The Spanish-French-European Operation 'Safar' Exposes the Shocking Reality of Lebanon's Palestinians
Full text: 

كلمة "سفر" (SAFAR) تحمل دلالة إيجابية لما تتضمنه من إحساس بالاستجمام والراحة، لكن على الرغم من هذه الدلالة، فإن هذه الكلمة أُطلقت على عملية "تحقيق في تهريب مهاجرين" تقوم بها الشرطتين الإسبانية والفرنسية، وكذلك الشرطة الأوروبية "يوروبول" (EUROPOL). وهذه العملية التي لم تنتهِ بعد، خلصت إلى تجريد الفلسطينيين القادمين من لبنان من حق طلب اللجوء، في تصور يتناقض مع معايير المنظمات التي تدافع عن اللاجئين. في آب / أغسطس 2017، طلبت الشرطة الإسبانية من طاقم وزارة الداخلية العامل في السلك الدبلوماسي الإسباني في بيروت، التعاون مع السلطات اللبنانية المختصة لتوضيح مسألة الدخول الكثيف للاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى إسبانيا، وبناء عليه، بدأ تبادل المعلومات مع قوى الأمن اللبنانية. وبحسب مصدر في وزارة الداخلية الإسبانية، طلب عدم الإفصاح عن اسمه: "إن دخول كثير من الفلسطينيين إلى إسبانيا عبر مطار مدريد، أثار الريبة. وثمة تعاون مستمر إلى هذه الساعة بين لبنان وإسبانيا بشأن دخول الفلسطينيين إلى إسبانيا، والذي لا يزال مستمراً ولو بوتيرة أقل، على الرغم من فرض حصولهم على تأشيرة عبور قبل المجيء إلى إسبانيا." لم يُخفِ المصدر قلقه، وأشار إلى أن شركات الطيران ووكالات السفر مسؤولة عن ذلك، وقال: "قد تتعرض وكالات السفر لغرامات بسبب بيعها تذاكر سفر لفلسطينيين لا يحملون تأشيرات"، ثم صمت للحظة قبل أن يضيف: "ثمة ربما شيء آخر." وعند سؤاله عمّا إذا كان أحد الموظفين في قنصلية ما ضالعاً في القضية، جاء رده غامضاً، لا نفياً ولا تأكيداً: "ثمة شبهات بشأن وجود فعلي لشبكة يستفيد منها لبنان الذي ينبذ الفلسطينيين." والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: إذا كان الدبلوماسيون الإسبان يعون وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فلماذا تُفرض تأشيرة عبور على مَن يبحثون عن حياة كريمة؟   طريق "غريب" للوصول إلى إسبانيا ليست إسبانيا وجهة الفلسطينيين الساعين للهجرة إلى أوروبا من أجل الحصول على صفة لاجىء هناك. فعلى الرغم من أنه ليس غريباً طبعاً وجود أسر مختلطة فلسطينية ـ إسبانية نتجت من هجرة "شرعية" حدثت في سبعينيات القرن الماضي عندما قدم العشرات من الفلسطينيين للدراسة في الجامعات الإسبانية، فإن إسبانيا لم تعد ذلك البلد الجذاب بسبب معدلات البطالة والتقليصات في الميزانية. يضاف إلى ذلك أن الدولة الإسبانية لم تقبل في سنة 2018 ـ التي شهدت رقماً قياسياً في عدد طلبات اللجوء (54,000 طلب) ـ إلاّ ربع الطلبات فقط، فقد أقرّت بمنح الحماية الدولية لـ 2895 شخصاً، وحصل 575 فرداً منهم على صفة لاجىء، أي أقل من 5% من الطلبات التي جرى البتّ فيها. وبحسب "اللجنة الإسبانية للاجئين" (CEAR)، فقد وصل في سنة 2018 إلى إسبانيا، 1985 فلسطينياً طالبين اللجوء. وتأتي فلسطين في المرتبة السابعة على صعيد طلبات اللجوء بعد كل من فنزويلا وكولومبيا وسورية وهندوراس وإلسلفادور وأوكرانيا. وقد أثار وصول الفلسطينيين إلى مطار مدريد باراخس ـ أدولفو سواريث الحيرة، ففي حين أنه ليس من الغريب أن يدفع البعض مبالغ كبيرة من المال، مضطرين إلى بيع جميع ممتلكاتهم قبل محاولة العبور والهلاك فيما بات يُعرف منذ نحو ثلاثة أعوام بـ "البحر الأسود المتوسط"، لوحظ أمران مشتركان لدى الفلسطينيين المتدفقين على مطار مدريد: قليلون منهم يبقون في إسبانيا، وكثيرون منهم مرّوا بالدول المذكورة أعلاه، قبل الوصول إلى محطتهم الإسبانية. يقول ميغيل آنخل غوميث غوردو، وهو كبير مفتشي الدائرة المركزية لمكافحة تزوير الوثائق التابعة لمفوضية شؤون الهجرة والحدود في جهاز الشرطة الوطني الإسباني: "بدأت عملية 'سفر' في كانون الثاني / يناير 2018، بعد ملاحظة زيادة مقلقة في عدد طالبي الحماية الدولية من أصل فلسطيني. ونظراً إلى أن الأغلبية العظمى منهم تغادر البلد من دون استكمال المعاملات الإدارية، فإننا شرعنا في التحقيق في المسألة بشكل مشترك مع الشرطة الفرنسية." يشكل لبنان مصدر الأغلبية العظمى من المهاجرين الفلسطينيين، فالرجال والنساء والأطفال يقومون فرادى وجماعات برحلة طويلة تبدأ جواً من بيروت إلى أثيوبيا، ثم إلى البرازيل، فبوليفيا، ذلك بأن وثائق سفرهم اللبنانية الصادرة للاجئين الفلسطينيين تحمل تأشيرة دخول سياحية إلى بوليفيا. بعد ذلك يحطون في مدريد، كمحطة مفترضة في طريقهم من أميركا اللاتينية إلى تركيا. يضيف المفتش غوميث غوردو: "بمجرد وصولهم إلى مطار مدريد يطلبون الحماية الدولية، وما إن يُقبل الطلب، حتى تأخذهم المنظمة الإجرامية ـ الجاري التحقيق بشأنها ـ من مدريد إلى بلجيكا وألمانيا، بمركبات تُستبدل في مدينة بوردو الفرنسية." كُلفت الشرطة الإسبانية بإجراء تحقيقات في المطار نفسه كشفت أن شبكة المهربين كانت تحصل من كل مهاجر على نحو 5000 دولار أميركي للرحلة من لبنان إلى إسبانيا، وعلى 700 أو 800 يورو بدل النقل من مدريد إلى بلجيكا براً، وأن المهاجرين كانوا يُتلفون وثائق سفرهم خلال الرحلة من أميركا اللاتينية، ولا يسافرون مع شركة الطيران نفسها. اعتُقل خلال تشرين الثاني / نوفمبر 2018 تسعة أشخاص، خمسة منهم في مدريد وأربعة في فرنسا، وقد سُجن ستة منهم. ووفقاً لحسابات الشرطة، تمكنت شبكة المهربين بهذه الطريقة من إدخال 1200 شخص كسبت منهم 9 ملايين يورو على الأقل حتى الآن. وأفاد المفتش غوميث غوردو بأن المعتقلين هم من الجنسيات الكويتية والفلسطينية والمغربية واللبنانية. أمّا فيما يتعلق بالشبهات بشأن ضلوع موظفين حكوميين أو قنصليين في العملية، فقد ردّ المفتش غوميث غوردو بأنه لم يتبيّن ذلك "مبدئياً" في التحقيقات ذات الصلة.   عندما تزيد الحلول في تعقيد الأمور خلال الرحلة، لم يكن الفلسطينيون المهاجرون يعرفون في بعض الأحيان أين هم، فبعد وصولهم إلى القارة العجوز كان المنسق المسؤول عن الشبكة يعمل على استمرارية التنقل منذ وصولهم إلى مدريد حتى وصولهم إلى وجهتهم النهائية، وذلك بهدف تضليل السلطات الأوروبية. وقد اعتمدت الشبكة في المسار من إسبانيا إلى فرنسا على مساكن و11 مركبة من فئة "ميني فان". أمّا آخر محطة وصول يتوجه منها المهاجرون إلى الأراضي البلجيكية فهي بلدة أميان في شمال فرنسا، حيث تدير الشبكة عملياتها. في مقابل تحقيقات الشرطة في مطار مدريد، تقدم "اللجنة الإسبانية للاجئين" الدعم للمهاجرين، ولا سيما عندما لا يكون لديهم وثائق ثبوتية، وذلك من خلال المناصرة القانونية. تقول إيلينا مونيوث مسؤولة الوحدة القانونية في "اللجنة الإسبانية للاجئين" ـ مدريد: "قدمنا الدعم خلال سنة 2018 لكثير من الأشخاص القادمين من قطاع غزة، غير أن الأغلبية أتت من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان." وتنطبق على جميع أولئك الأشخاص، بمَن فيهم النساء والقاصرون، المعايير التي تؤهلهم للاستفادة من الحق في اللجوء. فثمة قواسم مشتركة بينهم من قبيل تعرّضهم للتمييز في لبنان، وعدم تمكّنهم من الحصول على التعليم والخدمات الصحية، ومن مزاولة مهن معينة، بل حتى تعرّض بعض النساء لعنف جنساني كونهن مطلقات. تشير مونيوث إلى أنه "لم يكن هناك أي تحايل على قانون اللجوء لأنهم يستحقون الحماية الدولية، فمعظمهم يزعم أنه فر بسبب انعدام الأمن في مخيمات اللاجئين، وبسبب سعي الفصائل لتجنيدهم، وبسبب الاضطهاد، إلخ، وكلها أسباب وجيهة لطلب اللجوء، ومؤهلة لتكوين ملف مقبول." وما إن يُستقبل المهاجرون في مطار مدريد، حتى يتم الشروع في معاملة طلب اللجوء، ثم يدخل مقدمو الطلب إلى الأراضي الإسبانية. وفي حال عدم امتلاكهم ما يلزم للإعاشة، فإنهم يحصلون على المعونة خلال الأشهر الستة الأولى. لقد بات لزاماً على الفلسطينيين القادمين من لبنان بدءاً من الأول من تشرين الثاني / نوفمبر 2018 الحصول على تأشيرة مرور، ثم بدءاً من الأول من شباط / فبراير 2019، بات لزاماً على أي فلسطيني أن يحصل على تأشيرة مرور. وبالتالي فإن فلسطين (التي يشار إليها أحياناً بـ "السلطة الفلسطينية") أصبحت مدرجة في قائمة الدول التي يتعين على حملة جنسياتها الحصول على تأشيرة، إذا أرادوا القدوم إلى إسبانيا، أو المرور ترانزيت عبر مطارها. وهكذا بالتدريج، سيقوم مزيد من الدول الأوروبية بفرض الشيء نفسه على الفلسطينيين. تستنكر مونيوث ذلك بقولها: "إنه تقويض لحق اللجوء برمّته، إذ إن ذلك يشكل عقبة جديدة في وجه مَن يحتاجون إلى الحماية الدولية. وليس ذلك بجديد، فبعد بدء الحرب في سورية بثلاثة أو أربعة أشهر، فُرضت تأشيرة على المواطنين السوريين، ومع ذلك، فإننا متفاجئون من تعميم هذا الإجراء المجحف على الفلسطينيين أيضاً، لأن لديهم فرصة كبيرة للحصول على الحماية [وفقاً للقانةن الدولي الإنساني] إذا ما جاؤوا إلى إسبانيا وطلبوها، كونهم لاجئين فلسطينيين." تدين "اللجنة الإسبانية للاجئين" موقف الشرطة الإسبانية الذي وصفته بـ "التشكيك في مبدأ الحماية الدولية"، لأنها ترى أن تلك الحالات تستحق الحماية. وتضيف مونيوث: "من المعتاد في أوروبا، نظراً إلى قلة السبل المتاحة، أن يقع المهاجرون في براثن شبكات التهريب. ويجب أن نعي أن هناك شبكات إتجار بالبشر من الممكن أن يقع المهاجرون في حبائلها إذا لم يحصلوا على تأشيرات." يؤكد الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان ما ورد في ديباجة قرار الجمعية العامة رقم 55 / 25 لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وفحواه أن من "حق الرجال والنساء أن يعيشوا حياتهم، وأن يربّوا أطفالهم بكرامة وفي مأمن من الجوع والخوف من العنف أو القمع أو الظلم"، مشيراً بذلك إلى تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو. يكون الجرم واضحاً عندما يتعلق الأمر بتهريب البشر، لكن ماذا عن تهريب البشر الذين يرغبون في الهجرة، والذين يتم الإتجار بهم لاحقاً عندما لا يتمكنون من دفع المال إلى شبكات المهربين، ولا سيما بعد أن يكونوا قد دفعوا مبالغ كبيرة، بل إنهم في حالات كثيرة يكونون قد فقدوا كل ما يملكون في مقابل تأمين تلك المبالغ؟ ماذا عن أولئك البشر الذين اضطروا إلى ترك أعمالهم ودراستهم بحثاً عن حياة كريمة بلا تمييز وبلا عنف؟ عند القيام بـ "غسيل الأموال" التي تُدفع إلى المجرمين، مَن الذي يسترد تلك الأموال؟ مَن يقدر على عكس عملية الاستدانة غير مضمونة الأرباح؟ تحذّر إيلينا مونيوث من أن "اللجنة الإسبانية للاجئين" فقدت أثر الأغلبية العظمى من طالبي اللجوء الفلسطينيين. وبموجب لائحة دبلن، فإنه سيتعين إرجاعهم إلى إسبانيا إذا ما أرادوا أن يتقدموا من جديد بطلب لجوء إلى بلد أوروبي آخر.      النص كُتب باللغة الإسبانية، وترجمه إلى العربية مصعب بشير.