وثائق دولية كلمة الرئيس جورج بوش أمام الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، نيويورك، 1/10/1990
النص الكامل: 

العدوان العراقي

          منذ شهرين، وفي الأسابيع الأخيرة من صيف هو من أغنى أصياف التاريخ بالآمال، لُوَّث جمال صحراء الكويت الهادئة بنتن محركات الديزل وزئير الدبابات الفولاذية. مرة أخرى، ترددت أصداء الصاعقة القصية في السماء النقية من الغيوم، ومرة أخرى صحا العالم ليجد أمامه مدافع آب/ أغسطس.

          غير أن العالم كان متأهباً هذه المرة. فقد كان رد مجلس الأمن الدولي الحاسم على عدوان العراق غير المسوَّغ ردّاً لا سابق له. فمنذ اجتياح الكويت في 2 آب/ أغسطس أقر مجلس الأمن ثمانية قرارات كبرى تحدد أطر حل الأزمة.

          ما زال على النظام العراقي أن يواجه الوقائع. لكن ضم الكويت، كما قلت في الشهر الماضي، أمر لن يُسمح باستمراره. وليس هذا رأي الولايات المتحدة وحدها، بل انه رأي كل كويتي ورأي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وعلى قادة العراق أن يسمعوا النداء: العراق يقف ضد العالم كله.

          وأود انتهاز هذه الفرصة لأوضح سياسة حكومتي. فالولايات المتحدة تؤيد استعمال العقوبات لإجبار العراق على الانسحاب الفوري غير المشروط من الكويت. ونحن نؤيد توفير الأطعمة والأدوية لأسباب إنسانية، ما دام من الممكن التحكم في توزيعها. فخصامنا ليس مع شعب العراق، ولا نحن نتمنى له أن يتألم. فخصام العالم إنما هو مع الديكتاتور الذي أمر بهذا الغزو.

          أسوة بغيرنا من الأمم، أرسلنا قوات مسلحة إلى المنطقة لفرض العقوبات والردع، ولصد أي عدوان جديد إذا ما دعت الضرورة. ونحن لا نبتغي من وراء ذلك امتيازاً لأنفسنا، ولا نحن نبتغي إبقاء قواتنا في العربية السعودية يوماً واحداً زيادة على الحاجة إليها. وقد أُرسلت القوات الأميركية بناء على طلب الحكومة السعودية. فالشعب الأميركي ورئيسه الحاضر يريدان عودة كل جندي أميركي إلى بلده حالما يتم تنفيذ هذه المهمة.

          كما أود التشديد على أننا جميعنا، هنا في الأمم المتحدة، نرجو ألاّ تستخدم القوم العسكرية أبداً. نحن نبتغي حلاً سلمياً ـ حلاً دبلوماسياً. وثمة أمر آخر: أنا أعتقد حقاً انه قد تتاح، بعد انسحاب العراق غير المشروط من الكويت، فرص للعراق والكويت لأن يسويا خلافاتهما تسوية نهائية دائمة، ولدول الخليج لأن تنشئ ترتيبات جديدة من أجل الاستقرار، ولجميع دول المنطقة وشعوبها لأن تسوِّي الصراعات التي تفرق بين العرب وإسرائيل. لكن مهمة العالم الأساسية ـ الآن، أولاً، ودائماً ـ يجب أن تكون البرهنة على أن العدوان أمر لن يُتساهل به ولن يُثاب.

          لقد حوكم العراق في مجلس الأمن ـ محاكمة عادلة من قبل حكام هم أقرانه، أمم الأرض كلها. واليوم يقف النظام العراقي معزولاً ومنقطعاً عن الزمن، منفصلاً عن العالم المتمدن، لا بالمكان بل بقرون من الزمان.

          عدوان العراق غير المسوّغ نكوص إلى حقبة بائدة، بقية مظلمة بقيت من زمن مظلم. فقد نهب الكويت، وروَّع المدنيين الأبرياء، وتطاول حتى إلى احتجاز رهائن من الدبلوماسيين. ولا بد من تحميل العراق وقادته غرم جرائم التعدي والتدمير هذه. على أن هذا الاستهتار المهين بحقوق الإنسان الأساسية لا يقع موقع المفاجأة التامة. فقد أُعدم آلاف العراقيين لأسباب سياسية ودينية، وهلك أكثر منهم في حرب الإبادة بالغازات السامة التي شنها العراق على أهالي القرى الكردية من شعبه. 

التخلص من الأسلحة الكيماوية

          علينا كمجتمع دولي أن نعمل لا من أجل الردع عن استعمال الأسلحة اللاإنسانية، كغاز الخردل وغاز الأعصاب فحسب، بل أيضاً من أجل التخلص منها نهائياً. ولذلك جئت إلى الجمعية العامة منذ عام بمقترحات جديدة لمحو هذه الأسلحة الرهيبة عن وجه الأرض.

          لقد وعدت بأن تدمِّر الولايات المتحدة ما يزيد على 98% من مخزونها في الأعوام الثمانية الأولى من إبرام معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، و 100% ـ كل الأسلحة ـ في غضون عشرة أعوام إذا ما وقَّعت كل الدول من ذات القدرات الكيماوية ـ والأسلحة الكيماوية ـ المعاهدة.

          وقد وفينا بهذه الوعود. ففي حزيران/ يونيو، وقّعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي اتفاقاً ـ يعدُّ مَعْلَماً ـ من أجل التوقف عن الإنتاج وتدمير القسم الأكبر من مخزون الدولتين. واليوم تُدَمَّر الأسلحة الكيماوية الأميركية.

          غير أن الوقت يدهمنا. فليس هذا مجرد همّ ثنائي. إذ تبين أزمة الخليج أهمية العمل معاً ـ والعمل الآن ـ لإبرام حظر دولي مطلق على هذه الأسلحة. وعلينا أيضاً أن نضاعف الجهود من أجل الحد من انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والصواريخ العابرة القادرة على أن تمطر الدمار على الشعوب القصية.

          إن في وسع الأمم المتحدة أن تعمل على حلول عصر جديد؛ عصر تصبح فيه هذه الأسلحة الرهيبة والطغاة الرهيبون الذين قد يستعملونها خبراً من الماضي. إن في أيدينا أن نطرح هذه الآلات المظلمة وراءنا، في العصور المظلمة التي تنتمي إليها، وأن نحث الخطى لنتوِّج حركة تاريخية نحو نظام عالمي جديد وحقبة مديدة من السلام.

المصدر:

 Department of State Dispatch (Washington), 1, 6 (October 8, 1990), pp. 151-152.