كلمة نائب الرئيس الأميركي أمام مؤتمر "إيباك" السنوي، واشنطن، 7/4/1992
النص الكامل: 

[.......]

[....] مضى عامان على آخر مرة تحدثت فيها إليكم هنا في واشنطن. ومنذ ذلك الحين، فُتحت أبواب جديدة وصُححت أخطاء قديمة. في الأسبوع الفائت، تناولت طعام الفطور مع رئيس حكومة إسبانيا، فيليب غونزاليس، الذي أخبرني شخصياً مدى تأثره لدى استقباله رئيس إسرائيل في إسبانيا الذي حلّ ضيفاً على الملك خوان كارلوس، وذلك بعد خمسمائة عام من طرد إسبانيا لليهود.

وفي الكنيس في مدريد، قال الرئيس هيرتسوغ: لا يمكننا تغيير الماضي، لكن يمكننا تعلّم دروسه، وبالتالي ضمان مستقبل أفضل لنا وللإنسانية. إن بعض الأحداث الأخيرة يشير إلى مستقبل أفضل. فالعدالة قد سادت أخيراً بالنسبة إلى اليهود السوفيات والإثيوبيين. ونظل ملتزمين حقوق اليهود الإنسانية في سوريا وفي أماكن أخرى، وخصوصاً حقهم في الهجرة. وانتصرت الأخلاق واللياقة في حرب ضد العدوان في الخليج الفارسي. وشاع الأمل مع بداية محادثات سلام الشرق الأوسط. وبعد انتظار طويل، ساد المنطق والحقيقة في الأمم المتحدة فمات القرار المخزي الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، ودُفن.

إن الأيام السابقة على عيد الفصح اليهودي يجب أن تكون أياماً مفرحة هذا العام للشعب اليهودي ولأصدقائه، لا في أميركا فحسب بل في العالم أجمع. لكن بدلاً من ذلك، لسوء الحظ، يتبين المرء شعوراً بالغموض، والتحفظ، والشك، وحتى النذير بشرّ. ويعود جزء من الغموض والنذير إلى الاختلاف في الرأي بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة إسرائيل بشأن سياسات محددة. ويخبرنا بعض من يسمون خبراء أن العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية قد وصلت إلى نقطة تحول. ومن وقت إلى آخر، يعبَّر عن هذا الأمر بقوة أشد. وقد لفت انتباهي موضوع غلاف لمجلة Washington Jewish Week بعنوان: "العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية: نحو تباعد عند الشقوق".

حسناً، إنني هنا لأخبركم أن ليس هذا هو الواقع؛ فكل من إسرائيل والولايات المتحدة تحتاج إحداهما إلى الأخرى. وكل منا يستفيد من الآخر، وتحالفنا راسخ لأنه قائم على دعامتين ثابتتين: المصالح الاستراتيجية، والقيم المشتركة. أصدقائي، بصرف النظر عن الصعوبات، تبقى إسرائيل والولايات المتحدة اليوم صديقتين وحليفتين، وسنبقى أصدقاء وحلفاء إلى الأبد.

فكِّروا للحظة في علاقتنا الاستراتيجية. إن في مصلحة أميركا أن يكون لها إسرائيل قوية، تعمل مع الولايات المتحدة على نحو وثيق من أجل السلام والاستقرار في المنطقة. إسرائيل قوية وأميركا قوية تقفان معاً في وجه التهديد الذي يطرحه مختلف أشكال الراديكالية في الشرق الأوسط. ففي تلك المنطقة من العالم، هناك من يتبعون سياسات معادية بصورة جوهرية لقيمنا الأساسية إلى ابعد حد. كما أن هناك من يستخدمون الإرهابيين أو يحمونهم، وإسرائيل شريكنا المقدام في القتال ضد الإرهاب الدولي وأدواته.

إن هذا كله، أصدقائي، يركز الانتباه على نقطة أساسية. بما أن العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية لم تكن نتاجاً للحرب الباردة، فإنها لن تقلَّص بنهاية الحرب الباردة. وقد كنت طوال الأعوام الثلاثة الماضية أبدأ كل يوم عمل بموجز معلوماتي في البيت الأبيض. وفي كل صباح، أسمع بما يجري، وبما يتبدل، وبما يجب مراقبته. صدقوني، لا يزال العالم مكاناً خطراً، بل هو في بعض الأوجه أخطر مما كان عليه من قبل. وعلاقاتنا حاسمة بصورة قاطعة في هذا العالم الجديد.

وفي الواقع، فبسبب المبادئ الثابتة التي يرتكز ـ التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي عليها، فإنه واحد من تحالفاتنا الاستراتيجية الدائمة القليلة جداً. حرب باردة أو لا حرب باردة، تظل إسرائيل حليفتنا الأقرب والأكثر موثوقية في الشرق الأوسط. ولن يبدل أيُّ شيء من التزامنا إدامة تفوق إسرائيل النوعي إزاء أية مجموعة عدوانية ممكنة.

إن هذا ليس مجرد كلام خطابي. فالتزامنا حقيقي، وهو التزام عميق. ولعل بعضكم يعلم أن الإدارة أرسلت، منذ أسبوعين، وزير الجيش مايك ستون، ومدير برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي هانك كوبر، إلى إسرائيل لعقد سلسلة من الاجتماعات، وانضم إليهما مستشاري العسكري الخاص. وقد أُرسل هؤلاء إلى هناك لالتقاء مسؤولين إسرائيليين والتخطيط لجهود مشتركة من أجل مواجهة تحديات الأعوام المقبلة. وسيكون هنالك الكثير من مثل هذه الجهود المشتركة. والحقيقة أن الاتصالات، والتعاون العسكري الأميركي ـ الإسرائيلي، اليوم أوسع مدى من ذي قبل.

يقودني هذا الآن إلى الدعامة الثانية التي تدعم تحالفنا: القيم المشتركة، المجسَّدة في التقاليد اليهودية ـ المسيحية التي يقوم مجتمعانا عليها، وفي القيم الديمقراطية التي نتقاسمها. إن إسرائيل ديمقراطية نشيطة في جزء من العالم لم تصمد فيه مؤسسات ديمقراطية حتى الآن. وهي تواجه تحديات يومية من النوع الذي لا ترغم ديمقراطيات أخرى محاطة بجيران مسالمين على مواجهته. ومع ذلك، فإن ديمقراطية إسرائيل صامدة بقوة. إنها حقاً في ازدهار. ولا غرابة في أن من الخطوات الأولى التي اتخذتها الديمقراطيات الناهضة في أوروبا الشرقية، كانت خطوة إعادة العلاقات الرسمية بإسرائيل. إنها حقاً نور للأمم. وهذا، يا أصدقائي، تنويه بشجاعة شعب إسرائيل وبتصميمه.

منذ زمن غير بعيد، أزعجني أن أفتح الصحيفة وأن أقرأ فيها مقالاً جاء فيه: "يجد بعض الأميركيين صعوبة كبيرة في أن يشعروا بحسّ القيم المشتركة مع إسرائيل الذي سبق أن شعروا به." ويمضي المقال ليذكر اعتقاد البعض أن "قضية إسرائيل أصبحت بصورة متزايدة شأناً محظوراً وخاصاً تقريباً باليهود الأميركيين." وأنا، من جانبي، لا أصدّق أن أياً من هذين القولين صحيح. فالإشارة إلى أن الأميركيين ـ اليهود وغير اليهود على السواء ـ لم يعودوا يتقاسمون القيم الأساسية مع إسرائيل بوصفها ديمقراطية، لهي إشارة مغلوط فيها بصورة واضحة. وكشخص غير يهودي، دعوني أقول هذا. ما دمتُ في الحياة العامة، فإن قضية إسرائيل لن تصبح شأناً محظوراً وخاصاً باليهود الأميركيين.

[.......]

والآن، دعوني ألتفت إلى الحالة الراهنة للشؤون القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وكما هو معروف جيداً، فإن الخلافات بشأن المستوطنات، وبشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، وبشأن ضمانات القروض، وقد وتّرت العلاقات. حسناً، لنُبق خلافاتنا ضمن المنظور الصحيح. ولنتذكر أنه لولا حُسن سياسة رونالد ريغان وجورج بوش، لما تمت الهجرة السوفياتية الكبرى، ولما جرى إنقاذ يهود إثيوبيا، ولكانت مساواة الصهيونية بالعنصرية لا تزال قائمة، ولما تحققت محادثات السلام المباشرة وفقاً للشروط التي سعت إسرائيل لها بحق طوال 43 عاماً، ولكان العراق اليوم يهدد وجود إسرائيل نفسه.

والآن، حين تأخذون الأمور كلها في الاعتبار، فإن آمل بأنكم ستوافقون على أن رئاسة رونالد ريغان ورئاسة جورج بوش كانتا جيدتين بالنسبة إلى إسرائيل.

وأنا هنا الآن، كنائب للرئيس جورج بوش، لأؤكد التزامه تجاه إسرائيل. والمطبّات في الطريق تقلقه وتقلقنا جميعاً بشدة. وهي لا تغيّر، أو لا تهدد المبادئ الأساسية التي تستند علاقتنا إليها. وأعتقد أن الرئيس قد أفصح عن ذلك كأفضل ما يكون منذ أسبوعين في رسالة إلى صديق، وكان مما جاء فيها: "إن التزامنا الجوهري تجاه إسرائيل هو هكذا تماماً، جوهري. وأرجو أن تعلموا هذا، فهو نابع من القلب كما أنه نابع من العقل."

[.......]

 

المصدر: نشرة خاصة.

* نائب الرئيس الأميركي: دان كوايل.