نشاط حماس العسكري في المرآة الإسرائيلية
كلمات مفتاحية: 
حركة حماس
العمليات العسكرية
قطاع غزة
مقاومة الاحتلال
الرأي العام الإسرائيلي
نبذة مختصرة: 

يحاول المقال أن يعكس وجهات نظر الإسرائيليين، من قادة وأكاديميين وصحافيين، في نشاط حركة "حماس" العسكري: تطور هذا النشاط في الأعوام القليلة الماضية؛ أبرز العمليات العسكرية للحركة خلال الفترة المذكورة؛ الخصائص النوعية التي تميز هذه العمليات؛ مجموعة الإجراءات التي يجري التداول في شأنها من أجل مواجهة ما يسمونه "الإرهاب" الإسلامي.

النص الكامل: 

في أواخر سنة 1992، كانت الانتفاضة/ الثورة الفلسطينية، ومعها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تدخل عامها السادس، في حين كانت "مفاوضات السلام" العربية – الإسرائيلية تتواصل منذ أكثر من عام، من دون أن تحقق نتائج ملموسة. وشهدت تلك الآونة تصعيداً ملحوظاً في نشاط "حماس" عامة، وفي نشاطها العسكري خاصة، الذي بلغ إحدى ذراه مع خطف الرقيب أول نسيم طوليدانو وقتله. وفي موازاة هذا التصعيد، تزايد اهتمام الإسرائيليين بالحركة، إنْ لجهة نشأتها وتطورها، أو لجهة أيديولوجيتها وبنيتها التنظيمية ومواقفها السياسية، أو لجهة عملها المسلح المتصاعد والمتميز، والذي أخذ يغطي مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يحاول هذا التقرير أن يعكس وجهات نظر الإسرائيليين، من قادة وأكاديميين وصحافيين، في نشاط حركة "حماس" العسكري: تطور هذا النشاط في الأعوام القليلة الماضية؛ أبرز العمليات العسكرية للحركة خلال الفترة المذكورة؛ الخصائص النوعية التي تميز هذه العمليات من العمل المسلح السابق. ويتناول التقرير، أيضاً، مجموعة الإجراءات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي يجري التداول في شأنها من أجل مواجهة ما يسمونه "الإرهاب" الإسلامي، و"حماس" تحديداً.

من الدعوة إلى الجهاد

يميل المراقبون الإسرائيليون، عادة، إلى الاعتقاد أن حركة حماس ترددت، في بداية طريقها – مع نشوب الانتفاضة – في استخدام أسلحة نارية ووسائل "تخريب" متطورة ضد قوات الاحتلال، كما كان يفعل أعضاء "الجهاد الإسلامي"، وأن نشاطها تميز آنذاك يقذف الحجارة وبهجمات غلب عليها استعمال الزجاجات الحارقة والمتفجرات المصنوعة محلياً. ويشار في هذا الصدد إلى أن البيان رقم 4، الصادر عن الحركة، لم يدعُ إلى "الكفاح المسلح ضد إسرائيل"، وإنما دعا الفلسطينيين إلى: التسلح بالحجارة والعصي والمقاليع والسلاسل والسكاكين، والصعود إلى سطوح المنازل وإطلاق هتاف: الله أكبر. ويُردّ تفسير ذلك إلى أن الحركة كانت لا تزال تخضع آنذاك لنهج "المجمع الإسلامي"، الحركة الأم لحماس، الذي كان يطالب بإصلاح نفس المسلم أولاً، وحينها فقط يتم الخلاص من الاحتلال اليهودي الكافر – وذلك خلافاً لنهج حركة "الجهاد" المنافسة، التي كانت تدعو إلى الخلاص من الاحتلال أولاً، وبالسبل العسكرية كافة، وترى أن صلاح الأنفس لا يمكن أن يتأتى إلا نتيجة تحقيق هذه الدعوة. ومع أن الحركتين كانتا تريان في إسرائيل عدواً دينياً، فإن "المجمع" كان يميل إلى الاستفادة من حرية النشاط النسبية التي منحته إياها السلطات الإسرائيلية، وإلى تأجيل الجهاد إلى المرحلة المقبلة.[1]

لكن يشير أحد أبرز المراقبين المتتبعين للتطورات الجارية في الأراضي المحتلة،[2]  في معرض حديثه عن الشيخ أحمد ياسين، إلى أنه كان هناك منذ سنة 1985 تنظيم سري يحمل اسم "مجد المجاهدين الفلسطينيين"، اعتُقل الشيخ بتهمة تأسيسه، وإلى أن هذا التنظيم جمع أسلحة ومتفجرات من أجل النضال ضد إسرائيل وإقامة دولة إسلامية في فلسطين. ويضيف المراقب نفسه أن الشيخ ياسين نفى التهمة الموجهة إليه واعتبرها "سخيفة"، على أساس أن 150 مليون عربي مسلم لم يفلحوا في ضرب إسرائيل، فكيف يمكن لتنظيم صغير أن يأخذ هذه المهمة على عاتقه؟

مهما يكن الأمر، فإن الانطلاقة الحقيقية لنشاط "حماس" العسكري تعود، بحسب المصادر الإسرائيلية، إلى سنة 1989 التي شهدت هجمات كان أبرزها خطف جنديين إسرائيليين وقتلهما: آفي سبورتس في شباط/فبراير، وإيلان سعدون في أيار/ مايو. لكن المصادر نفسها تبدو متحفظة بعض الشيء حيال نَسْب مثل هذه الهجمات إلى "حماس"، إذ إنها تنسبها إلى "مبادرة محلية حظيت بتأييد القيادة العليا" للحركة، أو إلى "مجموعة نشطت بموافقة "حماس"، يسكن أعضاؤها مخيم جباليا في قطاع غزة، ويعيشون في بيوت بسيطة وفقيرة، ويفتقرون إلى الثقافة، وحصلوا على السيارة التي نقلوا الجنديين المخطوفين فيها من أخ لرئيس المجموعة يحترف سرقة السيارات، في حين كان شقيق أحد أعضائها تاجر مخدرات معروفاً![3]

في أية حال، تعززت منذ ذلك الحين مجموعات "حماس" العسكرية، في إثر العمليتين المذكورتين، وفي موازاة ضعف حركة "الجهاد الإسلامي" التي تم اعتقال أو إبعاد قادتها والكثيرين من مؤيديها. "وهكذا انسجم نشاط حماس العسكري فعلاً مع ميثاقها الداعي إلى الجهاد." ومما مهّد لذلك، بحسب المصادر الإسرائيلية، إقامة مكاتب للحركة في الأردن، والمساعدات العسكرية والسياسية التي قدمتها إيران لها من وراء الستار.[4]   وغدت "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، ذراع "حماس" العسكرية، هدفاً رئيسياً لهجوم أجهزة الأمن الإسرائيلية خلال العامين المنصرمين. وعلى الرغم من "العمليات الشاملة" التي شنتها هذه الأجهزة على نشيطي هذه المجموعات، والتي أدت إلى تصفية عدد منهم، واعتقال عدد آخر، واضطرار بعضهم إلى الفرار من البلد، ظلت تنشأ بين الحين والآخر مجموعات جديدة تعلن مسؤوليتها عن "الهجمات القاسية التي جرت في الأشهر الأخيرة"، بما في ذلك قتل الرقيب أول طوليدانو عقب اختطافه. ويشار، في هذا الصدد، إلى أن الحصول على الأسلحة هو "الجزء الأسهل" من نشاط هذه المجموعات العسكرية.[5] 

العمل المسلح: الكم والنوع

تناولت المصادر الإسرائيلية نشاط "حماس" المسلح بالتقويم، سواء فيما عنى حجم هذا النشاط وتصاعده مؤخراً، أو فيما عنى الخصائص التي تميزه من "الإرهاب" أو "التخريب" السائدين منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967.

في جردة نشرتها إحدى الصحف العبرية لأبرز الهجمات التي قامت بها حركة "حماس" منذ سنة 1989، جاء ما يلي:[6]  في شباط/ فبراير 1989، خطف الجندي سبورتس وقتله؛ في أيار/مايو 1989، خطف الجندي سعدون وقتله؛ في كانون الأول/ ديسمبر 1990، قتل ثلاثة من عمال مصانع الألومنيوم في يافا؛ في آذار/مارس 1991، تسلُّل مجموعة من ستة "مخربين"، عُثر معها على صورة للشيخ ياسين، إلى إيلات بهدف تنفيذ هجوم كبير. ومن الهجمات الأخرى التي تضمنتها الجردة: في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1992، إطلاق رصاص على سيارة عسكرية في الخليل، أسفر عن إصابة جندي بجروح متوسطة – بالغة وإصابة ضابطة بجروح خفيفة؛ في 25 من الشهر نفسه، إطلاق رصاص على موقع عسكري إسرائيلي قرب الحرم الإبراهيمي في الخليل، وهو ما أدى إلى مقتل جندي وجرح آخر؛ في ليل 20 – 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، إحباط محاولة لتفجير سيارة مفخخة في أور يهودا؛ في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1992، إطلاق نار على سيارة دورية للجيش الإسرائيلي، على بعد 300 متر من مفرق الشجاعية – ناحل عوز، الأمر الذي تسبب بمقتل ثلاثة جنود؛ في 12 من الشهر نفسه، إطلاق نار من سيارة على دورية إسرائيلية عند مدخل الخليل الجنوبي، اسفر عن مقتل جندي وجرح اثنين. وباستثناء المحاولة التي تم إحباطها، أعلنت حماس أو ذراعها العسكرية، كتائب عز الدين القسام، مسؤوليتها عن هذه العمليات.

وقد حدثت زيادة ملموسة في هجمات "حماس" المسلحة في الآونة الأخيرة، وخصوصاً خلال كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الذي يصادف ذكرى انطلاقة الانتفاضة وتأسيس الحركة. وتتوج هذا التصعيد بخطف الرقيب أول طوليدانو من اللد في 13 من الشهر نفسه، ثم قتله – الأمر الذي تذرعت الحكومة الإسرائيلية به لاتخاذ قرار بإبعاد أكثر من 400 فلسطيني "أصولي"، ينتمي معظمهم إلى حركتي "حماس" و"الجهاد". وقد ردّ المحللون الإسرائيليون هذا التصعيد إلى أسباب شتى، تتعلق بـ"المسيرة السلمية" والتنسيق بين إيران و"حماس"، وبغيرهما من الأسباب.

يردّ د. مئير ليتفاك، الباحث في معهد دايان في جامعة تل أبيب، سبب تعاظم نشاط "حماس" في الآونة الأخيرة بالذات إلى "محاولة لتفجير المسيرة السلمية والتسبب بانسحاب أحد الأطراف من المفاوضات"، وكذلك إلى إحساس الحركة بأنها بلغت مستوى كافياً من القوة والثقة بالنفس لبدء النضال.[7]  ويتقاطع الصحافي داني روبنشتاين في الرأي مع الباحث ليتفاك في قوله إن الحركات الإسلامية الفلسطينية اجتذبت مؤخراً جمهوراً كبيراً من المؤيدين، يبادر الشبان منهم إلى "أعمال تخريبية"، أو هم مستعدون للمشاركة فيها، من أجل عرقلة "المسار السياسي". ويضيف أن مطالبة الفلسطينيين بالانسحاب من المفاوضات ازدادت عقب الجمود الذي شهدته جولات المحادثات الأخيرة في واشنطن، وأن نشيطي "حماس" في المناطق المحتلة، الذين يقودون "جبهة الرفض"، يشعرون الآن بأن الجمهور يمنحهم التأييد.[8]  ويذهب بعض المحللين الإسرائيليين إلى أن التنسيقين العسكري والسياسي المتزايدين بين إيران وحركة حماس، والأموال التي تدفقت على الحركة مؤخراً، ساهمت في تصعيد نشاطها العسكري.[9]

إلى جانب الزيادة الكمية في الهجمات، توقف بعض المحللين أمام خصائص التطور النوعي التي تميز بها نشاط "الأصوليين" العسكري عامة، و"حماس" خاصة. فلفت أحدهم إلى أن الحركة تركز نشاطها مؤخراً ضد العسكريين الإسرائيليين، شرطة وجنوداً، وأن سلسلة الهجمات الخطِرة التي نفذتها تتميز بـ"استعداد المخربين للقيام بمجازفات أكبر." وأشار إلى أن خطف طوليدانو يدل على زيادة جديدة في جرأة الهجمات، إذ إن "المخربين" عملوا داخل منطقة "الخط الأخضر"، بعيداً عن أي مكان اختباء ممكن.[10]  أما تيدي فرويس، فيرى أن صورة العمل العسكري اليوم تختلف عما كانت عليه في الماضي: لقد غدا منفذو حرب العصابات أكثر جرأة ودقة. ذلك بأن الهجمات كانت ضد دوريات للجيش الإسرائيلي، أي ضد أهداف تستطيع الرد على النيران، "لا نساء في محطات حافلات." ويضرب مثالاً في الجرأة عضو حماس*  في قرية عنزة، الواقعة قرب جنين، الذي أمطر الوحدة العسكرية الإسرائيلية المختارة التي طوقته بوابل من النيران، لساعات طويلة، وأوقع قتيلين في صفوفها، قبل أن يستشهد. ويرى الكاتب "أن الإرهابيين/ مقاتلي حرب العصابات في عهد الانتفاضة قُدّوا من مادة مختلفة عن المادة التي قُدت منها فاطمة البرناوي وزميلاتها." ويتساءل: من كان يعتقد سنة 1967، أنه سيأتي يوم يظهر فيه مثل هذا التصميم والإقدام لدى "العربوشيم"**، "الصراصير المسمَّمة"***، "الحيوانات التي تمشي على قدمين"****[11]

وفي تقويم عام نموذجي لعمل "حماس" العسكري، خلص أحد المحللين إلى النتيجة التالية:

... بفضل النشاط العسكري المسلح، غدت حماس الحركة التي تقود قطاع غزة، وحصلت على مكانة وطيدة في المناطق [المحتلة] كلها. لقد أشاع نشاطها أملاً متجدداً في الشارع الفلسطيني: أملاً بين مؤيديها المتدينين بإمكان عودة الماضي الإسلامي المجيد وازدهاره على أنقاض الاحتلال الإسرائيلي؛ وأملاً بين مؤيديها العلمانيين، خائبي الرجاء من م. ت. ف.، بالخلاص من الاحتلال بأسرع مما يُرجى من المحادثات الجارية في واشنطن. إن هذين الأملين أملا يأس خطِران، ويكادان يكونان جنونيين، وكثيرون في المناطق يعون ذلك. إلا إنه على خلفية الضائقة الاقتصادية القاسية وفقدان الانتفاضة، فإن الأمل الجنوني هو أمل أيضاً.[12]

الرد الإسرائيلي: حرب إبادة، ووسائل سياسية، واستثمارات

  حتى بعد عملية الإبعاد الجماعية لمئات القادة والكوادر الإسلاميين، وخصوصاً من "حماس"، لا يزال هناك تقدير شائع لدى الإسرائيليين عبّر عنه الاستخلاص التالي: "لم نقضِ على الذين يضغطون على الزناد. وهؤلاء سيتعلمون، كما [مجموعات] الفهود والصقور بمختلف ألوانها، كيف ينشطون من دون دعم روحاني عن قرب."[13]  ولا يزال النقاش يدور في الأوساط الرسمية، وعلى صفحات الصحف، بشأن الوسائل الناجعة الكفيلة بمواجهة "حماس" و"الإرهاب الأصولي".

في أواسط كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كشف مراسل "هآرتس" العسكري النقاب عن خطة أعدتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مؤخراً للقضاء على "حماس" في الأراضي المحتلة، تضمنت المقترحات التالية:

  • إغلاق جميع المعاهد والجامعات والمدارس ورياض الأطفال التي تديرها حماس.
  • وقف سيطرة حماس على الجمعيات الخيرية، المستعملة قناة لإدخال الأموال إلى المناطق المحتلة، وذلك باللجوء إلى أنظمة الطوارئ وأوامر قادة المناطق.
  • حلّ الغرف التجارية التي تحظى حماس بقوة كبيرة فيها، وإجراء انتخابات جديدة فيها.
  • إغلاق معية الشبان المسلمين في القدس، المؤيدة لحماس.
  • تقييد نشاط المؤسسات الإسلامية، الاجتماعية والثقافية.
  • تقييد نشاط جمعية علماء الدين في فلسطين، برئاسة الشيخ تيسير التميمي من الخليل، التي أقامتها حماس.
  • تقييد نشاط الجمعيات الإنسانية، التي تشكل غطاء لمنظمات إسلامية.

وعقدت الحكومة الإسرائيلية، في 27 كانون الأول/ ديسمبر، جلسة أيد الوزراء  فيها "زيادة الميزانية التي تستثمرها إسرائيل في يهودا والسامرة وغزة، من أجل تحسين الاقتصاد وتوسيع مصادر العمالة...". وقد حضر الجلسة منسق أنشطة الحكومة في المناطق اللواء داني روتشيلد، ورئيسا الإدارة المدنية في كل من الضفة والقطاع العميد غابي زوهر والعميد دوف غازيت، وعرضوا على الحكومة بالتفصيل الوضع الاقتصادي في المناطق المحتلة، وجهود الإدارة المدنية في تشجيع الاستثمارات فيها. ومن اللافت في الجلسة الربط بين مواجهة الإسلاميين والاستثمارات التنموية في الأراضي المحتلة، التي دعا روتشيلد الحكومة إلى زيادتها بمئات الملايين من الشيكلات، باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة لوقف "الانجرار الفلسطيني وراء الأصولية الإسلامية، وتعزيز معسكر مؤيدي التسوية مع إسرائيل."[14]  أما رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، فقال أنه "يجب تأييد كل استثمار في المناطق، حتى الاستثمار الذي ينافس الصناعة الإسرائيلية" – وهو القول الذي اعتُبر بمثابة "ثورة" في فهمه لوضع الأراضي المحتلة.[15]

في الجدال الدائر بشأن مواجهة "حماس"، والإسلاميين الفلسطينيين عامة، أدلى الأكاديميون أيضاً بدلوهم. مثال ذلك، أستاذ تاريخ الشعوب الإسلامية نحميا ليفتسيون، الذي رأى أنه يجب، في المقام الأول، "القتال بكل الوسائل ضد الإرهاب الإسلامي. لكن من المهم جداً، في الوقت نفسه، إيجاد سبل من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات، يعيد إلى الفلسطينيين الأمل والثقة بالحل السياسي."[16]  أما المستشرق عمانوئيل سيفان، فقد نظر إلى المسألة على أساس معادلة، وَضَع أيديولوجيا حماس وقيادتها وتنظيمها في طرف منها، ووضع في طرفها الآخر ثلاثة متغيرات: مدى الانطباع الذي يعكسه النظام فيما يتعلق بقدرته الرادعة؛ تطلعات السكان؛ الوضع الاقتصادي – الاجتماعي. وبعد أن أظهر عدم قدرة الإسرائيليين على التأثير في الطرف الأول، اقترح التعامل مع الطرف الثاني بناء على دروس الدول العربية المجاورة، وخصوصاً تونس، "الجارة الوحيدة التي نجحت في القضاء على التعصب"، نتيجة تحولها إلى "قصة نجاح اقتصادية" في المقام الأول. وشدد، فيما عنى الحالة الإسرائيلية، على ضرورة "إيجاد الوصفة الدقيقة، وفوراً، التي تشتمل على وسائل عقاب، وعلى تقدم وتطور في المجال السياسي، وعلى تنمية اقتصادية كبيرة."[17]

وتناولت التعليقات الصحافية عناصر مختلفة من "وصفات" مماثلة، برز فيها العنصر السياسي بوضوح. لكن أحد هذه التعليقات انفرد بإدخاله عنصراً جديداً يتمثل في دعوة إسرائيل إلى الاندماج في إطار التعاون القائم بين دول عربية في مواجهة إيران، وتوسيع هذا الإطار ليشمل الولايات المتحدة وأوروبا، نظراً إلى أن ما يسميه "الإرهاب الإيراني – الشيعي"[18]   يشكل تهديداً استراتيجياً لمصالح مختلف هذه الأطراف. ويشير التعليق إلى ما تراه مصادر غربية من أنه "من دون إحراز تقدم ملموس في المفاوضات الإسرائيلية – السورية، فإن لا مجال لدمج إسرائيل في الجهود الإقليمية الرامية إلى كبح الإرهاب الإيراني في لبنان والمناطق والأردن."[19]

كانون الثاني/ يناير 1993

 

المصادر:

[1]  أنظر، مثلاً، غي بخور، "عندما يختفي 'ساحل فلسطين'"، "هآرتس"، 15/12/1992.

[2]  داني روبنشتاين، "الشيخ على حافة الموت"، "هآرتس"، 11/12/1992.

[3]  أنظر، على التوالي: بخور، مصدر سبق ذكره؛ ميخال سيلع، "فلسطين الكاملة"، "دافار"، 18/12/1992.

[4]  بخور، مصدر سبق ذكره.

[5]  سيلع، مصدر سبق ذكره.

[6]  أون ليفي، "الذراع العسكرية لـ'الإخوان المسلمين'"، "دافار"، 14/12/1992.

[7]  في مقابلة أجرتها ليئه عينبال، "حوتام" (ملحق "عال همشمار")، 18/12/1992، ص 2 – 3.

[8]  داني روبنشتاين، "الزيادة في محاولات الهجوم تنبع من اشتداد عود الحركات الإسلامية"، "هآرتس"، 24/11/1992.

[9]  غي بخور، "المساعدات التي تعزز الإيمان"، "هآرتس"، 16/12/1992.

[10]  أون ليفي، "لنتنفس عميقاً ولننتظر"، "دافار"، 14/12/1992.

*  الصحيح: عضو "الجهاد الإسلامي".

**  لفظة شائعة الاستخدام في أوساط واسعة في إسرائيل لوصف العرب.

***  إشارة إلى تصريح لرئيس الأركان سابقاً وزعيم حزب تسومت حالياً، رفائيل إيتان، وصف فيه الفلسطينيين بأنهم يشبهون "صراصير مسمَّمة في قارورة".

**** إشارة إلى تصريح لرئيس الحكومة السابق، مناحم بيغن.

[11] تيدي فرويس، "من إرهاب إلى إرهاب، زائداً حرب عصابات"، "دافار"، 1/1/1993.

[12]  بخور، "عندما يختفي 'ساحل فلسطين'"، مصدر سبق ذكره.

[13]  سيلع، مصدر سبق ذكره.

[14]  أنظر: حمي شاليف، "دافار"، 28/12/1992.

[15]  أنظر: عكيفا إلدار، "قهوة من إنتاج الخليل"، "هآرتس"، 1/1/1993.

[16]  في مقابلة أجرتها أورا زدنيتسكي، "دافار"، 20/12/1992.

[17]  للتفصيلات، أنظر: إلدار، مصدر سبق ذكره.

[18]  أنظر، مثلاً: "هآرتس" (الافتتاحية)، 15/12/1992؛ دان مرغليت، "حرب شاملة" "هآرتس"، 17/12/1992.

[19]  شموئيل سيغف، "الشرق الأوسط في مركب واحد"، "دافار"، 23/12/1992.