أزمة الثروة المائية في إسرائيل
Keywords: 
الموارد المائية
إسرائيل
استهلاك المياه
بحيرة طبريا
1948
الضفة الغربية
قطاع غزة
Full text: 

 مقدمة

              تمرّ الثروة المائية في إسرائيل بأزمة يعتبرها الخبراء الإسرائيليون خطرة جداً، بل إنها تهدد الاقتصاد الإسرائيلي بصورة لم يسبق لها مثيل. وقد تفاقمت هذه الأزمة في الأعوام الأخيرة بسبب شح مياه الأمطار، واستمرار السّحب الزائد من مخزون المياه في مجمّعات المياه الطبيعية، وبالتالي تهديد هذه المُجمّعات. وقد ظهر في الدوريات الإسرائيلية مؤخراً كثير من الأبحاث المتعلقة بهذه الأزمة. وفي هذا المقال نحاول أن نلقي بعض الضوء على أبعاد هذه القضية، وعلى حجم الثروة المائية في إسرائيل، وطرق استهلاكها، ومصادر المياه الرئيسية، والحلول المقترحة لحل الأزمة، معتمدين في ذلك على المصادر الإسرائيلية نفسها.

مصادر المياه في إسرائيل

              تنقسم الثروة المائية الطبيعية في إسرائيل إلى قسمين رئيسيين: الأول، "مياه علوية"، وهي المياه المخزونة في البرك أو في بحيرة طبريا، وتشكل ثلث كمية الثروة المائية الكلية؛ والثاني، "مياه جوفية" وهي المياه القائمة، وبصورة طبيعية في مجمّعات تحت – أرضية، وهي تمثل ثلثي هذه الثروة.

              وتشكل بحيرة طبريا وحدها ربع كمية المياه العلوية، وتتراوح جودة المياه فيها بين متوسطة إلى جيدة. أما باقي المياه العلوية فذو جودة واطئة، وهو يتألف في الأساس من مُجمّعات مائية مصدرها الفيضانات الشتوية، أو مياه المجاري، بعد أن تمّ تكريرها وتنقيتها.

والمياه الجوفية قائمة في مجمّعات طبيعية تحت – أرضية يسمى واحدها "اكويفير" (aquifer)، وهذه تنقسم بحسب مناطق البلد المختلفة، أو بحسب نوع الصخر الذي تتجمّه هذه المياه فيه. وأعظم اكويفيرين في إسرائيل هما "اكويفير الجبل" و"اكويفير الساحل".

اكويفير الجبل واكويفير الساحل

              يتركب أكويفير الجبل من صخور جبرية، ويمتد على طول سلسلة الجبال المركزية في البلد. وهو مؤلف من فرعين رئيسيين: الفرع الغربي (ويسمى أيضاً "يركون تنينيم")؛  والفرع الشرقي القريب من البحر الميت ونهر الأردن. وتمتاز مياه هذا المجمّع بالجودة العالية التي ربما كانت أجود أنواع المياه في البلد. وتستخرج إسرائيل من هذا المجمّع نصف ما تستخرجه سنوياً من المياه الجوفية. وتبغ كمية المياه المستخرجة منه سنوياً 740 مليون كوب، وهي كمية أكبر من كمية المياه اللازمة للحاجات البيتية (الشرب، الغسيل...).

              أما أكويفير الساحل فيتألف من صخور رملية، وهو يمتد – كما يشير اسمه – قريباً من المنطقة الساحلية من جبل الكرمل في الشمال إلى غزة في الجنوب، ويبلغ طوله نحو 120 كلم. ويتراوح عرض هذا المجمّع المائي بين 7 كلم و20 كلم. أما مساحته الكلية فتبلغ 2000 كلم2. ويبلغ ارتفاع مياهه في بعض المناطق، وخصوصاً بالقرب من الساحل، نحو 180 م. وتقدّر كمية المياه فيه بـ 20 مليار كوب من المياه ذات الجودة الجيدة؛ ولذلك، فهو يؤلّف ثُلث مياه البلد الجوفية. أما مياهه فتصل إليه من مياه الأمطار بصورة أساسية.

وتُستخرج المياه من هذا المجمّع عن طريق 1700 بئر لضخ المياه قائمة على طول المنطقة الساحلية، بعمق يتراوح بين 50 م و 150 م. وتبلغ كمية المياه المسحوبة من هذا المجمّع سنوياً نحو 450 مليون كوب. أما الخطر الذي يتهدد هذا الأكويفير فهو دخول مياه البحر إليه، وذلك بعد انخفاض منسوب مياهه وازدياد ضغط مياه البحر بسبب ذلك.

وقد بدأ منسوب المياه في هذا المجمّع بالانفخاض منذ الخمسينات بسبب السحب الزائد لمياهه، وبكميات تفوق كميات مياه الأمطار التي تدخل إليه سنوياً. وفي سنة 1964، تسبب السحب الزائد بانخفاض مستوى المياه فيه إلى 15 م تحت مستوى سطح البحر، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن الطبيعي لجريان المياه، وإلى دخول مياه البحر والتسبب بملوحة القسم الغربي منه بعرض يبلغ 4 كلم من خط الساحل. وهكذا، أغلق في هذه المناطق كثير من الآبار.

وقد جرت منذ ذلك التاريخ محاولات كثيرة للتغلّب على هذه الظاهرة، أو وقفها على الأقل، وذلك عن طريق تقليص كمية المياه المستخرجة. لكنّ الفلاحين الذين تعوّدوا على استهلاك كميات كبيرة من المياه لم يتوقفوا عن السحب الزائد، حتى بعد تفعيل "المشروع القطري" الذي جلب المياه من بحيرة طبريا في الشمال. ولذلك مغ زِلْتَ تستطيع أن تجد سطح المياه في بعض المناطق في هذا المجمّع ينخفض عن سطح البحر، وهو ما يجعل ظاهرة تمليح المياه فيه مستمرة.

وبعد ثلاثة أعوام (1983 – 1985) من اتساع هذه الظاهرة، تداعى علماء المياه في إسرائيل إلى اجتماع نادوا فيه بالكف عن سحب المياه الزائدة من أكويفير الساحل. وقد تبنت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتقليص كمية المياه المسحوبة بمقدار 200 مليون كوب في السنة، غير أن هذا القرار لم يُنفّذ إلا بصورة جزئية فقط.

وما عدا هذين المجمّعين الكبيرين للمياه، يقوم أيضاً بعض الأكويفيرات التي يُسحب منها كميات أقل من المياه، في مناطق مثل الجليل والنقب، بحيث تختلف جودة المياه فيها من مكان إلى آخر.

بحيرة طبريا

              ومن مصادر المياه المهمة في إسرائيل بحيرة طبريا التي تبلغ كمية المياه المسحوبة منها سنوياً نحو 610 ملايين كوب، وهي كمية تفوق الحاجة البيتية إلى المياه في إسرائيل. إلا إن المشكلة هي أن مياه البحيرة لا تكون دائماً صالحة للشرب، وذلك بسبب التلوث اللاحق بها بفعل دخول مواد عضوية واردة بكميات كبيرة من الحقول الزراعية في سهل الحولة، واتصال برك المجاري أحياناً في منطقة صفد وطبريا بمياه البحيرة، بالإضافة إلى مت يخلفه المستجمّون والمستحمّون على شواطىء البحيرة من نفايات. ولذلك، تستعمل مياه طبريا بصورة أساسية في ري المزروعات (وسنذكر بعد قليل مصدراً آخر للمياه هو تنفية مياه المجاري وإعادة استعمالها). وثمة مشكلة أخرى لا تقل أهمية، هي الوضع الحرج الذي وصل منسوب مياه البحيرة إليه بسبب السحب الزائد وقلة مياه الأمطار، إذ يفصل بين منسوب المياه الحالي وبين مستوى الـ 213 م تحت سطح البحر، الذي أُعلن خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، 11 سم فقط.

استهلاك المياه في إسرائيل

              ينقسم استهلاك المياه في إسرائيل إلى ثلاثة أقسام: الاستهلاك البيتي، ويؤلف 20% من المياه المستهلكة سنوياً؛ الاستهلاك الزراعي، ويؤلف حصة الأسد من هذا الاستهلاك (75%)؛ الاستهلاك الصناعي بنسبة 5%.

وبما أن مياه الاستعمال البيتي تستعمل للشرب أيضاً، كان من اللازم أن تكون المياه الموصولة بالبيوت ذات جودة عالية. وبمثل هذه الجودة أو أكثر منها، يجب أن تكون مياه الصناعة لأنها تُستعمل في التفاعلات الكيماوية الدقيقة. أما بالنسبة إلى الزراعة، فيمكن استعمال مياه أقل جودة.

ويبيّن الجدول رقم (1) كميات المياه المسحوبة من مصادر المياه المختلفة، محسوبة بملايين الأمتار المكعبة (الأكواب). أما الجدول رقم (2) فيبين كميات استهلاك المياه في المرافق المختلفة، محسوبة أيضاً بملايين الأكواب.

وفي التقرير الذي قدمته مراقبة الدولة في نهاية سنة 1990 عن وضع المياه في إسرائيل، والذي ضم 170 صفحة، وردت الأرقام التالية عن استهلاك المياه في إسرائيل، والتي أُخرجت منها – عن قصد أو غير قصد، كميات المياه التي يستهلكها سكان الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلَّيْن:

الصناعة

107 ملايين كوب

الاستعمال البيتي

495 مليون كوب

الزراعة

1300 مليون كوب

المجموع

1902 مليون كوب

 

              أما عن العجز المائي الحالي، فجاء أنه يبلغ 1600 مليون كوب. ويبلغ العجز في أكويفير الساحل وحده 1100 مليون كوب، وفي أكويفير الجبل 350 مليون كوب، وباقي العجز في أكويفيرات أصغر. أما بحيرة طبريا، فيبلغ منسوب المياه فيها حداً حرجاً.

الجدول رقم (1)

ميزان المياه العام لعام 1984/1985

بحيرة طبريا

610

مياه الفيضانات

90

مياه المجاري المكرّرة

60

أكويفير الساحل

455

أكويفير الجبل

740

باقي أكويفيرات الجليل والكرمل والنّقب

190

المجموع

2145

 

الجدول رقم (2)

المياه المستعملة في المرافق المختلفة

لعام 1984/1985

 

الزراعة

1450

الاستعمال البيتي

425

الصناعة

105

سكان المناطق المحتلة

165

المجموع

2145

 

عجز في المياه

              يُعاني "بنك المياه" في إسرائيل عجزاً مزمناً يبلغ 1500 – 2000 مليون كوب. وتكاد هذه الكمية تتساوى مع مقدار المياه المستهلكة في إسرائيل على مدار عام واحد (أنظر الجدولين 1 و2) والتي تتراوح بين 1900 مليون كوب و2100 مليون كوب.

ويعني هذا العجز أن كمية المياه المسحوبة من مصادر المياه المختلفة تفوق كمية التي تضاف إلى هذه المصادر من مياه الأمطار أو مياه الأنهار. ويذكر الخبراء الإسرائيليون أن هذا النقص هو حصيلة ظاهرة مزمنة عمرها 15 عاماً.

ويأخذ هذا النقص في المياه شكل انخفاض في مستويات المياه في المجمّعات الطبيعية، كما هو الحال في بحيرة طبريا مثلاً، أو في الأكويفيرات. وقد وصل انخفاض مستوى المياه مؤخراً في بعض مواقع أكويفير الساحل إلى 20 م تحت مستوى سطح البحر، وهو ما قد يعني التسبب بملوحة المياه بصورة يتعذر معها التخلص منها فيها بعد.

ويحتاج "بنك المياه" في إسرائيل بصورة مستعجلة إلى 200 مليون كوب من المياه سنوياً لسدّ حاجة السحب الزائد للمياه، ويحتاج إلى 199 مليون كوب إضافية لدفعها إلى مجمّعات المياه الطبيعية التي تُعاني الاضمحلال أو ربما الفساد.

ويعزو الباحثون في مجال المياه في إسرائيل سر النقص في المياه في إسرائيل إلى طبيعة البلد نصف الصحراوية، إذ إن نقص المياه كان مشكلة قديمة عاناها سكان فلسطين على مر العصور. ويلقي القسم الكبير من هؤلاء الباحثين اللوم على سياسة المسؤولين عن المياه وسوء تصرفهم فيما وُكّلوا به.

شبكة المياه في إسرائيل

              لقد طورت إسرائيل نظاماً جيداً لتزويد المستهلكين بالمياه قلّما نجد له نظيراً في الدول التي تُعاني الجفاف. وهذا النظام يعمل بحسب قاعدة الأواني المستطرقة، إذ يزوَّد المستهلكون بالمياه بواسطة شبكة أنابيب تصل إلى بيوتهم أو مرافقهم من مجمّع المياه بصورة مستمرة وثابتة. ولا يتأثر هذا النظام بأحوال الطقس وتغييراته.

وشركة "ميكوروت" هي الشركة الحكومية التي تتحكم في ثلثي كمية المياه المستهلكة سنوياً، وهي التي تعمل على تثبيت شبكات المياه، وتجبي الأموال من المستهلكين أو تحدد حصصهم من المياه المحددة لهم.

وتستخدم هذه الشركة شبكات مياه طويلة جداً عندما تكون هناك حاجة إلى حمل المياه إلى أماكن بعيدة. والمشروع القطري هو أعظم شبكة توصيل للمياه في البلد، وهو ينقل المياه من بحيرة طبريا إلى مناطق بعيدة كالقدس وبيسان، وإلى القسم الجنوبي من الساحل، وإلى النقب. وهناك كذلك "مشروع يركون النقب" الذي تُسحب بواسطته المياه من أكويفير الجبل إلى مناطق بعيدة بحاجة إلى المياه.

سلطات المياه في إسرائيل

              تتوزع إدارة المياه في إسرائيل على عدة لجان وهيئات هي: لجنة المياه في الكنيست، ووزارة الزراعة، ومفوّضية (نتسيبوت) المياه في إسرائيل. وهذه الأخيرة تعمل جناحاً خاصاً تابعاً لوزارة الزراعة (ويحمّل أصحاب الرأي في إسرائيل هذه المفوضية مسؤولية الإهمال في موضوع العجز في ثروة المياه وعدم القيام بخطوات جدية لدءر الخطر الداهم. كذلك تُتّهم هذه  المفوضية ورئيسها الحالي، تسيمح يشاي، بالتقصير وبأخذ المصالح السياسية الضيقة فقط بعين الاعتبار. ويشاي هذا هو أحد نشطاء حزب الليبراليين الأحراء المتحالف مع الليكود حالياً).

وقد قامت في الأعوام الأخيرة، وفي ضوء أزمة المياه ومشكلة الجفاف، عدة هيئات جماهيرية انتقدت عمل مفوّضية المياه، وطالبت الحكومة بإعفاء وزارة الزراعة من وصايتها على الثروة المائية، واقترحت قيام هيئة جماهيرية مستقلة تتولى مسؤولية المياه بدل مفوضية المياه التي تتحكم السياسة اليومية الضيقة فيها (وهذه هي الدعوة نفسها التي وجهتها مراقبة الدولة في تقريرها الأخير عن المياه).

وعن فشل سياسية المياه في إسرائيل وضع مراقبو الدولة عدة تقارير شديدة اللهجة، كان أهمها تقرير سنة 1987، الذي جاء في السطر الأخير منه أن هناك إفراطاً في سحب المياه يضر بمجمّعات المياه الطبيعية في البلد. وقد جاء في محاضرة لمراقِبة الدولة، مريم بن بورات، أُلقيت في جامعة تل أبيب: "لقد أفسدنا مجمّعاً كبيراً للمياه، وهناك مجمع آخر في طريقه إلى الخراب، ومن بحيرة طبريا يصعب علينا اليوم أن نسحب المياه... وهناك بعض العناصر التي تقول إن الوضع ليس خطراً للغاية، وإن تحذيران بشأن وضع المياه قد أُطلقت منذ ثلاثين عاماً، ولم يحدث شيء لهؤلاء. أريد أن أقول إنه حتى الرجل الذي يسقط من الطبقة الثمانين لا يكون قد حدث له شيء بعدُ خلال سقوطه وهو في مستوى الطبقة التاسعة والسبعين."

تكرير مياه المجاري

إن النقص المزمن في المياه قد أجبر المسؤولين الإسرائيليين على البحث عن مصادر مياه إضافية غير المصادر الطبيعية. أما البديل من هذه المصادر الإضافية، فهو تقليص الاستهلاك في المياه؛ وهو أمر استصعب المسؤولون الإسرائيليين تطبيقه، حتى أنهم فضلوا عليه إمكان شراء الماء من دولة أخرى مثل تركيا، أو تحلية مياه البحر، أو إعادة تكرير مياه المجاري.

وقد جرى تجميع مياه المجاري، في المناطق البلدية الموصولة بشبكة منظمة للمجاري، في برك خاصة تمت فيها تنقية المياه كي تُصبح صالحة لري المزروعات على الأقل. وقد بلغت كمية المياه المكررة، سنة 1984 مثلاً، 60 مليون كوب، استعملت كلها في الزراعة. وفي سنة 1987، بلغت هذه الكمية 180 مليون كوب. ويفكر المسؤولون في أن تصبح هذه الكمية في المستقبل القريب رُبع كمية المياه المستهلكة سنوياً، أي نحو 500 مليون كوب.

وتبلغ كمية مياه المجاري الكلية المنظمة في شبكات المجاري في إسرائيل اليوم 270 مليون كوب، أما الباقي فيغور في الأرض بواسطة آبار محفورة فيها (كما هو الحال في معظم القرى والمدن العربية).

واليوم يبلغ عدد مجمّعات المجاري التي يجري فيها تنقية المياه 140 مجمّعاً. وتبلغ مساحة الأرض الزراعية المروية بهذا النوع من المياه المكررة 190 ألف دونم.

الزراعة والثروة المائية

قلنا إن الزراعة المروية تستهلك ثلاثة أرباع الثروة المائية المستهلكة سنوياً. ويعود ذلك إلى حصول المزارعية (اليهود لا العرب)، كأفراد أو تعاونيات، على تسهيلات عظيمة في المياه المقدمة لهم. وتكاد الحصص المائية تكون إسماً مرادفاً لقطع الأرض الزراعية التي يستأجرونها من إدارة أراضي إسرائيل لأعوام طويلة بمبالغ رمزية.

ويبلغ سعر كوب المياه للحاجات الزراعية ربع سعره للاستهلاك البيتي. وقد وصل مؤخراً إلى 28 أغورة فقط (نحو ربع شيكل) بينما يدفع المستهلك البيتي من شيكل واحد إلى 3 شيكلات للكوب الواحد. وكانت هذه الأسعار قد أقرّتها لجنة المياه في الكنيست مؤخراً (وكان سعر الكوب للمزارعين قبل ذلك 23 أغورة فقط).

بل أن أكثرية الفلاحين (اليهود) لا تدفع حتى هذا السعر لأن قسماً منها يملك آباراً خاصة به يسحب منها المياه بسعر التكلفة فقط، وهو لا يدفع سوى فارق رمزي في السعر. أما الفلاحون الباقون، وخصوصاً فلاحي التعاونيات الإسرائيلية، فغالباً ما ينتظرون صدور قرار حكومي بإلغاء ديونهم المتراكمة جراء عدم دفعهم ما استحق عليهم من ثمن مياه وغير ذلك.

من هنا، يمكن الاستنتاج أن جزءاً كبيراً من السوبسيديا (المعونة المالية) التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية إلى المزارعين، إنما يقدَّم عملياً على شكل مياه رخيصة لحاجات الري.

وقبل عدة أعوام، جرى توزيع المياه على الفلاحين بحسب حصص ثابتة كان المفروض أن تتلاءم مع حاجاتهم. ولمّا كانت المياه المتوفرة أقل من حاجات المزارعين، بحسب تصريحهم، فقد جرى تحديد حصص كبيرة للمزارعين، في حين قيل لهم بوضوح أن شركة ميكوروت لا تستطيع أن تقدم لهم هذه الحصص المائية كاملة. وما حدث فغعلاً كان تجاوزات عظيمة لهذه الحصص، قوبلت من قبل الحكومة بصدر رحب؛ إذ سرعان ما أُلغيت الغرامات المالية المستحقة جراء السحب الزائد.

وما يحدث في الواقع، أن الفلاحين اليهود يتعاملون مع مخصصات المياه المعطاة لهم كجزء من ثرواتهم الخاصة. فحتى لو لم يحتج المزارع إلى مخصصاته من الماء فإنه يقوم ببيع هذه المخصصات لغيره من الفلاحين بدل إعادتها إلى شركة ميكوروت. وقد نُشر في الصحف الإسرائيلية تقارير تستصرخ الرأي العام اليهودي لأن بعض مستأجري هذه المياه (بما في ذلك الأرض المخصّصة لها) كان من العرب.

وثمة مثال آخر لـ"تملّك" المزارعين اليهود الحصص الثابتة من المياه، وهو أنه حين اقتلع في الأعوام الأخيرة ثلث البيّارات القائمة، وكان من المفروض أن يعيد أصحاب هذه البيارات مخصصاتهم المائية إلى الدولة، لم يُعِد هؤلاء إلا قسماً قليلاً منها. واكتشف المراقبون والمسؤولون عن المياه أن هذه المياه قد "ضاعت" حتى استنتجوا أن تلك "الأملاك" كانت تنتقل بالوراثة أو كانت تباع من مزارع إلى آخر.

تلويث المياه في منطقة الساحل

              إن إحدى المشكلات التي تعانيها مجمّعات المياه النقية في إسرائيل، مشكلة تلويثها المستمر من مصادر عديدة. فمثلاً، تؤدي كثافة السكان في منطقة الساحل (مليونا نسمة تقريباً) إلى تلويث مياه أكويفير الساحل من بقايا مياه الري في هذه المناطق، ومن نفايات المصانع المركزة هناك. كما أن الأرض في منطقة الساحل تبتلع كمية لا بأس فيها من مياه المجاري المكررة التي تُسقى تلك الأرض بها.

كذلك يؤدي السحب الزائد من المياه في هذا المجمّع إلى تسرب مياه البحر القريبة إلى المياه النقية، بحيث تصير هناك حاجة إلى إيصال مياه جديدة نقية من المشروع القطري، مثلاً، لزيادة منسوب المياه في هذا المجمّع.

وكان هذا الخطر قد أصبح واقعاً في عدة حالات انتشرت فيها الأوبئة التي كان مصدرها المياه الملوثة التي تسربت إلى مياه الشرب. ففي سنة 1988، مثلاً، حدثت إصابات عديدة بمرض شلل الأطفال، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى تلقيح جميع سكان الدولة.

ومثل ذلك حدث سنة 1985، حين تلوثت مياه الشرب في بئر المياه المسماة "أوفيك 2"، وذلك بسبب تسرب مياه المجاري من أنابيب قرب شفاعمرو إلى مياه الشرب. وفي سنة 1987، حدثت 8000 حالة تسمم بين السكان نتيجة شرب مياه ملوثة. وقد غدا مثل هذه الحوادث أمراً شبه يومي. وغالباً ما يُطلب من السكان، في بعض المناطق، غلي الماء قبل شربها.

حلول مقترحة لأزمة المياه

              إن أحد الحلول المطروحة لحل أزمة المياه هو تقليص كمية المياه المستهلكة بنسبة 15 % سنوياً، وذلك بوضع برنامج عمل وتوزيع حصص مياه أقل مما هو متبع حالياً. وثمة طريقة ثانية مقترحة للحل، هي رفع سعر المياه المستعملة في الري، بحيث يؤدي هذا الارتفاع إلى تقليص استخدام المياه في هذا المجال، وخصوصاً أن هناك اعتقاداً أن المزارعين يسرفون في تبذير المياه بسبب التسهيلات الكبيرة المقدمة لهم في هذا المجال.

وهناك حل ثالث مقترح هو زيادة كمية المياه التي يجري تنقيتها من مياه المجاري، وحل رابع هو تحلية مياه البحر، وحل خامس هو استيراد المياه (أو سرقتها) من بلد غني بالمياه مثل تركيا (أو سوريا أو لبنان أو الأردن).

وتبلغ تكاليف تنقية كوب مياه واحد من المجاري 75 أغورة، بينما تبلغ تكاليف تحليته من ماء البحر 1,5 شيكل (الشيكل يساوي 100 أغورة). ولو قامت الدولة بتنقية ما تحتاج إليه من المياه من مياه المجاري، لاحتاجت إلى 300 مليون شيكل سنوياً (نحو 150 مليون دولار).

وعلى الرغم من أن تقليص استهلاك المياه بنسبة 15% سيوفر هذه الأموال على خزينة الدولة، فإن التقليص صعب التنفيذ من الناحية العملية، وسيؤدي إلى أضرار بالغة في فروع الزراعة المختلفة، وإلى خلافات شديدة تأخذ طابعاً سياسياً بين الأطراف المعنية بالأمر. ومثل هذه الصعوبات سيواجه المسؤولين عند رفع سعر مياه الري. والنتيجة الحتمية لذلك ستكون القضاء على زراعة القطن والحمضيات وجميع الزراعات التي تستهلك كثيراً من الماء. وفي ارتفاع أسعار المياه الأخير (من 23 أغورة للكوب إلى 28 أغورة) جرى تقليص فرع القطن إلى ثلثي ما كان عليه قبلاً. وسيفتح رفع أسعار المياه ثغرة أخرى في علاقة الحكومة بالمزارعين، إذ سيتوجب على الحكومة دفع معونة مالية مباشرة لهم للتعويض عليهم مما يلحق بهم من ضرر بسبب رفع الأسعار.

ومن جميع هذه الاقتراحات يبدو أن تصفية الزراعات الأكثر استهلاكاً للمياه سيكون الاقتراح الأكثر قبولاً لدى معظم الأطراف. وقد يفيد هنا طرح بعض الأرقام: فمثلاً، يبلغ استهلاك بساتين الحمضيات في إسرائيل ربع كمية المياه المستهلكة بالري. فإذا جمعنا فرع الأفوكادو إلى الحمضيات، كانت الكمية ثلث الكمية المستهلكة. ويتراوح ما يستهلكه الدونم الواحد من الحمضيات بين 720 كوباً و800 كوب من المياه. وبحساب بسيط، يمكن القول إن القضاء على زراعة الحمضيات سيوفر 250 مليون كوب من المياه، وهي بالضبط كمية العجز في ميزان "بنك المياه" في إسرائيل.

ويصبح هذا الحل واقعياً شيئاً فشيئاً، وتزداد باستمرار الأصوات المنادية به، إذا ربطنا بين أزمة المياه الحالية وحاجة الدولة إلى أراض جديدة للبناء في أواسط البلد.

وتتزامن الحاجة إلى هذه الأراضي بهدف إسكان المهاجرين الجدد الذين يتوقع المراقبون الإسرائيليون أن يتجمعوا قريباً في مركز البلد، مع الصعوبات الجمة التي تواجه مزارعي الحمضيات في تصدير منتوجاتهم في الأعوام الأخيرة؟

وثمة فكرة أخرى: فلتقليل التقيد بجودة المياه العالية، وخصوصاً تلك المياه المزودة لبيوت السكن، وبما أن المياه المستعملة للشرب هي جزء بسيط فقط من المياه، فإنه يمكن فصل مياه الشرب عن هذه المياه بواسطة بيعها في زجاجات خاصة في الحوانيت، وبذلك تقل الحاجة الكبيرة إلى مياه بيتية بجودة عالية.

المياه والعرب في إسرائيل

              لم يُكتب حتى الآن الكثير عن تمييز الفلاحين العرب من الفلاحين اليهود لناحية مخصصات المياه، وخصوصاً أن الفلاحة العربية في إسرائيل تكاد تكون هامشية فقط. لكن يكفي، لأخذ فكرة عن هذه القضية، أن نعلم أن من الـ 1700 مليون كوب من المياه المخصصة لري الأراضي الزراعية سنوياً لا يذهب إلى الفلاحين العرب سوى 27 مليون كوب، أي أقل من 2% من المياه.

              وقد كتب آرييه كاسبي، في لحظة نادرة من الشعور بالذنب، مقالاً في جريدة "هآرتس"، أورد فيه هذه الأرقام، وأضاف ساخراً: "في الماضي جرى الكثير من النقاش بشأن مصادرة أراضي العرب في إسرائيل، وبشأن عملية إبعادهم عن الزراعة. وكانت الأيديولوجيا الإسرائيلية وراء هذه الممارسة أيديولوجياً أمنية، كما كان يقال؛ فالفلاح العربي الذي يعمل في بيارة ليهود يساهم في أمن الدولة بحسب هذه الأيديولوجيا. أما العربي الذي يعمل في بيارة عربية فهو يضر بهذا الأمن. وهكذا، وبصورة تعسفية، جرى القضاء على الزراعة العربية في إسرائيل باسم أمن الدولة. وحتى القليل من المياه التي تعطى لهم لا يعطى لهم بالسعر ذاته الذي يدفعه اليهود. وأكثر من ذلك، فإن العرب في إسرائيل مميّزون سلبياً فيما يخص مياه الشرب أيضاً. إذ إنه يُخصَّص لمدينة عربية نصف كمية المياه التي تخصص لمدينة يهودية، وذلك لأن العربي القذر هو العربي الجيّد."

وهناك بُعد آخر لعلاقة العرب في إسرائيل بالمياه، قائم في جفاف معظم الينابيع الطبيعية والآبار التي كانت تستخدم في الماضي لأغراضهم في الشرق والري، وبذلك أصبح اعتماد السكان العرب على شركة ميكوروت اعتماداً كلياً، سواء كان ذلك في مياه الشرب أو في مياه الري.

المياه في الضفة والقطاع

              تتخذ أزمة المياه في إسرائيل معاني جديدة إذا قرأناها في ضوء الوضع القائم للمياه في البلاد العربية المجاورة، التي  تشارك إسرائيل بعض مصادرها المائية  (مثل نهر الأردن وغيره) مشاركة طبيعية.

              وتقول جويس ستار، مديرة لجان القمة لشؤون المياه ورئيسة مجلس الاستراتيجية الشاملة في الولايات المتحدة، في مقال نشرته لها جريدة "هآرتس" مؤخراً بعنوان "سياسة الدول العطشى إلى الماء": "ننا على أبواب عهد جديد هو عهد تحتل جغرافية المياه فيه موقعاً مهماً في السياسة الدولية. وخطر المواجهة بسبب نقص الموارد المائية يبرز أكثر ما يمكن في الشرق الأوسط، حيث سيحتل الماء مكان النفط كأغلى سلعة ضرورية."

وتبرز ستار وتؤكد ما قاله بطرس غالي، المسؤول المصري، عن أن الحرب المقبلة في الشرق الأوسط ستكون حرباً بشأن موارد الماء.

ويبدو أن أزمة المياه ليست أزمة تخص إسرائيل فحسب، بل أن دولاً مثل سوريا والعراق والأردن ولبنان ومصر تعاني هي الأخرى مشكلات في المياه أيضاً. وكان حبس مياه نهري دجلة والفرات من قبل تركيا في العام الفائت، موضع خلاف بين ثلاث دول في المنطقة هي: تركيا، والعراق، وسوريا.

أما بالنسبة إلى إسرئايل، فتقول ستار إن نهر الأردن قد استُغِلّ في الأعوام الأخيرة إلى درجة أن موظفي البنك الدولي يتوقعون أن يكون الأردن وإسرائيل والضفة الغربية قد استنفدت جميع الموارد المائية المتجددة المتاحة حتى سنة 1995، في حال عدم اتخاذ إجراءات كفيلة بإصلاح الوضع.

وعن سياسة إسرائيل المائية في المناطق المحتلة، كتبت ستار: "إن سياسة الاحتلال قد أزّمت الوضع الذي كان صعباً منذ البداية. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذين يجري فيهما سحب 80% - 90% من المياه للاستهلاك المحلي من الأكويفيرات تحت – الأرضية، يتلقى المستوطنون اليهود أكثر كثيراً مما يتلقاه سكان المنطقة العرب، وذلك بحسب تقارير موثّقة توثيقاً جيداً. وقد كتب زئيف شيف (المعلق السياسي لجريدة 'هآرتس') في مقال له عن المياه نشره مؤخراً، أن إسرائيل تحصل على 30% من حاجاتها المائية من مياه مصدرها الضفة الغربية. ومن الـ 450 مليون كوب التي تستخرجها إسرائيل من الأكويفيرات القائمة في الضفة الغربية، يحصل الفلسطينيون على 45 مليون كوب فقط. وهذا الوضع سيصبح أكثر صعوبة، إذا نفذت إسرائيل خططها الرامية إلى توطين المهاجرين السوفيات الجدد في هذه المناطق."

أما عن قطاع غزة فكتبت ستار تقول: "وضع المياه في قطاع غزة أكثر مدعاة إلى اليأس. ويمكن اعتبار القطاع قنبلة زمنية من ناحية المياه والمجاري. ويوجد في هذه المنطقة التي نصفها صحراوي أكويفير واحد للمياه وصل وضع المياه فيه إلى وضع حرج، بسبب قلة الوسائل المعالجة لمياه المجاري في المنطقة، وسهولة تسرب مياه المجاري ومواد الأدوية الزراعية إلى هذا المجمّع. وكذلك، فإن السحب الزائد من هذه البئر قد أدى إلى تسرب مياه البحر إليها. ويرى المراقبون أن المياه في قطاع غزة لن تكون صالحة للاستعمال حتى قبل سنة 2000. وكي تسد إسرائيل حاجة سكان القطاع الذين سيبلغ عددهم المليون نسمة حتى ذاك الحين، سيكون علهيا أن تعطي القطاع من مواردها الخاصة، وهو أمر غير وارد في الحسبان."

خلاصة

لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن هذا البحث قد أُعد كلياً بعد استقصاء وقراءة نشرات ومقالات وإحصاءات، مأخوذة من مصادر إسرائيلية نشرت في الأعوام الأخيرة. ولذلك، فإن استخلاص النتائج يظل مهمة ملقاة على عاتق الباحث نفسه، الراغب في وضع مثل هذه النتائج. وقد رأينا، مثلاً، أن هذه المصادر نادراً ما تضع حداً فاصلاً بين الثروة المائية في إسرائيل والثروة المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو فيما يخص استهلاك المياه في تلك المناطق، وخصوصاً أن الباحثين الإسرائيليين يفترضون أن المناطق المحتلة جزء من إسرائيل.

ويمكن تبني استنتاجات مثل القول بتمييز السلطات الإسرائيلية بين سكانها العرب واليهود. وقد أوردنا بعض هذه الاستنتاجات في المقال نفسه. كما أنه لم تخصص مياه للأراضي الزراعية العربية إلا في السنوات الأخيرة، وأن أراضي زراعية أخرة لا يزال العرب يطالبون بمدّها بمياه الري من دون جدوى؛ وذلك لأن دائرة أراضي إسرائيل تتحيّن الفرص لمصادرتها – مثلاً في منطقة البطوف، وفي غيرها من المناطق الزراعية التابعة للقرى العربية.

ولا تكمن المشكلة، بالدرجة الأولى، في شحة مياه الأمطار من عام غلى آخر وبصورة مستمرة؛ فهذا غير صحيح إذا تابعنا مقارنة كميات المياه الهاطلة في العشرين عاماً أو العشرة أعوام الأخيرة. لكن المشكلة تكمن في سوء التصرف في هذه المياه، التي يذهب معظمها لإنماء زراعة لا يكاد يدفع أصحابها ثمناً لاستخراجها من الأرض. ولو سألنا عن سبب ذلك، لوجدناه كامناً في القوة الضاغطة للمزارعين في الحكومة؛ ففي كل مرة تسعى الحكومة لتصحيح الوضع، يهب اللوبي الزراعي في الحكومة لإفشال مثل هذا التحسين.

كانون الأول/ديسمبر 1990

 

مصادر البحث:

(1)  تقارير مراقب الدولة، وخصوصاً تقرير سنة 1987.

(2)  تسفي غرينولد، "المياه في إسرائيل" (تل أبيب: منظمة عمال المياه، 1980).

(3)  "حول الثروة المائية في إسرائيل"، "مداع"، عدد 34/1، 1989/1990.

(4)  "البيوسفيرا"، عدد 19/3 – 4، 1989/1990.

(5)  ألوف بن، "العرب يعودون إلى الأرض"، "هآرتس"، 31/8/1990.

(6)  "نهاية موسم البرتقال"، "هآرتس" (الملحق الأسبوعي)، 7/12/1990.

(7)  جويس ستار، "سياسة الدول العطشى إلى الماء"، "هآرتس"، 18/12/1990.

 

Author biography: 

أحمد هيبي: رئيس تحرير مجلة "المنبر" الصادرة في الجليل.