كلمة وزير الخارجية اللبناني فارس بويز، مدريد، 1/11/1991
النص الكامل: 

السيد الرئيس،

تنتهي اليوم المرحلة الافتتاحية من مؤتمر مدريد الذي أتيناه بفكر منفتح ورغبة في الإسهام في إحلال السلام المبني على العدالة والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

وكم شعرنا بالارتياح لدى سماعنا الكلمات التي تفضل بها راعيا المؤتمر الرئيسان بوش وغورباتشوف لما تضمنته من تكريس للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها المؤتمر، ألا وهي احترام القانون الدولي وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وضمان حقوق الشعوب في الأمن وفي تقرير المصير. كما أن وفد لبنان استمع باهتمام كلي إلى كلمات سائر الأطراف المدعوة للتفاوض بغية التوصل إلى السلام المنشود. ويرى إبداء الملاحظات التالية: 

أولاً ـ إن عقد المؤتمر خطوة أولى كان لا بد منها في الطريق نحو تحقيق أهدافه، وهي إقامة سلام عادل ودائم وشامل في منطقتنا يرتكز على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

ثانياً ـ نعتبر ما جاء في كلمتي الرئيسين بوش وغورباتشوف ولا سيما منه ما يتعلق بإقامة السلام على أساس العدل والإنصاف أساساً صالحاً لقيام السلام والاستقرار في منطقتنا.

ثالثاً ـ إن الكلمة التي أُلقيت باسم المجموعة الأوروبية تعتبر إسهاماً مشكوراً ومتوازناً في الجهود الصادقة الرامية إلى تحقيق غايات المؤتمر، وقد لاحظنا بارتياح تخصيص لبنان بفقرة تدعم مطالبته بتنفيذ القرار 425.

رابعاً ـ وبالاستماع إلى المداخلات التي أُلقيت، برز فارق واضح بين مواقف عربية سعت جاهدة إلى تجاوز الأحقاد ورواسب الماضي وإلى فتح صفحة جديدة من العلاقات الإقليمية المبنية على الحكمة والعقلانية، وموقف إسرائيلي بقي متمسكاً بأفكاره ومقولاته التقليدية التي ثبت بوضوح تعارضها مع مسيرة السلام في المنطقة. إن كلمة الوفد الإسرائيلي لم تكن فقط خالية من إعلان قبول المبادئ التي يقوم عليها المؤتمر بإجماع منظميه والمشاركين الآخرين فيه، أي قرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض في مقابل السلام، بل مضت في المغالطة وفي تبخيس الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.

كنا نأمل أن يشاركنا الوفد الإسرائيلي في اقتناعاتنا بأن نجاح المؤتمر مرهون بتوافر إرادة السلام لدى أطرافه جميعاً وبضرورة التعبير الصريح عنها وكذلك باتخاذ تدابير محددة على الأرض من شأنها إرساء أواصر الثقة.

وما زلنا ننتظر من الطرف الإسرائيلي أن يعلن بوضوح وجود هذه الإرادة لديه وذلك بإعلان التزامه تطبيق القرارين 242 و338 وميثاق الأمم المتحدة خصوصاً لجهة حق الشعوب في تقرير مصيرها بحيث يكون هذا الحق فعلاً في متناول الجميع، ولا سيما في الوقت الحاضر، في متناول الشعب الفلسطيني.

واللافت للانتباه في تصريح رئيس وزراء إسرائيل محاولته إلغاء قرارات الأمم المتحدة والشك في مشروعيتها... مع أن وجود إسرائيل ما كان ليكون لولا قرار مجلس الأمن بإعطاء اليهود جزءاً من فلسطين.

ثم إذا كان هذا هو موقف إسرائيل من قرارات الأمم المتحدة، فما معنى انعقاد هذا المؤتمر الذي ينعقد على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338؟

خامساً ـ وأنتقل الآن إلى موضوع وطني لبنان. طالب لبنان ويكرر اليوم أمامكم إصراره على ضرورة انسحاب إسرائيل الفوري والكامل وغير المشروط من جميع الأراضي اللبنانية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 425 الصادر في 19/3/1978، إلا إن اللافت للانتباه أن يتحدث رئيس وفد إسرائيل عن السلام ولا يقوم بأية خطوة تثبت ذلك، بل على العكس من ذلك تعتدي إسرائيل على لبنان وترفض تنفيذ القرار 425. وهل أن التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان والذي رافق انعقاد هذا المؤتمر هو الجواب الأفضل عن المبادئ والأسس التي ينعقد تحت شعارها هذا المؤتمر؟

إن لبنان الراغب في السلام والذي أنجز خطوات جبارة في نهوضه على رغم المصاعب والتحديات، يعلن أمامكم تعهده أن يجعل الأمن مستتباً على أرضه كاملة، وخصوصاً في الجنوب، حالما تنفذ إسرائيل القرار 425 وتسحب قواتها إلى ما وراء حدوده الدولية وفقاً لأحكام القانون الدولي. ولا بد لوفد لبنان من أن يؤكد مجدداً أن تنفيذ القرار 425 ينبغي أن يتم اليوم قبل غد، خصوصاً أن ذلك من شأنه أن يشكل حافزاً لإنجاح مؤتمر السلام ومدخلاً صالحاً لتسوية مشاكل المنطقة.

ونود سادساً أن نؤكد سلامة التفكير في المستقبل ومحاولة التوصل إلى تصور لتنمية المنطقة، بحيث تتوافر أسس البناء والعدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي. ولكننا نؤكد في الوقت نفسه شعورنا بأن التفاوض حول مسائل الحاضر هو أكثر أهمية وجدوى من التفاوض حول مسائل المستقبل، فلنهتم أولاً بحاضرنا وننجز الاتفاق حوله لنتفرغ بعد ذلك إلى معالجة المستقبل وتنظيم شؤونه. فكيف يمكن النظر في توزيع المغانم قبل أن نزيل عن كواهلنا عبء المغارم، بحيث يتم، توخياً لتعزيز فرصة السلام، إعلان وضع القدس ووقف الاستيطان واحترام مبدأ الأرض في مقابل السلام.

من هنا نقول: لفتح باب المفاوضات المتعددة الطرف ينبغي إحراز إنجاز ملحوظ في المفاوضات الثنائية.

أخيراً، إننا نسجل في كلمة الرد التي ألقاها رئيس الوفد الإسرائيلي حرص إسرائيل على استقلال لبنان وعدم وجود مطامع لديها فيما يتعلق بالأرض اللبنانية، إلا إننا نسأل ونتساءل عندئذ عن مبرر احتلال إسرائيل أرض الجنوب والتنكيل الدائم والمستمر واليومي وتحريضها على أعمال العنف هناك واستفزازها لكرامة أبناء الجنوب. أما استقلال لبنان الذي يبدو كأنه هاجس إسرائيل، يبدأ من الجنوب ولا يكتمل ما دامت أرض الجنوب ترزح تحت نير الاحتلال ومن ثغرة الجنوب استطاعت إسرائيل الدخول إلى الساحة الداخلية اللبنانية وإدخال كل تناقضات المنطقة والعالم معها. وهي تعلم كل العلم أن سوريا دعمت في لبنان جهود الشرعية في إعادة بناء المؤسسات وترسيخ الوحدة الوطنية وتجريد الميليشيات من السلاح. وعلاقة لبنان بسوريا لا تقبل تدخل إسرائيل التي تحاول ربط احتلالها بالوجود السوري الذي نظمه اتفاق الطائف المؤيد من المجموعة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. أخيراً إن محاولة إسرائيل ربط انسحابها بأي عامل آخر يعني رفضاً واضحاً لتطبيق القرار 425 الذي لا يقبل الشروط. وشكراً.

 

المصدر: "النهار" (بيروت)، 2/11/1991.