إلبيلغ. "المفتي الأكبر: الحاج أمين الحسيني، مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

المفتي الأكبر: الحاج أمين الحسيني، مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية 

The Grand Mufti: Haj Amin al-Husseini, Founder of the Palestinian National Movement

Zvi Elpeleg. London: Frank Cass, 1993. 239 pages.

 

يحاول تسفي إلبيلغ، وهو حاكم عسكري سابق في المناطق المحتلة، أن يكتب سيرة موضوعية ومبتكرة لمجمل الحياة السياسية للحاج أمين الحسيني. لكن، بينما تخلو لهجته من العدوانية، فإن روايته تشوبها عيوب جدية.

يغطي كتابه مرحلتين بارزتين من مراحل حياة المفتي، مرحلة ما قبل سنة 1948، والمرحلة التي تلت. ويتناول النصف الأول الخلفية العائلية للحسيني وتعيينه مفتياً ثم رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى. ويصف إلبيلغ استغلال المفتي لاضطرابات سنة 1929 ومشاركته الفعّالة في ثورة 1936 - 1939. ويتتبع المؤلف الحياة السياسية للمفتي في العراق وألمانيا النازية، وعودته ثانية إلى الشرق الأوسط حيث يخوض مواجهته مع عبد الله بشأن فلسطين سنة 1948، ويؤسس حكومة عموم فلسطين في غزة. ولا يتضمن الكتاب في النصف الأول إلاّ النزر القليل من المعلومات الجديدة، ويرجع ذلك أساساً إلى أن إلبيلغ استقى معلوماته كلها تقريباً من مصادر ثانوية ومن الصحف اليومية. أمّا النصف الثاني من الكتاب فإنه مبتكر وأكثر تفصيلاً. وهنا يناقش المؤلف علاقات الحاج أمين بجمال عبد الناصر والملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي يزعم إلبيلغ أنها تدين بمذهبها السياسي إلى المفتي.

إن إلبيلغ مصيب في إرجاع الفضل إلى المفتي لفت نظر العالم الإسلامي إلى المشكلة الفلسطينية، وفي جعلها القضية المركزية للدول العربية المجاورة، وفي توحيد الفلسطينيين حول الأهداف الوطنية. لكن استنتاجاته الأُخرى واهية الأساس في معظمها.

ثمة فرضية ضمنية في كتاب إلبيلغ هذا نجدها في العنوان الفرعي للكتاب الذي هو: "مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية". وثمة استنتاج يتوصل إليه، مفاده أن الكتابة التاريخية الفلسطينية لم تعترف بعد بمكانته في التاريخ الفلسطيني، بسبب كونه رمزاً للهزيمة. وكما يرى إلبيلغ الأمر، فإن المفتي هو "وايزمن، وبن - غوريون، وحتى هيرتسل الحركة الوطنية الفلسطينية." وربما يتمنى معظم الفلسطينيين لو أن المفتي كان قد قام فعلاً ولو بدور واحد من هذه الأدوار.

لقد أسس تيودور هيرتسل المؤتمر الصهيوني العالمي؛ والمفتي لم يشارك حتى في تأسيس الجمعيات الإسلامية - المسيحية سنة 1918، ولا في المؤتمرات العربية الفلسطينية التي صاغت وحددت المطالب الوطنية الفلسطينية. وكان هيرتسل منظّر الصهيونية ومؤسسها من خلال خطبه وكتاباته؛ والمفتي لم يضع أي نظريات، ولم يشتهر بأي من خطبه أو كتاباته. وكان حاييم وايزمن صلة الوصل الحيوية ببريطانيا ومراكز القوى الغربية، وأدى دوراً فعالاً، إضافة إلى إنجازات أُخرى، في الحصول على وعد بلفور؛ والمفتي لا يوجد بلفور في سجل مآثره، ولم تكن تربطه صلات قوية بزعماء العالم، وكان نفوذه في الدول العربية ضعيفاً بسبب السيطرة البريطانية على هذه الدول. وقيادة ديفيد بن - غوريون العسكرية والسياسية القديرة أدت إلى إنشاء دولة، في حين أن الزعامة التقليدية والمتصلبة للمفتي ساهمت في حرمان الفلسطينيين من دولة خاصة بهم.

ويبدو إلبيلغ متحمساً جداً لتوريط المفتي في أعمال القتل وإلحاق الأذى؛ فهو يكتب (ص 23) أن الحسيني قام بـ "تدبير" اضطرابات سنة 1920، التي أسفرت عن مقتل خمسة من اليهود (وأربعة فلسطينيين لم يتطرق إلبيلغ إلى مقتلهم). وفي الحقيقة، فإن الوثائق لا تتضمن ما يبرر مثل هذا الاستنتاج. كما يلمح إلى أن المفتي شجع على مذبحة بغداد التي حدثت ضد اليهود في 1 حزيران/يونيو 1941، لكنه لا يقدم أي دليل يشير إلى تورط المفتي، الذي كان قد فرَّ إلى إيران في 29 أيار/مايو 1941.

ويعلن الغلاف الورقي للكتاب المجلد أن إلبيلغ "يورد وقائع مقنعة على تورط المفتي في إبادة اليهود الأوروبيين." وفي الحقيقة، فإن الوقائع التي يوردها المؤلف لا تختلف إلاّ قليلاً عن التُهم الأصلية التي وجهتها الوكالة اليهودية سنة 1946، والتي وجدت وزارة الخارجية البريطانية نفسها سنة 1946 أنها "غامضة جداً ولا يمكن اعتبارها دليلاً جازماً، ضد المفتي، على اشتراكه في أي أعمال وحشية ضد اليهود." كما أن مسؤولين بريطانيين آخرين كتبوا أن الصهاينة استخدموا هذا الدليل الواهي لأغراض دعاوية ضد المفتي والفلسطينيين.

ويذكر إلبيلغ، من غير دليل أو استشهاد، أن "أجزاء كبيرة من العالم العربي شاركت [المفتي] في تعاطفه مع ألمانيا النازية ضد اليهود"، الذي "عُبِّر عنه في ذلك الوقت من خلال تسمية الأطفال بأسماء نازيين مثل هتلر ورومل" (ص 179). وأتساءل، كم من العرب ممن يعرفهم إلبيلغ أو ممن يمكنه أن يجد أسماءهم في أدلة الهاتف يحملون اسم هتلر؟

لا شك في أن إلبيلغ مصيب في وصفه المفتي بأنه كان معادياً لليهود في بداية الحرب العالمية الثانية (وليس معادياً للصهيونية فحسب، كما يزعم معظم العرب). فالمفتي تعاون فعلاً مع أكثر الأنظمة بربرية في العصر الحديث أملاً بطرد بريطانيا من فلسطين. ومن غير أن يكترث لمصائر اليهود، قام بكتابة رسائل تحث السلطات على عدم السماح لليهود بالذهاب إلى فلسطين، لأنه كان يحس بأن اليهود سيشردون الفلسطينيين ويحلون محلهم. وبقدر ما يستحق هذا الأمر من شجب، فإنه لا يعني أن المفتي شارك في "الحل النهائي" [للمشكلة اليهودية]. وفقط رواية دقيقة وغير منحازة ومستندة إلى الكمية الهائلة من الوثائق الألمانية التي تم الاستيلاء عليها، يمكن أن توضح دور المفتي في ألمانيا.

ويهزأ إلبيلغ من اعتقاد المفتي "الخيالي" بأن بريطانيا واليهود "تآمروا" لطرد الفلسطينيين وتسليم فلسطين إلى اليهود. ويبدو أن إلبيلغ غير مدرك للمدى الذي ناقش فيه الصهاينة، وفي بعض الأحيان الزعماء البريطانيون ما بين ثمانينات القرن الماضي وسنة 1948، مسألة "ترحيل" الفلسطينيين. ويُرجع المؤلف سبب ضياع فلسطين إلى المنافسة والخلافات بين الحكام العرب، وضعف المجتمع العربي [الفلسطيني]. ولا يشير إلى سياسة بلفور البريطانية المدعومة عسكرياً، التي سمحت للييشوف بالنمو من خلال الهجرة وشراء الأراضي، وإقامة مؤسسات شبه عسكرية وشبه حكومية، ولا إلى عوامل أُخرى مهمة معروفة.

إن فرضيات واستنتاجات إلبيلغ التي لا تستند إلى أساس، ناجمة جزئياً عن تجاهله المصادر الأرشيفية، ولا سيما وثائق وزارتي المستعمرات والخارجية البريطانيتين المحفوظة في مكتب السجلات العامة البريطاني، التي لا غنى عنها فيما يتعلق بمرحلة الانتداب. ومن مجموع نحو 500 حاشية، فإن عشراً فقط تستشهد بوثائق مكتب السجلات العامة. وإضافة إلى ذلك، فإنه يعتمد على المؤلفات التاريخية القديمة ويتجاهل باحثين أكاديميين حديثين مثل محمد مصلح في كتاباته بشأن أصول الوطنية الفلسطينية، وآن ليش بشأن إخفاقات الحركة الوطنية الفلسطينية، ونيل كابلان بشأن الاتصالات العربية - اليهودية، وآفي شلايم [....]، ونور مصالحة بشأن الطرد (transfer)، وبني موريس بشأن خروج الفلسطينيين من وطنهم، وكثيرين غيرهم.

كما يحتوي الكتاب على أخطاء معلوماتية. فعلى سبيل المثال: لقد تم تعيين أمين الحسيني مفتياً للقدس، لا المفتي الأكبر (ص 29)، ومن ثم فإن عنوان الكتاب ينطوي على خطأ معلوماتي. والمفتي، بحسب إلبيلغ، يَبرز زعيماً سياسياً للفلسطينيين سنة 1921، بينما تظهر السجلات الأرشيفية أن زعامة المفتي لم تتكرس إلاّ سنة 1929، وهي سنة الاضطرابات العنيفة الناجمة عن خلاف بشأن حائط المبكى. وإضافة إلى ذلك، يعاني الكتاب مشكلات ترجمة أسماء المؤسسات العربية وكتابة الأسماء العربية بالإنكليزية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من العيوب التي يشكو هذا الكتاب منها، فإنه عمل مفيد من حيث شموله أنشطة المفتي بعد سنة 1948، وهي مرحلة لا يُعرف عنها إلاّ القليل. كما أنه على الرغم من هفوات إلبيلغ الأيديولوجية، فإن لهجته ليست انفعالية، وهذه علامة مشجعة في الكتابات الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين.

السيرة الشخصية: 

فيليب مطر: المدير التنفيذي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية في واشنطن.