ردود ممثلي الوفود كلمة رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق شمير، مدريد، 1/11/1991
النص الكامل: 

دعوني أولاً أعتذر لأنني مضطر إلى مغادرة هذه القاعة فور انتهاء كلمتي، مع عدد من زملائي لنعود إلى إسرائيل قبل المغيب، استعداداً لعطلتنا المقدسة. ولدي ملء الثقة بأن أحداً لن يعتبر هذا الأمر علامة عدم احترام.

دعوني أيضاً أعبّر، من جديد، عن شكرنا وتقديرنا لمضيفينا الإسبان وللراعيَيْن على الجهد الذي بذلوه لجعل هذا المؤتمر ممكناً.

جلسنا في هذه القاعة يومين، مسلحين بالكثير من الصبر لنستمع إلى ما سيقول جيراننا العرب.

لقد سمعنا انتقادات كثيرة واتهامات كثيرة، ويمكننا أن نرد على كل تهمة وكل عرض خاطىء للتاريخ والحقيقة ـ وكان هناك عدد لا بأس فيه ـ ويمكننا دحض كل المزاعم. ونحن أيضاً يمكننا أن نستشهد لمصلحتنا بالأخلاق والعدالة والشرعية الدولية.

لكن، هل هذا ما جئنا إلى هنا من أجله؟ فمثل هذا الأخذ والرد العقيمين كان يجري طوال الأعوام الأربعة والثلاثين الأخيرة في الأمم المتحدة وفي محافل دولية لا تحصى، وهو لم يقربنا إنشاً واحداً من تفاهم مشترك وسلام. ولهذا، بالذات، دعونا دائماً وبإلحاح إلى إجراء مفاوضات مباشرة، محادثات وجهاً لوجه. ومع هذا جئنا إلى هنا بنية طيبة، آملين بأن يحدث تغيير وتحول نحو الأفضل في الشكل والمضمون، يقوداننا إلى مرحلة جديدة وواعدة أكثر. ولم نتخل عن هذا الأمل.

لذلك، دعوني أسجل بعض الملاحظات، لا بهدف السجال بل لإلقاء الضوء على عدد من الحقائق.

إن ممثل سوريا يريدنا والعالم أن نصدق أن دولته نموذج للحرية ولحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق اليهود. وهذه التصريحات خالية من أي مضمون إلى أبعد الحدود. فإن المجتمع اليهودي القديم في سوريا تعرض لقمع وحشي وتعذيب ولأسوأ أنواع التمييز. ومعظم اليهود هرب من تلك الدولة على مر الأعوام، والآلاف العدة الباقون يعيشون في خوف دائم. ومن يحاول منهم عبور الحدود يزج في السجن ويضرب ويعذب، وتتعرض عائلته لعقاب وخوف متواصل. لكن اليهود ليسوا وحدهم ضحايا النظام السوري. فحتى هذا اليوم، لا تزال سوريا مأوى لمنظمات تخريبية تنشر العنف والموت في كل الأهداف البريئة، بما في ذلك الطيران المدني والنساء والأطفال من دول عدة. يمكنني أن أتابع وأعدد لائحة من الحقائق تظهر إلى أي مدى تستحق سوريا الشرف المريب لكونها أكثر الأنظمة قمعاً ودكتاتورية في العالم. لكن ليس هذا ما جئنا من أجله.

وإلى اللبنانيين، جيراننا في الشمال، نبعث برسالة تعاطف وتفهم. فهم يعانون الاحتلال والقمع السوريين، وينكر عليهم حتى حق التعبير عن الاحتجاج بصوت عال. ونحن لا نضمر أية ضغينة للبنانيين الشجعان الذين يتعرضون للمعاناة، ونحن نشاركهم في أملهم بأن يستعيدوا قريباً استقلالهم وحريتهم. ليس لدينا أية مطامع بالأرض اللبنانية، ويمكننا في إطار معاهدة سلام وإنهاء الوجود السوري، إعادة الاستقرار والأمن إلى الحدود بين بلدينا.

وفي أوجه عدة، لدينا حال أمر واقع من عدم الاعتداء مع المملكة الأردنية. ونحن نعتقد بصدق أن في الإمكان إبرام معاهدة سلام مع الأردن. وفي إطار مثل هذه المعاهدة، سنقرر معاً الحدود المعترف بها والآمنة، ونضع الأساس لعلاقة تقوم على التعاون وعلاقات الجيرة المتبادلة. فالدولتان تستفيدان من علاقة سلام، ونتمنى أن نتوصل إليها عبر مفاوضات ثنائية مباشرة.

لقد استمعت بانتباه إلى كلمة الناطق العربي الفلسطيني في الوفد الأردني ـ الفلسطيني المشترك. إن العرب الفلسطينيين هم أقرب جيراننا إلينا وحياتهم، في مجالات عدة، متداخلة مع حياتنا. وهذا سبب إضافي للأهمية التي نوليها للتأقلم مع هذا المجتمع.

لقد بذل الناطق العربي الفلسطيني مجهوداً شجاعاً لعرض معاناة شعبه، لكن دعوني أقول إن تشويه التاريخ وتحريف الحقائق لن يمنحاهم التعاطف الذي يسعون جاهدين لتحقيقه. أوليس الفلسطينيون هم الذين ذبحوا قسماً كبيراً من المجتمع اليهودي في الخليل من دون أي استفزاز؟ أوليس الفلسطينيون هم الذين رفضوا كل اقتراح للسلام منذ بداية القرن وردّوا بالعنف؟ أوليس الفلسطينيون هم الذين أنتجوا زعيماً تعاون مع النازيين على إزالة اليهود بالإبادة الجماعية؟ أوليس الفلسطينيون هم الذين دعوا إخوانهم العرب سنة 1948 إلى المجيء لمساعدتهم في تدمير دولة إسرائيل؟ أوليس الفلسطينيون هم الذي هللوا ورقصوا على السطوح عندما كانت صواريخ "سكود" العراقية تسقط على تل أبيب؟ هل نسوا أنه قُتل، في الأعوام القليلة الأخيرة، فلسطينيون على أيدي إخوانهم أكثر مما قتل في اشتباكات مع قوى الأمن الإسرائيلية؟

وحتى يومنا هذا، وفي أوضاع تصفونها بأنها احتلال، ألا يجازف كل يهودي يدخل قرية عربية بحياته، في حين أن عشرات الآلاف من العرب الفلسطينيين يتنقلون بحرية في كل قرية وبلدة في إسرائيل من غير أن يتعرض لهم أحد؟

لقد قدمنا إلى الفلسطينيين عرضاً مقبولاً، عرضاً يتيح لهم الفرصة لتحسين أوضاعهم تحسيناً كبيراً. وأناشدهم قبول عرضنا والانضمام إلينا في مفاوضات.

جئنا إلى هنا لنسعى معاً لطريق يؤدي إلى السلام والتأقلم، بدل خوض معركة من الاتهامات والاتهامات المضادة. فالسلام ليس مجرد كلمات أو توقيع قطعة من الورق؛ السلام هو حال ذهنية، وسلسلة من أعمال مضادة للعداء تخلق جواً من الثقة المتبادلة والتسامح والاحترام.

وبقلب مفتوح، ندعو الزعماء العرب إلى اتخاذ الخطوة الشجاعة والرد على يدنا الممدودة إلى السلام. في الأمس، وجهت دعوة للحضور إلى إسرائيل لإجراء الجولة الأولى من مفاوضات السلام وبدء حوار جدي يؤدي إلى اتفاق. ونأمل بأن تقبلوا دعوتنا، ونحن مستعدون للرد بالمثل.

وأنا على ثقة بأنني أتكلم باسم كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل يشاطرونني الأمل بأن يسجل هذا اللقاء في التاريخ نقطة تحول، بعيداً عن العداء، وفي اتجاه التعايش والسلام.

 

المصدر: من وثائق المؤتمر.