"الداخل" الفلسطيني يحلل أزمته... ويبدي رأيه في مفاوضات السلام
Keywords: 
الفلسطينيون في إسرائيل
الكنيست الإسرائيلي
الانتخابات الإسرائيلية
الهوية الثقافية
الدولة الفلسطينية
Full text: 

يميل المحللون والمهتمون بأوضاع الفلسطينيين داخل إسرائيل إلى الاعتقاد أنهم يعيشون أزمة متعدد الوجوه:

أزمة هوية كامنة في التناقض بين الانتماء القومي الفلسطيني وبين المواطنة السياسية الإسرائيلية، وما يسببه هذا التناقض من إشكالات في الوعي السياسي ومشكلات عملية؛

                أزمة تنظيمية نابعة من تصدع الحزب الشيوعي الإسرائيلي (الذي شكل على امتداد أكثر من أربعة عقود العمود الفقري السياسي – التنظيمي لعرب 1948)، وانحسار شعبيته، وعجز الحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي العربي والقائمة التقدمية وأبناء البلد عن ملء الفراغ؛

أزمة قيادة مصدرها تدهور مكانة ونفوذ القيادات القديمة، سواء كانت تقليدية أو يسارية، وعدم بروز قيادات شابة تتمتع برصيد كاف، فضلاً عن الفشل في إقامة إطار تنظيمي سياسي موحد وبرنامج مشترك.

هل توجد فعلاً أزمة، وإنْ كانت موجودة، ما أسبابها وكيف يمكن الخروج منها؟

وسؤال مهم آخر تستدعيه الانتخابات الإسرائيلية المقبلة:

على الرغم من تشابه الطروحات السياسية لمعظم التيارات السياسية الفعالة في الوسط العربي، فإن التنافر بين هذه الحركات يبدو أقوى كثيراً، وقد أدى ذلك إلى فشل الجهود لتأليف جبهة موحدة لخوض الانتخابات. ما هي الأسباب التي تحول فعلاً دون وحدة الصفوف، ولا سيما أن هناك نسبة تصويت عالية للأحزاب الصهيونية، وأن رفع نسبة الحسم إلى 1,5% ينذر بفقدان بعض القوائم العربية تمثيلها في الكنيست؟

ثم بعد تجربة 43 عاماً من التصويت العربي في الانتخابات، هل هناك أصلاً جدوى من الاستمرار في التصويت، والمشاركة في الكنيست على الرغم من انعدام التأثير في القرارات، أم أن المقاطعة أسلم؟

وأخيراً، سؤال ثالث تستدعيه مفاوضات السلام:

هناك انطباع بأنه لا يكاد يوجد دور أو رأي لفلسطينيي "الداخل" في العملية التفاوضية الجارية، أو ربما أن صوتهم غير مسموع. إن هدف المفاوضين الفلسطينيين من المناطق المحتلة والخارج هو دولة فلسطينية (مستقلة أو داخلة في اتحاد كونفدرالي مع الأردن)، فما هو تصور فلسطينيي "الداخل" لمستقبلهم السياسي من زاوية العلاقة بهذه الدولة، إنْ قدر لها أن تشهد النور؟

هذه الأسئلة وجهها مراسل "مجلة الدراسات الفلسطينية"، وليد العمري، إلى القوى السياسية وشخصيات أكاديمية تمثل هذا الجزء الغالي من شعبنا في فلسطين، وطلب منها إبداء رأيها فيها. وقد استجاب بعضها مشكوراً لهذا الطلب، ولم نتلق رداً من بعضها الآخر (الحركة الإسلامية، والحركة التقدمية للسلام والمساواة). ونثبت فيما يلي الردود كما وصلتنا، مع شيء من الاختصار لضرورات الحجم.

 الأزمة!

 أحمد سعد

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

المسؤول الإعلامي للمعركة الانتخابية

              هل يعيش عرب 1948 أزمة متعددة الجوانب؟ يطرح هذا السؤال نفسه وبصورة حادة، منذ أواسط الثمانينات التي أَعتبرها بداية مرحلة جديدة في تطور الجماهير العربية [في إسرائيل].

              وجاء طرح هذا السؤال بفعل بروز العديد من الظواهر والتفاعلات في ساحة تطور الجماهير العربية، وفي المنطقة والعالم. ومن أبرز هذه الظواهر: بداية تبلور تيارات التعددية السياسية بين الجماهير العربية؛ بداية مظاهر الإحباط واليأس جراء الأحداث الجارية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، وتأثير ذلك في الحزب الشيوعي الإسرائيلي وفي الجماهير؛ الردة في العالم العربي، وحالة التشرذم العربية والفلسطينية قبل الانتفاضة؛ تأثيرات الانتفاضة في معنويات الجماهير العربية؛ تصعيد سياسة العدوان والقهر والتمييز القومي والعنصري وغيرها.

إن تحليل هذه المرحلة وتقويمها يحتاجان إلى دراسة عميقة بهدف استخلاص النتائج الواقعية الصحيحة لمصلحة تطور الجماهير العربية. ولكن للأسف هنالك من حاول، بين التيارات السياسية الفعالة بين الجماهير العربية، تبسيط الأمور واللجوء إلى التسلح بظاهرة انتقائية، للقول إن الجماهير العربية تعيش مرحلة أزمة قيادة، وأن سببها تضعضع مكانة الحزب الشيوعي الإسرائيلي بسبب انهيار الأنظمة الشيوعية، وأن المخرج – بحسب رأي تلك التيارات – يتلخص في طرح أنفسهم بديلاً من الحزب الشيوعي والجبهة، كقيادة للجماهير العربية.

إن مثل هذا الطرح ليس مجافياً للواقع الموضوعي فحسب، بل أيضاً تهرب منهجي من تقويم الواقع يهدف إلى تحقيق مكسب سياسي موقت.

وفي رأيي، يجب التفريق بين الأزمة ومظاهرها. إن الجماهير العربية، والقوى السياسية الفعالة بينها، تعيش مرحلة ركود نتيجة الأزمة. ومن أبرز مظاهر هذا الركود انخفاض وتيرة ومستوى النشاط السياسي والجماهيري على جبهات مواجهة القضايا المصيرية واليومية المطلبية. أما الأسباب الحقيقية الجذرية، فأستطيع إيجازها بالعوامل التالية:

أولاً: عدم إدراك العديد من التيارات السياسية الفعالة بين الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، لحقيقة التغيرات الجارية في البنية الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية للجماهير. إن التطور الموضوعي، في ظل مقاومة سياسة القهر القومي والتمييز العنصري، قد أفرز العديد من الشرائح الاجتماعية التي أصبحت لها قضاياها، ومصالحها، وتوجهاتها المحددة. ففي أواسط الثمانينات، تكونت على السطح فئة أكاديمية تضم أكثر من 15 ألف أكاديمي، وأصبحت شريحة البورجوازية الصغيرة والمتوسطة فئة مبلورة اجتماعياً تقريباً، ولكل قطاع فيها قضاياه ومشكلاته المميزة. هذا بالإضافة، إلى أن الأغلبية الساحقة من العاملين هي من الكسبة الكادحين الذين يعانون الاستغلال المزدوج القومي والطبقي. وثبت للعديد من التيارات السياسية أن شعاراته المطروحة متخلفة عن متطلبات الجماهير. فالشعارات العامة ضد سياسة القهر القومي كانت تلائم المراحل الأولى من تطور الجماهير العربية في العقدين الأول والثاني بعد نكبة 1948. أما في المرحلة الراهنة، فحياة الجماهير وتطورها يحتمان النزول عن شجرة الشعار العام إلى بساط الأحداث، وطرح الشعار العيني والحلول لمساعدة العامل في مواجهة قضاياه، والفلاح في حل مشكلاته، والطبيب والمحامي وطالب الجامعة في تخفيف همومهم. وحالة ما يشبه الغربة بين طروحات الأحزاب وبين القضايا العينية للجماهير العربية، بفئاتها المتعددة، أدت مثلاً في انتخابات النقابات (الهستدروت) قبل عامين إلى أن يكتسح حزب "العمل" وباقي الأحزاب الصهيونية الأغلبية الساحقة من الأصوات العربية، بينما لم تحصل "القائمة" المشتركة من الجبهة والحزب الديمقراطي العربي والحركة التقدمية على أكثر من ثلث الأصوات.

ثانياً: التأثير السلبي للردة وحالة التشرذم في العالم العربي، وفي الساحة الفلسطينية.

ثالثاً: غلبة العصبية القبلية في العلاقة بين التيارات الفعالة وسط الجماهير. فبدل الاعتراف بواقع التعددية السياسية وأهمية المنافسة الشريفة الحضارية، من خلال مناقشة البرنامج والممارسة الفعلية، حاول مختلف الأطراف طرح نفسه كأنه البديل الذي ينفي حق الآخرين في الاجتهاد واختيار السبيل.

هذا بصورة عامة. أما بصورة خاصة، وبالتحديد رداً على أسئلتكم المطروحة:

أولاً: أزمة الهوية

              إن الجماهير العربية لا تواجه أزمة انتماء، على الرغم من سعيها لانتزاع الحقوق التي تنطوي المواطنة في إسرائيل عليها، وعلى الرغم من التيارات السياسية – الفكرية المتعددة بين صفوفها. ويعترف مختلف التيارات بأن للحزب الشيوعي الإسرائيلي، ووسائل نشاطه المتعددة من إعلام وصحافة وكفاحات جماهيرية وسياسية، دوراً تاريخياً مهماً في حماية وصقل الهوية القومية للجماهير العربية كجزء لا يتجزأ من شعبها العربي الفلسطيني المنتمية إليه تاريخياً وحضارياً، والذي تربطها به صلة الدم. في شأن الانتماء الفلسطيني لا يوجد نقاش، لكنْ هنالك نقاش خاص مع الحركة الإسلامية التي لا تضع الانتماء الفلسطيني في المقام الأول، انسجاماً مع فكرها الديني – السياسي.

أما بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، فإن نقطة الانطلاق هي أن الأممي الصادق هو الوطني الصادق، وحماية الهوية القومية وتطويرها والدفاع عنها ليست قمة الوطنية فحسب، بل الأممية أيضاً.

ثانياً: الأزمة التنظيمية

              إن الحزب الشيوعي لم يتقوض ولم يتصدع، ولا يزال يمارس دوره الكفاحي بنشاط في الساحتين السياسية والجماهيرية. فالحزب الشيوعي لم يكن وكالة سوفياتية، ولا هو الآن كذلك، بل كان وتطور كبذرة نادرة في أرض شعبه ومن خلال التفاعل مع قضاياه.

لكن، على الرغم من ذلك فإن الانهيار في أوروبا الشرقية أثر سلبياً في الحزب الشيوعي، وأدى إلى بروز مظاهر بلبلة فكرية وإحباط وخروج بعض الرفاق من صفوفه.

ثالثاً: أزمة القيادة

              إن القول بوجود أزمة قيادة، بسبب تدهور مكانة ونفوذ التيارات القديمة، سواء كانت تقليدية أو يسارية، قول غير صحيح، ويطمس جوهر الحقيقة. ولا يصح القول اليوم إن تياراً معيناً، أو حزباً معيناً، هو وحده قائد الجماهير. فمن خلال كفاح الجماهير العربية، وتطور بنيتها الاجتماعية والسياسية، وتطور قضاياها، أوجدت هذه آلياتها وأدواتها الكفاحية. ومنذ بداية السبعينات، أدت أوضاع التطور الموضوعي والذاتي للجماهير العربية وقضاياها إلى ظهور أطر للوحدة الوطنية القطرية حول قضايا عينية لقطاعات محددة، مثل: اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربية، واللجنة القطرية لرئاسة السلطات المحلية العربية، ولجنة المبادرة الدرزية، واللجنة القطرية للطلاب الثانويين للعرب، والاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب. وفي الثمانينات، في ضوء تطور القضايا في ظل التعددية السياسية، أُلفت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية كهيئة عامة لمعالجة قضايا عامة تهم جميع الجماهير العربية.

              وما يواجهنا اليوم في إسرائيل هو تطوير القضايا الكفاحية، وتطوير لجنة المتابعة، وتعميق مفهوم التنسيق وعلاقات التعاون بين مختلف الأطر الوطنية والتفتيش دائماً عن المشترك للتعاون على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل.

*   *   *

حنا ابراهيم

الناطق باسم الحزب الديمقراطي العربي،

الناصرة

              إذا كنا بعد 44 عاماً لا نزال نبحث ونعرض الأزمات التي نعانيها، فهذا والله أزمة. إن ما ينقصنا ليس المزيد من التحليلات والدراسات، مع أهميتها البالغة، بل وضع خطة للشفاء والعمل على تنفيذها. إننا نبذل جهوداً كبيرة في الكتابة والكلام، وجهوداً أقل على الساحة العملية. وكفى الله المؤمنين شر القتال. لدينا مهندسون كثيرون، أما البناؤون فقلة.

              أما إذا كان لا بد من العودة إلى تحليل أزماتنا، فلا بأس في التحلي بشيء من الواقعية، فنسمي الأمور بأسمائها. هناك من يطلق علينا اسم عرب الداخل أو عرب 48. لا أفهم معنى لهذين الاسمين إلا محاولة لتجنب لفظ اسم إسرائيل. وإلا ماذا يعني الداخل إن لم يكن داخل إسرائيل؟ ورقم 48 يذكرنا برقم 67، ونحن لا نريد ربط المصير فيما بينهما، لأن كل ربط هو ما تريده إسرائيل فقط.

وأزماتنا ليست أمراً خاصاً بنا، ولا يمكننا التخلص منها ما دامت أزمة الشرق الأوسط، أي قضية فلسطين، قائمة. لذلك يظل البند الأول في برامجنا السياسية الحل العادل لقضية فلسطين.

أما بالنسبة إلينا، فنحن أقلية قومية عربية فلسطينية تعيش في إسرائيل بحكم تطورات تاريخية لم يكن لنا فيها حيلة، ولا يمكننا تغييرها. أما هويتنا القومية فلا خوف عليها. وحتى إذا أراد أحدنا أن ينسى قوميته، فإن السلطة تذكره بها صباح مساء. وحتى عديم الشعور القومي لا يستطيع الانتساب إلى القومية الأخرى، إذ لا تكفي شهادة ولا شهادتان لدخول الدين اليهودي. بل إن هناك يهوداً مشكوكاً في يهوديتهم. وزوج المرأة اليهودية إذا كان أجنبياً لا يسمح بدفنه في مدافن اليهود.

أما أزمتنا، أو على الأصح مشكلتنا، من هذه الناحية، فهي محاولات السلطة المستمرة لتفريقنا على أساس طوائف وقبائل وحمائل. فمن ناحية، أفلحت في فصل الطائفة الدرزية العربية العريقة عن بقية الشعب العربي، على الرغم من معارضة أوساط درزية متنورة. ولا تغفل السلطات تأكيد الفوارق بين بقية الطوائف، وحتى بين المسلمين أنفسهم، على أساس بدو وغير بدو.

ويسهّل عملية السلطة ما نتمتع به من رواسب قبلية وعادات لا تزال تحول دون شعورنا وتصرفنا كشعب، أو أقلية قومية مهضومة الحقوق. فالزواج بين أبناء مختلف طوائف شعبنا لا يزال محرماً أو شبه محرم، ولكل طائفة مدافنها. وحتى الطائفة المسيحية منقسمة على نفسها، ولا تستطيع حتى اليوم الاتفاق على توحيد أعيادها.

هذه البنية وتلك العملية تصعبان، شئنا أم أبينا، أمورنا لمقاومة ما نتعرض له من اضطهاد. صحيح أن الأمور تحسنت في الأعوام الثلاثة الماضية من حيث علاقة القوى الوطنية العربية بعضها ببعض، إلا إن التحسن لا يزال دون الحد المنشود.

ومن الواضح أن أية فئة مضطهدة بحاجة إلى تنظيم يقود كفاحها. وإذا ألقينا نظرة إلى الخلف، رأينا أنه لم يبق للعرب هنا بعد ما سمي عام النكبة إلا تنظيم واحد عانى أعضاؤه القمع والاضطهاد أكثر من غيرهم، هو الحزب الشيوعي، الذي أصبح مع الزمن عنوان المقاومة على كل الصعد. وانقسم العرب في إسرائيل قسمين، هما: مؤيدو الحزب الشيوعي؛ ومن سُمِّيوا أعوان السلطة ومؤيديها لشتى الأسباب. ومع أن أكثرية العرب كانت تصوت إلى جانب أحزاب السلطة، فقد كان واضحاً أنها تفعل ذلك، لا لأسباب سياسية بل نتيجة الإحباط، أو الجهل، أو الاندفاع وراء مصالح مادية، أو التحزّب لزعيم العائلة، وغير ذلك.

حتى أواسط السبعينات، كانت السلطات الإسرائيلية تستعمل القبضة الحديدية إزاء كل بادرة مقاومة. واستطاع الحزب الشيوعي، بقوة تنظيمه وكوادره الصلبة، أن يصمد ويكتسب بذلك ثقة أوساط واسعة من الجمهور. ولم يكن في وسع قيادات أخرى أن تبرز، لما يقتضيه ذلك من ثمن لم يكن كل واحد في وضع يستطيع تحمله.

وهكذا قامت الجبهة الديمقراطية، سنة 1977، كتنظيم واسع حول الحزب الشيوعي. وكانت تجربة ناجحة، غير أنه لم يكتب لها النجاح طويلاً، لأسباب منها: التسلط الذي مارسته قيادة الحزب الديكتاتورية، وتسيير كل الأمور بحسب أهوائها، وإشعار الحلفاء بانعدام الحيلة، وأن ليس لهم إلا الانصياع لما يتخذ في قيادة الحزب من قرارات. وهذا أدى في النهاية إلى الانشقاق، ونشوء الحركة التقدمية.

من الناحية الأخرى، غيرت السلطات من تكتيكها. فبعد أن اكتشفت أن ملاحقة الشيوعيين وأقطاب المقاومة كانت تزيدهم احتراماً في أعين الجمهور، لم تعد تطرد موظفاً لانتمائه الحزبي، وأصبح في وسع موظف أن يخطب في احتفال أول أيار/مايو مثلاً، وينتقد بشدة سياسة الحكومة من دون أن يخشى سيف الطرد، بعد أن كان الطرد نصيب من يثبت أنه يؤيد الحزب الشيوعي بصورة أو بأخرى.

وهنا ارتكبت قيادة الحزب الشيوعي غلطتها التاريخية. فبدلاً من استدراك الأمور ومعاملة المنشقين كحلفاء، اعتبرتهم أعداء، وشنت عليهم هجوماً منقطع النظير، الأمر الذي أضعف الطرفين في النهاية. وبعد أن كان من يهاجم الشيوعيين ينعت بأنه عميل وذنب، أصبح التهجم عليهم جائزاً وتحت شعارات وطنية متطرفة.

واستغلت هذه الفوضى عناصر كثيرة لها حساب مع قادة الحزب الشيوعي، فراحت تنحاز إلى الحركة التقدمية لتحطيم هيبة الشيوعيين. وأكل الشيوعيون الطعم، وانساقوا إلى "طوشة" عامة عادت عليهم وعلى الشعب بأكمله بنتائج وخيمة.

في الماضي، كان الذي يصاب بخيبة أمل من السلطة، أو يتعرض لظلم، ينحاز فوراً إلى اليسار، أي إلى الحزب الشيوعي. أما والحالة الجديدة هذه، فلم يعد هناك معنى للانحياز إلى أحد الطرفين المتعاركين. ونشأت أوضاع تطلبت وجود قوة ثالثة، فتعزز موقف حركة أبناء البلد بين أوساط الطلاب خاصة، وقامت الحركة الإسلامية، ونشأ الحزب الديمقراطي العربي الذي أخذ يوسع صفوفه بسرعة فائقة.

وفي هذا الخضم من التعددية، غاب عن بال البعض أن المقصود بالتعددية، في حالة أقلية قومية مستضعفة، لم يكن إلا التخلص من هيمنة الرأي الواحد وإيجاد المجال للرأي الآخر والاجتهادات الأخرى. وما دامت برامج هذه الأحزاب والحركات متشابهة، فإن التحالف فيما بينها هو الأمر الطبيعي، لا التناحر. هذا هو ما يدعو الحزب الديمقراطي العربي إليه ويعمل في سبيله، من دون عقد أو ضغائن. لكن يبدو أن الشكوك والرواسب القديمة لدى الآخرين تصعِّب الاستجابة لهذه الدعوة.

لا أعتقد أن الأمر بالغ حد الأزمة، لكنها مشكلات توجد لها حلول، أو داء يوجد له دواء. أما الشفاء ففي الطريق طال أم قصر، حتى لو بعد انتكاسة.

*   *   *

رجا إغباريه

الأمين العام لحركة أبناء البلد

نعتقد أن الجماهير العربية الفلسطينية داخل "الخط الأخضر" تعيش أزمة انتماء شاملة منذ سنة 1948. فمنذ أن حسم الصراع بين الشعب الفلسطيني من جهة والحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني من جهة أخرى، لمصلحة المعسكر الأخير، الأمر الذي نتج منه قيام دولة إسرائيل مع أقلية قومية تشكل حتى اليوم 17% من عدد سكان الدولة العبرية، نشأت أزمة الانتماء، وأزمة الهوية، والأزمة التنظيمية، وأزمة القيادة... إلخ.

بعد أن انفصلنا عن باقي قطاعات شعبنا، وبعد أن شردت قيادتنا الوطنية التقليدية، وبعد أن فرض علينا الحكم العسكري الإسرائيلي حتى سنة 1966، أصبحنا عملياً نعيش داخل "غيتو" معزول، لا يربطنا بشعبنا الفلسطيني وبأمتنا العربية إلا جهاز "الراديو". لقد حولت إسرائيل فلاحي هذا القطاع إلى عمال عبيد يخدمون الاقتصاد الصهيوني، بعد أن صودرت أراضينا الزراعية، مصدر رزقنا الأساسي حتى سنة 1948.

إن كل تلك الأسباب وغيرها مهدت الطريق إلى تصفية هويتنا الوطنية. لقد أطلقوا علينا اسم "عرب إسرائيل"، وساهموا بذلك في عملية تصفية حقوقنا السياسية، المستندة إلى هويتنا الوطنية والقومية المتمايزة من الأغلبية اليهودية في إسرائيل.

وللأسف، ساهم الحزب الشيوعي الإسرائيلي في عملية تفتيت ودفن هويتنا الوطنية، عبر قبوله المبدئي والرسمي لدولة إسرائيل، التي اعتبرها تجسيداً لحق تقرير المصير للشعب اليهودي في البلد. لقد تخلى مؤسسو "عصبة التحرر الوطني" عن عصبتهم وعن أهدافهم، وقبلوا، وعملوا لاحقاً على، اندماجنا في المجتمع الإسرائيلي، حتى وصل الأمر بهم إلى رفع شعار "الشعب الإسرائيلي عرباً ويهوداً".

لقد ترجم هذا الشعار سياسياً عبر تبني نهج أَسْرَلة الجماهير العربية داخل إسرائيل، عبر العديد من المواقف السياسية والأيديولوجية للحزب الشيوعي الإسرائيلي، التي لا مجال لسردها هنا، غير أن خلاصتها تعني أننا منقطعون عن شعبنا ومصيره، وأن مصيرنا السياسي يرتبط بدولة إسرائيل فقط. وقد برروا هذا النهج تارة بالأممية، وتارة بالواقعية، وأخرى بقبول قرار التقسيم، وأخرى بالانسجام مع قرارات الأمم المتحدة... إلخ.

وبعد مرور 43 عاماً على النكبة عاد الحزب الشيوعي إلى تكرار شعاراته السابقة، وتمخض عنها شعار "دولتان لشعبين": فلسطين وإسرائيل. وهذا يعني أيضاً، سياسياً، أننا غير قائمين، وليس لنا إلا الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، أي الأسرلة. ومن جهتها، منعت السلطات الإسرائيلية أي تنظيم عربي يتناقض مع الأسس العنصرية التي تقوم إسرائيل عليها. لقد أخرجوا حركة الأرض خارج القانون أواسط الستينات، كذلك أخرجوا لجنة التنسيق الوطني أواخر السبعينات قبل ميلادها، ثم منعوا قانونياً تشكيل مؤتمر الجماهير العربية، الذي بادر إلى إنشائه المرحوم د. إميل توما. المهم أن السلطات رفضت أي شكل انفصالي سياسي على أساس عربي أو فلسطيني.

لقد أسهبت في الحديث عن "راكح" لأنه كان التنظيم الوحيد الذي سمحت السلطات الإسرائيلية به، وهو لا يزال على الرغم من ضعفه التنظيمي وانحساره الجماهير يشكل قطباً سياسياً. وفي الإمكان إدراج كل من الحركة التقدمية والحزب الديمقراطي العربي وكل الأطر المشابهة والتابعة لهما جميعاً تحت شعار "دولتان لشعبين"، الذي رفعه الحزب الشيوعي الإسرائيلي.

إن الإضافة النوعية التي حدثت في العقد الأخير جراء عملية الفلسطنة التي غمرت جماهير 48، هي استبدال مصطلح "عرب إسرائيل" بـ"فلسطينيو إسرائيل" الذي تبنته الحركة التقدمية والحزب الشيوعي والديمقراطي العربي.

إن الأطراف الثلاثة المذكورة تنتهج الطريق البرلماني الإسرائيلي وسيلة أساسية وشبه وحيدة لترجمة شعاراتها الاندماجية في دولة إسرائيل. وهي تبرر ذلك بـ"الواقعية" السياسية، والظروف الموضوعية، ودعم القيادة المتنفذة لـ م. ت. ف. لها في نهجها المذكور. وتعمل جاهدة على تعزيز الوهم لدى المنظمة بأن "اليسار الصهيوني"، وعلى رأسه حزب العمل، سيحقق السلام المنشود، إذا ما تسلم دفة الحكم ثانية في إسرائيل. وتتلقى الأقطاب الثلاثة المذكورة الدعم المعنوي والسياسي والمالي من م. ت. ف. ومصر. وهكذا أُحكم الطوق على هويتنا الوطنية، لأن هؤلاء مجتمعين، إذا ما أضفناهم إلى نحو 50% من العرب الذين يصوتون مباشرة للأحزاب الصهيونية، يشكلون الأغلبية الرسمية لجماهيرنا العربية، وهم أساس أزمة الانتماء والهوية.

غير أن البديل من التيار الفكري – السياسي المذكور أعلاه لم يكن غائباً تماماً، بل كانت هناك محاولة حركة الأرض، الذي دعت إلى حلّ قضيتنا الوطنية كفلسطينيين عبر النهج القومي العربي، وتحديداً الناصري. وقد حالت إسرائيل دون تبلور هذا التيار. إلا إن التعاطف معه لا يزال ملموساً جداً في أوساط الجماهير، ووصل إلى ذروته في أثناء الأزمة في الخليج وعشية العدوان الإمبريالي على العراق البطل.

شكلت حركة "أبناء البلد"، التي ظهرت براعمها أواخر الستينات وأوائل السبعينات، امتداداً طبيعياً لحركة الأرض، وتعبيراً منظماً لروح منظمة التحرير والمد الوطني الفلسطيني الذي غمر الشعب الفلسطيني برمته في الستينات والسبعينات، وإلى يومنا هذا.

لقد كانت حركة "أبناء البلد"، ولا تزال، تشكل الطليعة في تحديد الهوية الوطنية، حيث كانت التيار الأول الذي بنى برنامجه المرحلي والاستراتيجي على قاعدة أننا (اي: قطاع 48) جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، وأن مصيرنا مرتبط بالمصير النهائي لشعبنا.

وقد ترجم هذا النهج عبر محاربة شعارات الأسرلة وتعميم الفلسطنة في كل حدث ومناسبة نضالية، وعلى رأسها يوم الأرض الذي رفرف العلم الفلسطيني فيه عالياً تحميه الجماهير، رغماً عن قوات الجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من معارضة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، حتى جسدياً، لرفع العلم، بكل ما يعنيه كتعبير كفاحي عن مسألة الانتماء، واحتجاج رسمي وشعبي على يهودية الدولة وعدم اعترافها بالجماهير العربية كأقلية قومية، بكل ما يعني ذلك من معان سياسية، وكذلك لتوعية الجماهير – عبر المقاطعة – على فلسطينيتها (هويتها) ونفيها للأسرلة.

لكن نهج "أبناء البلد"، الذي استمد قوته معنوياً وسياسياً في الماضي من حركة التحرير الفلسطينية والعربية، وحتى المعسكر الاشتراكي، أصبح هو الآخر يعاني أزمة سياسية، وذلك بسبب الانهيار الذي حدث أولاً في موقف قيادة م. ت. ف.، وكذلك انهيار حركة التحرير الوطني العربية، إضافة إلى الانهيار الأساسي الذي حدث لـ"المنظومة" الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.

إلا إن عهد السقوط والتردي وهيمنة الإمبريالية الأميركية، لا يغير من الحقائق الواقعة فعلاً أي شيء؛ فأزمة هويتنا لا تختلف كثيراً عن أزمة هوية شعبنا بأسره.

على هذه الخلفية، فقط، يمكن تحديد معالم أزمة الهوية التي نعيشها منذ سنة 1948. أما ملامحها الظاهرة اليوم، وطرق حلها، فيمكن عرضها على النحو التالي:

إننا حقيقة نعيش أزمة انتماء وهوية. وأن مستقبلنا السياسي، استناداً إلى ما يجري من مفاوضات في هذه الأيام، غير واضح، الأمر الذي يزيد في إحباط جماهيرنا ويدفعها إلى التسليم بتيارات الأسرلة، حتى المتصهينة، وكذلك يدفعها في اتجاه تأييد الحركة الإسلامية، كما يجري تماماً في كل وطننا العربي. غير أن سقف عمل واستراتيجية "الحركة الإسلامية"، محكوم بموقف السلطات الإسرائيلية، ومدى مسايرة الحركة الإسلامية لدولة إسرائيل وحكامها. وعليه، فإن البديل الوحيد في رأينا هو تشكيل قيادة وطنية موحدة، تشتمل على الحركة الإسلامية في إطار جبهة وطنية كفاحية، غير برلمانية، تأخذ على عاتقها جميع القضايا اليومية والقومية لجماهيرنا، وتسير في نهج وطني ديمقراطي كفاحي، يتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية، ويتصارع مع الأسرلة وتهويد أرضنا وانتمائنا. وهذه مهمة كبيرة تحتاج إلى تَبَنّ من الخارج، يستند إلى استراتيجية عربية فلسطينية وأوروبية، ودولية عبر الأمم المتحدة، تقوم على أساس معالجة المسألة القومية داخل إسرائيل، وتحول دون تصفية أرضنا نهائياً عبر توطين المهاجرين اليهود عليها وتضييق الخناق على رقاب عمالنا، وسلطاتنا المحلية، ومجالات حياتنا كافة.

إننا نتبنى نهج "البناء الذاتي" الاقتصادي والاجتماعي كأقلية قومية داخل إسرائيل، لبناء البنية التحتية لمجتمعنا العربي ككل، وصون معالم هويتنا الوطنية.

*   *   *

سعيد زيداني

جامعة بير زيت مؤسسة "الحق"

              علينا أن نتفق أولاً على التسمية. هناك قطيع من التسميات المتداولة، من الضروري أن نستقر على واحدة منها: "الفلسطينيون (العرب) في إسرائيل"؛ "الفلسطينيون الإسرائيليون"؛ "عرب إسرائيل"؛ "عرب (فلسطينيو) الـ 48"؛ "الفلسطينيون (العرب) داخل الخط الأخضر"؛ إلخ. من المؤسف والمخجل حقاً أننا بعد 44 عاماً كاملة، لم نستطع أن نستقر على تسمية موحدة نقبل بها ونتداولها في الداخل والخارج على حد سواء. وربما كان عدم الاستقرار على تسمية موحدة من أعراض حيرة وطنية عامة ومزمنة في شأن وضعية ومستقبل ودور هذا الجزء المحيِّر والمحيَّر من الشعب الفلسطيني.

هناك شبه إجماع بين الفلسطينيين داخل إسرائيل (وأقترح هنا أن نستقر على هذه التسمية من الآن فصاعداً)، على أنهم: أ) جزء (لا يتجزأ) من الشعب الفلسطيني الذي بدوره جزء (لا يتجزأ) من الأمة العربية؛ ب) إنهم مواطنون في دولة إسرائيل وجزء (لا يتجزأ) منها. فهم، بحسب هذا التحديد، فلسطينيون عرب من حيث الانتماء إلى شعب وأمة وحضارة، وإسرائيليون من حيث المواطنة والإقامة. إن الأزمة (أو الإشكالية على الأصح) تكمن أساساً في تحديد متطلبات وتبعات هذا الانتماء المزدوج، لكن غير المتناقض (في ظني) على صعيد العمل السياسي – النضالي. فمن ناحية يطالب الفلسطينيون، عن طريق الاندماج داخل إسرائيل، بتحقيق شروط المواطنة المتساوية في دولة ومجتمع قائمين على التمييز والاستثناء. وقد ثبت عقم هذا السعي "السيزيفي" نحو المواطنة المتساوية في الحقوق بعد أكثر من أربعة عقود من النضال والبكائيات. ومن ناحية ثانية، يعبر الفلسطينيون داخل إسرائيل عن بعدهم الفلسطيني (والعربي) عن طريق المطالبة الدؤوبة بحل عادل للقضية الفلسطينية، تتمخض عنه دولة فلسطينية في جوار دولة إسرائيل لا يكونون جزءاً منها.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن انتماءهم الفلسطيني لم يتبلور عنه تصور محدد المعالم بشأن العلاقة المستقبلية بين الفلسطينيين داخل إسرائيل، وبين الدولة الفلسطينية المجاورة لها (حين تقوم). بكلمات أخرى: إن مقولة أن الفلسطينيين داخل إسرائيل جزء (لا يتجزأ) من الشعب الفلسطيني ظلت فارغة من المحتوى السياسي أو النضالي. وليس سراً على أحد أن التعبير عن هذا الجانب الانتمائي ظل مقتصراً على سلسلة من أفعال وأيام "التضامن" ذات القيمة الإعلامية. ومن ناحية ثالثة، كان ضغط متطلبات الحياة اليومية، ولا يزال، هاجساً أقوى من مسألة تأكيد الانتماء بشقيه المذكورين سابقاً.

وقد عرفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كيف تتعامل مع هذا الثالوث من الهموم، فحددت قواعد اللعبة للأفراد والجماعات والحركات السياسية على حد سواء. وهي لعبة بسيطة قائمة على مرتكزين أساسيين هما: أولاً، عدم الاعتراف بالفلسطينيين داخل إسرائيل كأقلية قومية، وعدم السماح لهم بالتبلور على هذا الأساس؛ ثانياً، الفصل السياسي بين هموم وقضايا الفلسطينيين داخل إسرائيل من  جهة، وبين القضية الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى. ومن المؤسف حقاً أن الحركات الرئيسية السياسية وغير السياسية، التي قادت مسيرة الفلسطينيين داخل إسرائيل، قد التزمت التزاماً دقيقاً شروط اللعبة كما حددتها إسرائيل (وإن جاء هذا الالتزام لأسباب ورؤى ومنطلقات ودوافع تختلف عن أسباب السلطة ومنطلقاتها ودوافعها).

ما أريد أن أقوله هنا هو أن الأزمة ليست جديدة كما يظن البعص. إنها ملازمة للعمل السياسي ضمن شروط اللعبة كما تحددت إسرائيلياً. أما لماذا تفجرت فبانت للعيان والأذهان بحدتها مؤخراً، فلأسباب خارجية تتعلق بانحسار الغطاء الخارجي وعرقوبية الوعود بالمنقذ القادم عبر الحدود (انهيار المعسكر الاشتراكي، والعجز العربي كما كشفت حرب الخليج عنه، وضعف "الحركة الوطنية الفلسطينية حالياً).

*   *   *

لماذا نختلف سياسياً...؟

الانتخابات: لماذا نشارك؟

لماذا نقاطع؟

أحمد سعد

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

              بالنسبة إلى موضوع خوض المعركة الانتخابية، فإن موقف الجبهة واضح، وقد شرحناه من خلال لقائنا الأخوة في الحركة التقدمية والحزب الديمقراطي العربي وحركة أبناء البلد والحركة الإسلامية. ويتلخص موقفنا في أن القضايا المركزية التي توجه جماهيرنا، وخصوصاً القضية الفلسطينية وقضية المساواة، تحتم استراتيجيا ولمصلحة كفاح الجماهير العربية أمرين أساسيين، هما شرطا الجبهة لدخول أي تحالف في إطار قائمة مشتركة للكنيست: الأول، أن يكون التحالف على أساس تحالف سياسي مطلبي واضح. ولم يكن هنالك خلاف في شأن هذا الأمر؛ الثاني، ألا يكون تحالفاً أحادي القومية، بل خوض المعركة الانتخابية بقائمة عربية – يهودية، تجد فيها القوى الديمقراطية اليهودية المناصرة للحق الفلسطيني المشروع والجماهير بيتاً مشتركاً ومنبراً كفاحياً مشتركاً. وفي صدد هذه النقطة كان الخلاف. فالحزب الديمقراطي العربي ينادي بتشكيل قائمة عربية موحدة صرفة، وهذا يتعارض ويتناقض مع طابع الجبهة اليهودية – العربية ومع رؤيتها السياسية. والحركة الإسلامية لا تخوض المعركة مباشرة. أما حركة أبناء البلد، فإنها تبادر إلى إقامة قائمة عربية موحدة، لكنها لا تشارك مبدئياً في خوض انتخابات الكنيست.

              ولحماية الأصوات العربية، بل عشرات ألوف الأصوات من الضياع، وخصوصاً بعد رفع نسبة الحسم إلى 1,5%، دعت الجبهة بمبادرة منها، ومن خلال رسائل ولقاءات واتصالات بالأخوة في الحزب الديمقراطي العربي والحركة التقدمية، إلى الوحدة في قائمة واحدة، وعقد اتفاق مع قائمة الجبهة، أهم بنوده: أن تكون المنافسة شريفة وحضارية بين القائمتين، بعيداً عن "الشوشرة" والشتائم والتجريح الشخصي، وأن توجه السهام الدعائية لمحاصرة أحزاب اليمين ومختلف أحزاب التشكيلة الحزبية الصهيونية بين الجماهير العربية، وأن نركز في المنافسة بيننا على مناقشة وانتقاد البرنامج بصورة عينية، وأن نحارب معاً ظاهرة الامتناع من التصويت، ونعقد اتفاقاً بشأن فائض الأصوات بين القائمتين.

              أما أسباب التنافس بين التيارات المختلفة، الذي خفت حدته في العامين الأخيرين، فيعود في رأيي إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الأول، مسؤولية مختلف التيارات، ونتحمل نحن جزءاً منها، في عدم الإقرار بحقيقة التعددية السياسية وطرح كل طرف نفسه بديلاً من الآخر. وقد أثبت الواقع أنه لا يمكن نفي أحد، والساحة تتسع لمختلف الاجتهادات ووسائل العمل؛ الثاني، محاولة فرض العامل الأيديولوجي أساساً للتحالف، وهذا ما أثبتت الحياة عدم صدقيته؛ والثالث، عدم الثقة الموروثة من مراحل المزاودة والتجريح.

              وأخيراً، فنحن ليس فقط أننا لا نرى جدوى من مقاطعة الانتخابات، بل نرى في ذلك، ضرراً بمصلحة كفاح جماهيرنا وقضية القضايا، أي القضية الفلسطينية، ويكتسب طابع المعركة الحالية للانتخابات أهمية سياسية قصوى. فالمعركة تدور بشأن الموقف من قضية التسوية في المنطقة، ومَنْ سيحكم إسرائيل في الأعوام القريبة المقبلة. صحيح أن أصوات الجماهير العربية ونوابها من الجبهة، وباقي التيارات، لن تكون القوة المقررة سياسياً في الكنيست، لكنْ إذا تعززت مكانة الجبهة والتيارات الأخرى فإنها تستطيع أن تصبح القوة المقررة ("بيضة القبان") بشأن من يكون في قيادة السلطة، وتستطيع أن تكون قوة حاسمة في قضية دفع العجلة نحو التسوية السياسية العادلة التي تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة الدولة المستقلة. وهي تستطيع أن تغير جذرياً ميزان القوى في الكنيست، إذا نجحت في الحصول على عدد من المقاعد يؤهلها لأن تصبح قوة حسم في وجه اليمين وسياسته المغامرة.

*   *   *

حنا ابراهيم

الحزب الديمقراطي العربي

              قبل عامين تقريباً، كلّف الرئيس هيرتسوغ رئيس حزب العمل شمعون بيرس تأليف حكومة. لكنه أخفق، إذ تبين أنه ينقصه صوت أو إثنان. وعاد الليكود إلى الحكم.

هذه الواقعة أظهرت للعرب أنه كان في إمكانهم، لو لم يذهب 34 ألف صوت هدراً بسبب عدم وجود تحالف أو اتفاق فائض أصوات، أن يؤثروا في مجرى الأمور بمقعدين إضافيين، هذا بصرف النظر عن أن 32% من العرب لم يشاركوا في التصويت لأسباب عدة.

أما ما يزال يعمل على تبديد الصوت العربي فهو التنافس البالغ حد التناحر، والتنافر بين التيارات الثلاثة العاملة على الساحة العربية. ولا يزال للرواسب القديمة تأثير سلبي، ويرفض كل تنظيم أن يتنازل عما يعتبره المكانة اللائقة به. وقد أصرّ الحزب الشيوعي على ما سماه الأخوّة اليهودية – العربية، بينما يرى الآخرون أنه يمكن التعبير عن هذه الأخوة بصورة أفضل ونداً لند بين أحزاب، وليس بتقديم اليهودي في حزب عربي لأنه يهودي، ليس إلا. والعقلية الفردية لا تزال ما يميز القادة العرب مع الأسف الشديد، مع بعض التفاوت طبعاً.

يلوح في الانتخابات المقبلة، أكثر من غيرها، إمكان تغيير الحكم بوساطة صيرورة النواب العرب لسان الميزان في الكنيست. وليس هناك طريقة أخرى لإزاحة شمير والليكود عن الحكم إلا بهذه الطريقة. وعليه، فإن الإقبال على التصويت في الناحية العربية واجب وطني من الدرجة الأولى بشرط أن يكون في الاتجاه الصحيح.

*   *   *

رجا إغباريه

حركة أبناء البلد

              إن السؤال بشأن تشكيل جبهة متحدة لخوض الانتخابات موجه، في الأساس، إلى القوى التي تشارك في الكنيست الإسرائيلي وتصوت له. مع ذلك، فلنا رأي أيضاً في هذه المسألة.

وموجز رأينا أننا نرفض المشاركة والتصويت، وندعو جماهيرنا إلى مقاطعة هذه الانتخابات. وقد عرضت الكثير من هذا الرأي أعلاه، وبالتحديد إشكالية كوننا جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، نعيش كسكان في دولة يهودية صهيونية، ترفض أن تكون دولة ديمقراطية يشارك فيها كل من يسكنها، لأن القانون الإسرائيلي يرى في كل من يريد دخول الكنيست، ولا يعترف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي في العالم، معادياً لهذه الدولة، ويمنعه بالتالي من دخول الكنيست ويخرجه على القانون. كذلك، فإن موقفنا يستند إلى تجربة "راكح" و"التقدمية" و"الديمقراطي العربي"، التي تعترف بأنها هامشية في الكنيست ولم تستطع التأثير في سياسة حكومات إسرائيل. بل إن الفرص التي أتيحت لها في الكنيست الحادي عشر والثاني عشر لتأليف حكومة مع "المعراخ" ضُربت من "المعراخ" نفسه، حين فضل تأليف حكومة "وحدة قومية" مع "الليكود"، عوضاً من الاعتماد – حتى من دون مقابل – على الأحزاب العربية. ويكمن السبب في أن الأحزاب الصهيونية متمسكة كلها بالأيديولوجية الصهيونية، التي ترفض أن تكون إسرائيل دولة لغير الشعب اليهودي. ومن جهة أخرى، فإن الأحزاب العربية التي تشارك في الكنيست تعترف بأنها لم تحقق مكاسب فعلية في القضايا المطلبية لجماهيرنا. لذلك، فإن البعد الحقيقي الذي يتحقق من مشاركة العرب في هذه الانتخابات هو أسرلتنا سياسياً، وتجميل وجه "الديمقراطية الإسرائيلية" التي تعمل على إخفاء الوجه والجوهر العنصريين لدولة إسرائيل، القائمين على التمييز القومي ضد العرب.

من هنا، فقد عبرت حركتنا عن تمسكها بنهج المقاطعة للكنيست أسلوباً نضالياً احتجاجياً وتعبوياً. وهي تدعو جميع القوى العربية الفعالة إلى تشكيل جبهة وطنية كفاحية غير برلمانية، تأخذ على عاتقها حل قضايا الجماهير المطلبية والقومية (وخصوصاً بعد فشل القوى المشاركة في الكنيست الإسرائيلي في تشكيل جبهة برلمانية واحدة، على الرغم من عدم وجود فوارق برنامجية بينها).

*   *   *

سعيد زيداني

جامعة بير زيت

              إن الخروج من الأزمة التي أشرت إليها أعلاه لا يكمن، في رأيي، في زيادة تناسل الأحزاب والقوائم، أو في الحد من هذا التناسل، إذا بقيت برامج العمل وأنماط النضال دون تغيير جذري. يمكنك هذه الأيام أن تكون عضواً نشيطاً في "حزب العمل" أو في قائمة "ميرتس"، مع الحفاظ على صوتك العالي ونبرتك المميزة بشأن المطالبة بالمساواة والدولة الفلسطينية في جوار إسرائيل.

              المسألة ليست تعدد الأحزاب والقوائم أو اتحادها، وهي ليست مسألة قيادات تقليدية أو يسارية أو مثقفة، وليست ثالثاً مسألة تنظيمية. وأقول أكثر من ذلك:

              سواء حصل الفلسطينيون داخل إسرائيل على 5 مقاعد أو 15 مقعداً في الكنيست، خلال الانتخابات المقبلة، فإن هذا لن يغير كثيراً، إذ لم يتزعزع الالتزام إزاء شروط اللعبة كما تحددت إسرائيلياً.

              لست أرى مخرجاً من الأزمة (وهي قديمة كما قلت) من دون أن يتصرف الفلسطينيون في الداخل على أساس أنهم أقلية قومية من جهة، وعلى أساس أنهم جزء من دولة إسرائيل ومن شعب ودولة فلسطين (حين تقوم)، من جهة أخرى. هذا يعني، فيما يعنيه، أن من حقهم ومن واجبهم كأقلية قومية أن يسعوا نحو الحكم الذاتي ذي البعد الإقليمي (كما سعت الأقليات القومية الأخرى في العالم). فحين تكون لك حكومة ذاتية، تستطيع عندها أن تشارك مشاركة جدية في تحديد علاقتك بكل من إسرائيل والشعب الفلسطيني بصورة صحيحة. ومن دون السعي نحو الحكم الذاتي ستظل الأزمة مستحكمة، وسيظل تحقق شروط المواطنة المتساوية داخل إسرائيل أملاً كاذباً، وسيظل الانتماء إلى الشعب الفلسطيني بلا محتوى سياسي ونضالي مقنع.

ومن المؤسف حقاً أن القيادة الوطنية الفلسطينية لم تعمل بما فيه الكفاية، أو لم تعمل في الاتجاه الصحيح، لمساعدة الفلسطينيين داخل إسرائيل في الخروج من هذه الأزمة (أو المحنة).

مفاوضات السلام...

والعلاقة بالدولة الفلسطينية

أحمد سعد

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

منذ اليوم الأول لإعلان بدء العملية السلمية الأميركية رأينا، في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أنها حدث إيجابي على الرغم من إدراكنا أن واشنطن تقود هذه العملية، وأنها جزء عضوي من مخططها الاستراتيجي لإقامة نظام إقليمي جديد يدين بالولاء للمصالح الأميركية. وثمّنا أنها تجمع أول مرة جميع أطراف الصراع، العربية والفلسطينية والإسرائيلية، تحت قبة المفاوضات المباشرة.

قدّرنا أنها مناسبة في أوضاع المتغيرات في ميزان القوى، في المنطقة والعالم، لتعرية موقف حكام إسرائيل الحقيقي، الرافض للحق الفلسطيني المشروع في التحرر والسيادة الوطنية في إطار دولة مستقلة، وأنها مناسبة للضغط في اتجاه تنفيذ مقترحات ومبادىء الشرعية الدولية فيما يتعلق بالحق الفلسطيني.

ثمّنا أن المفاوضات ومرحلة العملية السلمية عبارة عن مرحلة جديدة من الصراع. ونحن في معادلة الصراع نقف إلى جانب قوى الحق الفلسطيني والتسوية العادلة. وقد عبّرنا عن ذلك ليس في صحافتنا فحسب، بل أيضاً عن طريق مختلف أساليب الإغاثة وغيرها في دعم الانتفاضة والمشاركة في العديد من النشاطات الجماهيرية، سوية مع قوى السلام اليهودية والعربية. لكنْ، هل كنا على مستوى تطور الحدث؟ أتصور أنه كان في الإمكان أن ننشط أكثر، وأن العديد من الأسباب المذكورة سابقاً كان من عوامل شد الحبل إلى الوراء.

فيما يخص المستقبل السياسي للجماهير العربية، فإن المنطلق الأساسي في تقويمنا هو أننا وأبناء وطننا لن نغادر المثلث أو الجليل أو النقب أو حيفا إلى أي مكان. ونحن نؤكد أن حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع والقدس العربية، سيوجدان مناخاً أفضل لكفاح جماهيرنا من أجل المساواة القومية والمطلبية، وأن جماهيرنا ستكون جسر الأمان إلى توثيق علاقة التعاون المتعددة الأطراف بين إسرائيل والدولة العتيدة على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة. أما ماذا سيكون بالضبط شكل مشاركتنا في الحياة السياسية الإسرائيلية ومضمون هذه المشاركة (حكم إداري أو غيره)، فنحن لا نريد أن نستبق "الحج بمرحلة". ورأينا أن نركز اليوم على القضية الجوهرية، وهي النضال لإنجاز حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

*   *   *

حنا ابراهيم

الحزب الديمقراطي العربي

ما من عربي في إسرائيل يحلم بأن تتخلى إسرائيل عن المناطق الآهلة بالعرب لتنضم إلى دولة فلسطين. قدرنا أن نعيش في دولة إسرائيل التي نحاول، بكل ما نملك، أن نجعلها دولة لسكانها جميعهم، لا لليهود فقط.

والعرب في إسرائيل يعرفون، بصورة عامة، أنهم يعانون جرّاء انعدام السلام، وأن لا أمل لهم بتحقيق المساواة ما لم تحل مشكلة الشرق الأوسط وقضية فلسطين، بإقامة الدولة الفلسطينية في المناطق المحتلة؛ وهو أقصى ما يمكن التوصل إليه في ظل التوازن العالمي للقوى الذي لا يبدو أن في الإمكان تغييره.

والقضية الفلسطينية لا يصح النظر إليها من وجهة نظر أكاديمية أو حقوقية محضة. إن المقرر في السياسة هو توازن القوى، لا ما يسمونه الشرعية.

لذلك، نرى أن ذهاب الفلسطينيين إلى المفاوضات تصرف حكيم، لأن ما من بديل عقلاني من ذلك. والانتفاضة الباسلة ليست أكثر من "بادىء الحركة" (سْتارْتَر) الذي يشغل محرك السيارة، لكنه لا يستطيع أن يدفعها إلى الأمام.

إن حلاً سلمياً لقضية فلسطين لا يخدم الفلسطينيين فقط، بل اليهود أيضاً. وسيكون في الإمكان إقامة سوق شرق أوسطية مشتركة مع الزمن، وإقامة كونفدرالية تحل مختلف المشكلات، ومنها مشكلة المياه.

لقد سبق أن نشبت في أوروبا حربان عالميتان، وتم صلح وإقامة بيت مشترك. فما المانع أن يتم شيء من هذا القبيل هنا؟ المانع حتى الآن هو الضعف العربي العام. أما كيف تبنى القوة العربية القادرة على التأثير، فتلك عملية تاريخية طويلة.

*   *   *

رجا اغباريه

حركة أبناء البلد

              أولاً: أود أن أؤكد أننا، في "أبناء البلد"، نرفض مشاركة أي وفد فلسطيني في المفاوضات الجارية لحل "القضية" الفلسطينية، ونعتبر مسيرة مدريد مسيرة تصفية للسلام الفلسطيني المنشود القائم على أساس تحقيق العودة والحرية والاستقلال، بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وبقيادة م. ت. ف.

ويستند موقفنا الرافض لهذه المسيرة التصفوية إلى سقف هذه المفاوضات الذي يحدد مجراها، والذي يقوم على أساس "الحكم الذاتي السكاني"، أي تطبيق اتفاق كامب ديفيد لا أكثر. وهذا يعني أنه في قمة التفاؤل سيتحقق حكم ذاتي للسكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع من دون القدس، بحيث يخضعون سياسياً بشكل فدرالي (اندماجي) لا كونفدرالي (مستقل)، للمملكة الهاشمية، بينما يبقى الجيش الإسرائيلي عند نهر الأردن، وتظل المستوطنات قائمة، وتزداد اتساعاً؛ أي لن يتحقق التفاؤل النابع من السؤال الموجه. وعليه، فإننا من هذه الناحية مرتاحون إلى عدم مشاركة أي فلسطيني من داخل "الخط الأخضر" في أي وفد كان، سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني. وللحقيقة نقول إنه لو سمح لأحد بالمشاركة في هذه المفاوضات، فسيفاوض كطرف إسرائيلي، أي سيتبنى موقف الحكومة الإسرائيلية. ولن أستغرب إذا ما وجدت إسرائيل في المستقبل، ربما بعد الانتخابات، أطرافاً عميلة بين العرب تشارك كطرف إسرائيلي، كي تثبت إسرائيل أننا لا نعاني هنا تمييزاً قومياً عنصرياً، وأنه ليست لنا مطالب سياسية.

من جهة أخرى، فإن م. ت. ف. والوفد الفلسطيني تنازلا، قبل بدء المفاوضات، لا عن قطاع 48 فحسب، بل أيضاً عن المشاركة الرسمية والفعلية لـ م. ت. ف.، نزولاً عند رغبة إسرائيل وتنفيذاً لشروطها.

ولا ينعكس هذا التنازل في عدم المشاركة فحسب، بل أيضاً في عدم ذكر أو طرح الموضوع (موضوع عرب 48) من قبل الوفد الفلسطيني، لا في مدريد ولا في واشنطن، حتى كورقة مساومة.

مع ذلك، نحن لا نفقد الأمل، ولن نستسلم للزمن الرديء، ولا للقيادة الرديئة، بل سنبقى نناضل من أجل الحفاظ على هويتنا الوطنية الفلسطينية. فانتماؤنا التاريخي إلى شعبنا الفلسطيني، وبقاؤنا على أرض وطننا، حتى في أوضاع القهر القومي التي نعيشها، سيوفران لنا كل مقومات الهجوم السياسي والكفاحي على هذا الواقع. ونحن ندرك أن المسألة ليست عاطفية، فوجودنا المادي على أرض وطننا هو، في حد ذاته، أزمة للكيان الصهيوني العنصري. وسنفرض أنفسنا في المستقبل على أي حل كان، ولن نسمح بشطبنا استراتيجياً من الشعب الفلسطيني؛ فلنا الأهل والأقارب، المشتتون في المنافي، ولنا شعب منتفض ومكافح، وسيبقى مكافحاً إلى أن تمر غيمة الزمن الرديء، وتمر غيمة الاحتلال.

وستنشأ الظروف الموضوعية التي ستضع مسألة مستقبلنا السياسي على مائدة أي حل عادل وشامل، حقيقة لا لفظاً وكذباً. إن هذا التفاؤل مبني على تمسكنا بصيغة الحل المرحلي، القائم على تطبيق الشرعية الدولية في فلسطين. وأي حل أقل من ذلك سيفشل، وسيرفضه شعبنا، لأن عدم قبوله أفضل من قبوله. فقبول حكم ذاتي سكاني فدرالي مع المملكة الهاشمية يعني القضاء على القضية الوطنية للشعب الفلسطيني. وهذا ما نرفضه، وسنبقى نقاومه حتى لو تحقق. إننا نعتبر الحل القائم على أساس إنشاء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق العودة للاجئي شعبنا، المقدمة الضرورية لحل مسألتنا الوطنية والقومية على ساحة 48. وأُفق هذا الحل محدودة بإقامة الدولة الديمقراطية العربية اليهودية الموحدة في فلسطين، وضمن إيجاد صيغة جديدة لمسألة التعايش العربي – اليهودي، عبر قلب الموجود، واختيار اليهود حياة المساواة القومية معنا في هذا الوطن، لا عبر تكريس صورتهم الاستعمارية الاستيطانية. وهذه مسألة تحتاج إلى نضال ديمقراطي عربي – يهودي، وتحتاج إلى ميزان قوى آخر في المنطقة يبدو حالياً بعيد المنال، لكنه يبدأ مع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فعلاً، لا قولاً.

*   *   *

سعيد زيداني

جامعة بير زيت

              إن غياب قضايا الفلسطينيين داخل إسرائيل عن مائدة مفاوضات السلام، هو من أعراض غيابهم وتهميشهم إسرائيلياً وفلسطينياً على حد سواء. وفي وضع من الغياب والتهميش، ينحسر إغراء المشاركة في الانتخابات المقبلة في إسرائيل، لكل من يضع المسائل الوطنية الأساسية على قمة جدول الأعمال والاهتمام. فلو تزامنت الانتخابات مع الحكم الذاتي للفلسطينيين داخل إسرائيل، لهرعتُ إلى صندوق الاقتراع من دون أدنى تردد أو وجل.