Governmental and Civil Policies Against Israeli Annexation
Date: 
June 22 2020

في ظل الأوضاع السياسية المعقدة فلسيطيناً وإقليمياً، والتي توجت بالخطة الأميركية للسلام، المعلنة يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2020، التي اصطلح على تسميتها "صفقة القرن"، كخطة سلام أميركية طُرحت لحسم الصراع، بعد أن سبقتها خطوات تمهيدية على مدار ثلاث سنوات، تمثلت في ضم القدس، والإعلان عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف المساعدات الأميركية للأونروا، والتحريض العالمي على عدم مساندتها، وتمويلها، وشن حملة على مناهج التعليم الفلسطينية باعتبارها تحمل محتويات عنيفة وعنصرية، وشيطنة المناضل الفلسطيني، واستخدام الاقتطاعات الضريبية لابتزاز الجانب الفلسطيني، ومشاريع التطبيع العربي مثل ورشة البحرين وغيرها. تناقش هذه المقالة السياسات الرسمية والأهلية التي تم اتخاذها والتي يمكن تطويرها لمواجهات مشاريع ضم الأغوار.

تضمنت الخطة إقامة دولة فلسطينية مع سيادة محدودة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى جيبين في النقب الغربي، مع الأخذ في الحسبان الواقع الذي رُسم على الأرض في العقود الخمسة الأخيرة، إذ يتم ضم كل الكتل الاستيطانية الواقعة غربي خطوط جدار الفصل العنصري، والمستعمرات الواقعة شرقي الجدار. وبذلك سيتم ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة تشمل الأغوار والمستعمرات، بحيث يتم الاستيلاء على مساحة 30٪ من الضفة الغربية تشكل الأراضي المبني عليها جميع المستعمرات والأراضي المحيطة بها ووادي الأردن كله.

الضم سيرورة استعمارية تسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني

مساعي إسرائيل الاستراتيجية وسياساتها المستمرة للتحضير لضم الأغوار ليست جديدة، فعادة ما استخدمت إسرائيل الخطاب الأمني للترويج لفكرة الضم، إذ ادعت أن ضم الأغوار هو حاجة حاسمة لتوفير عمق استراتيجي للدفاع عن الذات في مواجهة مخاطر هجمات قد تتعرض لها من الحدود الشرقية، وعلى الرغم من تفنيد هذا الادعاء، فقد تجسدت المطامع الإسرائيلية في غور الأردن منذ حرب 1967 عندما سعى الاحتلال الإسرائيلي للحفاظ على المنطقة لأهميتها السياسية والاقتصادية والتنموية والاستراتيجية، وعلى هذه الشاكلة صاغ "آلون" تصوره للحل النهائي في أعقاب 1967 على أساس فرض وجود إسرائيلي مدني إضافة إلى الوجود العسكري، من خلال نقاط استيطانية على أن يشكل غور الأردن تواصلاً جغرافياً بين بيسان وصحراء النقب، وهذا ما تم فعلاً من خلال شارع 90 الذي يُعد جهة الربط بين المستعمرات الكائنة على أراضي غور الأردن في الضفة الغربية وبيسان داخل الخط الأخضر، بعد أن تم عزل غور الأردن كلياً عن محيطه الفلسطيني، وأصبح تعامل الاحتلال معه على أرض الواقع من خلال حواجز عسكرية ثابتة تفصله عن الضفة الغربية وكأنه جزء لا يتجزأ من دولة الاحتلال.

واستمر الاحتلال في تطبيق سياسات استعمار ممنهجة لوادي الأردن على مر عقود تزايدت بشكل كبير بعد بداية الانتفاضة الثانية سنة 2000، وأدت إلى السيطرة  على نحو 85% من مساحة منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت. وقد استندت خطة السلام الأميركية إلى الوقائع التي تم رسمها على الأرض من مخططات الضم والتوسع في الأغوار، والعزل كمخطط إسرائيلي يمهد لسيطرة اقتصادية. وتجلى شكل التوسع الاستيطاني من خلال المنطق القائم على (الفصل والضم) المتمثل في: المصادرة، وإعلان المناطق العسكرية، والتهجير والإخلاء، وتقييد الحركة، والتحكم بمصادر المياه، واستغلال الأيدي الفلسطينية زهيدة الأجر للعمل في المستعمرات وفصل السكان عن الضفة من خلال بؤر الاستيطان وقواعد التدريب العسكري، يساندها بنية تحتية شكلت المنطقة بما يخدم أهداف التهويد. وسياسات ضم المناطق والتركيز على بناء الشوارع والبنية التحتية المؤسسة لمزيد من السيطرة والاستيلاء، يوازيها سياسات منع البناء والتطور العمراني في جميع مناطق الأغوار، واستغلال الموارد في المنطقة، وتجريد الفلسطيني من إمكانات الاستفادة منها. وهو ما أدى في المحصلة إلى خنق قدرة المزارع/ المواطن الفلسطيني على الاستمرار والبقاء، من خلال تقييد قدرته على الحركة والبناء، والتطور الاقتصادي.  

السياسات الحكومية الفلسطينية في مواجهة ضم الاغوار

تحددت ملامح الاستراتيجيا الفلسطينية استكمالاً للنهج السابق المتمثل في التعويل على المجتمع الدولي المساند للحقوق الفلسطينية مثل الاتحاد الأوروبي الذي يدعم حل الدولتين على أساس الشرعية الدولية، وأعضاء الكونغرس ممن رفضوا الخطة وعارضوا المسعى الاسرائيلي أحادي الجانب لضم أجزاء من الضفة الغربية، والمنظمات الدولية المساندة للحق الفلسطيني، ومحكمة العدل الدولية، والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد ضم المستعمرات على أرض فلسطينية باعتبارها جريمة حرب، بمقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية على استغلالها للأرض الفسلطينية في الأغوار.

ومنذ أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية تنفيذ قرار الضم قامت الحكومة الفلسطينية بتشكيل لجنة وزارية تتعلق بالأغوار برئاسة وزير الزراعة، لتقدير حاجات أهالي الأغوار وتلبيتها في ضوء ذلك.[1]  وفي مساعي التحرك الرسمي، أعلنت الحكومة بتاريخ (16/9/ 2019) أنها ستدعم المزارعين في الأغوار في قضايا متعلقة بتربية الثروة الحيوانية، وخزانات المياه، وتأهيل البركة الرومانية التي ستغذي أكثر من 3500 دونم من عين فصايل، وعلى تطبيق نموذج العناقيد الزراعية والتي أعلن عنها في قلقيلية وطولكرم وجنين وطوباس،[2]  التي طُرحت كأحد أركان سياسات الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث ستمتد إلى الأغوار الفلسطينية كاملة لتعزيز صمود الفلسطينيين في منطقة الأغوار. كما ناقش مجلس الوزراء على جدول أعماله بتاريخ (19/8/2019) إمكان تقديم منحة للطلبة الخريجين، ممن لديهم الاستعداد للسكن في مناطق وقرى الأغوار والعمل مع أهلها في مشاريع إنتاجية.[3]  وأطلقت وزارة العمل بالشراكة مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني، مشروع "تشغيل العاملات في مستوطنات الأغوار"، للحد من ظاهرة تشغيل العاملات الفلسطينيات في مستعمرات الأغوار كإشكالية اجتماعية ووطنية وسياسية وأخلاقية، وخصص لهذا المشروع موازنة قدرها 5 مليون شيكل، تهدف إلى توفير فرص عمل في سنة 2020 بالتشغيل المباشر لـ 600-800 عاملة للعمل لدى مشغلين فلسطينيين في مقابل أجر يضاف إليه حصة تتحملها الحكومة بمبلغ 30 شيكل عن كل يوم عمل، مع إمكان تمويل المشاريع النسائية بتوفير قرض صفري من صندوق التشغيل. وتم إطلاق هذا المشروع وتحديد آلياته في شباط/ فبراير 2020[4]، ويتوقع بعض العاملين في هذا الشأن، وبناء على التجربة، عدم نجاح المشروع، لافتقاره إلى آليات تحفيز للانتقال إلى العمل لدى المشغل الفلسطيني، في ظل شروط تشغيل ستكون أسوأ، والأجر الذي ستتقاضاه العاملة سيكون أقل بكثير، وكذلك فيما يتعلق بالإقبال على المشاريع الخاصة بالنظر إلى التحديات التي تواجه عملية التسويق.[5]

سياسات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني

يتركز عمل مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بتنفيذ مشاريع في منطقة الأغوار، على الضغط بموائمة السياسات والتشريعات التي تمس القطاع الزراعي، انطلاقاً من أبرز الإشكاليات التي تواجه المزارعين في الأغوار، كالجهد الذي توليه لجان العمل الزراعي تمهيداً لإطلاق حملة تتعلق بالسياسات الوطنية الخاصة بالقطاع الزراعي وأبرزها قضية الاسترداد الضريبي.[6]  كما تقوم المؤسسات الأهلية بتحشيد جماعات ضغط مع المؤسسات الدولية الشريكية في العالم لمواجهة الخطر الذي يترتب على الضم، والاستمرار في تنفيذ مشاريع تعمل على تعزيز صمود الناس في مجالات قانونية، واقتصادية، وزراعية، ومشاريع المياه.[7]  كما تم تشكيل ائتلاف المؤسسات الأهلية الزراعية في شباط / فبراير 2019 لتعزيز عمل المؤسسات الأهلية الزراعية بهدف تحقيق مستوى عالٍ من التنسيق، ودعم صمود المزارعين وخصوصاً في المناطق المسماة "ج"، وتطوير الإنتاج الزراعي، استعداداً لبلورة خريطة طريق لتحديد الأولويات ومواجهة مشاريع الضم. كما انطلقت مبادرة لدعم المزارعين في الأغوار بالشراء المباشر لمنتوجاتهم، ومقاطعة الإنتاج الإسرائيلي في إثر تدمير موسم البطيخ بإغراق السوق بإنتاج الاحتلال.[8]  كما تم إصدار بيان يطالب المؤسسات الدولية ودول الاتحاد الأوروبي بالوقوف في وجه الإجراءات الإسرائيلية المتمثلة في قطع المياه وتقليل كمياتها عن مناطق في الضفة، كإجراءات تم اتخاذها بالتزامن مع خطة الضم للضغط على المناطق الأكثر حاجة إلى المياه، بشكل مخالف للقانون الدولي، ويحذر من اللجوء إلى حلول مهلكة كشراء مياه إضافية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.[9]  فمنذ سنة 1967 عمد الاحتلال "الإسرائيلي" إلى حرمان الفلسطينيين من حصتهم من مياه نهر الأردن، إذ تم احتكار التنقيب عن المياه الجوفية وحفر الآبار لمصلحة شركة (ميكروت) "الإسرائيلية" واستمر الوضع على ما هو عليه إلى هذا اليوم عقب اتفاق أوسلو الذي أرجأ مسألة الأغوار إلى مرحلة الحل النهائي والتي لم تتم. نتيجة ذلك لم يعد أمام الفلسطينيين في الأغوار سوى شراء المياه المستخرجة من أراضيهم بأسعار باهظة الثمن، للاستخدام المنزلي أو الزراعة. كما أن كميات المياه المتاحة للشعب الفلسطيني تتناقص سنوياً على الرغم من التزايد في عدد السكان والنمو الحضري الفلسطيني. فخطة الضم ستشرعن الاستيلاء على 95% من المياه المتدفقة من الينابيع الطبيعية في الأغوار، إضافة إلى عشرات الآبار الزراعية التي ستذهب في الضم.

ومع ذلك تبقى تدخلات المؤسسات الأهلية غير كافية في ظل محدودية الإمكانات، وتراجع التمويل، بل وتقييده، فضلاً عن القيود المستمرة على تنفيذ المشاريع من جانب سلطات الاحتلال، والتضييقات التي تتعرض لها. وإذ تستمر النقاشات الدائرة في المؤسسات الأهلية، إلاّ إنها تدرك في المقابل عدم وجود حماية في تنفيذ خططها.

تَكمن أهمية "السياسات العامة" في أنها تعني الخروج من حالة الارتجال والعشوائية في إدارة الشأن العام والجماعي إلى التخطيط والتفكير العلميين بتغيير أنماط التعامل مع الإشكاليات، واستحداث تدخلات قادرة على مواجهة الأزمات، وخصوصية الوضع الفلسطيني ووقوعه تحت الاحتلال بما يمنع إمكانات التخطيط الاستراتيجي كون البيئة غير مستقرة، ويكون التخطيط طارئاً أو ردة فعل، وهو ما يجعل جزءاً كبيراً من مهمات الحياة اليومية، ومتطلبات الحركة الوطنية الفلسطينية، أمراً تتحمل أعباءه الجهات الرسمية والمجتمع المدني، أكثر مما هو معتاد في المجتمعات الأُخرى. وعليه فإن السياسات المتعلقة بمواجهة مشاريع الضم تقوم على عاتق الجهات الرسمية والشعبية والمدنية، ولا بد من العمل على تطويرها والبناء على ما هو قائم منها لتجاوز الرفض للفعل بما يتعدى محاولات الدعم بتدخلات متفرقة، وبما يرقى إلى عظم الحدث المتوج لسيرورة استعمارية تسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني من خلال تشتيته وشرذمته.  

 

الصورة: المعرجات، تصوير أحمد حنيطي.

 

[1]رام الله الإخباري. لقاء رئيس الحكومة الفلسطينية على تلفزيون فلسطين. https://bit.ly/3dLEVnI

[2]وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا. 2019. "اشتية: الأغوار جزء لا يتجرأ من الجغرافيا الفلسطينية وسنقاضي إسرائيل على استغلالها". نشر بتاريخ 16/9/ 2019. https://bit.ly/3cGfa6R

[3]وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا. 2019. "اشتية: ندرس تقديم منحة للخريجين ممن لديهم استعداد للسكن في الأغوار والعمل فيها" . نشر بتاريخ 19/ 8/ 2020. https://bit.ly/2A3DDG9

[4]  فضائية القدس التعليمية: لقاء مع اسماء حنون- مدير عام التشغيل والتنظيم الخارجي حول "تشغيل العاملات في مستوطنات الاغوار". نشر بتاريخ 25/ 2/ 2020. https://bit.ly/30hHEBv

[5]  حمزة زبيدات. مقابلة على الهاتف. بتاريخ (8/6/ 2020).

[6] اتحاد لجان العمل الزراعي. 2019. "مزارعون يطالبون الحكومة الفلسطينية بدعم صمودهم". نشر بتاريخ 12/ 5/ 2019. https://bit.ly/30mqKBO

[7] عبد الرحمن التميمي. مقابلة على الهاتف. بتاريخ (8/6/ 2020).

[8] ملتقى الشراكة الشبابي. https://bit.ly/37bnt9H

[9] وكالة وطن للأنباء. "مجموعة الهيدرولجيين تطالب بالوقوف في وجة الإجراءات الإسرائيلية المتمثلة بقطع المياه وتقليل كميتها عن مناطق الضفة الغربية." نشر بتاريخ 1/6/ 2020. https://bit.ly/3h5oGnB

Read more