The Jordanian Demographic Bomb
Keywords: 
العلاقات الإسرائيلية - الأردنية
معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية 1994
عملية السلام
اتفاق أوسلو 1993
Full text: 

ثمة أسباب مختلفة دفعت الملك حسين نحو الخطوة الكبيرة على طريق الصلح بين بلده وإسرائيل. واستناداً إلى محادثات كثيرة أجريتها في الأردن خلال هذا الأسبوع، وصلت إلى اقتناع بأن هنالك ثقلاً حاسماً لسبب يبدو أننا لم نقف على كنهه بما فيه الكفاية: مخاوف الأردن من أن تفقد إسرائيل السيطرة على المسارات التي تحدث في المناطق [المحتلة]، بعد الاتفاقات بينها وبين الفسطينيين. ففي حين يبدو أن الفلسطينيين يعرفون بالضبط ما يريدونه من الاستمرار في هذه الطريق، وبأسرع وقت ممكن – دولة فلسطينية – يظهر أن ليس لدى حكومة إسرائيل موقف واضح.

تخشى عمان من أن يكون فقدان السيطرة الإسرائيلية على حساب الأردن، وأن يُمس بمصالحه ويهتز استقراره. وبما أن هنالك، إلى الغرب من الفلسطينيين، جاراً أكثر قوة، هو إسرائيل، فإن النشاط الفلسطيني السلبي سيتوجه نحو الجار الأكثر ضعفاً، إلى الشرق. إنهم غير واثقين في عمان إلى أين سيؤدي المسار الذي بدأ في أوسلو، وإلى أن سيدفع الفلسطينيون بالأوضاع، وماذا ستكون انعكاسات الصراع الداخلي بين م. ت. ف. وحماس.

ففي ذهابه إلى أوسلو، نقض عرفات الإجماع العربي على مسارات منسقة ومشتركة للاتفاق مع إسرائيل. لقد خشي عرفات أن تسبقه دمشق، فيدفع بالتالي إلى الزاوية. لذلك قرر عدم انتظار الآخرين، والاهتمام بالفلسطينيين قبل أي شيء آخر. لقد فعل عرفات في أوسلو ما فعله السادات قبله، مع أنه بارك عملية اغتيال السادات حينذاك. وبعمله هذا قلل مدى التزام الدول العربية تجاه المسألة الفلسطينية. ولم يعد هنالك ضرورة لانتظار الفلسطينيين في كل شيء. وهذا ما تعلموه جيداً في عمان أيضاً.

لقد أذهل اتفاق أوسلو الأردنيين. ووُجد في عمان من رأى فيه نقضاً لتفاهم قديم، كان من المبرر وصفه بأنه استراتيجي، بين إسرائيل والأردن. وكانت إسرائيل بالذات هي التي خرقت هذا التفاهم الاستراتيجي. لقد كان المحور الرئيسي لهذا التفاهم عن التعاون الهادف إلى صد القومية الفلسطينية. وقد بدأ ذلك خلال عهد الملك عبد الله واستمر بزخم أكبر، بل إنه توسع ليشمل مجالات أُخرى، مع الملك حسين. والاتجاه الإسرائيلي نحو م. ت. ف. تم من دون إنذار، والهزة في عمان كانت كبيرة.

وبعد وقت قصير من اتفاق أوسل، سارع رابين وحسين إلى اللقاء في خليج العقبة. وحاول رئيس حكومة إسرائيل إسماع أقوال مهدئة والإقناع أن شيئاً لم يتغير في موقف إسرائيل من الأردن. لكن الملك لم يهدأ، بل كان هنالك سبب وجيه لقلقه. فالاتفاق الاقتصادي بين إسرائيل وم. ت. ف. الذي وقع بعد أشهر من اتفاق أوسلو، مس بالأردن بصورة جدية وعرضة لأزمة مالية. وكان في وسع الملك أن يفترض أن تطمينات رابين غير جدية، أو أنه لا يسيطر فعلاً على الواقع على الأرض. ومرة أُخرى وجد في عمان من راح يتساءل إذا كانت إسرائيل قررت المراهنة على الفلسطينيين. ووجد بين الزعامة الأردنية من راح يقول إنه حتى لو لم تكن لدى إسرائيل نية للمس للأردن، فإن النتائج ستكون صعبة.

وعلى الجانب الفلسطيني أيضاً، لم تكن هنالك بشائر طيبة للأردن في إثر اتفاق أوسلو. لقد أقيمت حقاً لجنة تنسيق أردنية – فلسطينية، وراح الطرفان ينسقان فيما بينهما ظاهرياً، لكن عملياً لم تقدم م. ت. ف. تقارير حقيقية للشريك الأردني. وقد تم التوصل إلى اتفاقات، لكنها عملياً جُمدت من قِبل م. ت. ف.، ولم تختف الشكوك القديمة بين الأردنيين والفلسطينيين. وقال لي أحد زعماء م. ت. ف.: "إن الأردنيين يتصرفون وكأن كل إنجاز في علاقاتنا بإسرائيل قد سرق منهم. وشعر الأردنيون بذلك بسبب شكوكهم في أن الأمور تسير من وراء ظهرهم وعلى حسابهم."

لقد مست حرب الخليج بالأردن بصورة قاسية. فالسعودية ودول غنية أُخرى في الخليج أوقفت مساعداتها الاقتصادية للمملكة الهاشمية. والضربة القوية للغاية جاءت من السعودية بالذات. وأضيفت إهانة للشرخ الاقتصادي المؤلم: فقد وافق الملك فهد على استقبال عرفات لفترة قصيرة على الرغم من موقفه المثير للغضب وتأييده لصدّام [حسين]. لكن الملك السعودي امتنع من الاجتماع إلى حسين... وعقب حرب الخليج تدفق على الأردن نحو 400 ألف لاجىء فلسطيني من الكويت. ويسمى هؤلاء اللاجئون، ومعظمهم من حملة الجوازات الأردنية، "الكويتيين"، لأنهم أمضوا أعوام حياتهم في الكويت لا الأردن. ومجيء هؤلاء (نحو 10% من مجموع السكان) أخلّ بالتوازن السكاني في الأردن، من وجهة نظر النظام الهاشمي، وقوّى الأزمة الاقتصادية. وفي القيادة الأردنية، سارع مسؤولون إلى استخلاص النتائج؛ فأدركوا في عمان أن انتظاراً زائداً وتأجيلاً يمكن أن يدفعا الأردن نحو الزاوية أكثر فأكثر. فالأردن يمكن أن يتحول إلى عامل هامشي بالنسبة إلى المسارات الكبيرة التي تدور اليوم في المنطقة، وخلال ذلك سيحصل الفلسطينيون على استقلالهم في ترتيب غير خاضع للرقابة. وسيكون هذا استقلالاً غير مضبوط. ولذلك فهو خطر. وخلال النقاش الأردني طرحت طبعاً آراء أُخرى بشأن التكتيك الذي ينبغي انتهاجه. وكان هنالك من ادعى أنه إذا لم يكن في المستطاع منع الاستقلال الفلسطيني، فمن الأحسن عدم معارضته. بدلاً من ذلك، على عمان أن تلائم نفسها مع الواقع الجديد وتكتفي بوضع الشروط في مقابل تأييدها.

ومن الدروس التي تم استخلاصها في عمان هو أنه ينبغي الاتصال بإسرائيل والاقتراح عليها الإسراع في المفاوضات بشأن رسم الحدود بصورة نهائية بينها وبين الأرد، والبحث في توزيع عادل للمياه بين البلدين. وفي تلك الآونة، أي قبل بضعة أشهر، اتسم موقف إسرائيل تجاه الأردن بالبرود، وهو ما زاد في القلق في عمان. وتوجه الأردنيون إلى واشنطن، لكن الأميركيين قالوا لهم آنذاك: عودوا إلى إسرائيل وأقنعوها. فالأميركيون ركزوا على دمشق ولم يعتقدوا أن هنالك ما يبرر توظيف أكثر مما ينبغي في المسار الأردني، حتى يقوم الملك بخطوة علنية وذات معنى.

وعلى الرغم من المصلحة الإسرائيلية الواضحة في التعاون مع الأردن والحفاظ على النظام الحالي في هذه الدولة، فقد تطورت في إسرائيل آنذاك مشكلة بالنسبة إلى الأردن. والمشكلة في أساسها تعود إلى تردد الأردن. ولم يكن هذا، في أية حال، تردداً قائما في حد ذاته، بل إنه كان جزءاً من تكتيك الحفاظ على البقاء. وميدانياً، كان هناك حقاً تعاون طيب بين إسرائيل والأردن، لكن عمان رسمياً ثابرت على السير وراء الفلسطينيين خطوة بعد أُخرى. وأحسن مثال لذلك كان توقيع اتفاق جدول الأعمال بين إسرائيل والأردن. فقد بحث في الاتفاق، وتمت المصادقة عليه في خريف 1992، لكنه لم يوقّع في واشنطن إلا في 14 أيلول/ سبتمبر 1993 – أي بعد يوم واحد من توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل وم. ت. ف. ف حديقة البيت الأبيض. وتذكروا في إسرائيل أن اتفاقات أُخرى مع الأردن أجّلت عدة مرات سابقاً حتى اللحظة الأخيرة، وذلك منذ مسودة مشروع السلام مع [الملك] عبد الله.

إذاً، تقرر انتظار الأردن، على افتراض أنه، في أية حال، لن يتخذ الخطوة العلنية الكبيرة. لكن الملك أقدم على أمور مفاجئة هذه المرة. فقد فاجأ أولاً في طلبه نقل المحادثات إلى منطقة الشرق الأوسط. ففي عمان أدرك المسؤولون أنهم في واشنطن يعملون أكثر في مجال العلاقات العامة وكل شيء هناك أمام آلات التصوير التلفازية، وفي الشرق الأوسط فقط يمكن القيام بعمل أكثر جدية. إلا إن الأساس كان قرار الملك حسين بالتبكير في عقد لقائه العلني مع رئيس الحكومة رابين. فالملك حسين هو الذي خطط لهذا اللقاء... وبالنسبة إلى إسرائيل، كان هذا برهاناً عن الانعطاف: لقد قطع الملك حاجزاً نفسياً مهماً. بل الأكثر أهمية من ذلك هو إنه يراهن على أن الرئيس الأسد لن يحاول نسف هذا المسار. وانضم الأميركيون بسرور إلى المركبة الأردنية – الإسرائيلية، لكن ليس قبل أن يبلغ الرئيس كلنتون الرئيس الأسد بذلك. وقيل للرئيس السوري بلهجة ناعمة: حاول من فضلك ألاً تقوم بما يمكن أن يسيء إلى الحفلة الجديدة بين الملك حسين ويتسحاق رابين...

ويبدو، بالنسبة إلى الأردن، أن المشكلة هي أكثر عمقاً من تغيير التكتيك، وتتعلق أيضاً بتوقيت إجراء التغيير وبوتيرة التقدم نحو اتفاق سلام مع إسرائيل. فمنذ أعوام تصل من ناحية إسرائيل إشارات سلبية مختلفة كان يصعب على الأردنيين أكثر من مرة فهم معانيها. وفي نظر الأردن، هنالك متاعب تثار من قِبل قطبين إسرائيليين سلبيين: الأول يجد تعبيراً عنه في معسكر اليمين، ويمثله أريئيل شارون الذي يزعم (حتى وقت متأخر) أن الأردن هو فلسطين؛ أي ما يعني تأييداً لتصفية النظام الهاشمي. أما القطب السلبي الآخر فإنه موجود في المعسكر المضاد بالذات، اليسار، الذي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية. وهذا الاقتراح أيضاً اعتبر خطراً على الأردن.

[.......]

وفي التعاون الآخذ في التجدد ثانية بين الأردن وإسرائيل، سيحاول الطرفان طبعاً مرة أُخرى أن يجدا معادلة لصد التطلعات الفلسطينية المبالغ فيها، والتي يمكن أن تشكل خطراً على الأردن وعلى إسرائيل أيضاً. وكما أن من مصلحة إسرائيل إنهاء سيطرتها على شعب غريب، سيكون أيضاً من مصلحتها ألاّ يسيطر الفلسطينيون على الأردن. إن لإسرائيل مصلحة حيوية في قيام أردن محايد من دون الاهتمام بمن يحكم هناك... إن الأردن يمكن أن يشكل دولة حاجز [بين جيرانه]... الأقوى منه، والذين يكون تجميعهم مصلحة في الحفاظ على سلامته الإقليمية. ومساهمة الأردن في هذا الترتيب الجغرافي – السياسي ستكون في عدم السماح لأية دولة في إدخال قوات إلى أراضيه وتشكيل خطر على الآخرين. وهذا هو التوازن الصحيح بين إسرائيل وسوريا والسعودية ومصر، وفي المستقبل العراق أيضاً؛ وعلى الجميع المساهمة فيه.

أما اندماج الفلسطينيين في مثل هذا الترتيب فإنه لا يزال موضع بحث. لقد "ضمت" إسرائيل الفلسطينيين [إلى مثل هذا الترتيب] في اتفاق أوسلو، لكنها لم تبعد نفسها مطلقاً عن المشاركة مع الأردن. ورأينا شهادة على ذلك هذا الأسبوع في واشنطن، في اللقاء بين الملك حسين ويتسحاق رابين. إن لإسرائيل خبرة كبيرة مع الشريك الأردني، التي كانت في مجملها ناجمة على الرغم من العثرات الكثيرة على الطريق. وعلى الرغم من كثرة التساؤلات بشأن مصير النظام الهاشمي في الأردن، فيجب ألا ننسى أن هذا النظام لا يزال قائماً منذ سنة 1922، وقد تغلب على عوائق كثيرة. لقد عقدنا مع الفلسطينيين اتفاقاً أولياً، وانطلقنا معهم على طريق لا نعرف نهايتها. والمصلحة الإسرائيلية تكمن في تقوية الأردن وحكامه. وهذا سيمنع تحول الاتفاق مع م. ت. ف. إلى نمو غير طبيعي.

 

المصدر: "هآرتس"، 29/7/1994.

Author biography: 

زئيف شيف: المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس".