The Ruling Zionist Coalition: The Internal Situation and the Political Functioning
Keywords: 
إسرائيل
حكومة ائتلافية
الحكومة الإسرائيلية
حزب العمل الإسرائيلي
السياسة الداخلية
السلطة الوطنية الفلسطينية
سورية
العملية السلمية
Full text: 

في خضم مفاوضات "التسوية السلمية"، وفي استعداد مبكّر لانتخابات الكنيست ورئاسة الحكومة المقرر إجراؤها في أواخر سنة 1996، برز في المشهد السياسي "الإسرائيلي" في الآونة الأخيرة جملة من المتغيرات ذات الدلالة، إنْ على مستوى قوى الائتلاف الحكومي أو على مستوى المعارضة. وقد تجسدت هذه المتغيرات في بروز تكتلات أو خلافات جديدة/قديمة داخل مكونات الخريطة الحزبية، وصلت إلى حدّ انشقاق معسكر دافيد ليفي عن الليكود، وهي تنذر بنشوء أحزاب جديدة تعيد تشكيل تلك الخريطة. وهذه التطورات، التي تتأثر بعملية التسوية وغيرها، ستؤثر - بدورها - في مسار هذه العملية إلى حين الانتخابات وبعدها، وفي الانتخابات نفسها. وقد انعكست في مزاج الجمهور العام، كما عبّرت عنه استطلاعات الرأي المتوالية التي تكاثرت في الفترة الأخيرة.

وسنحاول في هذا المقال رصد التطورات الجارية في الائتلاف الحاكم، ولا سيما الطرف الرئيسي فيه: حزب العمل. كما سنحاول الربط بين المتغيرات الداخلية في أطراف هذا الائتلاف وبين الأداء الحكومي العام، وخصوصاً على جبهة "التسوية السلمية" (مع السلطة الفلسطينية وسورية بصورة خاصة)، والربط بين الآفاق المستقبلية الممكنة لهذه الجبهة وبين تلك المتغيرات.

موسم الاستقصاءات

مثلت الشهور القليلة الماضية، ولا سيما منذ بداية سنة 1995، "موسم الاستقصاءات"، الذي شهد "حرب" استطلاعات للرأي العام،[1] تمحورت في معظمها حول شعبية الحكومة الإسرائيلية ورئيسها يتسحاق رابين وحزب العمل. وكان من أبرزها الاستقصاء الذي أجراه مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، في كانون الثاني/يناير الماضي، ونشره في أواخر آذار/مارس، والذي يتناول "الأمن القومي والرأي العام".

من النتائج التي توصل هذا الاستقصاء إليها أن الحكومة تلقت أكثر العلامات انخفاضاً بسبب طريقة معالجتها المشكلات القائمة في الدولة. فقد منحها 29٪ فقط علامة جيد جداً (4٪) أو جيد (25٪) على ذلك. وفي المقابل، اعتقد 71٪ أنها تعالجها بطريقة غير جيدة إطلاقاً (37٪)، أو غير جيدة إلى حد ما (34٪). وأيد 41٪ من الجمهور عدم مواصلة المفاوضات مع م.ت.ف. بسبب "الإرهاب"، في حين أعرب 33٪ عن رأيهم في أن وصول المفاوضات إلى نهاية ناجحة هو وحده ما سيؤدي إلى وقف "الإرهاب".[2] وبحسب الاستقصاء، فإن:

حال الروح المعنوية القومية في الحضيض. الناس قلقون على أمنهم الشخصي. ويُنظر إلى تطلعات العرب على أنها معادية أكثر مما في الأعوام السابقة. والإحساس بالتهديد كان أعلى كثيراً مما كان في العام الماضي.... وفضلت الأكثرية إمكان تعزيز القوة العسكرية لإسرائيل على مفاوضات السلام.[3]

وفيما عنى حزب العمل ورئيسه، والليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، فقد جاءت نتائج الاستقصاء لمصلحة هذين الأخيرين. فمن جهة، أجاب 32٪ من الذين شملهم الاستطلاع أن الليكود يؤمّن "سلاماً حقيقياً"، قياساً بـ 29٪ أجابوا بأن حزب العمل يؤمّن ذلك. ومن جهة أُخرى، قال 60٪ إنهم يختارون نتنياهو رئيساً للحكومة، قياساً بـ 40٪ اختاروا رابين.[4]

مما يُذكر، أن هذه أول مرة، منذ عودة حزب العمل إلى السلطة، تعتقد أكثرية الجمهور الإسرائيلي فيها أن الليكود فقط يمكنه أن يضمن "أمناً قومياً" وسلاماً، أكثر من حكومة رابين.[5] وذكرت تعليقات صحافية أُخرى أن القلق الشديد ساد أوساط الحزب بسبب نتائج هذا الاستقصاء.[6] أمّا الحزب نفسه، فقد قلل من أهمية هذه النتائج. وقال رابين، في مقابلة صحافية أُجريت معه، إن هناك فوارق بارزة جداً في النتائج بين استقصاء وآخر. ومع أنه لا يستخف بالاستقصاءات، فهو يستخف بما فعله مركز يافي، "الذي أصدر استقصاء سنوياً على أساس فترة سيئة جداً، بعد الاعتداء الذي حدث في بيت ليد"، في كانون الثاني/يناير الماضي.[7]

بالإضافة إلى استقصاء مركز يافي، قام معهد "داحف" باستقصاء آخر، في الفترة ذاتها تقريباً، بشأن السبب الرئيسي في خيبة الأمل من الأداء الحكومي، وجاءت نتائجه كالتالي: انهيار البورصة والوضع الاقتصادي 16٪؛ العلاقات الشخصية داخل الحكومة 9٪؛ استمرار "الإرهاب العربي" 36٪؛ اتفاق السلام والموقف من مستوطني الضفة والقطاع 28٪؛ أسباب أُخرى 9٪، لا جواب 2٪.[8]

وفي أواخر شباط/فبراير الماضي، نشرت "معاريف" نتائج استقصاء، وجّه السؤال التالي: لو جرت الانتخابات لرئاسة الحكومة اليوم، فمن كنت تنتخب؟ وجاءت النتائج، مقارنة باستطلاعات سابقة بشأن السؤال نفسه، كما يلي:[9]

 

 

وثمة نوع آخر من الاستقصاءات تركز على قطاع من الناخبين المحتملين بعينه، ألا وهو قطاع المهاجرين الجدد من روسيا. ولم يأت هذا التركيز بمحض المصادفة. فمن جهة، يمثل هؤلاء المهاجرون قوة انتخابية لا يمكن الاستهانة بها، يمكن أن توصل إلى الكنيست أكثر من عشرة أعضاء كنيست، ومن جهة أُخرى، يوجد ميْل واضح في صفوفهم إلى تأليف حزب خاص بهم، يخوض الانتخابات المقبلة باسمهم.

لقد أظهر استقصاء من هذا النوع، أُجري في كانون الثاني/يناير 1995، النتائج التالية: انخفاض حاد في دعم المهاجرين لحزب العمل، من نحو 38٪ إلى نحو 24٪؛ انخفاض في نسبة المقترعين لـ "ميرتس"، من 5.6٪ إلى 4.2٪؛ ارتفاع في قوة الليكود من 32.6٪ إلى 34.5٪؛ بعض الارتفاع في قوة "تسومت" من 3.3٪ إلى 3.8٪؛ ازدياد الميْل إلى تأليف حزب للمهاجرين من 13.3٪ إلى 25٪ - ودائماً مقارنة بما كانت الحال عليه في أيار/مايو 1994.[10] وفي استقصاء آخر، بادر حزب العمل نفسه إلى تكليف معهد للاستقصاءات بإجرائه، تبين أن أكثرية هؤلاء المهاجرين (40٪) أصبحت تدعم تأليف حزب خاص بهم، في مقابل 30٪ منهم يدعمون أحزاب "اليمين"، و20٪ يدعمون أحزاب "اليسار".[11] كان هذا غيض من فيض الاستطلاعات التي نشرتها الصحافة العبرية، والتي أشارت كلها تقريباً إلى تراجع، حادٍ أحياناً، في شعبية كل من الحكومة ورئيسها. إلاّ إن استطلاعاً نُشرت نتائجه في 9 حزيران/يونيو 1995 أشار إلى أن رابين تقدم، للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر، على منافسه نتنياهو؛ فقد حصل الأول على 41٪ من تأييد الذين شملهم الاستطلاع في مقابل 39٪ للآخر. وقال 10٪ إنهم لم يتخذوا قرارهم بعد، وقال 10٪ آخرون إنهم لن يصوتوا لأحد.[12]

وأياً يكن الأمر، فإن الاستطلاعات إجمالاً لا تشير إلاّ بصورة "خام" إلى اتجاهات الرأي العام، لما تشتمل عليه من نسبة خطأ إحصائية، ولمدى تأثرها بمزاج المستجوبين وقت إجراء الاستطلاع. ولربما كان وزير الخارجية شمعون بيرس على شيء من الحق في عدم منح الاستقصاءات أهمية كبرى في الحالة الإسرائيلية تحديداً، إذ يقول:

... عندما أنظر إلى البنية الإسرائيلية، ثمة 17٪ تقريباً متدنيون، ونحو 17٪ سكان عرب، لهم رأي متبلور إلى هذا الحد أو ذلك في موضوع السلام - أي أن 34٪ لن يغيّروا رأيهم في هذا الاتجاه أو ذاك. ونحن لدينا نواة صلبة، ولليكود أيضاً نواة صلبة: 25٪ لكل منا، تشكلان معاً 50٪ أُخرى. أي أن 87٪ [هكذا في النص] من الناخبين آراؤهم محسومة، والمشكلة أنه منذ سنة 1977 لم يكد يحدث تغيير في اقتراع الناس.[13]

الائتلاف الحاكم: أي وضع؟ أي مستقبل؟

على الرغم من الأغلبية الضئيلة والقلقة التي تحظى الحكومة الإسرائيلية بها في الكنيست، واعتمادها في كثير من الأحيان على أصوات "غير يهودية" في ردّ هجمات حجب الثقة التي تشنها المعارضة، وعلى الرغم من بروز خلافات، من حين إلى آخر، بين حزب العمل و"ميرتس" (اللذين يشكلان مع حركة "ييعود" الائتلاف الحاكم)، فإن العلاقة بين الأطراف الثلاثة تبدو مستقرة - أقله نسبياً حتى نهاية ولاية الكنيست الحالي. لكن هذا الاستقرار ليس كافياً ليكون الأداء الحكومي "جيداً" في المجالات الاقتصادية والأمنية، وغيرها من المجالات الداخلية، ولا على صعيد "التسوية السياسية"، ولا سيما مع سورية والفلسطينيين - كما جاء في نتائج أحد استطلاعات الرأي، التي عرضناها سابقاً. أمّا فيما عنى إمكان عودة الائتلاف العمالي إلى الحكم في انتخابات الكنيست المقبل، فإن الأجواء المصاحبة للتحضيرات الحزبية لهذه الانتخابات تتكشف عن وجود جملة من المجاهيل تجعل التكهن بشأن هذا الإمكان الآن نوعاً من الضرب في الرمل.

يشوب الاستقرار النسبي بين أطراف الحكومة خلافاتٌ بين حين وآخر بشأن قضايا داخلية وخارجية متنوعة. وفي مجال "التسوية السياسية"، تحديداً، نجد أن يوسي سريد وأمنون روبنشتاين (من "ميرتس") و"حمائم" حزب العمل يؤيدون ضم 20٪ من الضفة الغربية وتجميع المستوطنات في كتل، في حين أن رابين نفسه يضيف غور الأردن. أمّا وزيرا "ميرتس" الآخران، شولاميت ألوني ويئير تسابان، فيؤيدان إجراء تعديلات طفيفة فقط على حدود 1967.[14] أمّا موضوع القدس "الموحدة"، فهو خارج النقاش تماماً، كون اعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية هو محط إجماع صهيوني. وهذا لا يعني عدم بروز اختلافات هامشية وتكتية في الرأي بشأن الموضوع، كما حدث عندما قررت الحكومة مصادرة 530 دونماً من أراضي المدينة العربية؛ فقط طالب وزراء "ميرتس" حينها بـ "تأخير" قرارات المصادرة، معتبرين أن مصادرة أراضي العرب وبناء مساكن لليهود عليها "ستلحق الضرر بإسرائيل، عندما تطالب في المستقبل بالسيادة على القدس كلها."[15] ومن نافل القول إن مثل هذه الخلافات لا يهدد الاستقرار الحكومي في أي حال.

لكن، في مقابل هذا التماسك في الائتلاف الحاكم، ثمة حالة من عدم الاستقرار، المتفاوت الحدة، تسود داخل كل طرف من أطرافه الثلاثة. فالشريك الصغير، "ييعود"، الذي كان انشق عن "تسومت"، شهد في شباط/فبراير الماضي "موجة من الاستقالات"، جعلته على "وشك التفكك."[16] وفي سياق الصراع بشأن قيادة الحركة، نجح أليكس غولدبيرغ وعضو الكنيست أستر سلموفيتس في الحصول على قرار من سكرتاريا الحركة بإقصاء وزير الطاقة غونين سيغف عن رئاسة "ييعود"، وإحلال غولدبيرغ محله. وقد اعتبر سيغف القرار غير قانوني، وصرح بأنه قد يلجأ إلى القضاء لإبطاله.[17]

أمّا في "ميرتس"، الشريك الرئيسي لحزب العمل في الحكومة، فيبدو الوضع الداخلي أكثر استقراراً، وإنْ كان هو الآخر لا يخلو من توترات قائمة أو كامنة. ففي حديث صحافي أُجري مع سريد،[18] يمكن للمرء أن يستشف نوعاً من الجفاء بينه وبين شولاميت ألوني، الوزيرة والشخصية البارزة في الحركة، وتنافساً على زعامة "ميرتس"، وربما توجهاً لدى سريد نفسه للانضمام إلى نادي المرشحين لرئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة. كما أن "شينوي"، الشريك الثالث مع "مبام" و"راتس" في "ميرتس"، هدّدت في أوائل أيار/مايو الماضي بالتسبب بأزمة للحركة، إذا لم يتخل "مبام" لها عن المكان الثاني عشر في قائمة "ميرتس" في الكنيست المقبل.[19]

حزب العمل: جنرالات وشباب و... رابين

نصل الآن إلى الأخ الأكبر في الائتلاف الحكومي: حزب العمل. هنا نجد أنفسنا أمام "قِطَعٍ" من صورة للوضع الداخلي، تجعله أكثر تعقيداً وغموضاً، بسبب بهتان معظم هذه "القِطَع" في الوقت الحاضر، وصعوبة التنبؤ بالصورة النهائية التي ستنجم عن "تركيب" هذه القطع/العناصر. وفي أي حال، فإن المحصلة العامة لائتلاف/اختلاف تلك العناصر هي ما يفسّر أداء الحزب ضمن الائتلاف الحاكم، وهي التي ستتحكم، إلى حد بعيد، في مدى نجاح الحزب في انتخابات سنة 1996. وأهم هذه العناصر هي الآتية: نشوء حركة "الطريق الثالث"؛ الصراع بين جيل الشباب والحرس القديم في الحزب (بما في ذلك قضية حاييم رامون)؛ شخصية وموقف يتسحاق رابين نفسه، بما هو زعيم الحزب ورئيس الحكومة.

أ) "الطريق الثالث"

أُسّست حركة "الطريق الثالث" في حزيران/يونيو 1994، خلال اجتماع شارك فيه 18 عضو كنيست من حزب العمل، ورؤساء "موساد" سابقون، وجنرالات متقاعدون، وزعماء مستوطنين من الجولان وغور الأردن. وكان هدف المؤسسين إعادة مبادئ "مباي" إلى حكومة حزب العمل. ومنذ ذلك الحين، تطورت الحركة إلى مؤسسة ذات مكاتب، ويبلغ عدد أعضائها نحو 9000 عضو. ولم يبق من أعضاء الكنيست من حزب العمل سوى ثلاثة: أفيغدور كهلاني ("رأس الرمح")، ويعقوب شافي، وعمانوئيل زيسمان. وتضم الحركة أيضاً 13 ضابطاً كبيراً متقاعداً، من بينهم: يتسحاق حوفي، عاموس حوريف، تسفي زمير، موطي هود، حاييم نادل، ورئيس هيئة الأركان الأسبق دان شومرون. وتضم أيضاً رئيسي بلديتين من الليكود، يرمي أولمرت وتسفي بار، وكذلك الأستاذ يهوشواع بورات (عضو "ميرتس"!)، وحاخام مستوطنة إفرات شلومو ريسكين، وآخرين.[20] وتكشف نظرة على قائمة أسماء مجلس الحركة عن "اندماج مثير للاهتمام" بين "صقور" حزب العمل، ومن بينهم ميخائيل بار - زوهر وزيسمان وكهلاني وشوشانا أربيلي - الموزيلينو، وبين "معتدلي" الليكود، من أمثال تسفي بار، وبين كبار معتنقي "العقيدة الأمنية"، مثل عاموس حوريف وران شريغ وعوزي كيرن ويرمي أولمرت وموطي هود وحاييم يعفتس (وحوفي وزمير، طبعاً)، وبين معتمري القلانس ومنتعلي الصنادل من رجال الدين، وبين خريجي الوحدات الخاصة (لوفوتسكي، الحاخام يهودا عميطال، الحاخام شلومو برين من مستوطنة إيلون شفوت)، وبين مستوطني كيبوتسات بصنادل ومن دون قلانس بعضهم من الوحدات الخاصة نفسها (موكي تسور، يسرائيل الكبتس، جدعون غازيت.. إلخ).[21] ويرئس الحركة يهودا هارئيل، من مستوطنة ميروم هغولان، وينطق بلسانها آفي كلشتاين.

نشرت حركة "الطريق الثالث" مبادئها الأساسية، مؤخراً، في هيئة إعلان، وهي الآتية:[22]

l "دعم مسارات السلام مع الاستعداد للتنازل.

l الإصرار على تسويات سلمية تضمن السيطرة الأمنية والاستيطانية لإسرائيل في غور الأردن وشمالي البحر الميت، وفي هضبة الجولان، وحول القدس وفي كتل استيطانية حيوية للأمن، ليست آهلة بالعرب بكثافة.

l تعزيز وتكثيف الاستيطان على طول حدودنا الشرقية: غور الأردن، وشمالي البحر الميت ووادي عربة وهضبة الجولان.

l معارضة السيطرة على شعب آخر."

هناك أكثر من سبب يجعل حركة "الطريق الثالث" شأناً داخلياً لحزب العمل. فهي تتألف، جزئياً، من عدد من أعضاء الحزب وقادته - كما رأينا. كما أن مجلس الحركة شهد مؤخراً (في 18 أيار/مايو الماضي مثلاً) نقاشات بشأن إمكان تحويلها إلى حزب، سوياً مع حركة "ميماد"، يخوض انتخابات الكنيست المقبلة. وفي هذا الصدد، يشير بعض الاستقصاءات إلى أن هذا الحزب سيحصل على 80٪ من أصواته من حزب العمل، والباقي من أحزاب "اليمين".[23] وتشير استطلاعات أُخرى للرأي إلى أن "الطريق الثالث" ستحصل على 20٪ من أصوات الناخبين.[24] كما أن بعض أعضاء الكنيست من الحركة، وعلى رأسهم كهلاني (من حزب العمل)، يقترح إدخال تعديلات على قانون الجولان تجعل أي انسحاب ممكن في المستقبل من المرتفعات السورية المحتلة أكثر صعوبة، وذلك بإقرار أكثرية خاصة لبت الموضوع: 70 عضو كنيست، أو ما لا يقل عن 50٪ من أصوات المقترعين في استفتاء عام.[25] وهناك سبب أخير، وليس آخراً، يجعل "الطريق الثالث" من بين الهموم والاهتمامات الداخلية لحزب العمل، هو العلاقة الوثيقة التي تربط زعيم الحزب رابين بالحركة، أو أقله بعدد من قيادييها، والمسؤولية التي يتحملها شخصياً في نشوء الحركة - الأمر الذي سنفصله بعض الشيء أدناه.

إلى جانب "الطريق الثالث"، وبالتداخل معها، هناك مجموعة من "الصقور" في حزب العمل، من بينها "مجموعة الستة السرية"، التي وصلت إلى حد المطالبة بإعادة الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة، وإن كان هدفها من وراء ذلك متصلاً بأغراض انتخابية داخلية. وتضم هذه المجموعة كلاًّ من أعضاء الكنيست: إيلي دايان وشلومو بوحبوط ورافي ألول وصلاح طريف وعمانوئيل زيسمان ويورام ليس.[26]

ب) جيل المستقبل والحرس القديم

يوجد في داخل حزب العمل اليوم، أو في هوامشه، عدد من المحافل الشابة، المتفاوتة الحجم والأهمية، والمتباينة في اهتمامها واتجاهاتها السياسية، والتي تتفق فيما بينها حيناً وتختلف حيناً آخر. وفي أي حال، فإن وجود هذه الظاهرة يرتبط ارتباطاً مباشراً بمسألة خلافة "الحرس القديم" الذي يمثل القيادة التاريخية للحزب. ونشير هنا إلى أن من بين هذه المحافل نجد: "هكفار هيروك" ("القرية الخضراء")؛ "أُلترنتيفا" ("البديل")؛ "دور ههمشيخ" ("جيل الاستمرار").[27] لكننا سنركز فيما يلي على مجموعة "الثمانية" في الكنيست، ومحفل "مشوف" الإكسترا - برلماني، نظراً إلى أنهما يضمان أبرز الشخصيات الشابة المرشحة للتربع على قمة الهرم الحزبي في المستقبل المنظور.

في "لقاء قمة"، عُقد في 24 كانون الثاني/يناير الماضي، وأريد له أن يظل سرياً، التقى أربعة من زعماء "جيل المستقبل" في حزب العمل، للمرة الأولى في إطار سلسلة لاحقة من اللقاءات، والأربعة هم: رئيس الهستدروت حاييم رامون؛ رئيس هيئة الأركان السابق إيهود براك؛ نائب وزير الخارجية يوسي بيلين؛ والأستاذ الجامعي شلومو بن - عامي. أمّا موضوع النقاش، كما رشح من الاجتماع، فكان التحضير لقيادة بديلة مستقبلية للحزب.[28]

في أي حال، لا يعقد شباب حزب العمل اجتماعاتهم دائماً في غرف مقفلة، وهم لا يترددون في الإفصاح عن طموحاتهم القيادية. مثال ذلك، الاجتماع الطارئ الذي سارعوا إلى عقده في مكتب أحدهم في 7 آذار/مارس الماضي، لمناقشة قضية الفساد في الهستدروت التي تمس بعض أعضاء الحزب. وحضر الاجتماع مجموعة "الثمانية" في الكنيست: حاييم رامون (زعيم المجموعة) وأبراهام بورغ وحغاي ميروم وياعيل دايان ونواف مصالحة وشموئيل أفيطال ويوسي بيلين وعمير بيرتس. وفي النقاش الذي تناول "الانعكاسات السياسية" للقضية على حزب العمل، بدا أن مضمونه لم يكن سلبياً بالذات؛ ذلك بأن ضعف الحزب، بحسب أحد المحللين، سيمنحهم فرصة نادرة للوصول إلى قمة القيادة بأسرع مما كانوا يعتقدون، وعلى نحو أسهل كثيراً. وقد علّق أحد "الثمانية"، حغاي ميروم، موضحاً رؤيته لمواجهة الوضع، بما يؤكد هذا التحليل، إذ قال:

لذلك يجب أن يحدث شيئان دراميّان، يوضحان للجمهور أن قضية الفساد هذه لا تطبع الحزب بطابعها، وأن أموراً يجري اتخاذها للتغلب على هذه العيوب. الأول هو إنجازات دراميّة في مجال السلام، أي اختراق في المفاوضات مع الفلسطينيين ومع سورية. والأمر الدرامي الآخر هو وضع جيل السياسيين الأكثر شباباً في الحزب على رأس قيادة الحزب. إنني أتحدث عن مجموعة "الثمانية"، المعروفة بحربها على الفساد، وبالأمانة والنقاء.[29]

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربط بعض أفراد مجموعة "الثمانية"، ولا سيما بيلين، بوزير الخارجية شمعون بيرس، فإن هذا الأخير لم يكتم امتعاضه من توجهاتها. فقد اتهم بيرس المجموعة بأنها أخطأت عندما تحدثت عن تغيير قيادة الحزب بسبب ماجريات الأمور في الهستدروت، مضيفاً أنه لا يعترف بمفهوم "تبديل الحرس"، أي القيادة. وقال: "إن الحزب لا ينتخب حرساً. الحزب ينتخب أشخاصاً، وكل شخص يريد أن يُنتخب - فليرشح نفسه للانتخاب."[30] وقد نشبت خلافات حادة بين أعضاء مجموعة "الثمانية" أنفسهم على خلفية هذه القضية، وتحفظ بيلين من موقف بعض رفاقه في المجموعة، ومن بينهم أبراهام بورغ، بسبب دعوتهم إلى تغيير قيادة حزب العمل لما يجري في الهستدروت.[31] كما برزت خلافات بشأن اقتراح بيلين، الذي أيده بورغ، وعارضه رامون وميروم، تأجيل تطبيق قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة حتى سنة 2000.[32]

محفل "مشوف"[33] هو المجموعة الشابة الثانية في حزب العمل. ويشارك في قيادته ثلاثة من مجموعة "الثمانية" في الكنيست (بيلين وبورغ ودايان)، بالإضافة إلى آخرين من خارج الكنيست، مثل د. دان بونيه، رئيس اللجنة السياسية في المحفل، وتسيلي ريشف، أحد قادة حركة "السلام الآن". وقد عقد "مشوف" مؤتمراً، برئاسة بيلين، في 10 آذار/مارس الماضي، اتخذ فيه عدداً من القرارات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي ستُقدّم كمشاريع قرارات إلى مؤتمر حزب العمل المقبل. ومن بين هذه القرارات: تعديل برنامج الحزب بحيث يعترف بخيار الدولة الفلسطينية في التسوية الدائمة؛ إخلاء مستوطنات حتى قبل التوصل إلى مثل هذه التسوية؛ إجراء مفاوضات مع سورية بشأن تسوية في الجولان، تقوم على انسحاب إلى الحدود الدولية و"حاجات الأمن الإسرائيلية".[34]

وفي وقت لاحق، تبنّى "مشوف" اقتراحاً بشأن أسلوب انتخاب جديد إلى الكنيست، يتم بموجبه انتخاب نصف أعضاء الكنيست وفق انتخابات شخصية - مِنْطَقية. وسيُقدم هذا الاقتراح أيضاً إلى مؤتمر حزب العمل المقبل.[35] ومما يُذكر، أن الخلاف في صفوف مجموعة "الثمانية" بشأن قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، طال أطراف الائتلاف الحاكم، ولا سيما حزب العمل و"ميرتس"، بالإضافة إلى الليكود المعارض.[36]

من بين جيل الشباب، يبرز حاييم رامون، زعيم "الثمانية" في الكنيست، كإحدى الشخصيات الأهم المرشحة لوراثة القيادة التاريخية لحزب العمل. ومما يؤكد أهمية رامون النجاح الذي حققه وقائمته "رام" في انتخابات الهستدروت في 10 أيار/مايو من العام الماضي، متمرداً على الحزب نفسه ومُلحِقاً به الخسارة، واتخاذُ الحزب - على الرغم من ذلك - قراراً في الآونة الأخيرة بإعادة رامون ورفاقه إلى صفوفه، وتريثُهِ هو حتى الآن بالاستجابة لهذا القرار. ومن الواضح أن حسم زعيم "رام" وقائد "الثمانية"، أمره سلباً أو إيجاباً (بخوض انتخابات الكنيست في قائمة منفصلة، أو ضمن قائمة حزب العمل) سيخلف آثاراً سلبية أو إيجابية في فرص الحزب للفوز.[37] وفي أي حال، وكما يستخلص أحد التحليلات الصحافية، فإن

ليس ثمة خلاف اليوم في حزب العمل في أن وجود رامون في القائمة عشية الانتخابات سيكون ثروة انتخابية شديدة المفعول. لكن هذا الإجماع سينكسر عندما يتعلق الأمر بتثبيته في رأس القائمة، وبالصراع الذي سيبدأ بعد نهاية عهد رابين - بيرس، بعد الانتخابات القريبة كما تشير الأمور، فستنشأ في حزب العمل تحالفات جديدة معه وضده.[38]

ج) رابين: هو "المشكلة"، وهو "الحل"

لا يمكن الاستنتاج، كما رأينا، أن نوعية العلاقات السائدة بين أطراف الائتلاف الحكومي، أو حتى الأوضاع الداخلية لكل من هذه الأطراف، هي السبب الرئيسي (أو حتى أحد الأسباب الرئيسية) الكامن وراء نوعية الأداء الحكومي في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال "التسوية السلمية". وفي المقابل، يكاد المراقبون الصحافيون الإسرائيليون يجمعون على أن رابين نفسه، رئيس الحكومة ووزير الدفاع فيها، بسبب عقليته وشخصيته، هو المشكلة، وبالتالي عنده الحل.

ففي مقالات ثلاثة كتبها أحد الصحافيين في فترات متباعدة بعض الشيء، نجد تنويعات متشابهة لفكرة واحدة: رابين يتحمل المسؤولية. فهو، كما ينقل الصحافي عن شخصية سياسية كبيرة، لا يملك خططاً للسلام مع الفلسطينيين وسورية، ولم يَجْرِ نقاشٌ لمثل هذه الخطط في أي لقاء رسمي. لكنه أكد أنه "في سريرته يعرف إلى أين هو سائر." وبحسب الصحافي نفسه، فإن مشكلة رابين هي أنه مشكّك ومتعجرف، ولا يعتمد على أي شخص، بل إنه يعطّل جميع الجهات التي يفترض أن يأخذ رأيها ومعطياتها في الحسبان: شعبة الاستخبارات العسكرية؛ رجال القضاء؛ وزراء الحكومة.[39] وبكلام آخر، فإن رابين "يفرغ الحكومة وأجهزة التفكير واتخاذ القرارات من أي مضمون. فتحولت الحكومة إلى هيئة سخيفة لا تعرف شيئاً ولا تقرر في أي شأن." إنه يمسك بـ "الأوراق" قريبةً إلى صدره، الأمر الذي يشكل ذريعة مقبولة لفترة قصيرة، لكنه لا يمكن أن يكون طريقة في إدارة دولة.[40] بل يذهب الصحافي نفسه إلى حد القول أنه ينفجر ضاحكاً في كل مرة يطلب فيها شخص ما من رابين المبادرة إلى العمل والبدء باتخاذ قرارات صعبة؛ فرابين هو رابين وهو رابين: ما لديه، وأساساً ما ليس لديه، هو كل ما هو موجود.[41]

على المنوال نفسه، ينسج صحافي آخر، يبدأ مقاله بوصف رابين بـ "هذا الرجل المتردد الذي بدت كل خطوة مهمة قام بها في رئاسة الحكومة كأنها انجرار إلى داخل ظروف أوجدها آخرون له"، وبتعجبه كيف يبدي تصميماً في شأن واحد فقط: رغبته في أن يقود الدولة مرة أُخرى سنة 1996. ويشير الصحافي أيضاً إلى "القرارات الصعبة" التي على رابين اتخاذها: إعلان استعداده للانسحاب من هضبة الجولان كلها، وتطبيق اتفاق أوسلو نصاً وروحاً، والتسليم بإقامة دولة فلسطينية.[42]

كما أن رابين بالذات، بحسب تعليق صحافي آخر، رجل الأمن بامتياز، نجح في الأشهر الأخيرة في دفع الجمهور إلى "هستيريا من أعمال الإرهاب: كأن الإرهاب يضرّ بنا أكثر من حوادث الطرق، وكأن البريطانيين لم يعيشوا حياة طبيعية مع مثل هذا الإرهاب لأعوام طويلة." وإلى ذلك، ليس لرابين أي بشرى اجتماعية يقدمها للجمهور، وليس له لغة مشتركة مع المهاجرين والعاطلين عن العمل وسكّان مدن التطوير. وهو أيضاً ليس إنساناً خلاّقاً في مجال حل المشكلات، في حين أن مواصلة تطبيق اتفاق أوسلو تستوجب الإبداع... إلخ.[43]

وفي تقويم سلبي آخر لرابين، جاء في تعليق صحافي، أن "كل ولد إسرائيلي" يعرف أن رابين يلمح للرئيس الأسد عن استعداده للانسحاب من الجولان، لكنه غير مستعد لأن يخبر الإسرائيليين عن الرسالة التي بعث بها إلى السوريين. ومع ذلك، فإن "التقصير الكبير" لرابين ليس على الجبهة السورية، بل إن "الفشل الحقيقي" هو مع الفلسطينيين. فقد تراجع رابين بعد الاتفاقات معهم، وترك عرفات لصعوباته وعزلته، وإمكان سقوطه، قائلاً: فلنرَ إذا كان جديراً بنا.[44]

وفي النموذج الأخير الذي نقدمه هنا للانتقادات الموجهة إلى رابين، نجد أن أحد وزراء حزبه يصفه بأنه "من دون أفق". كما أن الانتقادات التي نجدها في صفوف وزرائه مزدوجة، إن بسبب القرار المغلوط فيه بمصادرة الأراضي العربية في القدس، أو بسبب التكتيكات العقيمة التي انتهجها لتخليص نفسه من هذه الورطة.[45]

يضاف إلى كل ما سبق، مسؤولية رابين عن نشوء حركة "الطريق الثالث"، كما سبق أن أشرنا. إذ يذهب البعض إلى أن رابين ليس "الأب الروحي" للحركة فحسب، بل إنه يتحمل المسؤولية كاملة عن إقامتها، مثلما يتحمل مسؤولية قيام كتلة رامون في الهستدروت. فهذا ما يحدث عندما يُسدّ الطريق الأول: "الطريق الثالث" هو التفاف يجسد فقدان الثقة بالطريق الأول.[46] ويذهب البعض الآخر إلى أن رجال الحركة، الذين يرتبط عدد منهم بعلاقات وثيقة مع رابين، هم أشخاص "يعيدون رابين إلى مواقفه الأساسية، مثل (أنا أعلى) يُسْمِعه صوتَه الحقيقي..."[47]

رُبّ ضارة لليكود نافعة لحزب العمل؟

في 18 حزيران/يونيو، أعلن دافيد ليفي انشقاق معسكره عن الليكود، مخاطباً الآلاف من أنصاره: "إن الليكود تغيّر ولم يعد بيتنا. نحن الآن حركة جديدة ستصبح حزباً."[48] ولم يكن الأمر مفاجئاً، بل إن "الانفصال" الفعلي بين ليفي و"بيته" منذ نحو ثلاثة أعوام أصبح الآن "طلاقاً" معلناً. وأياً يكن الأمر، فقد يكون ضرورياً القيام بمعالجة منفصلة لوضع الليكود الحالي وآفاقه المستقبلية. لكننا سنقصر الحديث هنا عن انعكاسات الحدث الممكنة على حزب العمل.

يبدو، أول وهلة، أن حزب العمل سيستفيد انتخابياً بسبب الأصوات التي سيخسرها الليكود، في الانتخابات المقبلة للكنيست ولرئاسة الحكومة، لمصلحة قائمة ليفي. إذ "مع انسحاب ليفي من الليكود، سينسحب معه جزء من القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب. ومن لا يؤمن بالطاقة الانتخابية للقائمة الجديدة، كان عليه أن يجول أمس في مؤتمر حزب العمل. فهناك، تحدث أمناء سر مجالس عمال ونشطاء من الضواحي وبلدات التطوير بجلاء عن بيتهم الجديد."[49] ومن الواضح منذ الآن أن حزب ليفي العتيد سيكون طائفياً، يعتمد في عضويته ودعمه أساساً على اليهود الشرقيين - المصدر الرئيسي لعضوية ودعم الليكود.

بل إن استفادة حزب العمل قد لا تتوقف على ما سيخسره الليكود. فقد كُشف النقاب مؤخراً عن اتصالات سرية كانت تجري بين قادة الحزب وليفي، حتى قبل انشقاق هذا الأخير. ومنها اللقاء السري الذي عُقد في أواخر شباط/فبراير الماضي في فندق هوليداي إن في القدس بين بيرس وليفي، وبمعرفة رابين، والذي تناول موضوع "حكومة وحدة وطنية".[50]

لكن الاستفادة، أياً يكن حجمها ومصدرها، ليست مؤكدة، بحسب ما يرى بعض المراقبين الإسرائيليين. فقائمة ليفي قد تأخذ أيضاً أصواتاً من حركة "شاس"، بل من أصوات مقترعي حزب العمل نفسه الذين قد يميلون إلى التصويت لمصلحة قائمة طائفية. وفي المقابل، فإن الليكود قد يكسب أصواتاً، لأنه تخلص من ليفي بالذات، أو لاعتبارات طائفية أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ليفي سيكون على الأرجح ضمن ائتلاف "يميني" بعد الانتخابات؛ إذ من "الصعوبة بمكان" أن يتحول الرجل فجأة نحو اليسار.[51] أمّا فيما عنى العام ونصف العام اللذين يفصلاننا عن الانتخابات، فقد اتفق نتنياهو وليفي على تسويةٍ تبقى مجموعةُ ليفي بموجبها ضمن كتلة الليكود في الكنيست.[52]

الخلاصة: في الطريق إلى انتخابات 1996

لا يزال الطريق إلى الانتخابات طويلاً، وحافلاً بالمحطات التنظيمية لحزب العمل وغيره من أطراف الائتلاف الحاكم، وبالاستحقاقات السياسية التي سيواجهها هذا الائتلاف.

كانت المحطة التنظيمية الأولى مؤتمر الحزب الذي عقد في 5 حزيران/يونيو. في هذه المحطة، رفض المؤتمر اقتراح بيلين تأجيل قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، كما قرر أن عضو الكنيست الذي يخرق الانضباط الكتلوي لن يكون في إمكانه دخول قائمة الحزب الانتخابية، وغير ذلك من القرارات.[53] وإذا كان القرار الأول يعكس، إلى حد ما، تكريس زعامة الثنائي رابين - بيرس التاريخية على حساب "الشباب"، فإن القرار الثاني يأتي في مواجهة إمكان خرق الانضباط فيما يتعلق بتصويت محتمل على قانون الجولان، من جانب أعضاء "الطريق الثالث" وغيرهم من "صقور" الحزب.

أمّا المحطة الثانية فستكون الانتخابات الأولية التي سيجريها الحزب في أواخر هذا العام أو في أوائل العام المقبل، والتي ستتقرر فيها قائمة مرشحيه في انتخابات الكنيست المقبلة، بما في ذلك حجم تمثيل مختلف التيارات والفئات والتلاوين المكونة للحزب: "الشباب"، "الصقور"، النساء، العرب، المهاجرون الجدد.. إلخ. يلي ذلك محطة مؤتمر حزب العمل الذي سيعقد في آذار/مارس 1996، والذي سيتقرر فيه برنامج الحزب، تمهيداً للمعركة الانتخابية.

أمّا الاستحقاقات السياسية، فيتصدرها - طبعاً - استحقاق "التسوية السلمية". وفي هذا المجال ستكون كل خطوة تُتخذ، أو لا تُتخذ، ولا سيما مع سورية و"السلطة الفلسطينية"، موضوعة باستمرار تحت مجهر النقد ومبضع التشريح؛ وسيظل حزب العمل حريصاً على كسب الجولة بالنقاط، في حين تتعذر الضربة القاضية: يتحسب لنقاط "الإنجازات" التي يقطفها هو، ويحذر من نقاط "التنازلات" التي قد يسجلها الخصم الليكودي في شباكه. وأغلب الظن أن ماجريات هذا الاستحقاق التسووي ستؤدي دوراً في نتائج الانتخابات المقبلة، بقدرٍ يكاد يكون مساوياً للدور الذي ستؤديه هذه النتائج في تقرير المآل النهائي لـ "عملية التسوية" نفسها.

 

المصادر:

[1] بحسب تعبير شلوم يروشالمي، "معاريف"، ملحق السبت، 31/3/1995، ص 4 - 5.

[2] لمزيد من التفصيلات، انظر: "هآرتس"، 27/3/1995.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] يوئيل ماركوس، "هآرتس"، 28/3/1995.

[6] جدعون ألون وييرح طال، "هآرتس"، 27/3/1995.

[7] أجرى المقابلة يعقوف إيرز، "معاريف"، ملحق الفصح، 14/4/1995، ص 2 - 4.

[8] "يديعوت أحرونوت"، 20/1/1995.

[9] "معاريف"، 24/2/1995.

[10] انظر: "دافار"، 18/1/1995.

[11] المصدر نفسه، 11/5/1995.

[12] "يديعوت أحرونوت"، 9/6/1995 (كما جاء في: "الحياة"، 10/6/1995).

[13] انظر: "هآرتس"، 12/3/1995.

[14] عوزي بنزيمان، "هآرتس"، 27/1/1995.

[15] "هآرتس"، 1/5/1995.

[16] المصدر نفسه، 21/2/1995.

[17] المصدر نفسه، 18/5/1995.

[18] انظر نص الحديث الذي أجرته أوريت غاليلي في: المصدر نفسه، 23/3/1995.

[19] "دافار"، 12/5/1995.

[20] لمزيد من التفصيلات، انظر: ليلي غاليلي، "صوت الأنا الأعلى لرابين"، "هآرتس"، 7/4/1995.

[21] أفيرما غولان، "عالقون في الحنين إلى الماضي، وفي الصنادل"، "هآرتس"، 22/5/1995.

[22] انظر الإعلان في: "هآرتس"، 19/5/1995.

[23] "هآرتس"، 16/5/1995. بشأن إمكان التحول إلى حزب، انظر أيضاً: "هآرتس"، 1 و17 و18 و21/5/1995.

[24] المصدر نفسه، 25/5/1995.

[25] يوسف ألغازي، "بعد 50 عاماً، ربما يثق بالأسد"، "هآرتس"، 28/4/1995. النسبة الصحيحة هي 65%.

[26] جدعون ليفي، "مجموعة الستة السرية"، "هآرتس"، 10/4/1995.

[27] انظر: "دافار"، 26/1/1995.

[28] المصدر نفسه.

[29] ميخال كفرا، "العمل - لا مكان يذهب إليه"، "معاريف"، ملحق السبت، 10/3/1995، ص 6 - 7.

[30] انظر: "هآرتس"، 12/3/1995.

[31] المصدر نفسه.

[32] المصدر نفسه، 28/4/1995.

[33] لكلمة "مشوف" أكثر من معنى في اللغة العبرية: تغذية مرتدة؛ تقارن ارتجاعي (Feed back)؛ مجازاً: أصداء راجعة؛ وفي الشؤون المالية: جهاز كشف الحسابات... إلخ.

[34] لمزيد من التفصيلات، انظر: "هآرتس"، 12/3/1995.

[35] "هآرتس"، 28/4/1995.

[36] للتفصيلات، انظر: المصدر نفسه، 28/4/1995.

[37] حظي رامون مؤخراً بتغطية صحافية واسعة. أنظر، مثلاً: شلوم يروشالمي، "رامون - لا مكان يعود إليه"، "معاريف"، ملحق السبت، 10/3/1995، ص 4 - 5؛ أمير نويمان، "الحياة الجديدة لحزب العمل"، "دافار"، 12/5/1995.

[38] نويمان، مصدر سبق ذكره.

[39] يوئيل ماركوس، "سلطة السريرة"، "هآرتس"، 25/11/1994.

[40] ماركوس، "رابين هو المشكلة، رابين هو الحل"، المصدر نفسه، 2/12/1994.

[41] ماركوس، "إلى أن يتعلم الغناء"، المصدر نفسه، 31/3/1995.

[42] عوزي بنزيمان، "رابين، مرة ثالثة"، "هآرتس"، 26/3/1995.

[43] أوريت شوحط، "آن أوان التقاعد"، "هآرتس"، 27/3/1995.

[44] جدعون ليفي، "المسير والإجراءات"، "هآرتس"، 7/5/1995.

[45] دان مرغليت، "نحو عرض عضلات"، "هآرتس"، 26/5/1995.

[46] أوريت شوحط، "الطريق الرابع"، "هآرتس"، 2/5/1995.

[47] غاليلي، "صوت الأنا الأعلى ..."، مصدر سبق ذكره.

[48] "الحياة"، 19/6/1995.

[49] حنه كيم، "طلاق متأخر"، "هآرتس"، 6/6/1995.

[50] انظر: سيمه كدمون، "اللقاء السري بين بيرس وليفي"، "معاريف"، ملحق السبت، 17/3/1995، ص 8 - 9.

[51] ران كسليف، "عندها ربما يتم الطلاق"، "هآرتس"، 6/6/1995.

[52] "الحياة"، 20/6/1995.

[53] انظر: "هآرتس"، 6/6/1995.