هيرش. "خيار شمشون: إسرائيل وأميركا والقنبلة" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

لم يكن نشاط الأجهزة الخفية في إسرائيل موضوعاً جذاباً كما هو الآن. فقد ظهر، في الآونة الأخيرة، أكثر من عشرة عناوين لكتب تناولت جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" والقوة النووية لإسرائيل، والعلاقة الخفية بينها من جهة، وبين كل من الولايات المتحدة والنظام العنصري في جنوب أفريقيا والأنظمة الدكتاتورية وعصابات الاتجار بالمخدرات في أميركا اللاتينية، من جهة أخرى.

كتاب سيمور هيرش الذي صدر الخريف الماضي يأتي في نهاية القائمة لكتب أخرى سبقته، بينها كتابا رونالد باين ور. ديكن، إضافة إلى كتاب عميل "الموساد" السابق فكتور أوستروفسكي الذي ظهر في كندا سنة 1990. ومع نهاية الصيف الماضي، نشر أندرو وليسلي كوكبورن كتابهما المعنون Dangerous Liason ("علاقات خطرة")، الذي بيّنا فيه كيف أن خمس إدارات أميركية ساعدت إسرائيل في إخفاء خططها النووية.

إن كتب الجاسوسية والاستخبارات برزت، ولا شك، باعتبارها الكتب الأكثر رواجاً في العالم الغربي خلال السنوات الأخيرة. وعلى ما يبدو، فقد شجع انتهاء الحرب الباردة بعض "العملاء القدامى" من المتقاعدين من المهنة، أمثال البريطاني بيتر رايت وغيره، على السعي لتحقيق بعض الأرباح. وساعدت المتابعات القضائية، والضجة الإعلامية التي ترافق – في العادة -  إصدار مثل هذه الكتب، في رواجها.

ربما يفسر هذا جانباً من الدوافع، لا كلها، وراء النشر الأخير المتعلق بالجوانب الخفية لعلاقات إسرائيل وقدراتها النووية؛ فقد فعل مردخاي فعنونو ذلك – على سبيل المثال – بدوافع ضميرية عندما نشرت صحيفة Sunday Times البريطانية في تشرين الأول/أكتوبر  1986، استناداً إلى شهادته، تقريراً مفصلاً هو الأول من نوعه عما يجري داخل مفاعل ديمونا النووي. وفي حينه، لم تعر وسائل الإعلام الغربية التقرير أي اهتمام، وكان على فعنونو أن يدفع ثمن جرأته فتم استدراجه ومحاكمته في إسرائيل حيث يمضي حالياً عقوبة بالسجن الانفرادي لمدة 20 عاماً. واليوم، فإن شهادة فعنونو جرى تعزيزها بكتب وأبحاث يتم نشرها وتداولها على نطاق واسع.

يرد البعض ذلك إلى أسباب أكثر تعقيداً، ذات علاقة بالعملية السياسية التي تقودها الإدارة الأميركية حالياً، بهدف التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي - الإسرائيلي، واستعداد العالم الغربي الأكبر الآن لسماع مسائل ظلت إلى وقت قريب تابو أو موضوعاً محرماً على التداول، كقوة إسرائيل النووية، أو ظلت محجوبة عن الرؤية، كعقلانية السياسة الفلسطينية ومرونتها. إن لدى كل من الأميركيين والإسرائيليين طبعاً الكثير مما يمكن كشفه في حق الطرف الآخر. ويرى أصحاب هذا الرأي أن بعض المعلومات الواردة في هذه الكتب، لم يكن من السهل أن يرى النور لولا ضوء أخضر من قبل الأميركيين. وانسجاماً مع هذا المنطق، تعرض وجهة النظر القائلة إن اعتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق شمير – الذي سيق على غير رغبة منه إلى مؤتمر السلام في مدريد – ان في استطاعته التهديد بإضعاف مركز الإدارة الأميركية الحالية، وذلك بكشف بعض الأوراق المتعلقة بفضيحة بيع الأسلحة لإيران ودعم الكونترا أو غيرها، يقابله أن لدى إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش – الذي سبق أن شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات المركزية – الكثير من الملفات التي تود الحكومة الإسرائيلية بقاءها مغلقة.

ومهما يكن التفسير هنا، فإن هيرش باحث وصحافي ذو إمكانات مهنية رفيعة، ويحظى باحترام كبير في الأوساط الإعلامية الأميركية، نال شهرة واسعة في مطلع السبعينات بسبب تحقيقاته التي ازالت الغطاء عن المذبحة التي اقترفتها القوات الأميركية في قرية مايلاي الفيتنامية، وظهر له كتابان: الأول عن مرحلة هنري كيسنجر في البيت الأبيض وهو بعنوان The Price of Power ("ثمن القوة")؛ والثاني عن إسقاط طائرة التجسس الأميركية المعروفة برحلة Flight 007، والتي أُسقطت فوق الاتحاد السوفياتي.

يقدم هيرش في "خيار شمشمون" نسيجاً، يبدو متماسكاً، من المعلومات المدعومة بالوثائق والشهادات في شأن إنتاج إسرائيل للسلاح النووي، منذ مطلع الخمسينات حتى اليوم. ويلقي – في هذا السياق – الضوء على علاقات إسرائيل الخفية، وخصوصاً علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية.

إن الواقعة التي كانت محل الإثارة الأكبر لدى الإعلام الغربي، في تعليقها على الكتاب، لم تكن مع ذلك هي الوقائع المتعلقة بإسرائيل كقوة نووية، التي يعرضها هيرش من خلال 360 صفحة، بل إنها تلك الخاصة بالثري البريطاني الناشر روبرت ماكسويل، صاحب صحيفة Daily Mirror، ومساعدته لإسرائيل في محاولة خنق شهادة فعنونو وتسهيل خطفه على يد عملاء "الموساد". وعندما نفى نيكولاس ديفيس، أحد محرري صحيفة Daily Mirror، والذي ارتبط اسمه بـ"الموساد" في الكتاب، صحة الواقعة التي أوردها هيرش، لم يستغرق الأمر أكثر من 24 ساعة قبل أن تنشر صحيفة بريطانية أخرى، هي Daily Mail، صورة تثبت فيها الرواية، مما اضطر ماكسويل المحرج إلى "قبول استقالة" المحرر المذكور! إن نهاية ماكسويل المفاجئة والغامضة في جزر الكناري، حرمتنا فصول إثارة أخرى لكشف المزيد من ملابسات الوقائع التي تضمنها الكتاب. والملاحظ أن الصحف المتعاطفة مع إسرائيل، كصحيفة Jewish Chronicle، نشرت مراجعات سعت للتقليل من صدقية بعض المصادر التي اعتمد هيرش عليها، من دون أن تنجح في مناقشة الوقائع الأهم التي يوردها.

يذكر هيرش أن المنطق الذي ساد لدى حكام إسرائيل وراء الخيار النووي، هو محاولة ابتزاز الولايات المتحدة الأميركية، ودفعها إلى ضمان دعم متصل لإسرائيل. وأن الحكومة الأميركية أخذت – على سبيل المثال – على محمل الجد تلويح إسرائيل باستخدام الأسلحة النووية ضد العرب في إبان حرب 1973، الأمر الذي يفسر النجدة الفورية والمؤثرة التي تلقتها إسرائيل في تلك الأثناء. ويشرح هيرش كيف استغلت إسرائيل أجواء الحرب الباردة، إلى أقصى حد، للانتفاع بمزايا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها أيضاً؛ وكيف أنه، في ظل تلك الأجواء، جرى تمويل عمليات "الموساد" في الاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشرقية بأموال أميركية؛ وكيف أن عملاء الاستخبارات الإسرائيلية كانوا يسرحون في دوائر البنتاغون لجمع المعلومات، من دون اعتراض فعال في الغالب؛ وكيف وُضعت معلومات أقمار التجسس الأميركية عن الاتحاد السوفياتي والدول العربية في متناول إسرائيل. إن هيرش يطرق بعض المحرمات عندما يتحدث عن الولاء المزدوج لبعض موظفي الإدارة الأميركية من أصل يهودي، كما يتناول مسألة استغلال إسرائيل وأنصارها العامل المحلي في الساحة الأميركية، للتأثير في الإدارات الأميركية المتعاقبة. لقد آثرت تلك الإدارات الصمت، وانتهجت سياسة إغماض العين إزاء استعدادات إسرائيل النووية لثلاثة عقود على الأقل، مع علمها بخطط إسرائيل.

إن كتاب هيرش يطرح أسئلة مشروعة: إلى متى يمكن للعالم أن يتظاهر بأن إسرائيل ليست قوة نووية، لأن عكس ذلك يثير مسائل صعبة؟ هل يمكن تطبيق أية معاهدة دولية للحد من انتشار الأسلحة النووية، إذا لم تؤخذ قنابل إسرائيل في الحسبان؟ هل يمكن للدول العربية أن تتجاهل حقيقة امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، لأنه ببساطة لم يتم الإعلان في شأن ذلك رسمياً؟ هل يمكن معاملة إسرائيل بمعيار خلقي مختلف عن باكستان، أو العراق، أو كوريا الشمالية،  أو جنوب أفريقيا، بسبب العطف الواسع الذي تلقاه داخل الولايات المتحدة الأميركية؟

لقد بدأ شمعون بيرس ورفاقه في حزب العمل، المنادون الآن بتسوية إقليمية مع العرب، بناء "الدمية المخيفة" من الترسانة النووية التي آلت اليوم إلى متطرفي الليكود في الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ فهل يتورع هؤلاء عن استخدامها؟ قليلون جداً يعرفون أن المنطقة كانت على شفا كارثة نووية في أربع مناسبات على الأقل يكشفها هيرش: خلال حرب الاستنزاف مع مصر سنة 1969؛ خلال حرب 1973؛ خلال غزو إسرائيل للبنان سنة 1982 عندما هدد شارون باستخدام ألغام نووية لمنع السوريين من التدخل؛ خلال حرب الخليج في السنة الماضية. وقليلون أيضاً يدركون العلاقة بين "دمية إسرائيل المخيفة" والتعنت الذي تبديه حكومة شمير إزاء جهود السلام الجارية حالياً برعاية الولايات المتحدة الأميركية.