أوضاع ومشكلات قطاع الزراعة المروية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
كلمات مفتاحية: 
الأراضي الفلسطينية المحتلة
الضفة الغربية
قطاع غزة
القدس الشرقية
الزراعة
الموارد المائية
المياه
الموارد الطبيعية
نبذة مختصرة: 

يتكون التقرير من الأجزاء التالية: مقدمة؛ الموارد الأرضية؛ تصنيف التربة؛ الموارد المائية؛ كمية استهلاك المياه للأغراض الزراعية؛ الزراعة المروية؛ طرق الري المستعملة؛ مشكلات الزراعة المروية. ويشتمل على جداول.

النص الكامل: 

مقدمة

الأراضي الفلسطينية المحتلة، المعنية في هذه الدراسة، هي تلك الأجزاء من فلسطين التي احتلتها القوات العسكرية الإسرائيلية عشية حرب حزيران/يونيو 1967 بين الدول العربية وإسرائيل، والتي تشمل الضفة الغربية مع مدينة القدس الشرقية، وقطاع غزة. وقد قدرت مساحة أراضي الضفة الغربية بـ 5572 كيلومتراً مربعاً، تمتد نحو 155 كيلومتراً طولاً ونحو 60 كيلومتراً عرضاً. يشكل نهر الأردن الحدود الشرقية للضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، بينما يشكل خط الهدنة لسنة 1948، أو ما يسمى الخط الأخضر، الحدود الشمالية والغربية والجنوبية مع فلسطين المحتلة منذ سنة 1948. أما قطاع غزة فيقع في الجزء الجنوبي للساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحته نحو 367 كيلومتراً مربعاً، وهي تمتد نحو 41 كيلومتراً طولاً، ونحو 7 كيلومترات عرضاً.(1)

قدر عدد سكان الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية، في نهاية سنة 1990، بنحو 1,100 مليون نسمة،(2)  بكثافة سكانية قدرها 202 شخص لكل كيلومتر مربع، بينما قدر عدد سكان قطاع غزة للفترة نفسها بنحو 642 ألف نسمة،(3)  وبكثافة سكانية قدرها 1766 شخصاً لكل كيلومتر مربع. وقد قدر إجمالي القوى العاملة في نهاية سنة 1990 بنحو 193 ألفاً في الضفة الغربية، وبنحو 104 آلاف في قطاع غزة، يعمل منهم في قطاع غزة نحو 43 ألفاً في الضفة الغربية، و19 ألفاً في قطاع غزة.(4) 

قامت الزراعة عبر تاريخ فلسطين، ولا تزال تقوم بدور رئيسي في بناء حضارة الشعب الفلسطيني، وكانت تشكل دائماً العصب الرئيسي للاقتصاد. قدرت مساهمة القطاع الزراعي في الإنتاج المحلي الإجمالي للضفة الغربية، في بداية أعوام الاحتلال بنحو 30% لسنة 1970، وبنحو 20% لسنة 1989؛ ولقطاع غزة بنحو 30% لسنة 1970 و18% لسنة 1989. بينما بلغت مساهمة هذا القطاع في إجمالي القوى العاملة للضفة الغربية نحو 43% لسنة 1970، ونحو 23% لسنة 1990؛ ولقطاع غزة نحو 32% لسنة 1970 و19% لسنة 1990.(5)

إن التحدي الأساسي، في ظل الأوضاع السياسية الحالية والاحتمالات المتوقعة مستقبلاً، يتمثل في كيفية الحصول على منتوج زراعي كاف، يتلاءم مع التطور الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة ضمن احتمالات سياسية مختلفة. وفي ضوء شحّ ومحدودية الموارد الطبيعية المتوفرة من ترب ومياه، وتأثرها بالمناخ، فإن الزراعة المروية تشكل العنصر الأكثر أهمية في مستقبل الزراعة، وبالتالي الاقتصاد والأمن الغذائي الفلسطيني.

تشكل الأرض والمياه العاملين الأساسيين اللذين يؤثران في الزراعة المروية في الراضي الفلسطينية المحتلة. أما العوامل الأُخرى، مثل مصادر التمويل، والتسويق، واستعمال التقنية الزراعية الحديثة وغيرها، وعلى الرغم من أهميتها، فإنها تأتي بدرجة أقل من الأرض والمياه. وتكمن أهمية المياه، والسيطرة على الموارد المائية، وضرورة تطوير الزراعة المروية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حقيقة أن المحاصيل البعلية في ضوء تعداد السكان الحالي ونموهم، لا يمكن أن تزود السوق المحلية بحاجاتها طوال السنة، وبكميات ملائمة من الخضروات والقثائيات وبعض أصناف الفاكهة. هذا إضافة إلى أن الأمطار في الأراضي الفلسطينية المحتلة قليلة ومتباينة من سنة إلى أُخرى، وأن فصل الصيف جاف تماماً. وعليه، وعلى الرغم من كل المعوقات، فإن الزراعة هي المستهلك الرئيسي للمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي تشكل نحو 77% من إجمالي استهلاك المياه في هذه المناطق.(6)

يعتبر تنوع المناخ على مدار السنة من العوامل الإيجابية التي تبرز ضرورة وأهمية وجدوى الزراعة المروية، وتطويرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فعندما تتوفر المياه بكميات كافية وبتكلفة ملائمة، يمكن زراعة وإنتاج معظم المحاصيل على مدار السنة. وهناك منتوجات مطلوبة في السوق الخارجية، ولا سيما السوق الأوروبية، ويمكن أن تحقق أرباحاً جيدة وتدعم الاقتصاد الوطني. وعلى سبيل المثال، يمكن زراعة وإنتاج الخضروات الطازجة والورود في فصل الشتاء، إمّا بالزراعة المكشوفة في الأغوار، وإمّا في بيوت بلاستيكية في جنين وطولكرم.

إن السياسات والتوجهات الزراعية التي اتبعها الفلسطينيون منذ سنة 1967 في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تأثرت بالاحتلال العسكري الإسرائيلي، وكانت في الغالب قصيرة المدى وذات فعالية محدودة. وعلى سبيل المثال، نذكر عدم وجود مراكز زراعية فعالة في مجالات عديدة، منها: التوثيق والأبحاث، الإقراض، الإرشاد والتوجيه، التدقيق في نوعية المحاصيل المنتجة ومراقبتها، و/ أو التسويق والتجارة الداخلية والخارجية. كذلك، فإن هذه السياسات لم تعتمد التحليل والدراسة والبحث أساساً للتخطيط، ومن ثم لتوجهاتها وقراراتها. 

الموارد الأرضية

تتكون المنطقة الشمالية من الضفة الغربية (أقضية نابلس وجنين وطولكرم) من هضاب مستديرة متوسطة الارتفاع (250 - 90 متر)، ومن سهول مرتفعة. وانحدارات هذه الهضاب تزداد كلما اتجهنا نحو الجنوب. تحتوي المنطقة الشمالية على مساحات واسعة نسبياً من الأرض، ذات تربة خصبة (وخصوصاً بعض أراضي قضاء جنين، ومعظم أراضي قضاء طولكرم).(7)

أما المنطقة الجنوبية من الضفة الغربية (أقضية رام الله والقدس وبيت لحم والخليل)، فتتكون من هضاب بارتفاعات ما بين 500 و 1000 متر. وانحدار هذه الهضاب شديد الحدة في الاتجاه الجنوب الشرقي نحو البحر الميت، بينما تقل هذه الحدة في الاتجاه الشمالي الشرقي.(8)

استعملت السلطات الإسرائيلية، منذ بداية الاحتلال، جميع الأساليب للحصول على أكبر مساحة من الأرض، وضمنها: الاستيلاء للأغراض العسكرية والأمنية (مثال أراض شاسعة من غور الأردن، وكل الشريط المحاذي لضفة النهر الغربية)؛ الاستيلاء على جميع الأراضي الأميرية واعتبارها أراضي الدولة؛ الاستيلاء بهدف إقامة خدمات عامة (مثال الأراضي التي تم تصميم و/ أو تنفيذ طرق وشوارع فيها)؛ الاستيلاء على أراضي الغائبين وممتلكاتهم؛ وغيرها.

ونتيجة هذه السياسات والممارسات الإسرائيلية أصبح 52,6% من أراضي الضفة الغربية، و42,3% من أراضي قطاع غزة، تحت السيطرة المباشرة لهذه السلطات.(9) هذا إضافة إلى العدد من الأوامر العسكرية (مثال الأمر العسكري رقم 92 لسنة 1967، والأمر العسكري رقم 158 لسنة 1967 المتعلق بتحديد استغلال مصادر المياه في الضفة الغربية وإلغاء جميع القوانين الأردنية بخصوصها، والأمر رقم 468 لسنة 1974 للغاية نفسها في قطاع غزة، والأمر رقم 1015 لسنة 1982، والأمر رقم 1039 لسنة 1983 الخاص بتحديد نوع ومساحة الزراعة في الأراضي المحتلة، وقيود التخطيط وتنظيم الأراضي التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية بهدف الحد من الاستعمال والتطوير الفلسطينيين للجزء المتبقي من الأراضي المحتلة.

حالياً، يُستغل من أراضي الضفة الغربية ما نسبته 32% (1,783 مليون دونم) في الزراعة، و 6% (334 ألف دونم) في البناء وخدمات البنية التحتية المختلفة، و 32% (1,873 مليون دونم) هي أحراج ومراع. أما المساحة المتبقية، ونسبتها 30% (1,672 مليون دونم)، فهي عبارة عن أراض غير مستغلة بسبب وعورتها وعدم صلاحيتها للاستغلال الزراعي. وتشكل مساحة الأراضي المروية في الضفة الغربية نحو 7,3% (130 ألف دونم) من مجموع الأراضي المستغلة في الزراعة. ومن هذه الأراضي الزراعية المروية، هناك نحو 40 ألف دونم يستغلها المستوطنون اليهود.(10)

تقدر المساحة المستغلة حالياً بالزراعة في قطاع غزة بنحو 207,78 كيلومتراً مربعاً، أو 57% تقريباً من إجمالي مساحة القطاع. وتشكل الزراعة المروية نحو 46% من المساحة المستغلة بالزراعة في القطاع، بينما تشكل الحمضيات نحو 65% من المساحة المروية. وتقدر المساحة التي يستغلها المستوطنون الإسرائيليون بالزراعة في قطاع غزة، وغالباً في الزراعة المروية، بنحو 55 كيلومتراً مربعاً، أو 15% تقريباً من إجمالي مساحة القطاع.(11)

تفيد التقارير المنشورة أن المساحة التي كانت مستغلة بالزراعة في الضفة الغربية وقطاع غزة لسنة 1966، قد قدرت بنحو 2080 و187 كيلومترا مربعاً، على التوالي. وهناك من هذه المساحة نحو 100 و75 كيلومترا مربعا في الضفة الغربية وقطاع غزة، على التوالي، كان يستغل بالزراعة المروية. وبمقارنة المساحات المستغلة حالياً بالزراعة وبالزراعة المروية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بتلك العائدة إلى سنة 1966، يتبين لنا أن المساحة التي يستغلها المواطنون الفلسطينيون بالزراعة المروية لم تزد تقريباً منذ بداية الاحتلال العسكري الإسرائيلي سنة 1967، وبالتالي يدل حجم القيود المفروضة على استغلال الأرض على كميات المياه المسموح بسحبها، وعلى حجم المعوقات الموضوعة في طريق تسويق المنتوجات الزراعية وتصديرها.(12) 

تصنيف التربة

يعتمد تصنيف التربة في الضفة الغربية وقطاع غزة على صفاتها الفيزيائية، من لون وسمك وبنية وتركيبة. وعليه، وباستخدام نتائج نُشرت سنة 1959،(13)  يتبين لنا أن مساحة الترب الجبلية تشكل نحو نصف مساحة الترب في الضفة الغربية. وتغطي الترب الجبلية السفوح الغربية، وهي تحتاج بسبب الانحدار إلى استصلاح لعمل المصاطب. وتستعمل هذه الترب في زراعة الحبوب والكروم وشجر الزيتون، وأشجار التحريج المختلفة. وتشكل ترب الرندزينا في الضفة الغربية نحو 20% من إجمالي المساحة، وتقع في معظمها على السفوح الشرقية. وهذا النوع من التربة يحتفظ بالماء، وبالتالي لا يكون جيداً في الزراعة، فيستعمل في زراعة الكروم والأشجار المثمرة، ويعتبر قسم منه مراعي. أما الترب الغرينية والطينية المتنوعة فتغطي نحو 18% من أراضي الضفة، وتقع في الغالب في المنطقة الشمالية الغربية. وهذه الترب صالحة للزراعة، وتستعمل في زراعة الحبوب والخضروات وأشجار الفاكهة. وهناك جزء من أراضي قضاءي جنين وطولكرم الغربية، ويقدر بنحو 1,8% من أراضي الضفة، تغطية تربة الساحل الفلسطيني المعروفة بالحمرة، والمشهورة بصلاحيتها العالية لزراعة الحمضيات، إضافة إلى أنها تصلح لزراعة الخضروات والفاكهة والقطن والحبوب.

تشكل الكثبان والترب الرملية والصحراوية نسبة 70% تقريباً من أراضي قطاع غزة، وتغطي أغلبية الشريط الساحلي بعرض نحو كيلومترين، وباقي النصف الجنوبي من القطاع. هذه الترب الرملية هي ذات نفاذية عالية للماء، وتحتاج إلى الري. وبسبب وجود طبقة طينية تحتها فإنها تستعمل في زراعة الحمضيات. وفي المناطق الساحلية، التي تكون الطبقة الطينية فيها قريبة من سطح الأرض، فإن هذا النوع من التربة يستعمل في زراعة الخضروات أيضاً. أما الترب البنية المتنوعة فتغطي نحو 30% من أراضي القطاع، وتقع في الجزء الشمالي الشرقي منه. وتحتاج هذه الترب إلى الري كي تستعمل استعمالاً فعالاً في زراعة الخضروات والحمضيات.

يتبين من تقرير وضعته دائرة الزراعة في الضفة الغربية،(14) أن المساحة القابلة للزراعة المروية في الضفة الغربية، بصورة جيدة ومن دون أية عوامل محددة، تقدر بنحو 3% من إجمالي المساحة (أنظر الجدول رقم 1). ويقع نحو 83% من هذه المساحة في الشمال الغربي للضفة الغربية، في أقضية ومحافظات نابلس وجنين وطولكرم. كذلك هناك مساحات أُخرى (نحو 8%) يمكن أن تستخدم في الزراعة المروية في الضفة الغربية، لكن مع بعض العوامل المحددة، مثل ميلان الأرض الزائد ونوعية التربة التي قد تحتاج إلى عناية خاصة. أما باقي أراضي الضفة الغربية، أو نحو 89% من إجمالي المساحة، فإنه لا يصلح للزراعة المروية، ومنه نحو 24% من إجمالي المساحة أراض ملائمة للزراعة البعلية، والباقي أي نحو 65% من مساحة الضفة يعتبر أراضي غير ملائمة للزراعة او تحتاج إلى عناية كبيرة جداً وغير مجدية اقتصادياً كي يمكن استصلاحها للزراعة، ويمكن استعمال جزء منها أراضي رعوية.

ولعل أبرز ما يتبن من التقرير الذي وضعته دائرة الزراعة في الضفة أن مساحة الأرض، التي يمكن استغلالها في قطاع الزراعة المروية في الضفة الغربية، هي نحو 610 آلاف دونم؛ وهذا يشكل ستة أضعاف المساحة المستغلة حالياً في هذا القطاع. وإذا ما زُرعت الأرض موسمين زراعيين في السنة، وهو أمر قابل للتطبيق بسبب مناخ الضفة الغربية، فإن هذه المساحة ستتضاعف وتصل إلى 1220 ألف دونم؛ الأمر الذي يتطلب توفير نحو 720 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.

 

 

مما تقدم نرى محدودية المساحة القابلة للزراعة المروية والبعلية، وهذا يتطلب منا إجراءات خاصة ومهمة لحماية واستغلال هذه المساحة بالطريقة الأمثل، ومنع استغلالها للأغراض غير الزراعية. ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة في ظل السيناريوهات السياسية المرتقبة مستقبلاً للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإمكان عودة النازحين واللاجئين الفلسطينيين وبناء مدن وقرى سكنية بدل المخيمات الموجودة حالياً. ويؤدي هذا الأمر، في غياب التنظيم والتخطيط المبكرين، إلى توسع عمراني على حساب الأرض الزراعية. 

الموارد المائية

بسبب الأوضاع الطبيعية السائدة في فلسطين (الأحوال الجوية والطبوغرافية والجغرافية)، فإن المياه السطحية نادرة وتنحصر بنهر الأردن وروافده فقط. وعليه فإن المياه الجوفية تشكل المصدر الرئيسي للمياه في فلسطين، سواء في المنطقة المحتلة منذ سنة 1948، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الضفة الغربية

يبلغ المعدل السنوي لتساقط الأمطار نحو 409 ملم/ السنة، أو 2248 مليون متر مكعب في السنة، وذلك بحسب المعلومات للفترة ما بين سنة 1901 وسنة 1960.(15)  وهذه الأمطار يتم فقدها عن طريق التبخر والنتح، أو تتسرب إلى المياه الجوفية فتغذيها. وتبلغ التغذية السنوية للمياه الجوفية في الضفة الغربية نحو 648 مليون متر مكعب سنوياً. أما الجريان السطحي، الذي يتألف من فيضانات محدودة النطاق أو من ينابيع، فصغير جداً ويقدر بنحو 70 مليون متر مكعب في السنة (أنظر الجدول رقم 2). ويتجه نحو 22 مليون متر مكعب من مياه الفيضانات نحو الغرب، بينما يتجه الباقي نحو الشرق. أما الينابيع في الضفة الغربية، فقد قدر التصريف الكلي لها بنحو 75 – 115 مليون متر مكعب/ السنة، يجري أغلبها (95% تقريباً) في اتجاه الشرق، بينما يجري 5 ملايين متر مكعب/ السنة نحو الغرب. ويقدر إجمالي الجريان السطحي في الضفة الغربية ما بين 145 و 185 مليون متر مكعب/ السنة، منها 25 مليون متر مكعب/ السنة تجري صوب الغرب إلى المنطقة المحتلة منذ سنة 1948.(16)  

 

قطاع غزة

تتراوح كمية الأمطار المتساقطة في قطاع غزة ما بين 200 ملم/ السنة في رفح جنوباً، و 300 ملم/ السنة في المنطقة الوسطى، و 400 ملم/ السنة في مدينة غزة شمالاً. وقد بلغ المعدل العام لتساقطها، خلال الفترة ما بين سنة 1922 وسنة 1989، نحو 306 ملم/ السنة، أو ما يقدر بنحو 110 ملايين متر مكعب/ السنة.(17) وتقدر التغذية السنوية للمياه الجوفية في قطاع غزة بنحو 42 مليون متر مكعب/ السنة (أنظر الجدول رقم 2). وهناك مصادر أخرى تزود الخزان الجوفي في قطاع غزة بالمياه، هي:

  • تسرب مياه جوفية من الجهة الشرقية، تقدر بنحو 5 – 10 ملايين متر مكعب/ السنة.
  • المياه الداخلية للخزان الجوفي نتيجة الري، والمخلفات السائلة البلدية، والمخلفات السائلة المجمعة في الحفر الامتصاصية، وجميعها يقدر بنحو 10-20 مليون متر مكعب/ السنة.

هذه الإضافات تجعل محصلة كمية المياه التي تدخل الخزان الجوفي لقطاع غزة، تتراوح بين 57 و 72 مليون متر مكعب/ السنة.

لا توجد مصادر مياه سطحية ولا أية ينابيع مائية في قطاع غزة. لكن هناك مسالك مائية تخترق المنطقة (وادي غزة، ووادي السلقا، ووادي بيت حانون) حاملة المياه مدة عشرة أيام في السنة تقريباً. ولقد جف وادي غزة بعد أن أنشأت سلطات الاحتلال سدوداً اعتراضية في المنطقة الواقعة عند حدود القطاع مع المنطقة المحتلة منذ سنة 1948. وقدرت الكميات التي تحجز خلف هذه السدود الاعتراضية بنحو 10-20 مليون متر مكعب/السنة. أما الجريان السطحي لمياه الأمطار من داخل القطاع، فيتجه حالياً ومن خلال المسالك المائية نحو البحر، وبمعدل عام قدره 2 مليون متر مكعب/ السنة. 

كمية استهلاك المياه للأغراض الزراعية

تشكل إدارة المصادر المائية في الزراعة الاهتمام الأول من أجل توفير المياه الكافية لنمو المحاصيل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ري الأراضي الصالحة للزراعة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضروري بسبب أن الطقس جاف نسبياً، وتساقط الأمطار متباين من موسم إلى آخر، ومساحة الأرض الخصبة صغيرة نسبياً.

الضفة الغربية

كان استهلاك الضفة الغربية من المياه للأغراض الزراعية قبل سنة 1967، يبلغ نحو 80 مليون متر مكعب/ السنة. ولا تشمل هذه الكمية المياه التي كانت تضخ من نهر الأردن بواسطة 140 مضخة لري البيارات والأراضي المزروعة بالخضروات في منطقة الغور الشمالي، المعروفة بالزور. حالياً، يقدر الاستهلاك من المياه للأغراض الزراعية في الضفة الغربية بنحو 85 متر مكعب/ السنة. ومصدر هذه المياه هو الينابيع والآبار فقط، إذ منعت سلطات الاحتلال المزارعين الفلسطينيين، منذ سنة 1967، من سحب المياه من نهر الأردن، وصادرت جميع الأراضي المتاخمة لضفته الغربية.(18)   ويقدر إجمالي مساحة الأرض المزروعة في الضفة بنحو 1,700 مليون دونم، موزعة بحسب نوع المحصول المزروع.(19)   (أنظر الجدول رقم 3).

 

 

بالنسبة إلى الآبار في الضفة الغربية، هناك 294 بئراً تضخ المياه لري مختلفة المزروعات. وقد حددت سلطات الاحتلال كمية الضخ من هذه الآبار سنة 1976، معتمدة على قراءات سنتي 1975 و 1976 لعدادات قامت بتركيبها على الآبار خلال سنة 1974، بنحو 28,89 مليون متر مكعب/ السنة. ولم تغير السلطات العسكرية الإسرائيلية هذه الكميات إلى الآن، ووضعت عقوبات قاسية لكل من يخالف أوامرها.(20)   وقد جفّ نحو 12 – 20 بئراً من هذه الآبار، كما خفت الطاقة الإنتاجية لعدد آخر منها بسبب الآبار التي حفرتها السلطات العسكرية الإسرائيلية على أعماق تتراوح ما بين 500 و 600 متر (في حين أن أغلبية الآبار العربية محفورة على أعماق تقل عن 90 متراً).(21)

أما بالنسبة إلى الينابيع في الضفة الغربية، وهي المصدر الثاني المستخدم للأغراض الزراعية، فيزيد عددها على 300 ينبوع. لكن معظمها قليل التصرف، وعالي التردد. إن عدداً من هذه الينابيع، وهو بتصرف إجمالي قدره نحو 40 – 50 مليون متر مكعب/ السنة، ذو مياه مالحة - مثل مياه الفشخة - لا تصلح للري. أما عدد الينابيع ذات المياه الصالحة، والتي تستخدم بانتظام للري، فيبلغ 60 ينبوعاً معظمها ذو تصرف يزيد على 50 ألف متر مكعب/ السنة، ويتركز في السفوح الشرقية، ولا سيما في منطقتي أريحا والفارعة. ويقدر إجمالي تصرف الينابيع المستخدمة للري، بنحو 55,9 مليون متر مكعب/ السنة.(22)   هذا، ويعتبر تصرف ينابيع الفارعة أقل تردداً من غيرها، وهو ما يدل على كبر الخزان الجوفي الذي يغذيها. أما ينابيع وادي العوجا، فقد تأثرت بانخفاض منسوب الخزان الجوفي الذي يغذيها، وذلك نتيجة سحب الآبار التي حفرتها السلطات العسكرية على أعماق كبيرة لتأمين المياه للمزارع الإسرائيلية والمستوطنات ومعسكرات الجيش التي أُنشئت في المنطقة. 

قطاع غزة

تشكل المياه الجوفية المصدر الوحيد لمياه الري في قطاع غزة. وقد ازداد عدد الآبار المحفورة لهذا الغرض مع ازدياد المساحة المزروعة؛ إذ كان عددها نحو 20 بئراً في بداية الخمسينات، فأصبح حالياً 2039 بئراً. ولا يشمل هذا العدد آبار المواصي (أنظر الرسم البياني المرفق). ويتراوح عمق هذه الآبار ما بين 10 و 90 متراً، بينما تتراوح مساحة الأرض المروية ما بين 20 و 300 دونم لكل بئر.(23)  ويقدر إجمالي مساحة الأرض المزروعة في قطاع غزة بنحو 209 آلاف دونم، منها نحو النصف يستعمل في الزراعة المروية.

إذا اعتُمدت كمية المياه اللازمة لري دونم من أرض مزروعة في قطاع غزة بالحمضيات والخضروات، بنحو 1000 و 700 متر مكعب/ السنة على التوالي، فإن إجمالي كمية المياه المستخدمة حالياً في الري يبلغ 86,19 مليون متر مكعب/ السنة.(24)

بالنسبة إلى آبار المواصي الساحلية فقد قدر عددها بنحو 275 - 300 بئر، وهي حفرت على أعماق 4 - 20 متراً، وبطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 50 و 75 متراً مكعباً/ اليوم للبئر الواحدة، أو ما مجموعه 6,57 ملايين متر مكعب/ السنة.

وصلت معدلات الملوحة في عام 1987/1988 إلى 1500 ملغ/ لتر كلورايد. وتقل الملوحة في الجزء الشمالي للقطاع، الممتد من حدود المنطقة المحتلة منذ سنة 1948 ومدينة غزة، وهي تتراوح ما بين 50 و 500 ملغ/ لتر كلورايد. ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات تساقط الأمطار في المنطقة المذكورة. وتبين التحاليل المخبرية حديثة العهد، لعينات أُخذت من مياه آبار تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للقطاع، أن معدلات الملوحة تبلغ في هذه العينات ما بين 2000 و 3000 ملغ/ لتر كلورايد؛ وهو ما يدل على أن جميع الأحواض الجوفية في القطاع قد استغل استغلالاً يفوق طاقته.(25)  وبمقارنة هذه المعدلات بالمعايير الدولية، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإننا نجدها أعلى كثيراً من التركيز الأقصى المقترح لعنصر الكلورايد، وهو 200 ملغ/ لتر، وتؤثر لا في شرب تلك المياه واستعمالها الآدمي فحسب بل في استعمالاتها في الزراعة أيضاً.(26)

 

 

الزراعة المروية 

الضفة الغربية

تشكل الزراعة المروية المصدر الرئيسي للخضروات، والقثائيات، وبعض أصناف الفاكهة (الحمضيات والموز)، المستهلكة في الضفة الغربية والمصدرة منها. فمن المعلوم أنه يتم زراعة الخضروات والقثائيات في الضفة الغربية رياً وبعلاً، إلا إن الإنتاج الكلي للخضروات المروية أعلى

 

 

كثيراً منه للخضروات البعلية، على الرغم من أن المساحة المزروعة بالخضروات المروية أقل من تلك المزروعة بالخضروات البعلية. 

يتضح من الجدول رقم 4 أن إنتاج الخضروات والقثئائيات قد انخفض انخفاضاً ملحوظاً في نهاية عقد الثمانينات. كما يلاحظ أن الانخفاض في قطاع الخضروات المروية أشد كثيراً منه في قطاع الخضروات البعلية؛ ولعل هذا يعود إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج في الأراضي المروية، وانخفاض أسعار الخضروات والقثائيات نتيجة انخفاض التصدير. كذلك، فإن الانخفاض القليل نسبياً في قطاع الخضروات البعلية قد يعود إلى كون أربحية هذا القطاع أعلى من أربحية المحاصيل الحقلية؛ ونتيجة هذا الأمر، نجد أن مزارعي الخضروات البعلية يفضلون زراعتها على زراعة المحاصيل الحقلية. وبسبب تذبذب الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج، ولا سيما في الأراضي المروية، فإن المزارع أصبح يتردد ويفكر كثيراً قبل أن يقدم على زراعة أرضه بالخضروات، وذلك خوفاً من الخسارة، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج في قطاع الزراعة المروية.

هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، يدل الجدول رقم 4 على أنه على الرغم من أن المساحة البعلية تفوق المساحة المروية بنحو 1,7 مرة، فإن إنتاج الأراضي المروية يبلغ نحو 2 - 3 أضعاف إنتاج الأراضي البعلية. وهذا يقودنا إلى حقيقة أنه في ضوء صغر مساحة الأراضي الصالحة لزراعة الخضروات والقثائيات، فإن أية زيادة كبيرة في إنتاجيتها تتطلب زيادة مساحة الرقعة المروية المزروعة بالخضروات والقثائيات، أو زيادة مساحة رقعة الخضروات المحمية.

من ناحية ثالثة، يدل الجدول نفسه على أن في إمكان مزارعي الضفة الغربية زيادة مساحة الأراضي المروية المزروعة بالخضراوات إلى نحو 71 ألف دونم على الأقل (المساحة التي رويت سنة 1985)، أي بزيادة 18 ألف دونم عما روي سنة 1990، أو بنسبة 34%. وفي ظل التحديدات الحالية، ومن دون الحاجة إلى مشاريع رئيسية إضافية، يمكن الحصول على هذه الزيادة إذا تم تأمين التسويق الملائم للمنتوجات الزراعية.

الإنتاج الكلي لمحاصيل الزراعة المروية

يلاحظ أنه كان هناك تباين في الإنتاج الكلي للخضروات والقثائيات والحمضيات في الضفة الغربية، منذ سنة 1967 حتى سنة 1990؛ فأحياناً كانت إنتاجية الخضروات منخفضة نتيجة انخفاض التصدير، ومرتفعة أحياناً أُخرى - وخصوصاً في الثمانينات - وذلك بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلية نتيجة زيادة عدد السكان. أما القثائيات فقد انخفض إنتاجها انخفاضاً كبيراً جداً، بسبب انخفاض التصدير وكون الكميات التي كانت تصدر، في أواسط الثمانيات، أضعاف الاستهلاك المحلي.

مقارنة الجدوى الاقتصادية للزراعة المروية والبعلية

تتميز الزراعة المروية من الزراعة البعلية بإمكان زراعة الأرض المروية أكثر من موسم في العام الواحد. ففي معظم مناطق الزراعة المروية في الضفة الغربية، يمكن زراعة موسمين من الخضروات أو أكثر. يبدأ الموسم الأول في نهاية فصل التاء أو في بداية فصل الربيع، ويبدأ الموسم الآخر خلال فصل الصيف أو في نهايته. وتتباين بداية كل موسم مع اختلاف المناخ واختلاف نوع المحصول.

أما في الزراعة البعلية فيمكن زراعة موسم واحد، وذلك بسبب الاعتماد على مياه الأمطار التي تسقط في فصل واحد، والتي تنعدم نهائياً في فصل الصيف. كما تعتمد الزراعة البعلية على كمية الرطوبة التي تخزنها التربة في أثناء فصل الشتاء. فيتم، في نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع، زراعة الخضروات التي تعتمد على الرطوبة المتجمعة، وينتهي هذا الموسم بنفاد تلك الرطوبة. ولا يمكن البدء بموسم آخر إلا في الفترة نفسها من العام المقبل.

لذا، تكمن جدوى الزراعة المروية في مكان زراعة الأرض مرتين على الأقل في العام الواحد، الأمر الذي ينجم عنه وصول المساحة المحصولية إلى نحو 2 - 3 أضعاف المساحة الحقلية، وبالتالي فإن الجدوى الاقتصادية للزراعة المروية تكون على الأقل 2 - 3 أضعاف جدوى الزراعة البعلية.

غير أن زيادة المساحة المحصولية للأرض المروية ليست العام الوحيد الذي يزيد في جدوى الزراعة المروية. فمن المعروف أن معدل إنتاجية الدونم المروي أعلى كثيراً من معدل إنتاجية الدونم البعلي عند زراعة الخضروات والقثائيات، لذا فإن الجدوى الاقتصادية للزراعة المروية أعلى منها في البعلية، على الرغم من أن تكلفة زراعة الدونم المروي أعلى كثيراً من تكلفة زراعة الدونم البعلي، وللغرض نفسه.

ولعل أهم محاصيل الخضروات التي تزرع رياً وبعلاً في الأراضي المحتلة هو البندورة. ويكلف إنتاج الطن الواحد من البندورة في الأراضي المروية أقل كثيراً مما يكلف إنتاجه في الأراضي البعلية. وهذا يبين لنا أن الجدوى الاقتصادية في الأراضي المروية أعلى كثيراً منها في الأراضي البعلية. ولعل الأهم مما سبق أن الكثير من الأراضي الصالحة لزراعة الخضروات لا يصلح لزراعة الخضروات البعلية بسبب قلة الأمطار، بينما يمكن زراعة جميع الأراضي الصالحة لزراعة الخضروات البعلية بالخضروات المروية (في حالة توفر مصادر مياه للري). كذلك، إذا قارنا أربحية الدونم الواحد من الخضروات المروية، فإننا نجدها أعلى كثيراً من أربحية دونم الخضروات البعلية.

تصريف المحاصيل المروية

تباينت أوجه تصريف محاصيل الزراعة المروية خلال الثمانينات، وذلك لتباين معدلات التصدير من عام إلى آخر. أما الاستهلاك المحلي، فقد بقي الوجهة الرئيسية لتصريف الخضروات والحمضيات.

الاستهلاك المحلي للخضروات والقثائيات والحمضيات

يشكل تعداد السكان والأسعار العاملين الرئيسيين في تحديد كمية الاستهلاك المحلي للمحاصيل الزراعية. وبسبب عدم وجود علاقة محددة بين الاستهلاك وعدد السكان، فإننا نجد تذبذباً في استهلاك  القثائيات والحمضيات، يعود سببه إلى أن هذه المواد الغذائية غير أساسية في الحياة اليومية للمواطن. لذا فإن استهلاكها يعتمد، في الدرجة الأولى، على أسعارها في الأسواق وعلى مدى توفرها.

أما استهلاك الخضروات فمختلف. إذ إن هناك علاقة واضحة بين عدد السكان وكمية الاستهلاك. وهذا عائد إلى أن الخضروات مواد أساسية في الغذاء اليومي للمواطن الفلسطيني.

وبمقارنة عدد السكان بالاستهلاك المحلي، يتبين أن متوسط استهلاك الفرد بين سنتي 1972 و1987، من الخضروات والقثائيات والحمضيات، بلغ 179 و40 و53 كيلوغراماً في السنة على التوالي. 

التصدير

شكل الأردن سوقاً مهمة لتصدير الخضروات والقثائيات والحمضيات المنتجة في الضفة الغربية حتى سنة 1985. لكن بعد هذه السنة انخفض استقبال الأردن وإسرائيل وقطاع غزة ومدينة القدس العربية لمنتوجات الضفة الغربية الزراعية  انخفاضاً كبيراً جداً. ولا يتوقع أن تُفتح السوق الأردنية بصورة جيدة ضمن المعطيات جالحالية، وخصوصاً بسبب رغبة الأردن في حماية مزارعيه، وارتفاع معدلات الإنتاج الزراعي فيه وفي الدول العربية المجاورة. هذا إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي في الضفة الغربية مقارنة بالأردن. كذلك انخفضت الصادرات إلى إسرائيل وقطاع غزة وإلى الخارج انخفاضاً ملحوظاً. وكان من أسباب هذا الانخفاض الكبير القيود التي يضعها كل من الأردن وإسرائيل لحماية مزارعيهن وكذلك فإن من الصعوبة بمكان أمام المزارع الفلسطيني منافسة المزارع الإسرائيلي والمزارع الأردني المدعومين من حكومتيهما.

ولعل أهم سوق يجب العمل لفتحها هي سوق أوروبا والدول الأجنبية الأُخرى، حيث هناك بوادر اهتمام من قبل حكومات هذه الدول لدعم الاقتصاد الفلسطيني في الأراضي المحتلة. لذا يجب الاهتمام بدعم منتوج تكون نوعيته مطابقة لتلك المطلوبة في هذه الدول، ويكون متزامناً في إنتاجه مع حاجات أسواقها.

 قطاع غزة

على الرغم من صغر المساحة المزروعة في قطاع غزة فإن إنتاجها الزراعي مرتفع، وذلك بسبب استعمال الزراعة المروية والمزروعات المحمية فيها. ولصغر مساحة القطاع، وتزايد عدد السكان، فإن إمكان التوسع في الإنتاج الزراعي فيه إمكان محدود.

لقد تزايد إنتاج الخضروات في نهاية عقد الثمانينات، وانخفض إنتاج الحمضيات للفترة نفسها. ويعود السبب في زيادة إنتاج الخضروات إلى زيادة الاستهلاك المحلية المتصاحب مع الزيادة السكانية، بينما يعود انخفاض إنتاج الحمضيات إلى صعوبة تصديرها، ولا سيما أن إنتاجها يفوق كثيراً استهلاك السوق المحلية.

يشكل الاستهلاك المحلي من الحمضيات في قطاع غزة نحو 18% من الإنتاج. وهذا يدل على أن الحمضيات مادة تصديرية في الدرجة الأولى. كذلك، فإن ارتفاع استهلاك القثائيات، على الرغم من أن أغلبها مستورد (من إسرائيل) يشجع على زيادة الرقعة المزروعة بالقثائيات لسد حاجة السوق المحلية في القطاع. أما الخضروات، فعلى الرغم من ارتفاع كمية الاستهلاك المحلي منها فإن الإنتاج المحلي لا يزال يفوق الاستهلاك، ويتم تصدير الفائض.

إن معدل استهلاك الفرد في قطاع غزة، من الخضروات والقثائيات والحمضيات، يقل عنه في الضفة الغربية؛ وهذا عائد إلى انخفاض مستوى الدخل في قطاع غزة عنه في الضفة الغربية، وإلى الاختلافات الاجتماعية بين المنطقتين.

طرق الري المستعملة

 

 

(1) طرق الري التقليدية: وهي طرق الري السطحية التقليدية، حيث يتم ري الخضروات باستعمال الأتلام والمصاطب والدواليب، بينما يتم ري الأشجار باستعمال الحفر. هذه الطرق كانت شائعة شيوعاً كبيراً حتى منتصف السبعينات، حين انخفض استعمالها انخفاضاً كبيراً، وخصوصاً في ري الخضروات. ويعود هذا الانخفاض إلى ارتفاع تكلفة المياه، وبالتالي ضرورة استعمال طرق أكثر كفاءة في الري. ويزداد عدم فعالية الري السطحي بصورة خاصة في الأراضي غير منتظمة الطبوغرافية، والمائلة. هذا، ولا تزال طرق الري السطحي شائعة في بعض الأراضي التي تروى من الينابيع، وفي ري الأشجار.

(2) طرق الري الحديثة: في هذه الطرق يتم الري إما بالرشاشات وإما بالبخاخات، وإما بالتنقيط. وتمتاز هذه الطرق بارتفاع كفاءة أدائها، إذ يتم توزيع المياه في المزرعة بأنابيب، ثم يتم إخراجها لري النباتات إمّا بالرش وإما بالتنقيط. وبذا يكون الفاقد قليلاً، ويمكن إعطاء المزروعات كميات قليلة من المياه، ولا سيما في بداية النمو حيث يكون استهلاك النبتة من المياه منخفضاً. وبسبب كفاءة هذه الطرق، وارتفاع أسعار توفر المياه، وقلة المياه، فقد انتشر استخدامها انتشاراً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة. كما نلاحظ أن طرق الري التقليدية لا تزال تستخدم بكثرة في ري الحمضيات والأشجار المثمرة. أما في ري الخضروات فإن استخدامها منخفض في قطاع غزة، ومرتفع في الضفة الغربية. (أنظر الجدول رقم 5). 

مشكلات الزراعة المروية

(1) مشكلة التسويق وتذبذب الأسعار: يشكل تسويق محاصيل الزراعة المروية، وتذبذب أسعارها، أهم عوائق توسع الزراعة المروية. فمن المعروف أن تكلفة الزراعة المروية مرتفعة جداً، وبسبب تخوف المزارع من مشكلات التسويق وانخفاض الأسعار، فإنه يحاول الزراعة المروية بأقل تكلفة ممكنة، كما يحاول تخفيض المساحة المزروعة. وفي حال ضمان التسويق وضمان حد أدنى لأسعار المنتوجات الزراعية، فإن المزارع سيستغل أرضه بالطريقة التي تعطي أعلى إنتاج.

لقد مرت على المزارعين مواسم انخفضت فيها أسعار بعض الخضروات إلى درجة أن سعر الصندوق الواحد بلغ 20 سنتاً، وهو مبلغ لا يغطي تكلفة نقل الخضروات من المزرعة إلى الحسبة. وفي مثل تلك المواسم لا يجد المزارع بدّاً من أن يتوقف عن قطف المحصول، الأمر الذي يعرضه لخسارة كبيرة جداً.

ونظراً إلى تخوف المزارع من الخسارة فإنه يحاول الإقلال من التكلفة بتخفيض كميات السماد المعطاة، وباستعمال شتل أو بذور أقل جودة، وهو ما يعطي إنتاجية أقل. على سبيل المثال تصل تكلفة تجهيز دونم من البندورة المروية وبإنتاجية 7 أطنان/ دونم إلى نحو 330 دولاراً، بينما يستعمل المزارعون أنواعاً من الشتل و/أو البذور، بحيث يكلف الدونم من الأرض المروية والمزروعة بالبندورة نحو 200 دولار، فينخفض الإنتاج نحو 2 - 3 أطنان/ دونم. وغالباً ما يكون سبب تخفيض التكلفة، وعدم زيادة الاستثمار، التخوف من الخسارة.

(2) مشكلة عدم توفر مصادر كافية للإقراض الزراعي: يلجأ المزارعون عادة إلى أصحاب محلات الحسبة للاقتراض من أجل الزراعة. ونظراً إلى تخوف أصحاب هذه المحلات من إمكان وقوع المزارع في الخسارة، وعجزه عن سداد الدين، فإنهم يضعون شروطاً قاسية للإقراض، و/ أو لا يعطون المبالغ المطلوبة والكافية.

(3) محدودية المياه المتوفرة للري: حددت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، منذ بداية سيطرتها على الأرض الفلسطينية المحتلة، كميات المياه التي يسمح للمزارعين الفلسطينيين بسحبها؛ وهذا ما حدد المساحة المسموح بريها.

(4) انخفاض كفاءة أنظمة الري المستخدمة، وتلف شبكات توزيع المياه، ولا سيما تلك المتعلقة بالينابيع.

(5) عدم وجود خزانات مياه استراتيجية لاستغلال مياه الينابيع والجريان السطحي في أثناء فترة الشتاء، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة من المياه.

(6) عدم وجود إرشاد زراعي فعال لتوجيه المزارعين من أجل الحصول على أفضل إنتاج ممكن، واستخدام الموارد الطبيعية بالشكل الأمثل. فعلى الرغم من توفر أنظمة ري حديثة لدى بعض المزارعين، فإن هؤلاء ما زالوا يجهلون الطرق المثلى لتحديد كمية المياه اللازمة للري، وتصميم شبكات الري، وبرمجة ريها.

(7) عدم وجود تخطيط إقليمي لتوجيه المزارعين إلى المساحات التي يجب زراعتها من كل محصول، ومتى يجب زراعتها.

(8) تدني نوعية المواد الزراعية المستخدمة، من أدوات ري وأسمدة وبذور وشتل، وعدم وجود جهاز لمراقبة تلك المواد ورصدها.

 

المصادر:

(1) أديب الخطيب، "جغرافية فلسطين" (نابلس: جامعة النجاح الوطنية ـ قسم الجغرافيا، 1992)؛ أكرم زعيتر، "القضية الفلسطينية" (القاهرة: دار المعارف بمصر، 1955)، ص 7 ـ 15.

(2) Israel Central Bureau of Statistics, Judea, Samaria and Gaza Area Statistics Vol. 18, Jerusalem 1988, and Statistical Abstract of Israel, No. 42, 1991.                                                                                                       

(3) Ibid.

(4) Ibid.

(5) مركز الدراسات الريفية، "النشرة الإحصائية السنوية للضفة الغربية وقطاع غزة"، رقم 1 ـ 6، نابلس، جامعة النجاح الوطنية، 1980 ـ 1989؛ CBS,op.cit.                                                                                                                                                                              

(6) د. مروان حداد، "خطة خمسية مقترحة لتطوير الموارد المائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، دراسة في قيد النشر، نابلس 1991، ص 30.

(7) International Association of Agricultural Economics, World Atlas of Agriculture, Vol. 2-IAsia and Oceania (Novara: Instituto Geografico De Agostini), pp. 309-319.     

(8) Ibid.

(9) United Nations, “Israeli Land and Water Practices and Policies in the Occupied Palestinian and other Arab Territories,” A Note by Secretary General/United Nations, New York 1991 (A/46/263).                                 

(10) Marwan Haddad, “The Environment in the Occupied Palestinian Territory,” A Preliminary Report prepared for the Conference on the Management of the Environment in the Mediterranean Basin (Nicosia: Center for Engineering and Planning, April 1990), p. 19.                                                                                                          

(11) معلومات جمعت.

(12) د. هشام عورتاني وشاكر جودة، "الزراعة المروية في المناطق المحتلة" (نابلس: مركز الدراسات الريفية، سلسلة الدراسات المتخصصة رقم 23، شباط 1991)ن ص 5.

(13) D. H. Yaalon, “Classification and Numenclature of Soils in Israel,” Bulletin Research Council, Jerusalem, 1959.

(14) دائرة الزراعة في الضفة الغربية، تقرير غير منشور عن تصنيف الأراضي في الضفة الغربية. تم في هذا التقرير تصنيف الأراضي في الضفة الغربية ستة أصناف: الأول يحدد الأراضي الصالحة للزراعة المروية من دون محددات، بينما يحدد الصنف الثاني الأراضي الصالحة للزراعة المروية مع وجود بعض المحددات. أما الأصناف الأربعة المتبقية، فتحدد الأراضي البعلية القابلة للزراعة وغير القابلة للزراعة. والتصنيف المذكور تم باستخدام مخططات كونتورية للمنطقة أُعدت بالتصوير الجوي.

(15) حداد، مصدر سبق ذكره، ص 6 – 9.

(16) D. J. Elazar (ed.), Judea, Samaria and Gaza Strip: Views on the Present and Future (Washington, D. C.: American Enterprise Institute for Public Policy Research, 1982), pp. 87-92; Marwan Haddad and Abdel Rahman Awad, “Water Resources in the West Bank and Gaza Strip,” A Report prepared for the United Nations Conference on Trade and Development, UNCTAD, May 1991, p. 24.                                                                                                                              

(17) Elazar, op. cit., pp. 95-99.

(18) روز مصلح، "إسرائيل ومصادر المياه في الضفة الغربية"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 118، بيروت 1981، ص 16-25.

(19) David Kahan, Agriculture and Water Resources in the West Bank and Gaza (1967-1987(, (Jerusalem: The Jerusalem Post, April 1987), p. 129;                                                                                                                       

مروان حداد، معلومات جمعت خصيصاً لهذه الدراسة.

(20) "الكتاب الهيدرولوجي السنوي" (وزارة الزراعة الإسرائيلية، دائرة المياه، 1978)، ص 2-31.

(21) د. هشام عورتاني، "الآبار الارتوازية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ـ الوضع الحالي والتطلعات المستقبلية" (نابلس: جامعة النجاح الوطنية، شباط 1991)، ص 2.

(22) "الكتاب الهيدرولوجي السنوي"، مصدر سبق ذكره، ص 2 – 31.

(23) محمد علي خلوصي، "التنمية الاقتصادية في قطاع غزة ـ فلسطين 1948 إلى 1962" (القاهرة، 1967)، ص 75.

(24) Kahan, op. cit (1988), pp. 22-26.

(25) Elazar, op. cit., pp.98-99;

مديرية الزراعة بغزة، المختبر المركزي للمياه، "تحليل كيميائي لمياه الشرب"، نيسان ـ حزيران 1989؛ د. هشام عورتاني، "السياسات المائية في الضفة الغربية"، ورقة مقدمة لمؤتمر التنمية من أجل الصمود (القدس: جمعية الملتقى الفكري العربي، 1981)، ص 21 ـ 23.

(26) WHO, “World Health Organization International Standards fr Drinking Water,” 3rd  Edition, Geneva 1971.

السيرة الشخصية: 

مروان حداد: جامعة النجاح الوطنية في نابلس ـ قسم الهندسة المدنية.
نعمان مزيد: جامعة النجاح الوطنية في نابلس ـ قسم العلوم الزراعية.