بعدم إمكان طرد العرب الذين يسكنون الأراضي المفترض انتقالها إلى أيدي اليهود." وهو في هذا الكتاب يعرض الحجج الصهيونية بإسهاب نسبي، وبروح تبريرية، وقلما يتطرق إلى الحجج الفلسطينية – العربية المقابلة.

ومن جهة أُخرى، يعتمد الكاتب بصورة أساسية على المصادر العبرية، وإلى حد أقل على مصادر باللغة الإنكليزية. أما المصادر العربية فغائبة. وهذا ما ينسجم مع "التورط الشخصي" السالف الذكر. لكن ثمة بين مصادره العبرية ما هو شبه مغلق/ شبه مجهول من قبل الأكثرية الساحقة من الباحثين العرب في شؤون الصراع العربي – الصهيوني. ومن هذه المصادر: أرشيف الدولة، الأرشيف الصهيوني المركزي، أرشيف حزب العمل، بعض مذكرات ومؤلفات بن – غوريون، ويوميات يوسف فايتس.

قد لا يكون جاك كانو، مؤلف هذا الكتاب، مشهوراً، أو حتى معروفاً. لكن ما له دلالة في نشر الكتاب في هذا الوقت بالذات (بالنسبة إلى محاولات طمس الوقائع التاريخية في الصراع العربي – الصهيوني، وتجميل صورة المشروع والكيان الصهيونيين) هو أن الناشر ليس مؤسسة إسرائيلية يمينية، أو يمينية متطرفة، بل دار نشر تابعة للكيبوتس القطري، الحركة الاستيطانية لحزب مابام، وهو الحزب الأكثر "يسارية" في الائتلاف العمالي اليساري" الحاكم. هذا – وغيره – يجب أن يحثا الباحثين والكتاب العرب من أجل إبقاء جمرة الذاكرة التاريخية متوهجة، من خلال إعادة التنقيب في المصادر والمراجع والتعمق فيها، والتصدي – بالدحض – للمزاعم الصهيونية، قديمها والجديد.

 

*  الكتاب باللغة العبرية.