غزة شوكة في الحلق
Keywords: 
قطاع غزة
الاحتلال الإسرائيلي
الرأي العام الإسرائيلي
انسحاب القوات الإسرائيلية
Full text: 

لم تكن أمنية رابين في "أن تغرق غزة في البحر" تعبيراً عن عنصرية وكراهية للأغراب عميقتي الجذور، بقدر ما كانت تعبيراً شبه سريالي عن المعضلة الحقيقية التي تشكلها غزة لإسرائيل من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والخلقية كافة. فهي كالشوكة في الحلق، إخراجها أو ابتلاعها شرّان متعذران، أما بقاؤها فمؤلم ألماً لا يطاق.

ويتيقظ الرأي العام الإسرائيلي، كما ينعكس ذلك في الحوارات السياسية والإعلامية، لوجود غزة كلما وقع حادث عنيف له صلة ما بها. ولا تتدفق الاقتراحات المتنوعة من كل صوب بالتخلص من غزة، سواء بالانسحاب منها أولاً، أو بتطبيق مشاريع الحكم الذاتي عليها من طرف واحد، إلا "مع عناوين الصحف التي تقطر دماً."[1]  أما قبل ذلك وبعده بقليل، فتعود غزة إلى موضعها الأبعد عمقاً في اللاوعي الإسرائيلي، ويعود المسؤولون إزاءها إلى طمر الرؤوس في الرمال وإما إلى التمني بغرقها في البحر واختفائها فجأة من الوجود.

وفي غمرة الحدث تتصارع الأفكار وتتضارب الرؤى في شأن ما ينبغي لإسرائيل أن تفعل بغزة. ويعود السؤال الأزلي يكرر نفسه عن جدوى بقاء إسرائيل في غزة، ومغزى هذا البقاء. ومثلما هو الوضع في كل معضلة حقيقية، فإن المحصلة النهائية لهذا الجدال تكون دوماً سجوداً متواصلاً وتثبيتاً راسخاً للوضع الراهن. ذلك بأن حجج المؤيدين للانسحاب لا تقل قوة عن حجج المعارضين له. فيبقى الوضع الراهن هو الحل الموقت إلى أن يأتي حدث عنيف آخر، فيوقظ الناس، ويتجدد الجدال والصراخ في دعم أو معارضة ابتلاع الشوكة أو إخراجها.

تنقسم حجج المؤيدين للانسحاب من غزة إلى قسمين مبدئيين: فهناك أصلاً من يؤيد الانسحاب لا من غزة فحسب بل كل الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، وحتى بغض النظر عن وقوع هذا الحادث أو ذاك. فالاحتلال، في نظر هؤلاء، فاسد وباعث على الفساد. واستمرار الوضع الحالي أسوأ كثيراً من المخاطر المرافقة للانفصال عن المناطق. ويؤكد هذا الطرح أن الجمهور الإسرائيلي، في أغلبيته، يعي هذه الحقيقة، وانه عكسها بإسقاطه أنصار أرض إسرائيل الكاملة في الانتخابات الأخيرة. وبالتالي فإنه يدعو إلى التخلص من المناطق للنجاة من إفلاس سياسي واقتصادي وخلقي.[2]

وعلى النهج نفسه، يرى هذا التيار أن الانتفاضة عرت الاحتلال الإسرائيلي وأجبرته على أن يكشف وجهه الحقيقي، حتى اضطر إلى أن يسلك سلوك المحتل صراحة، وأن يكف عن أن يكون "احتلالاً مستنيراً".[3]

لقد ألحق الاحتلال بإسرائيل "انفصاماً في الشخصية"، و"تشويهاً عميقاً للذات وللآخرين"، وفقداناً "للإحساس ولتحكيم الضمير". وتمثل ذلك في تشوّه صورة العالم في نظر الإسرائيلي، وفي الانفصال عن الواقع الأليم المعذب للضمير كسبيل وحيد للتخلص من عبء الإحساس بوخز الضمير لما تفعله الأيدي في ساحة المنزل الخلفية. وبات النحي باللائمة على الضحية مخرجاً آخر من هذا العبء. فالضحية هي المذنبة في أنها "أجبرتنا" على أن نضربها أو نقتلها، كما بات التمييز قائماً لا بين الدم والدم فحسب بل "بين الشجر والشجر" أيضاً.

لقد شوهت السيطرة على شعب آخر إسرائيل، ودفنت ضميرها في التراب، ولهذا يجب الخروج من هناك كحل وحيد لذلك.[4]

وضمن هذا الإطار، نجد مَنْ لا يبلغ هذا المستوى من الوعي أو الإقرار بما أصاب الإسرائيليين من تشويه، فلا يعترف إلا بقشور هذا التشويه. فصحيفة "هآرتس" أرقها ضميرها حتى قالت: "إننا نضطر إلى فرض حظر التجول على نصف مليون نسمة بغية البحث عن القتلة." ولا ترى سبيلاً للخروج من "هذه الورطة إلا بمواصلة المسيرة السلمية"، على أمل أن تخرج من غزة ببعض من ماء وجهها.[5]

وهناك قسم آخر من الرأي العام في إسرائيل يميّز وضع غزة من وضع ومكانة الضفة الغربية في إطار الحلم والواقع الصهيونيين معاً. ففوائد غزة على هذين الصعيدين لا تضاهي، بأي قدر، فوائد الضفة الغربية، وكذا أضرارها. وفي الغالب، فإن الواقع والحلم الصهيونيين، على حد سواء، لا يقبلان بغزة إلا على سبيل القط الذي يُعرض مع الجمل. فلم يكن في وسع إسرائيل إلا أن تأخذ غزة عندما أخذت سيناء، وما كان في وسعها أن تلقم مصر غزة عندما استرجعت هذه سيناءها. وهكذا رُبط مصير غزة إلى حد بعيد بمصير الضفة الغربية، وإنْ كان ذلك على مضض من واقع الصهيونية وحلمها.

ومن حيث "مميزات" غزة الخاصة قياساً بالضفة، فإنها تجمع سكاني كبير لمئات الآلاف من السكان الفلسطينيين المعادين، حتي "أن كل واحد منهم هو مخرب محتمل."[6]  ولا يوجد في القطاع أراض ذات قيمة تذكر. فلا يوجد فيه جبل مسيطر على محيطه من الناحية الاستراتيجية، أو نقطة رقابة لمتابعة تحركات جيوش معادية. وهو لا يمت إلى اليهود بأية وشائج تاريخية. "فمن ذا بحاجة إلى هذه الرمال، بكل ما فيها من كراهية؟ وما الذي يساوي فيها حياة رجل يهودي واحد؟" تلك هي مسوغات مؤيدي الانسحاب من غزة، التي يرى فيها معارضوه مسوغات تدل بوضوح على التعب.[7]

والتعب واضح لدى مؤيدي الانسحاب بقدر وضوحه لدى معارضيه. فالجمهور، في واقع الحال، لم يعد يحكم على الأمور بالمنطق "الطليعي" نفسه الذي اختطه الصهيونيون الأوائل. وهو يشعر بلا جدوى الثمن الدموي الذي يدفعه لقاء احتفاظه بقطاع على مثل هذه الضآلة من الفائدة. فالدعوات إلى الانسحاب فوراً من غزة، أو إلى تطبيق مختلف المشاريع عليها من طرف واحد، لا تنم عن الاقتناع بعدم جدوى البقاء فيها فحسب، بل أيضاً "تنم عن الكآبة والإحباط والتعب من التضحيات التي لا مبرر لها."[8]

وتتركز حجج المؤيدين للانسحاب من غزة، أو للبدء بتطبيق الحكم الذاتي عليها أولاً، في أربعة اتجاهات:

1-  غياب المصلحة: ليس لإسرائيل "أية مصلحة قومية في القطاع على المدى البعيد"، سواء كانت هذه سياسية أو استراتيجية – أمنية أو اقتصادية – استيطانية أو حتى خلقية – معنوية؛ "فنحن غير ملزمين بالبقاء هناك"[9]  تحت أية ذريعة خلقية، كمنع إمكان الاقتتال الفلسطيني، أو أن يصبح القطاع مسلخاً داخلياً تحت وطأة الخلاف السياسي أو البطالة التي ستستشري بعد قطع أرزاق عشرات آلاف العمال من القطاع في إسرائيل. فإذا لم يتدبر الفلسطينيون أنفسهم "فهذه مشكلتهم".[10]

2-  عدم جدوى الثمن: يسبب القطاع للإسرائيليين ألماً، ويكبدهم خسائر في الأرواح لا يشعرون بجدوى ثمنها. وعندما يكون الانسحاب درءاً لخطر محدق بالجنود الإسرائيليين في غزة، وتوفيراً لأرواحهم، فإن الانسحاب لن يكون انهزاماً وإنما شعوراً بالمسؤولية.[11]   كما أن الانسحاب سيضح حداً لعملية الإفساد الخلقي الذي تدفع إسرائيل بشبابها نحو شباكه بسيطرتها على شعب آخر.[12]

3-  الآن أفضل: عاجلاً أو آجلاً سيكون من الضروري إخلاء المناطق الكثيفة بالسكان العرب. وبالنسبة إلى غزة، التي تشكل أكبر كثافة سكانية فلسطينية في أقل مساحة ممكنة، فإن الأمر سيكون أفضل كلما جاء أسرع. كما أنه يجب عدم الانتظار إلى وقت "نضطر فيه إلى الخروج منها من دون خيار آخر، كما جرى في لبنان."[13]

4- حث المفاوضات: سيحث الانسحاب من غزة المفاوضات السياسية، إذ سيشكل ضغطاً على الفلسطينيين لإنهاء المفاوضات بسرعة، من أجل التفرغ لحل المشكلات المتوقعة في القطاع بعد خروج إسرائيل منه.[14]

أما معارضو الانسحاب، فهم ينقسمون بدورهم إلى قسمين مبدئيين: القسم الأول يعارض كل انسحاب من أي قطاع من قطاعات "أرض – إسرائيل"، بغض النظر عن ندرة أو كثرة منافع هذا القطاع المادية، أو البؤس الخاص الذي قد يسود في القطاع، ذلك "بأن الوطن وحبه غير محدودين بالأماكن الجميلة واللطيفة أو الخالية من الناس"؛ فهذا "تفكير ساذج" يمكن أن يمس كامل "الحق" الصهيوني في أي قطاع آخر، بل في كل القطاعات الأخرى من البلاد. وهو يتعارض والبديهة الصهيونية التي تقول إن "كل مكان، كان جبلاً أو وادياً أو تلة أو مستنقعاً أو قفراً، يستحق القتال من أجله.[15]

أما القسم الآخر، فإنه لا يعارض فكرة الانسحاب من غزة معارضة مطلقة غير قابلة للجدل. لكنه يعارض الانسحاب الفوري أو الانسحاب من طرف واحد ما دام هذا الانسحاب ليس جزءاً من تسوية سياسية وترتيبات أمنية وحلول سكانية واقتصادية ملائمة. وهو يسوق الحجج السياسية والأمنية والخلقية التالية، لتبرير رفضه هذا:

أمنياً: إن الانسحاب من أية منطقة لن يزيل الخطر الأمني إذا لم يأت كجزء من تسوية سلمية. والدليل على ذلك تجربة سنة 1956، التي وقع فيها بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة أعمال عنف عرضت الأمن الإسرائيلي للخطر، وجاءت بتطورات خطرة أسفرت عن تدهور الوضع، إلى أن اندلعت حرب الأيام الستة. فلا يعقل، في رأي هذا التوجه، أن تهرب إسرائيل من المناطق التي يسيطر الجيش الإسرائيلي عليها من دون سلام يحقق الأمن.[16]  كما أن الانسحاب لهذه الصورة يشكل خضوعاً للإرهاب، وتشجيعاً له.[17]   إذ ما أن تخرج إسرائيل من غزة حتى يدخلها ياسر عرفات في مصفحة مصرية عبر العريش.[18]  وتنشأ "بنية تحتية للإرهاب والعدوان نضطر فيها إلى أن نعود من جديد لتدميرها." وهذا أمر سيجبي هو الآخر ثمنه.[19]

سياسياً: بينما تسعى الدوائر التي تؤيد الانسحاب من غزة للتخفيف من المتاعب والآلام التي تسببها السيطرة الإسرائيلية عليها، تعترف الدوائر المعارضة بهذه المتاعب والآلام، لكنها ترغب في الإبقاء على هذه السيطرة إلى أن تتحقق التسوية السلمية التي تتيح هذا الانسحاب، من دون أن يكون هروباً وهزيمة. فقد صرح رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، قائلاً: "إن الوضع الحالي في غزة، على الرغم من متاعبه وآلامه، أفضل من الحل المقترح علينا، لأن الانصراف والهرب لا يشجعان الحل، وإنما يبعدانه."[20]

كما أنه لا يمكن لإسرائيل، بحسب هذا الاتجاه، أن تتخذ خطوة درامية كهذه في غزة من دون وجود طرف عربي يؤيدها أو يعترف بها كحل لمشكلة القطاع.[21]   ناهيك بأنه يعتبر أن هذه الخطوة ستؤثر سلباً في مكانة الوفد الفلسطيني، وتجعل الجمهور الفلسطيني يعتقد عدم جدوى التفاوض سبيلاً لإخراج إسرائيل، الأمر الذي يعزز مكانة حماس والجهات الفلسطينية المتطرفة، ويؤكد صحة نهجها في أن العنف وحده هو الذي يخرج إسرائيل من المناطق.[22]

إضافة إلى ذلك، فإن الخروج من غزة بهذه الطريقة سيشكل، من الناحية السياسية، سابقة يصعب معها تثبيت السيطرة الإسرائيلية في مناطق أخرى، كالضفة الغربية والقدس الشرقية.[23]

خلقياً: يدعي بعض معارضي الانسحاب من غزة أن أي انسحاب من القطاع، من دون ترتيب أمني مسبق، سيعني "الفوضى"[24]  والاضطرابات السياسية والاجتماعية. فالانسحاب يعني إغلاق الباب في وجه عشرات الآلاف من العمال الذين يلتقطون رزقهم بالعمل في إسرائيل، ولا يمكن أن تحتمل إسرائيل مثل هذا العبء الذي يشكل "مشكلة خلقية من الدرجة الأولى."[25]

ونلاحظ هنا أنه يوجد شبه إجماع، حتى في أوساط معارضي الانسحاب، على رفض الانسحاب لا من الناحية المبدئية، وإنما من الناحية الإجرائية فحسب. فإذا ما توفرت الشروط السياسية التي تضمن حل المشكلات الأمنية والاقتصادية والخلقية، بحيث لا يشكل القطاع عبئاً على إسرائيل، حتى بعد الانسحاب منه، فإن علاقات القوى بين مؤيدي الانسحاب ومعارضيه ستختل اختلالاً خطراً، وتغدو معارضة الانسحاب تقارب الصفر.

ومهما يكن من أمر، فإن المحصلة التي يخرج الجدل بها دوماً هي استمرار الوضع الراهن، واقتراح حلول موقتة لواقع صعب. وتتخذ هذه الحلول أشكالاً مختلفة:

- تصعيد القمع: يعتقد البعض أنه ما دامت إسرائيل في القطاع فإن في وسعها، بل ينبغي لها أن تمنح جيشها حرية أكبر في العمل لمكافحة العمليات العسكرية للفلسطينيين في غزة.[26]

ويندرج تحت العنوان مقترحات ملموسة أخرى، كإعلان حالة الطوارىء ومنع أجهزة الإعلام من دخوله، لكن من دون إغلاقه إغلاقاً محكماً.[27]  ولعل ذلك وفق قاعدة أُترك للقط منفذاً.

-  انسحابات داخلية: ويرى آخرون أن على الحكومة أن تعمل على تخفيف الاحتكاك بالسكان، وذلك من خلال إخراج القوات من مراكز المدن في المناطق، على أن يترافق ذلك مع إبداء مزيد من المرونة في المفاوضات.[28]

- التفاوض مع م. ت. ف.: يرى اتجاه آخر أنه لا يمكن أن تخفف الحكومة من آلام الاحتفاظ بغزة إلا عبر الاتصال المباشر والرسمي بـ م. ت. ف.، على اعتبار انها رب البيت في غزة وفي الضفة، وأن الحديث مع رب البيت هو السبيل الوحيد لحث المفاوضات، وبالتالي التخلص من مشكلة غزة.[29]

ولا يفوتنا هنا أن نلاحظ أنه على الرغم من تمحور الجدل حول إيجاد حلول لمعضلة غزة عبر تأييد الانسحاب أو معارضته، فإنه يواكب هذا الجدل طرح آخر متميز من هذين القطبين، يتمثل في أن المشكلة لا يمكن حلها بالامتناع من الانسحاب، ولا حتى بعد الانسحاب. فالقطاع الذي قد يتحول إلى "قنبلة ضخمة إلى جانب إسرائيل"، يستدعي حلاً من نمط إسكان فائض السكان في دول أخرى، وإبقاء القطاع جزءاً من "أرض إسرائيل، ليغدو ذخراً عالياً وجزءاً معتبراً وحيوياً من شاطىء أرض إسرائيل."[30]

وتتقاطع المواقف السياسية للأحزاب والمحافل السياسية في إسرائيل، بالنسبة إلى هذه المسألة، مع طروحات الرأي العام كما تعكسها وسائل الإعلام، وعلى رأسها المكتوبة منها. فحزب الليكود بأكثريته الساحقة، إنْ لم يكن بكامله، يعارض كل شكل من أشكال الانسحاب من المناطق المحتلة إجمالاً، بما في ذلك غزة، لاعتبارات أيديولوجية وسياسية وأمنية. لكن، وكما رأينا سابقاً، فقد يقترح بعض مسؤوليه حلولاً عملية للمشكلات الأمنية الناشئة، مثل: فرض طوق على القطاع، وتقنين دخول العمال منه إلى إسرائيل، وغير ذلك من الإجراءات التي اتخذها الليكود عندما كان في السلطة.

أما أحزاب اليمين المتطرف، كموليدت وتسومت، فهي مشدودة إلى الأبعاد الأيديولوجية للرفض أكثر منها إلى الأبعاد السياسية والأمنية المباشرة.

ويتركز الجدل فيما يتعلق بالجانب العملي لأهمية الانسحاب من غزة، في القسم اليساري من الخريطة السياسية الإسرائيلية. ومن الطبيعي لمن يعارض الاحتلال ويراه أصل الشرور، كحركة "السلام الآن" وحركات الاحتجاج الجماهيري المختلفة ("يوجد حد"، "نساء في السواد"، "21 عاماً على الاحتلال"، "أساتذة جامعيون ضد الاحتلال"، وغيرها من الحركات) أن يرى في الانسحاب العلاج السحري لأمراض إسرائيل كلها، وإنْ كانت الجهات الأكثر قرباً من السلطة حالياً، وبتأثير من حركة ميرتس التي يشارك العديد من نشطائها في حركة السلام الآن وحركات الاحتجاج الأخرى، باتت تتجه – بعد أن غدت ميرتس في السلطة – إلى موقف الربط بين موضوع الانسحاب والتسوية السلمية، ولم تعد تطرح الانسحاب من طرف واحد إلا مطوقاً بسلسلة من الشروط.

وشرحت لي الناطقة بلسان حركة ميرتس، يعيل كيسلر، أن مؤسسات الحزب لم تبت بعد في شأن اقتراح الانسحاب من غزة، سواء بالكامل أو على نحو جزئي، كما يقترح النائب ران كوهين في مشروع قانون شخصي. وأكدت أن النائب كوهين يقدم مبادرة خاصة وشخصية، لم تبحث مؤسسات الحركة فيها، ولم تتخذ موقفاً رسمياً في شأنها.[31]

ويتضح من هذا أن الوجود في السلطة قد "لجم" حركة ميرتس، وأضفى طابعاً متحفظاً على تصريحات زعمائها، بفعل المسؤولية السياسية والائتلافية. أما على الصعيد الداخلي، فمن المرجح أن يتخذ وزراء ميرتس الأربعة، ألوني وروبنشتاين وتسبان وساريد، في حالة إجراء مناقشة في الحكومة بهذا الشأن، موقفاً مؤيداً لمبادرة وزيرين بارزين من حزب العمل، هما حاييم رامون وعوزي برعام، تدعو إلى الخروج من غزة، أو على الأقل إلى إعلان الانسحاب من غزة في غضون فترة عام أو عامين.

وقد كان لاعتبار الوجود في السلطة أهمية بارزة ايضاً في تغيير موقف وزير الخارجية، بيرس، الذي بات يربط الانسحاب من غزة بحدوث تقدم في المفاوضات السياسية. وهو يتفق الآن مع رابين الذي يعتقد أن البقاء في غزة هو في مصلحة الحل السياسي، وأنه يجب عدم "الهروب" من القطاع قبل تحقيق إنجاز سياسي ملائم.

شباط/ فبراير 1993

 

المصادر:

[1]  جدعون سامت، "من دون عصبية"، "هآرتس"، 16/12/1992.

[2]  يتسحاق غال – نور، "المناطق ليست جزءاً من دولة إسرائيل"، "معاريف"، 9/12/1992.

[3]  نيفا لنير، "خمسة أعوام على الانتفاضة"، "دافار"، 8/12/1992.

[4]  شولاميت هار – إيفين، "خمسة أعوام وولد"، "يديعوت أحرونوت"، 4/12/1992.

[5]  "هآرتس" (الافتتاحية)، "فلنعجل المسيرة حتى نخرج من غزة"، 9/12/1992.

[6]  "يديعوت أحرونوت" (الافتتاحية)، "غزة لماذا؟"، 9/12/1992.

[7]  شموئيل شنيتسر، "من بحاجة إلى قطاع غزة"، "معاريف"، 11/12/1992.

[8]  عوزي بنزيمان، "بفضل الطبيعة"، "هآرتس"، 13/12/1992.

[9]  تصريح لوزير الصحة، حاييم رامون، "يديعوت أحرونوت"، 14/12/1992.

[10]  دان مرغليت، "فليتدبروا أنفسهم من ناحية اقتصادية"، "هآرتس"، 11/12/1992.

[11]  ألكس فيشمان، "لم يقتل، مصادفة، مزيد من الجنود"، "حداشوت"، 8/12/1992.

[12]  مرغليت، مصدر سبق ذكره.

[13]  "عال همشمار" (الافتتاحية)، "كفى مماطلة"، 9/12/1992.

[14]  مرغليت، مصدر سبق ذكره.

[15]  شنيتسر، مصدر سبق ذكره.

[16]  أبراهام تمير، "غز: ثمن المغادرة"، "يديعوت أحرونوت"، 14/12/1992.

[17]  "معاريف" (الافتتاحية)، "إغلاق ومنع تجول"، 9/12/1992.

[18]  إلياهو بن إليسار، "غزة مهمة الآن"، "يديعوت أحرونوت"، 14/12/1992.

[19]  تمير، مصدر سبق ذكره.

[20]  "معاريف"، 9/12/1992.

[21]  يوسف حريف، "غزة أولاً"، "معاريف"، 9/12/1992.

[22]  بارلي شاحر، "فلنخرج من غزة من دون هرب منها"، "عال همشمار"، 16/12/1992.

[23]  "معاريف" (الافتتاحية)، "إغلاق ومنع تجول"، 9/12/1992.

[24]   تصريح لوزير الخارجية، شمعون بيرس، "يديعوت أحرونوت"، 9/12/1992.

[25]  شاحر، مصدر سبق ذكره.

[26]  ألكس فيشمان، "إنْ كانوا غير قادرين فليقولوا ذلك"، "حداشوت"، 11/12/1992.

[27]  بن إليسار، مصدر سبق ذكره.

[28]  سامت، مصدر سبق ذكره.

[29]  أمنون دنكنر، "لا بالهرب، وإنما بالمحادثات"، "حداشوت"، 13/12/1992.

[30]  شنيتسر، مصدر سبق ذكره.

[31]  حديث هاتفي أجراه الباحث مع كيسلر بتاريخ 4/2/1992.

Author biography: 

عطا القيمري: باحث وصحافي من القدس.