Gaza Strip: Anniversary of the 1967 Defeat ..
Date: 
July 03 2017

في الثامن من آذار/مارس 1957، اتفقت مصر وإسرائيل على تسوية "أزمة السويس" بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من شبه جزيرة سيناء المصريّة وقطاع غزّة، بعدما كانت قد احتلتهما إثر العدوان الثلاثيّ على مصر في العام 1956. كما اتفق الطرفان على دخول قوّات الـ  (UNEF) التابعة للأمم المتحدة إلى المناطق التي تمّ الانسحاب منها، بغرض حماية وقف إطلاق النار ومراقبته. اعتبرت إسرائيل حينها أنّ إغلاق مصر للممر المائي قرب جزيرة "تيران" أمام السفن الإسرائيليّة سيُعدّ "سبباً كافياً" للحرب في حال حصوله.

رفض سكّان قطاع غزّة فكرة وجود قوات دوليّة في منطقتهم، وخرجوا في تظاهراتٍ مناوئة للقوات الدوليّة استمرت أسبوعاً كاملاً، طالبوا فيها بعودة الإدارة المصريّة إلى قطاع غزّة، وخروج قوات الـ  (UNEF) منها. أمام هذا الرفض، عجزت القوات الدولية عن إدارة القطاع، وانسحبت إلى حدوده مع صحراء  سيناء، وعادت الإدارة المصرية لضبط الأمن وتسيير شؤون سكّان القطاع. وقد ساعدت تلك الخطوة في تحسين علاقة سكّان قطاع غزّة بالإدارة المصريّة آنذاك.

أبو منصور النواجحة هو رجل يبلغ من العمر 83 عاماً، من سكّان مدينة رفح في جنوب القطاع. يتحدث عن حالة  قطاع غزّة، طوال الفترة الممتدّة بين عامَي  1957 و1967، عندما كان تابعاً للإدارة المصريّة، فيقول: "هي [الإدارة المصرية]  التي توّلت الإشراف على كافة الدوائر والقطاعات فيه، وأبرزها برنامج "الفتوّة" في المدارس الذي كان يُشرف عليه ضباط مصريون يعملون على تدريب الفتيان والمعلّمين الفلسطينيين على استخدام السلاح، وتهيئتهم عسكريّاً لأيّ عدوان محتمل". يكمل النواجحة: "كانت غزة حاضرة وبقوة في أجندة جمال عبد الناصر العسكرية والسياسية".

يتعرّض الكاتب الفلسطيني محمد أيوب، في روايته "الكوابيس تأتي في حزيران"، لتلك الفترة التي سبقت اندلاع شرارة حرب 1967، فيكتب : "انتشرت مراكز التجنيد الإجباري في مناطق القطاع المختلفة، بدأت الاستدعاءات تصل إلى الذين هم في سن التجنيد.. تم إقرار مشروع التجنيد الإجباري، وصدر القرار في "الوقائع الفلسطينية"، حدد القانون الشروط الواجب توافرها في المجند، وشروط الإعفاء..".

عن الساعات التي سبقت العدوان الإسرائيلي، يقول النواجحة الذي كان يشغل منصباً في قوات الحرس الوطني في جنوب قطاع غزّة، إن ألوية الجنود في قطاع غزّة لم تكن مُدرّبة بشكل كاف لمواجهة العدوان الإسرائيلي، وكثير من الجنود تلقّوا تدريبات نظريّة فقط في حصص الفتوّة ومعسكرات التدريب دون أن يطلقوا رصاصة واحدة من أسلحتهم أثناء التدريب، وكانت  غالبيّة الأسلحة التي تم تسليح الألوية بها خفيفة من نوع كلاشنكوف، ولم  يتم تزويدهم بأي أسلحة ثقيلة.

يضيف: "كنا نتوقع العدوان في أي لحظة، وقد تلقينا رسائل بهذا الشأن، وكنا نفتقر لأي أسلحة ثقيلة لمواجهة الدبابات والطائرات.. أذكر كان هناك ربما ثلاثة أو أربعة أسلحة ثقيلة في كل قطاع غزّة، في مركز كل مدينة كانوا  يضعون واحداً بين الأحراش والأشجار حتى لا تكتشفه الطائرات الإسرائيليّة، لكنها لم تكن كافية أبداً، كما أن الجنود العاملين عليها لم يُدرّبوا بشكل كاف قبل اندلاع الحرب".

يحاول النواجحة أن تُسعفه الذاكرة ولو لدقائق ليروي تفاصيل وخبايا العدوان "في اليوم الثاني من حزيران/يونيو 1967؛ تلقّى قائد القوات الجنوبيّة لقطاع غزّة برقيّة هامة من القائد العام المصري، أبلغه فيها باحتمال أن تشن إسرائيل الهجوم بعد يومين أو ثلاثة، مركزاً على أن الهجوم سيتم من جهة سيناء ورفح، في جنوب القطاع، وليس من الجهة الشماليّة لقطاع غزّة كما كانت قيادة الجيش المصري ومعها قيادة قوات التحرير الشعبية [التابعة لجيش التحرير الفلسطيني] تتوقع".

ليلة الرابع من حزيران/يونيو 1967، يتذكر النواجحة ليلة سمر قضاها في أحراش مدينة رفح في جنوب القطاع، برفقة عدد من أصدقائه الذين استشهدوا لاحقاً في الحرب، فيما بقيت ندبة إصابته في قدمه تُذكّره بمأساة الحرب، يقول: "كنت ومجموعة من الأصدقاء رحمهم الله نشعل النار ونعد الشاي، جافانا النوم في تلك الليلة، كنا نتوقّع العدوان في أي لحظة، ولا نغادر كتائبنا التي وُزّعنا عليها، لكن دائماً كان هناك سؤال لا أحد يعرف إجابته: ماذا سنفعل بهذه الأسلحة والطلقات المعدودة التي بحوزتنا مقابل دبابة أو طائرة إسرائيليّة!".

كان الرجل الثمانيني متكئاً قليلاً، عدّل جلسته، ضم أصابع يده وقال: "في تمام الثامنة وخمس وأربعين دقيقة، من صباح الاثنين 5 يونيو/حزيران 1967، دقت طبول الحرب، وكانت أول ضربة إسرائيلية جوية تهز سيناء، كنا نرى أسراباً من الطائرات الإسرائيليّة تروح وتجيء من فوق رؤوسنا، ونسمع بعض الغارات في المناطق الحدوديّة القريبة من قطاع غزّة، خاصة سيناء والعريش، ونحن ما زلنا بانتظار الجيوش والطائرات العربيّة للإغارة على إسرائيل، وإلقائها في البحر كما كانت تقول الإذاعة العربيّة!".

"قامت القوات الإسرائيلية بضرب قواعد سلاح الجو المصري بينما الطائرات جائمة على أرضها، ومن ثم دخلت حوالي 40 دبابة إلى قطاع غزة، يبلغ طول مدفع الدبابة الواحدة أكثر من 6 أمتار..السلاح الذي في أيدينا لم يسعفنا الوقت للتدرب عليه، فأصبح يتهاوى في أيدينا دون جدوى.. خُدعنا بالدبابات التي دخلت قطاع غزة، كانت تحمل الأعلام الجزائرية والأردنية والسورية، ومكتوب عليها شعارات مناهضة لإسرائيل، وتدعو للتقدم نحو الأرض المحتلة وتحرير فلسطين"، يتذكّر النواجحة.

ويتابع قائلاً: "من سخرية القدر، أنّ العشرات من النسوة الفلسطينيّات خرجن في بادئ الأمر في جنوب غزّة يستقبلن الدبابات الإسرائيليّة المموّهة بالأعلام العربيّة بالزغاريد والأعلام الفلسطينيّة على طول شارع صلاح الدين الرئيسي، وهو الطريق الذي عبرته الدبابات، حتّى خُدع الجميع بوجود الجيش الإسرائيلي في قلب مدينة خان يونس، التي يُجمع عدد من الذين شهدوا الحرب أنها استبسلت ستّة أيّام وهي تُقاوم العدوان، حيث استشهد فيها عدد كبير جداً من ضباط وجنود الجيوش العربيّة".

يكتب  محمد  أيوب في روايته المذكورة عن تلك اللحظات التي عاشها "انتشرت الإشاعات في المدينة، الدبابات الجزائرية وصلت إلى المدينة، رأيتها بعيني، مكتوب عليها: إلى القدس، إلى حيفا، إلى يافا، والله إنهم جزائريون، دقي يا طبول النصر، يا فرحة النصر أطلي علينا، ما دام الجزائريون قد وصلوا إلى خان يونس فهذا يعني أن الجيش المصري قد وصل إلى تل أبيب، اقترب موعد اللقاء يا وطن... ولكن كيف وصل الجزائريون بهذه السرعة إلى أرض المعركة..؟ غير معقول أن يصلوا بهذه السرعة، أم أن الجزائريين كانوا موجودين من الأصل ولكن ذلك بقي سراً حربياً، أشم رائحة الخديعة لكني لا أكاد أحدد مصدرها".

"كان الشارع غاصاً بالناس، علامات التساؤل تنبعث من عيونهم، يترقبون في قلق، فما سبق لهم أن ذاقوا حلاوة النصر، كانت آمالهم ممتزجة بالشكوك والخوف، فرحتهم حزينة، السيارات تنقل الجرحى، الدبابات الإسرائيلية هدمت دكاناً في سوق الخضار، صوت العرب يلعلع، طائراتهم تتساقط كالذباب يا أخي، آه يا أحمد سعيد، هنيئا لك يا سمك البحر.. آه يا طيران العرب أين أنت ؟ ولماذا يتجول الطيران الإسرائيلي بحرية تامة في أجوائنا ولا نملك إلا أن نطلق مدفعيتنا المحدودة المدى عليه فيبتعد ليعود إلى الاقتراب من جديد مثل ذبابة لحوح، وصل الحاكم، صاح أحد الشباب، وأردف: لا بد أن لديه أنباء جديدةً، توقفت السيارة في عصبية، نظر الحاكم تجاه أحمد الفايز وقال: هل يوجد إنسان يعرف اللغة العبرية؟".

يحاول النواجحة إخفاء دمعة كانت أسرع من حركة يده التي همّت لمسحها: "قام أحد الضباط بإطلاق النار على الدبابات وقت اكتشاف الأمر، ويدعى محمد أبو مُر، وهو أول من استشهد في جنوب القطاع، تلاه الشهيد حسين سلمان، ومن ثم الشهيد فضل القيق، والعديد من الشهداء الذين استبسلوا أمام الدبابات الإسرائيلية. أصبحت الدبابات تسير على طريق صلاح الدين الرئيسي وسط القطاع، ذهاباً وإياباً تقتل كل من تجده في طريقها، وطلب منا الجنود الإسرائيليون تسليم أنفسنا وإلا سنلقى حتفنا، فرفضنا ذلك".

يوضح أن الجيش الإسرائيلي كان مسيطراً على قناة السويس، ولم تستطع الإمدادات الوصول إليهم في قطاع غزة، ويذكر بأنه بقي نحو  8000 بندقية جنوب قناة السويس، لم يتسنَ لهم إدخالها للقطاع، فقام الجنود الإسرائيليون بجمع جميع الشباب في المدارس، من سن 16-40 عاماً، وفُرض حظر التجوال على كافة مناطق قطاع غزّة، ومُنع أي أحد من الخروج إلا في أوقات معينة.

يضيف الحاج: "دمار في كل مكان، معارك في الشرق والغرب، جندي عراقي وضع لغماً في دبابة إسرائيلية فتهاوت على الفور .. الدبابات تسير على طريق صلاح الدين الرئيسي وسط قطاع غزة، تلاحقها بعض الرصاصات من هنا وهناك، الطائرات تنزل ناراً من الجو وتدعو الجنود المصريين والمشاركين في الحرب إلى أن يتوجهوا إلى هذه النار ومن ثم يتم إبادتهم. كان الإسرائيليون ينادون بالمكبرات حرفياً: "على جميع الجيش المصري أن يسلم نفسه للجيش الإسرائيلي الباسل حتى يكون أسيراً محترماً"؛ بحجة إرجاع الجنود المصريين إلى ديارهم سالمين، ولكن الحقيقة كان يتم إبادتهم على الفور في الأماكن التي يطلب الاحتلال التجمع فيها".

في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي مُسيطراً على مناطق واسعة في قطاع غزّة، يُفتّش المنازل، يعدم المدنيين الرجال، ويجمع آخرين في المدارس، ويُرحّل عدداً أكبر إلى سجن بئر السبع في جنوب فلسطين المحتلّة، كانت إذاعة "صوت العرب" تذيع أخبار انتصار الجيوش العربية وأخبار إسقاط الطائرات الإسرائيلية بالمئات!, إلا أن أرض المعركة تحكي واقعاً آخر، فمنذ أول ليلة لاندلاع الحرب، شن الطيران الإسرائيلي حركة مباغتة وقام بتدمير الطائرات العربية وهي ما زالت في مدرجاتها.

الشاعر عمر خليل عمر، الذي شغل منصب قائد قوات الحرس الوطني في شمال قطاع غزة، وكان تحت إمرته إبان نكسة حزيران/يونيو 1100 جندي، يقول في تصريحات سابقة له، "إنّ إسرائيل شنّت الهجوم على قطاع غزة ولم نكن نحن في الشمال نعلم بذلك، ولم تبلغني القيادة بالهجوم، فظللنا لعدة أيام لا نعلم بتفاصيل الحرب. واصلت وجنودي البقاء في شمال قطاع غزة حتى العاشر من حزيران بعد أن احتلت إسرائيل جنوب ووسط قطاع غزة، وفي العاشر من حزيران دخلت قوات الاحتلال إلى شمال القطاع".

ويذكر الشاعر نفسه أنّه علم من أحد الجنود في لوائه أن "قوات الاحتلال الإسرائيلي بدأت باجتياحها شمال قطاع غزة من اتجاه بلدتي بيت لاهيا وجباليا، فما كان مني بعد أن علمت بسقوط جنوب ووسط القطاع، وفي ظل ضعف الإمكانات العسكرية المتوفرة لدينا، إلا وأن أصدرت أوامري للجنود بالانسحاب فوراً"، لافتاً إلى أنه قاد هذا العدد الكبير من الجنود وهو برتبة ملازم أول، في حين أن أسس القيادة العسكرية ومبادءها تقتضي في هذه الحالة أن يتسلم ضابط  برتبة عسكرية متقدمة  قيادة مثل هذا العدد من الجنود.

آنذاك، كانت الأنباء التي ترد من مدن قطاع غزة التي سقطت تباعاً قد كشفت أن قوات الاحتلال كانت ترفع على دباباتها أعلام الدول العربية، فهذه دبابة رفعت العلم الجزائري وأخرى رفعت علم العراق وثالثة رفعت علم مصر كوسيلة من وسائل التمويه العسكري الذي استخدمته إسرائيل كي تقلل من الخسائر في صفوف جنودها لدى دخولها وسط المدن، فانطلت هذه الخدعة على المدنيين، بينما واجه  العديد من العسكريين، الذين بقوا في مناطق متفرقة،  نيران الأعيرة دبابات الاحتلال، وخاضوا مقاومة ارتجالية استشهد فيها عدد كبير من الضباط والجنود.

النواجحة يقول إن قطاع غزّة آنذاك "عاش ستّة أيّام لم يرَ مثيلاً لها إلّا إبان عدوان صيف 2014 على قطاع غزّة"، إذ ما زال يستذكر مشاهد القصف والدمار في كل مكان من قطاع غزّة، والجثث الملقاة في الشوارع وأزقّة المُخيّمات، وسط ذهول سكّان القطاع من الهزيمة التي مُنيت بها الجيوش العربيّة، والتي لم يكن أحد يتوقعها، على اعتبار أن الجيوش العربيّة هي التي كان من المفترض أن تُهاجم إسرائيل، لا العكس كما حدث في ستّة أيام، أو كما يرى النواجحة "في ست ساعات فقط".

يكتب  الأديب الراحل  محمد  أيوب، وهو أحد الذين عاشوا الحرب، في رواية "الكوابيس تأتي في حزيران": "تبدلت الأشياء وانقلبت الأمور رأساً على عقب، النصر المتوقع تحول إلى هزيمة، والهزيمة علقمية المذاق، فقد اعتادت ألسنتنا طعم المرارة وألفته، المرارة والهزيمة تمتزجان مع حياتنا امتزاج العناصر المكونة للسبيكة، وبعد أن أصبحت الهزيمة مؤكدة أصبحت العودة إلى المخيم ضرورية، لا بد من مواجهة الواقع الجديد وتحمل تبعاته، ويل للمهزوم من هزيمته، كابوس مرعب يخيم على النفوس والعقول، الجميع يمرون في حالة قاتلة من انعدام الوزن وانعدام الأمل، انقطع خيط الرجاء.. أغانينا تحولت إلى ندب".

يذكر الشاعر عمر خليل عمر الذي كان آنذاك في التاسعة والعشرين من  العمر أن غالبية الجنود بعد أن صدرت إليهم أوامر الانسحاب حملوا أسلحتهم وانخرطوا فيما بعد في  صفوف المقاومة،  ضمن "قوات التحرير الشعبية" و"طلائع المقاومة العسكرية" التابعة لـ "حركة القوميين العرب" التي انبثقت عنها في وقت لاحق "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، معتبراً أنّ الصدمة التي شعر بها أهل غزة، لدى سماعهم خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أعلن فيه استقالته، كان لها وقع الصاعقة على مسامعهم، فهم لم يتوقعوا هزيمة الجيوش العربية المدججة بالأسلحة.

خسائر حرب حزيرن/يونيو 1967 لم تقتصر على آلاف الشهداء والمُصابين والأسرى، ولا على العتاد العسكري الهائل الذي دُمّر قبل أن يتم استخدامه، بل أجبرت تلك الهزيمة ما يقرب من 400 ألف عربي من سكّان الضفة الغربيّة وقطاع غزّة والمدن الواقعة على طول قناة السويس على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة أضيفت إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم  بعد أحداث النكبة عام 1948.

د.محمـد عبد الـرحمـن، الكاتـب في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، يقول في مقال له إنه في يونيو/ حزيران خسرت مصر صحراء سيناء وقطاع غزة، وخلال العشر سنوات اللاحقة استطاعت مصر أن تستعيد سيناء "من دون قطاع غزه وأم الرشراش وطابا"، ولجأت مصر للتحكيم الدولي لاستعادة "طابا"، لكنها "تنازلت عن أم الرشراش وقطاع غزة" خلال مفاوضات السلام مع المحتل الإسرائيلي. ويضيف: "في حرب 1967، حرب الأيام الستة، كانت الجغرافيا مهمة، وفي هذه الحرب أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي. في ذلك الوقت لم تُلق سوى قلة قليلة من الإسرائيليين بالاً للعواقب الديموغرافية البعيدة المدى للحكم الإسرائيلي المفروض على السكان الفلسطينيين في المناطق الواقعة إلى الجهة الأخرى من الخط الأخضر. كان يبدو أن الأراضي المحتلة أهم، كعمق استراتيجي وكورقة تفاوضية في المستقبل، من أي شيء آخر".

يرى عبد الرحمن أنّ الجيوش العربية التي حاربت في فلسطين "لم تكن متعاونة فيما بينها، وإن بدا أنها دخلت في وقت واحد مجمعة على الحرب إلا أنها أثناء المعركة كانت متفرقة، بل لم يشترك بعضها في قتال حقيقي مع اليهود، مما سهل المهمة أمام اليهود في مواجهة كل دولة منفردة، وكان أشد ما يخشاه اليهود أثناء القتال اجتماع الجيوش العربية عليها، وقد فشل العرب في الاتحاد والتعاون أثناء المعركة، ونجح اليهود في التعامل معهم".

يقول النواجحة عن الهزيمة المرّة التي مُني بها العرب في حزيران/يونيو 1967: كانت بمثابة "وصمة عار" في جبين كثير من المقاتلين في قطاع غزّة، وهو ما دفعهم بعد شهرين من نكسة حزيران إلى تنفيذ عدّة عمليّات عسكريّة متفرقة على شكل حرب شوارع استهدفت دوريات الاحتلال، واستمرت حتى منتصف السبعينات حيث اعتقل الاحتلال أعداداً كبيرة من عناصر المقاومة وسقط العديد من الشهداء، خاصة من "قوات التحرير الشعبية" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وحركة "فتح".

Read more