الوطن بين الحلم والواقع: فلسطينيون يصفون عودتهم إلى فلسطين وعودتهم منها
كلمات مفتاحية: 
الفلسطينيون
حق العودة
زكريا محمد
إبراهيم العبسي
توفيق أبو بكر
أسعد عبد الرحمن
خليل السواحري
المثقفون الفلسطينيون
مقابلات
نبذة مختصرة: 

يروي المقال تجربة عدد من الكتاب الفلسطينيين أتيحت لهم فرصة العودة "الناقصة" إلى فلسطين أو زيارتها، وهم: الشاعر زكريا محمد، القاص إبراهيم العبسي، الصحافي توفيق أبو بكر، الدكتور أسعد عبد الرحمن، القاص والباحث خليل السواحري.

النص الكامل: 

تبدو المسافة طويلة، طويلة جداً، بين "حق العودة"، كما أقرته المواثيق والقرارات الدولية، وبين "حلم العودة" الذي ينمو ويترعرع، مثل أشجار الصبّار في صحارى المنافي وتحت شموس الاغتراب. حق العودة الذي بدا مع اتفاق أوسلو مفتاحاً في أيدي نازحي نكسة 1967، يفتح لهم طريقاً إلى بيوتهم وقراهم وحقولهم، إلى "الوطن" لم يكن كذلك بالنسبة إلى لاجئي نكبة 1948. فقد كان لا يزال "حلماً" إلى أن جاء الاتفاق الذي من شأنه تجميد ما كان حلماً، حيث بدأ كثيرون من أبناء النكبة، ممن شُرِّدوا سنة 1948 عن قراهم ومدنهم، يعتقدون أن الطرق كلها أغلقت أمامهم، حتى إن بعضهم أبدى استعداده للتخلي عن مدينته (يافا)، إذا كانت عملية السلام ستعيد الضفة والقطاع، في حين ربط بعضهم الآخر تخليه عن "حق العودة" بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

لكن، هل يمكن أن يكون "حق العودة" موضوعاً لخلاف بين الفلسطينيين أنفسهم؟ بالنسبة إلى أغلبية أبناء الشعب الفلسطيني، في الشتات، يظل حلم العودة واحداً من الأحلام الكبيرة، بل الحلم الأكبر الذي يدغدغ المشاعر والوجدان ويحرك العقل ويثير القلق، حتى في ظل أشد الظروف إحباطاً وتيئيساً. فالمسألة ليست قابلة للربط بظرف سياسي، آنيّ وعابر مهما يطل الزمن به، إنما هي مسألة تعادل الحياة. أن تعود إلى الوطن هو أن تنهي حال الضياع والشتات، التي تعادل الموت.

ويفكر الفلسطيني المشرد، بمرارة عميقة، في أن القرارات الدولية كلها، والنضال الوطني بمراحله المتعددة كلها، لم تستطع تحقيق شيء من حلمه بالعودة، هو الذي لم يمض على تشريده سوى ما يقل عن خمسة عقود من الزمن، في الوقت الذي يتيح "قانون العودة" الصهيوني لكل يهودي أن يهاجر، من أي مكان في الدنيا، إلى فلسطين.

وحتى الذين أتاحت لهم الاتفاقات المعقودة بين قيادة م.ت.ف. والكيان الصهيوني حق العودة (وهؤلاء لا يشكلون سوى أقلية حتى داخل معسكر التسوية نفسه) فقاموا بـ "العودة" ضمن الشروط والظروف المعروفة، أو بالزيارة التي وفرت لهم فرصة الاطلاع على شؤون الوطن، حتى هؤلاء، لم يستطيعوا اعتبار عودتهم هذه تحقيقاً لحلم العودة الذي حملوه طوال أعوام تزيد على ربع القرن قليلاً، أو تقل قليلاً. "عدنا إلى الوطن، ولم يعد إلينا الوطن"، "خرجنا من المنفى، ولم نجد الوطن"، "هذا ليس وطني الذي حلمت به" ـ عبارات تسمعها ممن ذهبوا إلى فلسطين وعادوا إلى عمّان. بعضهم تشرد مع من شردته النكسة، وبعضهم الآخر تم إبعاده ضمن عمليات الإبعاد المعروفة. قليلون ممن أتيحت لهم فرصة إنهاء حال المنفى، عادوا واستقروا في مدنهم وقراهم. وهؤلاء إمّا حزبيون عادوا ليعملوا مع أحزابهم، وإمّا كتّاب ومثقفون وجدوا مجالاً وفرصة عمل ملائم لطموحاتهم، أو استقروا بانتظار الشروع في عمل ما أو التأسيس لعمل وعدتهم به جهة ما أو مؤسسة أو جامعة ما. لكن بعض من استعادوا حقهم في العودة قد عاد فعلاً. فطاف في أرجاء فلسطين أو في جزء منها، ثم رجع إلى عمّان ليواصل استقراره فيها، مستنكفاً عن حقه في البقاء في وطنه، كأنه كان في زيارة لجسّ النبض. فالأغلبية ينتابها قلق حيال أن "تخسر المنفى ولا تكسب الوطن". ففي المنفى حقق البعض ذاته وكرّس امتيازات يخشى أن يفقدها بلا مقابل، ولا سيما في ظل ظروف الوطن التي لا تتيح شعوراً بالاستقرار، ولا تؤشر إلى أن تحسناً مطَمْئناً سيحدث، وفي ظل ما تعتبره أغلبية من عادوا انهياراً شاملاً، إلخ!

***

شهادة شاعر

قبل أن يبدأ رحلة العودة إلى "غزة - أريحا"، كان الشاعر الفلسطيني زكريا محمد، ابن قرية الزاوية، يعلن أن المشكلة الأكبر بالنسبة إليه هي أنه يذهب "إلى وطن لا نعرفه ولا يعرفنا"؛ فهو غادر الوطن فتىً بين الفتيان، وها هو يعود إليه متجاوزاً الأربعين من عمره، بشعر ابيضَّ أكثره. فهو يخشى - كما تابع القول - "أن نفقد الوطن والمنفى معاً. لقد تأصل فينا المنفى إلى الحدّ الذي صار فيه يشبه وطناً. فهل يمكن لبنية نفسية منفية أن تتواءم مع وطن، أيّاً كان هذا الوطن؟ وما بالك إذا كان (...) ليس هو الوطن الحلم!" وعاد زكريا إلى قريته، ومكث هناك شهراً ينتظر الشروع في العمل، ويطوف في القرى والمدن المجاورة، ثم عاد إلى عمّان حيث التقيناه قبل أن يعود ثانية إلى قريته.

"على الرغم مما في العودة من متاعب وآلام"، يقول زكريا محمد، "فإنها تبقى عودة (ولو ناقصة) إلى فلسطين (أو جزء منها)، إلى القرية التي تركتها منذ سبعة وعشرين عاماً فعدت لأجد أموراً كثيرة قد تغيرت. في جسر العودة، النقطة الفاصلة بين الخروج من المنفى والدخول في الوطن، كانت المشاعر الغامضة الملتبسة قد هيمنت. شوق العودة إلى الوطن، والخوف من الانسلاخ كلياً عن المنفى. الخوف من أن لا يسمح لنا بالعودة إلى عمّان حيث جزء من الأهل والعائلة والأصدقاء. مشاعر الخوف والحزن والانتظار. لحظات مرعبة تسبق الدخول الباهت، الدخول المحكوم بأمزجة المحتلين، لا دخول الفاتحين المحررِّين الذي طالما حلمنا به وكافحنا وتشرّدنا وضحينا من أجله."

"كنت أتصور" - يتابع زكريا وصف رحلته - "أنني، وفور اجتيازي الجسر إلى الضفة الأُخرى، سوف أسجد لأقبِّل أول ما يواليني من تراب فلسطين، ولكنني لم أجد ما يدفعني إلى ذلك، لم يكن الظرف ملائماً تماماً لطقس كهذا، وقدّرت أن المشهد سيبدو مفتعلاً بالتأكيد. كنت وقتها غادرت المنفى ودخلت الوطن، ولكن المحتل. وما هي إلاّ ساعة، أو بضع ساعة، حتى وجدتني، ضائعاً وحائراً، في قريتي، أبحث عن بيتنا في قرية بلغ فيها التغيير حداً اضطرني للسؤال عن معالم ما زلت محتفظاً بها في ذاكرتي، ولم أستطع الاهتداء إلى بيتنا (القديم) بدونها. وبدأ إحساس بالغربة ينشأ في داخلي تجاه القرية، تجاه الناس الذين لا أعرف سوى كبار السن منهم، تجاه التحول المخيف من الحياة الزراعية إلى حياة الخدمات وتصدير العمال إلى ›إسرائيل‹، وتحول مادة الضيافة الأساسية، مثلاً القهوة والشاي، إلى الكوكا كولا. ومع الاحتفاظ بالبنية الاجتماعية العشائرية، فإن انهياراً كبيراً يهدد المجتمع بسبب الانحرافات والجرائم، وتحول الممارسات الانتفاضية إلى فوضى تستغلها ›إسرائيل‹ وبعض الفئات لإبقاء المجتمع مشغولاً بقضايا بعيدة عن تهديد أمن ›إسرائيل‹ التي لا تتدخل إلاّ عندما تشعر بأن أمنها مهدد، وما عدا ذلك فهي لا تتدخل لحل أي مشكلة محلية، تاركة الأمر للعشائر والحمائل التي يحتمي كل منها بفصيل من الفصائل التابعة لـ (م.ت.ف.)، الأمر الذي جعل الناس - الآن - ينتظرون بلهفة قدوم قوات الشرطة الفلسطينية لاعتقادهم أنها وحدها القادرة على تنظيم شؤون حياتهم. وإلى ذلك كله، تعاني القرية، كما يعاني الجو العام من فقر مدقع في الصعيد الثقافي؛ فلا مراكز ثقافية، لا أندية، لا مسارح، لا دار سينما."

ومع ذلك كله، فإن زكريا محمد مصمّم على الاستقرار هناك. فهناك - كما يقول - ليس ثمة من يجرؤ أن ينظر إليك بصفتك غريباً أو طارئاً، أو بأنك لست في وطنك. هناك تنتهي حالة الانفصام: فلسطينيـي - أردني، أو فلسطيني - لبناني، أو أميركي، إلخ. وهناك يكون التوحد مع الذات في مواجهة الاحتلال.

***

وثمة آخرون قاموا بزيارات إلى فلسطين، وعادوا بالملاحظات نفسها، وبملاحظات أُخرى غيرها: منهم من ركّز على الجوانب السياسية، وبعضهم تناول ظروف الداخل الاقتصادية.. أهمية هذه الزيارات وما ترتب عليها ونجم عنها من انطباعات، أنها جاءت بعد غياب عن الوطن لفترات طويلة تغيرت خلالها أساسيات كثيرة.

خيبة الأمل

القاص الفلسطيني إبراهيم العبسي واحد ممن سمح لهم بالعودة إلى "غزة - أريحا أولاً"، كان أبدى - قبل العودة - حماسة واندفاعاً وتحدياً حين أعلن: "أقولها بفم مفتوح على أوسع مدى: إنني عائد إلى أريحا، بكل ما تحمله هذه العودة من وعود وآمال، ومخاطر وتوجس، وربما إخفاقات ومرارة... عائد إلى أريحا لأنني أعرف تماماً أن ما حدث بات أمراً واقعاً لا يملك أحد أن يغيّره أو يعيده إلى الوراء، أمراً يتطلب النظر إلى الأمام والتعامل معه بجدية عالية، ومسؤولية أعلى، بهدف الحد من مخاطره، ومن ثم تطويره والارتقاء به إلى مستوى أحلام وطموحات شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال والدولة. فالعودة، من وجهة نظري، واجب وطني لا يجوز الاستنكاف عنه. وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الوطنية الفلسطينية، يتطلب حشد أقصى طاقات الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والديمقراطية، وعلى رأس هذه القوى المعارضة نفسها، التي يجب أن تأخذ دورها في التصحيح والبناء... ولن يمنعنا أحد من الاحتفاظ بأحلامنا والعمل على تحقيق هذه الأحلام في الحرية والاستقلال والعودة وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك من خلال النضال الديمقراطي المشروع والمدعوم من كافة القوى الديمقراطية في الوطن العربي والعالم..."

وفي إثر عودة العبسي، كان من أهم الأسئلة التي أثارها سؤال عن قدرة السلطة الفلسطينية، في ظل تأخر أموال الدول المانحة، على الشروع في "إعادة الحياة إلى الأرض المحروقة في غزة وأريحا، وبناء المؤسسات الوطنية الفعلية، لا مجرد تعليق يافطات على بنايات تكاد تكون خاوية." ويرى العبسي أن أسئلة كثيرة من المواطنين في الداخل "لا تجد إجابة عليها سوى المرارة وخيبة الأمل التي يمكن أن يلحظها المرء في عيون المواطنين في الشارع والمقهى والمكاتب والمنتديات السياسية، وحتى في صفوف السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها." والسؤال الأهم الذي يطرحه المثقفون والمواطنون هو عما إذا كانت إسرائيل ضالعة في محاولة "إفشال السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي التنصّل من اتفاقية السلام.. واستحقاقاتها"، لكن الناس "يمتلكون قدراً هائلاً من الوعي والقدرة على الصبر والاحتمال، وهم مستعدون لإعادة بناء حياتهم واقتصادهم وإنشاء مؤسساتهم الوطنية بقدراتهم الذاتية المحدودة، وبالتالي لوضع الحلم الفلسطيني على طريق التنفيذ مهما كلفهم ذلك من تضحيات ومعاناة." ولم تمض على إقامته بأريحا سوى فترة بسيطة حتى عاد إلى عمّان، وحين اتصلنا به لمعرفة الظروف التي دفعته إلى التخلي عن حماسته واندفاعه، لم نجد منه التجاوب المطلوب.

زيارات وانطباعات

من بين كثيرين زاروا فلسطين وسجلوا انطباعاتهم الصحافي المعروف توفيق أبو بكر الذي قدم، بعد زيارته الأولى، صورة لعدة جوانب تضمنت ما هو سياسي بصورة أساسية، إضافة إلى الانطباعات الشخصية بشأن أوضاع الناس المعيشية. كما وصف شعوره الأول تجاه بلدته التي ولد فيها قائلاً إنها "لم تعد قائمة. فقد سرقتها هذه المنازل التي بناها الشباب في كل مكان، والتهمت المنازل الجديدة الطبيعة الجميلة للبلدة التي كنت أتحرّق شوقاً لرؤيتها. هذه بلدة أُخرى تزدحم بالشوارع الضيقة وبالأسمنت." ثم يتحدث عن ضرورة إخضاع كل ما هو نظري وذهني للتدقيق والمقارنة مع ما يجري على أرض الواقع، وما بين الخارج والداخل. ويعلن: "لقد تطورت المجتمعات الفلسطينية عبر سنوات الشتات بأشكال متباينة"، ولذا فهو كان يخشى "إمكانية حدوث ردود فعل سلبية إزاء هؤلاء القادمين من الخارج، وخاصة أولئك القادمين حكاماً للشعب الذي عبّد الطريق لهم بجماجم أبنائه. وكنت سعيداً لأن تلك المخاوف والهواجس التي أقلقتني ليس لها في واقع الأمر إلاّ وجود محدود. كان ترحيب الناس بأبنائهم العائدين هائلاً وصادقاً ونابعاً من الأعماق، والإعلانات اليومية تزين صفحات جريدة ‹القدس› من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، وكلها ترحيب بهؤلاء الذين عادوا للجذور بعد غياب قسري." وهو يدعو القادمين من الخارج إلى "احترام تقاليد المجتمع والتقاليد التي أرست دعائمها تجربة الانتفاضة"، ويضرب مثالاً لما جرى في عصر الانتفاضة من "محاربة شديدة، من كوادر الفصائل كلها، لتعاطي المشروبات الكحولية. وقد سمعت بنفسي نداءات من مكبرات الصوت من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي منظمة يسارية، لمعاقبة من تسوّل له نفسه تعاطي هذه الكحوليات. ولهذا يتخذ المجتمع موقفاً قاسياً بلا حدود - كما سمعت في مدينة غزة - من أي مسؤول تسري إشاعات أنه يتناول هذه المسكرات. لكن البعض لا يتعامل مع هذه القضايا الحساسة بالمسؤولية المطلوبة."

ومن الأفكار البارزة التي سمعها أبو بكر هناك، أفكار طرحها له الدكتور ماهر أبو زنط، المدرس في جامعة النجاح، ومنها أن الاهتمام بالعمل السياسي المجرد يستحوذ على الأولوية القصوى لدى الشباب، بينما يحتاج المجتمع الفلسطيني إلى جهود هائلة في مجالات غير سياسية لا تستحوذ على اهتمام أحد: في الأراضي المحتلة 126 ألف معاق. كم يحتاج هؤلاء البشر من جهود واهتمامات على المستويين المحلي والعالمي؛ إذ إن تلك واحدة من أعلى النسب في العالم، وهي نتاج القمع الإسرائيلي في عصر الانتفاضة. ومع ذلك، يقول الدكتور أبو زنط، فإنه وجه دعوة إلى مئتين وخمسين شخصية لحضور افتتاح جمعية للمعاقين، لم يحضر منها سوى خمس عشرة شخصية، وكانت ستحضر بكثافة لو أن الأمر تعلق بتحرك سياسي. 

جولات في أرجاء الوطن

ومن الذين زاروا فلسطين الدكتور أسعد عبد الرحمن (مدير مؤسسة عبد الحميد شومان) الأكثر تجولاً واهتماماً بتسجيل انطباعاته وآرائه وملاحظاته في جوانب شتى من الحياة هناك. وابتداء، يعلن الدكتور عبد الرحمن تأرجحه بين حلم عنوانه "عائد إلى فلسطين" وواقع عنوانه الأسود "عائد من فلسطين"، وكيف عاش "توتر إمكانية العودة"، إذ وجد نفسه، وقد تحدد موعد العودة، يعيش "حالة من الشلل أو الخدر أو التنمل العصبي والوجداني، بل العقلي (أيضاً)..". ثم يعلن "كم هو قاتل أن تكون ›زائراً‹ لبلدك، أو ›سائحاً‹ في وطنك، تركض - يا أيها السائح الفلسطيني الحزين! - في الجهات الأربع، تلتقط صوراً فوتوغرافية لمواقع عرفتها (أو لم تعرفها) قبل ›اللجوء‹ أو ‹النزوح‹ أو ›الاقتلاع‹ وقبل كل ذلك، كم هو قاتل أن تنتظر وصول ›تصريح‹ لك بـ ›السفر‹  إلى بلدك، وفقط كي تكون مجرد ›سائح‹ في وسط أهلك وفي وطنك! ثم كم هو قاتل أن تقف على ›حدود‹ بلدك مقدماً أوراقك الثبوتية اللازمة للدخول، وتنتظر أن يأذن لك الضابط الإسرائيلي - الغريب عن الأهل والدار - بالدخول إلى بلدك وبلد أجدادك."

الملاحظة الأولى التي يسجلها الدكتور عبد الرحمن هي المستوطنات المتربعة على رؤوس التلال، "وعلى امتداد فلسطين تكاد لا تجد مستوطنة إلاّ على رأس تلة من التلال أو جبل من  الجبال." ثم يصف أريحا التي بدت "جزيرة عزلاء وسط بحر من الوجود العسكري الإسرائيلي، وواحة خضراء - حقاً - بدت وسط صحراء صفراء داكنة الظلال! وإذ تدخل إلى المدينة تفاجئك آخر طبعة من ›الجريدة‹ الريحاوية الوحيدة.. الجدران.. الشعارات والأطروحات الحمراء والزرقاء والسوداء.. على كل جدار من جدران أريحا تستشعر آثار الانتفاضة وقواها، ثم يغشاك إحساس بأن أريحا قد باتت حارة من جراء ما تقوله تلك الصفحات، وأيضاً بفضل وجود مكاتب علنية لكل من م.ت.ف. وحركة ‹فتح› والتحالف الديمقراطي الفلسطيني (فدا) وهيئات ومؤسسات فلسطينية أُخرى... وفي غمرة النشوة التي تعتريك من كل تلك المظاهر، تأتيك لطمات متلاحقة حين تجول بنظرك، فترى حواليك تلالاً تسكنها قوات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته." ثم "وقبل أن تصل إلى القدس، يقولون لك: أنت الآن في القدس! وقبل أن تضج من هول المفاجأة، يعلمونك أو تعلم - لا فرق - أن القدس قد امتدت بقدرة قادر إسرائيلي فأصبحت تشتمل على أراض كثيرة محيطة يقدرها البعض بربع مجموع مساحة الضفة الغربية بأكملها! وحين تسأل: أي حي من الأحياء هذا؟ يأتيك الجواب: إنه مستوطنة كذا! ثم تتابع السير فترى حياً آخر، فتسأل، فيأتيك الجواب: إنه مستوطنة كذا! وهكذا دواليك! وحين أعلموني بأن أحد الأحياء (خارج القدس التي نعرف) هو حي عربي، صرخت فرحاً لكن بسخرية ومرارة: ها قد بتنا - مثلهم - نقيم مستوطنات لنا! وسرعان ما تبرع ›جهينة‹ لي بالخبر اليقين إذ قال: أي نَعَم إنه حي عربي اسمه الزعيم، لكنه حيّ أُقيم - بمبادرة إسرائيلية - لتفريغ القدس من السكان العرب عبر إغرائهم بتعويضهم بشقة كاملة هنا لكل منهم، مقابل غرفة يملكونها في القدس العتيقة!..."

وإذا كانت أريحا -ـ كما يرى الدكتور عبد الرحمن - ذات أغلبية فتحاوية، فإن صفحات الجريدة الجدارية الغزّية - كما يقول - ذات طابع سياسي "شبيه بما شاهدته في أريحا مع حصة مهمة جداً لحركة ‹حماس›، وحصة مهمة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويبهرك تعايش الشعارات المتعارضة، وربما المتناقضة المرسومة على الحائط ذاته، وحين تسأل، يخبرونك أن العلاقات بين القوى لا تزال ديمقراطية حيث يعلم كل طرف حدود حريته."

ومن أبرز ما يلحظه الدكتور عبد الرحمن في غزة، وقوفه أمام "بشر يسكنون في مزبلة، حيث الناس الطيبون - مثل المصريين الطيبين سكان المقابر - باتوا مضطرين للسكن في مزبلة المدينة، لهم فيها مأوى ومطعم..."

ملاحظة أُخرى من ملاحظات الدكتور عبد الرحمن تتعلق بجولته في مدينة يافا حين أطلت يافا، بعد تل أبيب، وقد أذهله التصاق المدينتين، بل إن يافا بدت حياً قديماً كبيراً من أحياء تل أبيب التي غدت أكبر وبما لا يقارن.

وهنا في يافا ينقل لنا ما قاله صاحبه ابن يافا، الذي بلّغه أنه "إنْ توفرت لنا ضمانة أن لا يحدث هناك (في الضفة والقطاع) ما حدث هنا (في يافا) سأتقبل الوضع." وحين سأله: "تتقبل الوضع"، أجابه "نعم، خوفي من ضياع ما تبقى يجعلني أقبل بما ضاع!!"

وأغرب ما يُعبر عنه الدكتور عبد الرحمن أنه "حتى عندما ›قبلنا‹ دور السائح في وطننا، لم نحصد متعة السياحة وفرح السائحين..."

ثم يصف رحلة شرائه معطفاً اكتشف أنه من صنع مؤسسة إسرائيلية، فيقول: "واكتشفت أنني ما زلت عاجزاً عن ذلك التعاطي، وبالتالي اكتسحني إحساس بعجزي عن متابعة تلك الصفقة"؛ إذ لم يشتر المعطف الذي أعجبه لأنه من مؤسسة إسرائيلية.

ومن مشاعره المنبثقة من تلك الرحلة، يعبِّر عن شعوره بالغربة عن الأجواء التي عاشها؛ إذ كان لا يصدق أنه نجح في "العودة" إلى وطنه، ولم تكن فكرة "العودة" قد ترسخت في ذهنه بعد.

ومن ملاحظاته البارزة أيضاً، مفاجأته بجامعة بيرزيت التي بدت له، من بعيد، واحدة من المستوطنات الصهيونية، ليكتشف في غمرة فرحته أننا - نحن الفلسطينيين - بتنا نبزهم في إقامة المستوطنات وبالدرجة ذاتها من الإعمار الحديث والفخم.

وفيما يمكن اعتباره وجهة نظر قابلة للنقاش، يورد الدكتور أسعد عبد الرحمن ما يعتقد أنه الخطاب السياسي الحالي أو المزاج السياسي الراهن للأهل في الداخل (في إبان مجزرة الخليل وفي إثرها) فيرى "أن ثمة ما هو ثابت وما هو راهن لدى من أظن أنهم أغلبية الجماهير الفلسطينية. أمّا الثابت فهو، أولاً - أنهم لن يتنازلوا، طال الزمان أم قصر، عن حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني إلى جانب دولة إسرائيلية وفق قراري مجلس الأمن 242 و338، وثانياً - هم، في ظني، حزموا أمرهم وباتوا يصرون على أن يكون كيانهم القادم كياناً ديمقراطياً تعددياً حراً وتصان فيه حقوق الإنسان، وثالثاً - هم، في اعتقادي، يسعون إلى الاتجاه شرقاً نحو العرب والعروبة وليس غرباً نحو الإسرائيليين والصهيونية. لكن هذا التوجه مرهون بشروط علاقتهم مع الأشقاء العرب حيث إنهم - في ظني - قد عزموا على أن تكون العلاقات متكافئة وديمقراطية ومؤسسة على العواطف الأخوية زائد المصالح المشتركة والمتوازنة، ورابعاً - هم، في ظني، يعرفون أن ثوابتهم هذه لا يمكن، ضمن انكسار ميزان القوى الاستراتيجية، أن تتحقق دفعة واحدة، الأمر الذي يجعلهم يقبلون بنهج المراحل وبأسلوب التدرج، لكن الواضح، بل الساطع زمنياً. وهذا يقودنا إلى ما أعتقد أنه المزاج أو الخطاب السياسي الراهن لجماهير الوطن المحتل (...)؛ نتيجة غياب أو تأخر تبلور وقائع تحريرية على الأرض في أعقاب اتفاق أوسلو، فقد أدى الإحباط إلى هبوط شعبية المفاوضات بنسقها الراهن." وأصبحت أغلبية الشعب ترى أن ممارسات الاحتلال قد ازدادت قمعاً وقتلاً. لكنهم لا يبلغون حد معارضة الاتفاق، بل يقفون عند حد عدم الرضى عن نتائج المفاوضات. وتبدو الصورة التي يرسمها الدكتور عبد الرحمن مرسومة بدقة حين يقرر أن هذه هي ثوابت الجميع ما عدا فئتين فقط هما ‹حماس› والجبهة الشعبية! وهو يضع على لسان الشعب وفئاته وقواه خطاباً سياسياً هو نفسه الخطاب الذي طالما كرره في مقالاته من مثل "نحن لسنا ضد مبدأ التفاوض، لكننا مع تحسين الأداء التفاوضي، بل نحن مع تغيير أسسه وقواعده..." وتبدو لهجته واضحة حين يفترض أن لسان حالهم يقول: "ونحن نناضل من أجل كل هذا مبتعدين بقرارنا الواعي والحر عن كل أشكال الحرد السياسي أو الشتم السياسي اللذين لا بد من أن يسيئا إلى الوحدة الوطنية..."

ومن ملاحظاته ما يورده عن ظاهرة "الزعران" الذين "نبتوا، كما الغرس الشيطاني، على ضفاف الانتفاضة أو قواها الفدائية أو الميليشياوية"، وخصوصاً في نابلس، وينبه إلى أن تجاوزات هذه الفئة تستدعي "من كافة المسؤولين.. وقفة جادة وسريعة لاستئصال رموز الغرس الشيطاني ذاك."

وآخر ما نقتطفه من ملاحظات الدكتور عبد الرحمن، إشارته إلى قرية اختلط فيها البناء القديم القليل مع بناء حديث طغت عليه "البركسات"، وهي قرية العملاء والجواسيس الذين جمعتهم سلطات الاحتلال، هم وعائلاتهم، ووفرت لهم الحماية العسكرية والمدارس والملاعب، داخل الشِّبَاك المكونة من الأسلاك المدببة.

***

القاص والباحث خليل السواحري، صاحب دار الكرمل للنشر والتوزيع، كان قد أُبعد عن قريته عرب السواحرة (القدس)، مع آخرين، سنة 1970، وقد استعاد حقه في أن يعود مواطناً في القدس الشرقية منذ أيار/مايو 1993، فحصل على هوية المواطنة، لكنه "عاد" ليقيم بعمّان. طلبنا شهادته، فوافانا بها مكتوبة، ونحن، بدورنا، نقدمها كما هي:

"لحظة العبور، بعد 24 عاماً من النفي، كانت فريدة في نوعها. لم يكن العبور إلى الوطن عبور المنتصرين، ولم يكن الوطن محرراً، كانت لحظة من الفرح المختلط بالحزن، ولكنه عبور إلى الوطن!

"كنت هيأت نفسي لمشهد درامي، أسجد فيه مقبِّلاً التراب، لكنني عدلت عن ذلك، لأن المنظر سيبدو، أمام عدسات المصورين، احتفالياً مبالغاً فيه وخالياً من الجدّة.

لكن الوطن لم يكن هو الوطن الذي غادرته قبل أربعة وعشرين عاماً، لقد ازداد هذا الوطن ابتعاداً، وازداد اغتراباً. تمزقت أشلاؤه بالمستوطنات وأصبح شوارع أو مناطق جرداء أو آهلة بالسكان تفصل بين مستوطنة وأُخرى. المستوطنات تتربع على صدر الوطن في كل مكان وحيثما تقع العين على امتداد الطريق بين أريحا والقدس أو بين أريحا وبيسان أو بين القدس والخليل أو بين القدس ورام الله أو حول القدس نفسها من كل اتجاه!!

"عدنا إلى الوطن، ولكن الوطن لم يعد إلينا، ولم يعد لنا.

"في الندوة التي أقامتها لجنة الطلبة العرب في الجامعة العبرية (بالقدس)*   قال لي أحد الطلبة: أنت تردد ما سبق أن قاله إدوارد سعيد حين عاد إلى القدس، وقال: هذه ليست هي القدس التي أعرفها!!

"قلت: إنني لم أقرأ ما قاله إدوارد سعيد، لكن القدس التي أعود إليها اليوم ليست هي القدس التي غادرتها قبل 24 عاماً. وقلت: ليس وهماً أنني وجدت القدس وقد صغر حجمها، وجدت المدن والقرى العربية التي كانت كبيرة وفسيحة في الذاكرة قد انكمشت وتضاءلت وكأن الاحتلال قد ابتلعها. ثم اكتشفت أنني لست الوحيد الذي قد داهمه هذا الإحساس بصغر الأماكن وانكماشها. فقد قال لي الصديق محمود شقير أنه شعر بمثل ذلك، وأنه رأى القرى العربية وقد صغر حجمها وتحولت إلى جزر معزولة من التخلف والشوارع الضيقة والأبنية القديمة أو الجديدة غير المنظمة!!

"لماذا تلاشى الوطن هكذا؟ ولماذا تحولت مدينة القدس إلى غيتو عربي متخلف ومعزول، لماذا تقلص الوطن إلى هذا الحد؟ لأن الوطن في الذاكرة ليس هو الوطن في الواقع: واقع الاحتلال. واقع العودة تحت الحراب!!

"لا أحد يحلم الآن بوطن محرر. لا أحد يحلم بخروج صباحي من المنزل إلى العمل دون المرور بنقطة رقابة عسكرية (›محسوم‹)، لا أحد يحلم بوطن خال من الرطانة والمستوطنات. هل صودرت حتى أحلامنا؟

"لكن الراهن الإسرائيلي لن يكون مخلداً. تلك هي إحدى حقائق التاريخ التي يجب أن نعيها دائماً. العصا الأميركية ستتحطم ومن بعدها ستتغير أشياء كثيرة ومنها صورة هذا الوطن الحزينة المدماة.

"علينا، ونحن نواصل الحياة في الوطن أو خارجه، أن نحتفظ جيداً بصورة الوطن التي كانت، وأن نحتفظ بأحلامنا وأن نورث أجيالنا المقبلة هذه الصورة. صورة الوطن كما كان قبل الاحتلال وقبل الاستيطان، وقبل الاستسلام العربي الشامل من المحيط إلى الخليج!!

"هو زمن الركوع العربي، لكن حلم اليقظة والنهوض هو الزاد الذي يجب أن نحيا به ونورثه لأجيالنا المقبلة.

"أما عن الواقع الثقافي، فثمة عزلة ثقافية، ثمة غياب ثقافي شامل. إن أثر الاحتلال هو أبرز ما يكون على الجانب الثقافي. الاحتلال، وأعوام الانتفاضة السبعة، وغياب إيقاع الحياة الطبيعي، وإغلاق المدارس والجامعات، والنوم المبكر للمدن والقرى والحياة، ذلك كله جعل من الثقافة أمراً ثانوياً تماماً، جعل من الكتاب سلعة لا أحد يشتريها. جعل نبض الثقافة ميتاً.

"وعودة الأمور إلى طبيعتها لن تكون بالأمر السهل، ليس سهلاً أن تُعيد الحياة إلى الكتاب وأن تجعل من القراءة عادة بديلة لعادة الخروج إلى الشارع بالحجارة أو من دونها.

"ليس سهلاً أن تنظم حياة الناس وفق إيقاع جديد ما دام الاحتلال قائماً يفرض نفسه على الحياة. كيف يمكن أن تدعو الناس إلى أمسية شعرية في الساعة السادسة مساء بينما المدن تنام منذ الرابعة والشوارع تغدو مقفرة والحوانيت مغلقة وسائقو السرفيس قد ذهبوا إلى بيوتهم؟ الإيقاع الثقافي مرهون بشروط الحياة اليومية، بهذه العادات الاجتماعية التي صنعها الاحتلال. وهل زال الاحتلال؟!

"كيف نجعل من الكتاب رفيقاً للعامل الذي يقضي سحابة يومه في ›الأعمال الوسخة›، ويعود في الرابعة أو الخامسة مساء ليتناول وجبته الرئيسية وينام؟ وكيف يمكن أن نوجد لدى الطالب عادة القراءة، وهو الذي فقد عادة الجلوس إلى مقعد الدراسة منذ سبعة أعوام أو أكثر؟

"كيف نوجد عادة القراءة لدى مواطن يركب الباصات المتخلفة المختنقة بالازدحام والضجيج والفوضى وساعات الانتظار على ›المحاسيم‹، أي الحواجز العسكرية الإسرائيلية؟

"كيف نعيد الاتزان الثقافي والاجتماعي لشعب تحول معظمه إلى عمال بالسخرة، ينفقون تحت وطأة تضخم لا مثيل له وارتفاع أسعار جنوني، وركض متواصل وراء قوت العيال؟

"ضريبة الاحتلال كانت باهظة على شعبنا اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، ونفسياً، وفوق كل ذلك وقبله، كانت باهظة سياسياً ووطنياً.

"وعن أحلام الناس هناك.. يأساً أو إحباطاً.. أو تفاؤلاً.. يظل الخلاص هو الحلم. وقديماً قال الشاعر: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!! كانت مدريد حلماً بالخلاص، وقبلها كانت الانتفاضة وكان الكفاح المسلح، وكان الرهان على الأمة العربية (قبل حرب الخليج) وكان.. وكان.

"لكن النظام العالمي الجديد أطبق على خناقنا، اغتال أحلامنا، جعل من إسرائيل سيدة المنطقة، وجعل من الضعف والرجوع العربيين خنجراً في الظهر وخنجراً في الحلم.

"كان الرهان على مدريد آخر المطاف، لكن مدريد ليست بعيدة جداً عن غرناطة، وها هي غرناطة نعيشها الآن بعد مدريد!!

"لا أحد يفقد الأمل؛ فما دامت روما قد انكسرت حتى بعد سحق العبيد، فإن روما المعاصرة ستنكسر حتى بعد هذا البطش كله بشعوب العالم المستضعَفة.

"لا أحد يفقد الأمل لأن التاريخ يتحرك، وفي كل لحظة يمكن أن تحدث معجزة. وعلينا أن نبقي على جذوة الرفض، على جذوة النضال، على جذوة الأمل.. على قناعة واحدة: إن ما يحدث الآن ليس هو الصحيح، وليس هو النهائي."

 

* أقيمت هذه الندوة في 10/5/1993، وشارك فيها كل من نعيم الأشهب، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، والأديب محمود شقير، وكاتب هذه السطور، وكنا نحن الثلاثة من المبعدين الذين عادوا ضمن أول فوج للمبعدين يعود إلى أرض الوطن في مطلع أيار/مايو 1993.