خالدي. "كي لا ننسى" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

All That Remains: The Palestinian Villages Occupied And Depopulated by Israel in 1948

Edited by Walid Khalidi. Washington D.C.: Institute for Palestine Studies, 1992.

 

 ليس لهؤلاء اللاجئين مكان يعودون إليه

الإهداء بسيط: "لجميع أولئك الذين كانت هذه القرى بيتاً لهم، ولنسلهم." المقصود هو القرى التي هجرها الفلسطينيون وهُدم القسم الأكبر منها خلال فترة 1947 – 1949. وبحسب المحرر، وليد الخالدي، فإن الأمر يتعلق بـ 418 قرية. أمامنا عمل موسوعي عظيم الأهمية، يكاد يكون فريداً في نوعه: محاولة للتوثيق للقرى البائدة ووصفها واحدة واحدة، قضاء تلو الآخر، و"إنقاذها من النسيان."

نقول "يكاد يكون فريداً" – لأن هذا الكتاب الضخم، المملوء خرائط وصوراً، يذكّر أكثر من أي شيء آخر بالكتب التذكارية التي تخلّد ذكرى العالم اليهودي الدارس في أوروبا الشرقية. ففي سنة 1948، حلت بالفلسطينيين نكبة قومية (في نظرهم، كارثة). وفعلاً، فإن الذكرى والتذكير هما هدف خالدي – من مواليد القدس، وأحد ابرز المفكرين الفلسطينيين في الشتات – ومساعديه الثلاثين في هذا العمل، أعضاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية في واشنطن وجامعة بيرزيت في الضفة ومركز الجليل للأبحاث الاجتماعية (الناصرة).

وقد كرست لكل قرية صفحة تقريباً، وفيها وصف لموقعها، وأراضيها، وسكانها، ومنازلها، واقتصادها، وتاريخها حتى سنة 1948، والوقائع التي شهدتها سنة 1948، والاستيطان اليهودي على أراضيها، والآثار الباقية منها اليوم؛ صورة للآثار الباقية – أجمة من الصبّار، وجدار مكشوف، وكومة من الحجارة – ترافق وصف الكثير من القرى. والوصف، في معظم الأحوال مباشر ودقيق.

غير أن النغمة تختلف أحياناً وتفقد صفتها الأكاديمية عند شرح الوقائع التي شهدتها القرى في أثناء "حرب التحرير" [سنة 1948]. وتنبذ محاولة التحلي بالموضوعية، بصورة ملحوظة، في الملحق الكرونولوجي، الذي يورد المؤلفون فيه معالم بارزة في مسار النزاع. إن المادة التي تتناول أحداث فترة 1936 – 1937 لا تأتي إلى ذكر "الإرهاب" العربي أو قتل اليهود، والإنكليز، والعرب المنتمين إلى المعارضة، لكن فجأة، تحت عنوان "نيسان – آب، 1938"، نفهم أن "تفجيرات قامت بها الإتسل قتلت 119 فلسطينياً. تفجيرات وألغام فلسطينية قتلت 8 من اليهود. ويتميز قسم من المواد التي تتناول "حرب التحرير" بانحياز مماثل. فالمؤلفون لا يذكرون أي الأطراف بدأ إطلاق النار في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 1947. والمكتوب فقط هو: "صدامات طائفية أسفرت عن 8 قتلى من اليهود و6 قتلى من الفلسطينيين."

إن عدد القوى العربية التي هجرت في "حرب التحرير" محل خلاف: الرقم يتراوح بين 360 قرية و482 قرية. وقد قام المؤلفون بعمل أساسي ومتعمق في تحديد القرى والضيع (Villages and hamlets). لقد عرفوا القرية/ الضيعة كموقع سكن ذي عدد من البيوت الثابتة التي هجرت في سياق الحرب، وذي اسم وهوية خاصين به، وسكانه فلسطينيون يتكلمون العربية. وأُسقط من القائمة مضارب البدو، والقرى التي تركت قبل الحرب، والخرب التابعة لقرى رئيسية ولا تحمل أسماء، والمستوطنات التي أقامها فرسان الهيكل [الألمان]. لكن مه ذلك كله، يبدو لي أنه تسرب إلى الكتاب بضعة مواقع لا يلائمها تعريف القرية/ الضيعة، ومنها بضع خرب، قرى يشك في أنها كانت قائمة في بداية الحرب، وحتى قرية واحدة تقع في ما وراء الحدود. في قضاء صفد (ص 447 – 448) هناك وصف لقرية الدردارة، التي بلغ عدد سكانها (سوية مع موقع آخر يدعى مزارع الدراجة) 100 نسمة، واحتوت على بضعة بيوت من الطين والحجر. غير أن هذه القرية لا تظهر بتاتاً في خريطة حكومة الانتداب لسنة 1942، ولا في الإضافات والتعديلات التي أُدخلت عليها في سنتي 1943 و1944. هناك مكان مجاور يحمل اسم الدردارة، يظهر في الخريطة، ويقع على بعد كيلومترين تقريباً من ذلك المكان، في الجانب السوري من الحدود. إن قرية العريفية (ص 502 – 503) الواقعة في إصبع الجليل تظهر فعلاً في الخريطة الريطانية، لكنها تظهر كموقع مهجور. وتضم قرية يردا (ص 504) الواقعة في قضاء صفد، بحسب رواية خالدي، ثلاثة بيوت ونحو 20 نسمة (تقدير 1944/ 1945). والموقع يظهر فعلاً في الخرائط البريطانية، لكن هل يجوز تعريفه كـ"قرية" أو حتى كـ"ضيعة"؟

يتضمن الكتاب أيضاً بضعة معطيات غير دقيقة تاريخياً؛ ففي شرح المؤلفين لإخلاء عرب السمنية (خربة الصوانة)، كتبوا عن حملة طوارىء (نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1948): "خلال ثلاثة أيام، تم احتلال الجليل الأعلى بكامله، السكان طُردوا أو هربوا من الخوف... ولم يبق سوى بضع قرى على وضعها السابق (في المنطقة)." في الواقع لم يكن الأمر كذلك: إن ما ينوف عن نصف السكان والقرى ظلوا في أماكنهم. وفي الملحق الكرونولوجي، في الفترة التي تتناول 7 نيسان/أبريل، ورد ما يلي: "عبد القادر الحسيني... قُتل وهو يقود هجوماً مضاداً لإعادة احتلال قرية القسطل." في حين أن المعروف، بما لا يقبل الشك، أن الحسيني قُتل على يد حارس يهودي بعد أن اقترب من قرية ظن خطأ أن قوات عربية لا تزال تسيطر عليها – وليس في هجوم مضاد.

يتضمن وصف الوقائع التي شهدتها القرى سنة 1948 ثغرات كبيرة، وأخطاء، ومعطيات غير دقيقة. ولم يحاول المؤلفون فحص المعلومات الشحيحة التي استقوها من الكتب القليلة التي عالجت هروب/ طرد الفلسطينيين، والتحقق من صحتها. واكتفوا في معظم الأحيان بالاقتباس من بضعة كتب – في الوقت الذي يوجد أحياناً تعارض وتناقض بين الأوصاف، وحتى بين الجمل. ولم يجر المؤلفون مقابلات مع لاجئين (بعد أعوام قليلة لن يبقى مثل هؤلاء)، ولم يحاولوا مراجعة الوثائق الكثيرة التي أُذن بالاطلاع عليها خلال الأعوام الأخيرة في دور محفوظات إسرائيلية مختلفة، بما في ذلك محفوظات الجيش الإسرائيلي والهاغاناه. إن دور المحفوظات هذه تحتوي على كنز كامل من الأوصاف لآخر أيام ولحظات الكثير من القرى – أوصاف الهجوم، والاحتلال، وهروب السكان أو طردهم، وأعمال ذبح وتدمير. إن "ملفات القرى" العائدة إلى مصلحة الاستخبارات [في منظمة الهاغاناه]، المفتوحة اليوم للاطلاع، تحتوي على مواد وفيرة عن القرى قبل سنة 1948.

مع ذلك، سيشكل الكتاب أداة أساسية ولا غنى عنها لباحثي جغرافية أرض إسرائيل [فلسطين] وتاريخها في العصر الحديث. وفيما يتعدى الإنجاز التوثيقي والتذكاري الباهر، فإنه ينطوي أيضاً على رسالة سياسية؛ فالكتاب؛ كما يصرح خالدي، ليست الغاية منه تفنيد شرعية الصهيونية، ولا يتضمن دعوة "لقلب التاريخ رأساً على عقب"، أي لتثبيت "حق العودة" للاجئي سنة 1948. العكس هو الصحيح؛ إذ لا مثيل لهذا الكتاب في التدليل على عدم واقعية الدعوة إلى السماح بهذه العودة. إن صحاته تشهد، وكأنها 418 شاهداً، أن ليس لهؤلاء اللاجئين مكان يعودون إليه. غير أن الكتاب يتضمن بكل تأكيد غاية سياسية – دعائية، تنطوي على قدر من الحنكة، ألا وهي دفع "بناة الصهيونية المعاصرين ومؤيديهم إلى لحظة من التأمل"، والتفكير في منح الشعب الفلسطيني "درجة معقولة من العدل" (modicum of justice)، لئلا تغمرنا الموجة الأصولية التي تجتاح الطوائف على جانبي المتراس، والتي تهددنا جميعاً. وهناك أمل آخر يعبر عنه خالدي: "لفت انتباه العالم... إلى الثمن الذي دفعه الفلسطينيون كي تستطيع دولة إسرائيل أن تقوم وكي يهدأ ضمير العالم المسيحي الغربي على جرائمه اللاسامية".

 

المصدر: نقلاً عن: "هآرتس"، ملحق "سفاريم"، العدد 39، 24/11/1993، ص 1.

السيرة الشخصية: 

بني موريس: كاتب إسرائيلي.