الإسلاميون الفلسطينيون: التعددية والديمقراطية
كلمات مفتاحية: 
الإسلام والسياسة الضفة الغربية
حركة حماس
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
الديمقراطية
نبذة مختصرة: 

تحاول الدراسة تحديد مواقف الإسلاميين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من قضيتي التعددية والديمقراطـية. وهي تركز على الإسـلاميين المنتمين إلى جمـاعــات سـياسية، أي إلى حركـتي "حـماس" و "الجهاد الإسلامي". وتخلص الدراسة إلى أن ليس لدى الإسلاميين الفلسطينيين أية مواقف أو تنظيرات حقيقية خاصة في شأن المسائل الكلامية أو العقائدية أو النظرية، بما فيها قضية الإسلام والديمقراطية.

النص الكامل: 

تحاول هذه الدراسة تحديد مواقف الإسلاميين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة من قضيتي التعددية والديمقراطية. وتركِّز الدراسة على الإسلاميين المنتمين إلى جماعات سياسية والملتزمين العقيدة الإسلامية وبرامجها. لذلك، تشير عبارة "الإسلاميون الفلسطينيون" في هذا السياق إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، وتستعمل مرادفة لهما. أما آراء الأفراد ذوي الميول الإسلامية وغير المنتمين إلى أية من هاتين الجماعتين، فلا تدخل نطاق هذه الدراسة.

بعد الانتصار المدهش الذي أحرزته جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية يوم التاسع من كانون الأول/ ديسمبر [1991]، في أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تجري في البلاد منذ الاستقلال، وفي ضوء تصاعد حركة الإسلاميين في الأردن، بات درس موقف الجماعات الإسلامية الفلسطينية من التعددية والديمقراطية يكتسي أهمية خاصة. ولما كان الإسلاميون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة يفتقرون إلى أية تجربة غنية خاصة بهم في مجالات المشاركة السياسية والتعددية والديمقراطية والحكم، فمن المتوقع أن تشكل التجربتان الجزائرية والأردنية مصدر إلهام يستوحيه الإسلاميون الفلسطينيون.

إن نتيجة التجربة التعددية في الجزائر، مثلها مثل نتيجة الانتخابات النيابية في الأردن سنة 1990، قد تمنح الإسلاميين الفلسطينيين مزيداً من الثقة ليجرِّبوا طُرق التعددية والديمقراطية. فالانتصاران الإسلاميان في الأردن والجزائر مدَّا الإسلاميين الفلسطينيين بالقوة المعنوية والنفسية. إلا إن الطريقة التي عُلّقت بها التجربة الديمقراطية في الجزائر، أو حيل دونها، قد ولَّدت إحساساً بالخوف والقلق عند الإسلاميين الفلسطينيين، ووضعتهم في مواجهة إمكان فقدان الدعم الخارجي، والتصادم مع الوطنيين في الأراضي المحتلة.

ولعل المثال الجزائري يكتسي، على نحو ما، أهمية خاصة بالنسبة إلى الإسلاميين الفلسطينيين بسبب قرب الشبه بين الحركتين. فبينما نهض الإسلاميون الجزائريون يعارضون جبهة التحرير الوطنية المستولية على السلطة، يعارض الإسلاميون الفلسطينيون منظمة التحرير الفلسطينية "المستولية" على تمثل الشعب الفلسطيني تمثلاً رسمياً. لكن ربما لم تقلّ عن ذلك أهمية تجربتا الجمهورية الإسلامية في إيران والجبهة الإسلامية التي يقودها حسن الترابي في السودان. ومثالا إيران والسودان مملوءان عِبَرا، لأن الإسلام السياسي بات يمسك بناصية السلطة فيهما ولم يعد في مرحلة السعي للقبض عليها.

ليس في الأراضي المحتلة حتى الآن أي معيار موثوق به لتقويم قوة الإسلاميين بالنسبة إلى الوطنيين. وليس لأي من التقويمات التي جرت حتى الآن أي اساس في الواقع الفعلي. لذلك، ونظراً إلى تقلُّب الحال السياسية وتبدل أنماط التأييد، فإن من المحتمل أن تولد الانتخابات الحرة، إذا ما جرت في أوضاع ملائمة للإسلاميين، نتائج مفاجئة نظير تلك التي شهدتها الانتخابات النيابية الجزائرية. وعلى الرغم من أن نتائج انتخابات بعض الروابط المهنية والنقابات والمجالس الطالبية وغرف التجارة في الضفة الغربية وغزة تظهر تمثيل الفريقين على نحو جزئي ولا يمكن استعمالها بيِّنة قاطعة، فإن بعض هذه النتائج يمكن أن ينظر إليه باعتباره مؤشراً إلى مدِّ إسلامي محتمل في بعض المناطق على الأقل.

إن موضوعات التعددية والديمقراطية التي تعني الحركات الإسلامية الأُخرى في البلاد العربية لا تنطبق تماماً على الجماعات الإسلامية في الأراضي المحتلة. ففي حين أن الحركات الإسلامية الكبرى باتت معنية الآن بمسألة الحكم الإسلامي في البلاد العربية، فإن الجماعات الإسلامية في الأراضي المحتلة تعمل في إطار آخر؛ إطار النضال من أجل التحرر الوطني. والهم الأول الذي تهتم هذه الجماعات به هو تخلصها وتخلص المجتمع الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، وامتلاك السلطة. يضاف إلى ذلك أنه بينما يعتقد الإسلاميون في العالم العربي أن امتلاك السلطة السياسية سيمكنهم من بناء مجتمع إسلامي، فإن الإسلاميين الفلسطينيين يعتقدون أن أسلمة المجتمع الفلسطيني هي السبيل إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم إنشاء دولة إسلامية في فلسطين.

والإسلاميون الفلسطينيون لا يهتمون إلا عرضا بمسائل التعددية والديمقراطية. فهذه المسائل لا تناقش إلا على نحو  محدود، وعلى الأخص في مجال العلاقات بين الفلسطينيين أنفسهم وفي الطريقة التي ينبغي لمختلف الجماعات الفلسطينية أن يتصرف بعضها بها حيال بعضها الآخر. ويُنصَح في هذا الشأن بالتسامح ويُدعى إليه. لكن في غياب إطار مرجعي سياسي واحد، وفي جو التنافس والتزاحم، فإن لا مجال لاتفاق كامل على مجموعة محددة من القواعد للاسترشاد بها في العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية. والجماعات على اختلافها تدعو إلى السلوك الديمقراطي أو تظهر ولاء شفوياً له، وذلك بسبب ما يتمتع هذا السلوك به من جاذبية في نظر الشعب الفلسطيني باعتباره الوسيلة الفضلى لضمان الوحدة الوطنية.

لكن لعل هذه الجماعة أو تلك دعت إلى هذا الموقف أو ذاك حين كانت مواقف كهذه تخدم مصالحها. فالإسلاميون الفلسطينيون ينظرون بعين الرضا مثلاً إلى مسألة الانتخابات البلدية أو السياسية حتى في إطار الاحتلال الإسرائيلي. فمن شأن هذه الانتخابات أن تظهر قوة الإسلاميين قياساً بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من الوطنيين العلمانيين. ولهذا السبب، شارك الإسلاميون الفلسطينيون في الانتخابات التي أُجريت في النقابات والروابط المهنية والمجالس الطالبية الفلسطينية في جامعات الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويذهب الإسلاميون الفلسطينيون إلى أن لا أساس لفكرة الديمقراطية في التراث الإسلامي. فبينما يخول الشعب في الديمقراطيات الغربية بعض المؤسسات سلطة التشريع، فإن مصدر التشريع في الإسلام هو القرآن. والقرآن هو دستور أمة المسلمين ولا يمكن تغييره أو تعديله. وتوفر السُّنة والاجتهاد تغييرات تفصيلية ومحددة.

وللسلطة التشريعية الإسلامية أن تلجأ إلى الاجتهاد في بعض القضايا. وثمة في هذا المجال مفهوم "السياسة التشريعية". وتتضمن السياسة التشريعية إصدار أحكام من شأنها أن تخدم مصلحة الأمة. وينبغي لهذه الأحكام أن تُستمد من الشريعة وأن تكون متسقة معها. وبدلاً من "حكم الشعب نفسه بنفسه" الذي تقوم الديمقراطية الغربية عليه، فإن الإسلام يقضي بـ"ولاية الله على الشعب".[1]

ويرى الإسلاميون الفلسطينيون أنه في حين أن مصدر التشريع في التراث الإسلامي ومصدر التشريع في التراث الغربي مختلفان اختلافاً بينا، فثمة بعض أوجه الشبه في السلطات التنفيذية في التراثين. فالسلطة التنفيذية تُختار في الحالين، وإن اختلفت طرق اختيارها. ففي الإسلام لا يقر لجماهير الشعب بسلطة اختيار الحاكم. ولما كانت هذه الجماهير على قدر غير كاف من الثقافة، فإن ليس في وسعها إلا أن تختار، بحسب مواصفات محددة، نخبة من المسلمين الواسعي الاطلاع جداً، هم أهل الحل والعقد. وإلى أهل الحل والعقد هؤلاء تعود بمهمة اختيار الحاكم. ولا بد من أن يستوفي الحاكم بعض الشروط كي يحوز ثقة هذه الجماعة من علماء المسلمين. وبهذا المعنى، وبهذه الوجهة، يمكن أن توصف السياسة الإسلامية، من منظور المعايير الغربية، بأنها سياسة نخبوية لا سياسة ديمقراطية.

في الديمقراطية الغربية يتم اختيار أعضاء البرلمان بوساطة الانتخابات، ثم يختار هؤلاء الأعضاء بدورهم رئيس الحكومة. وفي وسع أعضاء البرلمان أن يشرِّعوا أيضاً لكن، خلافاً للإسلام، يمكن للحاكم الغربي أن يختاره الشعب مباشرة. أما في أيامنا هذه، فقد باتت فكرة الانتخابات قاعدة مقبولة عند المسلمين؛ ففي جمهورية إيران الإسلامية التي تحكمها حكومة إسلامية رسمياً، تجرى انتخابات على الطريقة الغربية لاختيار مجلس الشورى الإيراني. ويمكن اعتبار هذا المجلس تكييفاً إسلامياً للبرلمان الغربي. لكن هذا المجلس ربما كان من حيث الماهية والوظيفة أقرب إلى مؤسسة الحل والعقد. وفي رأي الشيخ بسام جرار، أحد القادة الإسلاميين في الضفة الغربية، أن الانتخابات هي "المتغيِّر" الذي يستعمل أداة للتحقق من "الثابت"، وهذا الثابت هو موافقة الأمة.[2]

وغاية موقف الجماعات الإسلامية في الأراضي المحتلة أن مفهوم الديمقراطية إنما هو مفهوم غربي. وهو لذلك غريب عن الإسلام من حيث لفظه ومادته. ويرفض الإسلاميون الفلسطينيون المفهوم على أساس مذهبي، ويحتجون بأنه اياً يكن معنى مفهوم الديمقراطية، فإن العقيدة الإسلامية أوسع منه إحاطة لأنها تقدم مبادئ أعدل وأشمل. ولذلك، ليس لمفهوم الديمقراطية مكان في المجتمع المسلم ولا يمكن تطبيقه فيه.

وفي رأي الدكتور محمود الزهار، وهو من مؤيدي حماس البارزين، أن الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة ترفض فكرة الديمقراطية لأن الديمقراطية لا تمثل نظاماً عادلاً يلائم كل المجتمعات. وفي رأيه أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، وهذه الأغلبية قد تكون ضئيلة. وبموجبها يمكن أن تفرض آراء 51% فقط من السكان على 49%. وعندما يكون هناك تكافؤ تقريباً فإن من شأن صوت واحد أن يحدِّد خيار البلد ووجهته.[3]

والاستنتاج الضمني هنا هو أن الديمقراطية غير عادلة، لأنها تخضع أقلية كبيرة (49%) لإرادة أكثرية ضئيلة. وفي المقابل، يُفترض أن الإسلام يضمن موافقة الجميع. لكن، إذا ما أخذنا نموذج إيران مرة أُخرى، يتبيّن أن الموافقة الإجماعية لا تتحقق دائماً. فقد وجدت هناك معارضة لأحكام الأكثرية في مناسبات عدة. ومن شأن هذه التناقضات أن تنشأ دائماً عندما تقابل الديمقراطية بالإسلام أو تقارن أوجه منها به.

أما بالنسبة إلى الأقليات غير المسلمة، فإن موضع هذه الجماعات في مجتمع قد حدَّده القرآن. إلا إن الإسلاميين الفلسطينيين يتعاملون، في الأوضاع القائمة، مع أهل الكتاب كأنداد لهم متساوين معهم في الحقوق والواجبات. والجدير بالذكر أن إثنين من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، يتزعمهما فلسطينيان مسيحيان.

ويذهب الإسلاميون إلى أن عليهم التعايش مع النظام غير الإسلامي القائم حتى قيام المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي. وفي رأي حركة حماس في الأراضي المحتلة أن مشاركة الجماعات الإسلامية في حكومة غير إسلامية ليست مقبولة إذا كانت غايتها تطبيق برنامج يتعارض مع الإسلام. إذ لا يسع هذه الجماعات الإسلامية أن تلتزم قرارات تناقض الإسلام والشريعة، حتى لو كانت الأكثرية هي التي اتخذتها.

إن موقف الحركات الإسلامية في الأراضي المحتلة من منظمة التحرير يختلف عن موقف الحركات الإسلامية في الأردن من الحكومة الأردنية. إن منظمة التحرير تعرض على الإسلاميين الفلسطينيين المشاركة في المنظمة ومؤسساتها، لكنها لا تلتزم تعديل برنامج المنظمة وتوجهها العلمانيين، بينما يعتبر الإسلاميون ذلك شرطاً مسبقاً للمشاركة. أما المشاركة في الانتخابات التي يقبل الإسلاميون في الأراضي المحتلة بها مبدئياً، فالغاية منها التوصل إلى أكثرية تتيح تطبيق شريعة الله.

أما في حال الأردن، فإن الإخوان المسلمين قد توصلوا إلى تفاهم مع النظام الأردني يقضي بأن الإخوان، وإن شاركوا في السلطة، فهم لا يلتزمون القرارات والتشريعات التي تناقض الشريعة الإسلامية. ولهذا السبب تحديداً، تجنَّب الإخوان المشاركة في حكومة طاهر المصري، ثم في حكومة زيد بن شاكر، وذلك لما تعهدت الحكومتان به من المشاركة في عملية السلام التي يعارضها الإخوان على أساس أن مشاركة كهذه تتعارض مع المبادئ الإسلامية. والجماعات الإسلامية في الأردن تخضع للقرارات والأحكام التي تتخذها حكومة غير إسلامية وإنْ كانت تحجب تأييدها عن بعض سياسات الحكومة. وهي تحافظ على القانون والنظام مثلما تعرِّفهما الحكومة القائمة.

وفي رأي الدكتور الزهار أن المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي متى قاما فلن يُسمح بوجود أحزاب سياسية تعتمد أيديولوجيات غير إسلامية. وحدها الجماعات الإسلامية التي تعدُّ الإسلام إطاراً مرجعياً لها والقرآن دستوراً، سيسمح لها بأن تعرب عن تأويلاتها المختلفة لمبادئ الإسلام وتعالميه.[4]   ويرى الشيخ بسام جرار أن أي حزب يعمل في ظل الحكم الإسلامي وفقاً للدستور هو حزب شرعي. لكنه يضيف أيضاً أن على الحكم الإسلامي أن يقرر هل من الأفضل لنشر الفكرة الإسلامية أن يسمح بتداول أفكار متعدِّدة أم هل يجب حظر هذه الأفكار.[5]

وإلى أن ينشأ الحكم الإسلامي في المجتمع الفلسطيني، فإن مواقف الإسلاميين الفلسطينيين من الديمقراطية تتأثر وتتلون باعتبارات عدة. وفي طليعة هذه الاعتبارات الأوضاع الخاصة المتعلقة بكون المجتمع الفلسطيني خاضعاً لحكم أجنبي وبكون الآراء تتباين فيه بشأن طبيعة النضال ضد الاحتلال وبشأن دَوْر الإسلام والمسلمين فيه. يأتي بعد ذلك كون الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة حركة حديثة لم تزل في بداية طريقها من تحديد مواقفها بالنسبة إلى القضايا ذات العواقب الجدية كالتعددية والديمقراطية. الاعتبار الثالث هو أن على الإسلاميين الفلسطينيين أن يعتمدوا، في تحديدهم لمواقفهم العملية من القضايا السياسية، على تجربة غيرهم من الإسلاميين وتقاليد جماعات إسلامية أخرى.

الأَوْلى من الديمقراطية والأشد إلحاحاً على الإسلاميين الفلسطينيين في هذه المرحلة هو مسألة التعددية، التي تتعلق بالعلاقات الحالية بين الجماعات الفلسطينية، ومنها الإسلاميون. وفي رأي الدكتور محمود الزهار أن الإسلاميين يقبلون، في غياب الحكم الإسلامي، فكرة التعددية لأنها مفروضة عليهم. إلا إن الحركة الإسلامية لا تسعى لإقامة نظام متعدد الأحزاب، ولا سيما إذا كانت الأحزاب غير إسلامية. ويذهب الزهار أيضاً إلى أن الإسلاميين يقبلون فكرة الديمقراطية في نظام غير إسلامي لأن الإسلام يزدهر في ظل الديمقراطية أكثر مما يزدهر في ظل الديكتاتورية.[6]   ويذهب الشيخ بسام جرار إلى أن الإسلام يميِّز بين "الذين يختلفون عنك في ما يحملونه من آراء، وبين أولئك الذين يعادونك. والتحالف بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية مباح ما دام يُعقد بحسب المبادىء الإسلامية."[7]

إن التحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية لا يتفق وهذا المعيار. ومع ذلك، فثمة مجال للتنسيق في بعض القضايا التي لا تناقض الإسلام. ولا يتوجب على الإسلاميين الفلسطينيين ولا على منظمة التحرير الفلسطينية، في هذه الحال، التخلي عن الالتزامات السياسية أو الأيديولوجية. فمن ذلك أن حماس نفسها لا تعارض فكرة التنسيق مع الجماعات الفلسطينية السياسية الأُخرى. ففي إثر انعقاد مؤتمر السلام في مدريد، بادرت حماس إلى الدعوة إلى مثل هذا التنسيق[8]  لتأليف معارضة أوسع للمؤتمر. لكن نظراً إلى طبيعته التكتية وإلى كونه لا يقوم على أسس أيديولوجية أو مذهبية مشتركة، فالتنسيق بين الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية ليس حقيقياً ولا دائماً. ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن التحالفات المتغيرة بين هذه الجماعات. ففي حين يكون هناك اتفاق على بعض المواقف في بعض الأوقات فقد تنشأ خلافات أو حتى صراعات بشأن بعض القضايا الأخرى في أوقات أخرى. فمن ذلك أن حماس نسَّقت إضراباً شاملاً مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احتجاجاً على المشاركة الفلسطينية في المؤتمر، لكن في وقت لاحق، اصطدم أنصار الجبهة في الضفة الغربية بأنصار حماس في شأن مسألة أخرى.

وقد أشار نفر من قادة حماس في مناسبات متفرقة إلى ما يمكن وصفه بـ"تدابير ديمقراطية". فمن ذلك أن الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس وزعميها، قد صرَّح أنه يؤيّد دولة فلسطينية ديمقراطية متعددة الأحزاب: "أياً يكن الفائز، فإنه سيخول تسلُّم السلطة. وحتى لو فاز الشيوعيون، فإني سأحترم إرادة الشعب الفلسطيني."[9]  لكن ليس من الواضح كيف سيوفِّق ياسين بين هذا الموقف المؤيد للديمقراطية وبين موقفه الحازم من ضرورة إقامة دولة إسلامية في فلسطين. لا مجال للشك في أن كلام ياسين عن نظام متعدِّد الأحزاب إنما هو كلام تكتي، لأن الإسلام يحظر الأحزاب السياسية.

عندما سُئل الشيخ ياسين هل تمثل حركته بديلاً من منظمة التحرير الفلسطينية، عبَّر ردُّه عن الرغبة في احترام حرية الاختيار قائلاً: "لدينا فكرة، ولدى منظمة التحرير الفلسطينية فكرة، والحَكَم الوحيد هو الشعب. وما يقرره الشعب مقبول عندنا."[10]  وينطوي رد ياسين على فكرة الانتخابات. وفي مناسبة أُخرى أشار ياسين إلى أنه يحترم رأي الأكثرية وإن لم يوافق عليه.[11]

وفي رأي قائد آخر من قادة حماس، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أن التوصل إلى اتفاق مع جماعة لا تعتنق الأيديولوجية الإسلامية (والإشارة هنا إلى حركة فتح)، مسوَّغ إذا ما كانت الغاية منه "تفادي الصراع الداخلي الذي قد يدمر كل شيء"، ومن شأن اتفاق كهذا أن يصد أعداء شعبنا عن اغتنام الفرصة لاستغلال الاختلافات بيننا. وقد صرَّح الرنتيسي أيضاً أن للاختلاف في وجهات النظر مزايا إيجابية عدة.[12]

والواقع هو أن الإسلاميين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لا خيار لهم إلا تأييد التعددية والتسامح السياسي. ويمكن لهذا الموقف أن يصدر عن اعتبارات عملية أيضاً؛ فالإسلاميون لا يشكلون القوة الكبرى في المجتمع، ولذلك كان تأييد التعددية يخدم قضيتهم ويمنحهم الحماية. وفي أثناء انعقاد مؤتمر السلام في مدريد في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، امتنعت حماس من التصادم مع الوطنيين من مؤيدي المؤتمر الذين تحدَّوا الإضراب الذي نظمته حماس احتجاجاً على المؤتمر ولم ينفذوه. وقد اقتحم الوطنيون عدداً من المساجد وكتبوا على الجدران شعارات مضادة لحماس، بل إنهم تعاركوا مع بعض مؤيدي حماس. وقد صدرت ردّة فعل حماس الملطفة عن إدراكها أن ميزان القوى على الأرض ليس في مصلحتها. وكانت حماس، في أوقات سابقة، وتحت أوضاع مختلفة، أبدت تصميماً وعدوانية أكبر وتحدَّت الوطنيين.

يُعَدُّ ميثاق حركة المقاومة الإسلامية – حماس المرجع الأعلى للسلطة التي تحدِّد موقف الحركة وعلاقاتها بغيرها من الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية. وفي ما يتعلق بالحركات الإسلامية الأخرى، ينص الميثاق على أن "حركة المقاومة الإسلامية تنظر إلى الحركات الإسلامية الأخرى نظرة احترام وتقدير، فهي وإنْ اختلفت معها في جانب أو تصوُّر اتفقت معها في جوانب وتصورات. وتنظر إلى تلك الحركات، إنْ توفرت النيات السليمة والإخلاص لله، بأنها تندرج في باب الاجتهاد، ما دامت تصرفاتها في حدود الدائرة الإسلامية... وتعتبر تلك الحركات رصيداً لها... وستواصل حماس رافعة لراية الوحدة وتسعى جاهدة لتحقيقها على الكتاب والسُّنة."[13]

أما بالنسبة إلى الموقف من الفصائل الوطنية، فينصُّ ميثاق حماس على أنها "تبادلها الاحترام، وتقدر أوضاعها والعوامل المحيطة بها، وتشد على يدها ما دامت لا تعطي ولاءها للشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي." و"تطمئن حماس جميع الاتجاهات الوطنية العاملة على الساحة الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين بأنها سند لها وعون، ولن تكون إلاّ كذلك قولاً وعملاً، حاضراً ومستقبلاً... مع إدراكها لحق الدفاع عن النفس."[14]

وأما عن الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية، فينص الميثاق على أن حماس "تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية. ففيها الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه أو أخاه أو قريبه أو صديقه؟"[15]  لكن الميثاق ينص أيضاً، في تناقض بيِّن، على أن منظمة التحرير الفلسطينية تعتمد أفكاراً علمانية، وأن "الفكرة العلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة... ومن هنا، ومع تقديرنا لمنظمة التحرير الفلسطينية... وما يمكن أن تتطور إليه -  ... لا يمكننا أن نتخلى عن إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية." لكن ما أن تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام منهج حياة "فسنكون جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء."[16]

بعد صدور ميثاق حماس ونشره، وردّاً على دعوة حماس إلى الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، طلبت حماس أن تُعطى 40% من المقاعد في المجلس الوطني الفلسطيني، وادَّعت أن هذه النسبة المئوية تعبِّر عن ثقلها الحقيقي في صفوف الشعب الفلسطيني، ولا سيما في الأراضي المحتلة. ولم يكن من الواضح هل كان مطلب حماس هذا حقيقياً أم تكتياً. ذلك لأن العمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية سيعني قبول إطار غير إسلامي للتعاون، وهذا أمر يتعارض مع ما أوردناه من ميثاق حماس.

ثمة نظرة إسلامية فلسطينية جريئة مختلفة إلى فكرة التعددية ابتكرها الدكتور بشير نافع، وهو منظِّر بارز تعبِّر آراؤه عن تفكير حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. يدعو الدكتور نافع إلى فكرة "الجماعة الوطنية". وفحوى هذه الفكرة تمثيل كل القوى السياسية، بصرف النظر عن التزامها الإسلام عقيدة سياسية، في تحالف يدعى الجماعة الوطنية. وفي رأيه أن الحركة الإسلامية لن تقدر على تحقيق غايتها من إقامة نظام إسلامي (ولا تستطيع، في حالة فلسطين، أن تقود مشروع التحرير) من دون تمثيلها لـ"الجماعة الوطنية".[17]

إن التزام الحكم الإسلامي الشامل أو الخلافة الإسلامية لا يستطيع أن يحقق وحده هذا النوع من التمثيل. فكي تتمكن الحركة الإسلامية من تمثيل "الجماعة الوطنية"، لا بد من أن تضمن قبول واستيعاب الأحزاب والجماعات كلها، بما فيها القوى غير الإسلامية والجماعات غير المسلمة التي تعيش في المجتمع الإسلامي، فضلاً عن التيارات والقوى الاجتماعية الأخرى الآخذة بأسباب الحضارة الغربية لكن من دون أن تكون مناوئة للإسلام.[18]

وينتقد نافع ميل القوى الإسلامية السائدة إلى استبعاد العناصر غير الإسلامية عن المؤسسات الاقتصادية والثقافية التي تسيطر هذه القوى عليها. ذلك بـأن من شأن موقف كهذا، فيما يرى نافع، أن يعزِّز عزلة الجماعات الإسلامية في المجتمع، وأن يُحدث الفرقة والاحتكاك بين الطائفتين المسلمة والمسيحية، وأن ينفّر القطاعات المتغربة اجتماعياً وثقافياً.[19]

وفي رأي نافع أن الحركة الإسلامية لن تتمكن من تمثيل "الجماعة الوطنية" إلا إذا اعتمدت خطة تتمتع بتأييد المجتمع في سواده الأعظم وتحقق الإجماع الوطني. وعلى هذه الخطة أن تتناول أهم اهتمامات "الجماعة الوطنية". فمن ذلك أن أي تيار إسلامي في فلسطين يتجاهل الصراع مع الصهيونيين لا يمكنه أن يدعي تمثيل "الجماعة الوطنية".[20]

ويرى نافع أيضاً أن الحركة الإسلامية المعاصرة بحاجة ماسة إلى عملية اجتهاد موسَّعة وبعيدة المدى. ولا يمكن لهذه العملية أن تتم على يد عالِم واحد، بل تحتاج إلى جهود العشرات من المؤسسات والجماعات من جميع أوساط الشعب. لكن هذا لا يعني، في نظر نافع، أن على القوى الإسلامية ألاّ تعنى بالاهتمامات الضيقة لكل "جماعة وطنية" وأن تتخلَّى عن انتمائها إلى الأمة الإسلامية. بل يجب أن تبقى الغاية المركزية تحقيق نهضة الأمة الإسلامية.[21]

إن فكرة الجماعة الوطنية التي برزت بعد الإخفاق في تحقيق فكرة الأمة الإسلامية قد أصبحت، فيما يراه نافع، جوهرية من أجل تحقيق الاستقلال الوطني من الاحتلال الأجنبي على مستوى الدولة. إلا إن فكرة الجماعة الوطنية هذه تختلف عن فكرة الدولة، لأنه بينما تحمل الفكرة الأولى في ذاتها "كل صفات الانتماء الإسلامي وتبتغي الوحدة لا الفرقة، فإن الثانية ملتزمة جداً جمع الكيانات المتفرقة وتوطيدها."[22]

وفي نظر نافع أن "الجماعة الوطنية" قد باتت سبيلاً وسطاً بين إطار الأمة الإسلامية وبين حال الانقسام البادية في انقسام هذه الأمة إلى دول مستقلة. وقد عبَّر ميل "الجماعة الوطنية" إلى التضامن الإسلامي عن نفسه في دعم نضال الجزائر من أجل الاستقلال وفي دعم المجاهدين في أفغانستان، وهو يعبِّر عن نفسه الآن في حال فلسطين.[23]

على الرغم من جدة آراء نافع، فهي انتقائية، وقد لا تتسق والعقيدة الإسلامية. فمن الواضح أن نافع يسعى، كغيره من الإسلاميين، لإقامة نظام إسلامي. وليست الجماعة الوطنية في هذه الحال إلا مرحلة انتقالية يؤمل منها أن تقود الناس طوعاً، لربما من خلال التربية أو الإقناع، إلى إقامة ذلك النظام. ولئن تعذّرت الآن إقامة هذا النظام على مستوى الخلافة، فإن الخطوة البديلة القابلة للتنفيذ هي إقامة هذا النظام على مستوى الدولة الوطنية. ويعتقد نافع ضمناً أن هذه الدولة، نظراً إلى طبيعتها الإسلامية، ستختلف في طابعها ووظيفتها عن الدول الوطنية غير الإسلامية القائمة.

وفكرة الجماعة الوطنية، وإنْ تكن تلحظ المشاركة السياسية للمواطنين كافة، فهي تفترض مسبقاً أن الحركة الإسلامية ستكلّف قيادة المجتمع. إلا إن نافع لا يفسِّر كيف، وبأية وسائل (ديمقراطية أو غير ديمقراطية) ستتولى الحركة الإسلامية السلطة في المجتمع.

أخيراً، لا يبيِّن نافع إلى أي أساس من العقيدة الإسلامية تستند فكرة الجماعة الوطنية. والعجز عن إثبات ذلك الأساس ينسف فكرة نافع في دوائر الإسلاميين الذين قد يعدُّون اجتهاد نافه من قبيل البدع.

 

خاتمة

              ليس لدى الإسلاميين الفلسطينيين أية مواقف أو تنظيرات حقيقية خاصة في شأن المسائل الكلامية أو العقائدية أو النظرية، بما فيها قضية الإسلام والديمقراطية. ذلك لأن المواقف في شأن هذه القضايا إنما تصدر عن علماء أو منظرين في الجماعات الإسلامية ينحصر تحصيلهم في مجال الفقه أو الاجتهاد. حتى الشيخ أحمد ياسين، أبرز القادة الإسلاميين في الأراضي المحتلة، لم يقدم أية مساهمات كلامية أو عقائدية تذكر. فياسين ليس الخميني ولا فضل الله ولا شريعتي. وهو ليس البنَّا ولا سيد قطب. أهمية ياسين، من حيث هو زعيم إسلامي، إنما تستمد من اعتبارات سياسية في المقاوم الأول، وذلك لأنه قد برز وحركته بروز منافس جدي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

              لعلَّه من السابق أوانه أن تستخلص النتائج عن الإسلاميين الفلسطينيين وموقفهم من التعددية والديمقراطية. فهؤلاء الإسلاميون لم يضطروا بعد إلى معالجة هذه القضايا. وهم بعد هذا يفتقرون إلى الخبرة في هذا المجال، وربما كانت مواقفهم لا تزال في مرحلة التطور. وافتقارهم إلى الخبرة هذا ربما فسَّر تناقض مواقف الجماعات الإسلامية الفلسطينية وغموضها أحياناً. فمن ذلك أن حماس، الأقل أصولية قياساً بالجهاد الإسلامي والأكثر توجُّهاً نحو الإصلاح، تبدو أكثر التزاماً بالأصول في إصرارها على تنافر الديمقراطية والإسلام. ومن ذلك أن الجهاد الإسلامي، الأشد نضالية من حماس، من حيث موقفها من القضية الوطنية الفلسطينية، تبدي استعداداً لقبول أفكار تعددية قد لا تتسق والعقيدة الإسلامية. وربما كانت هذه الخصوصيات تعزى إلى كون هذه الجماعات لم تزل في طور تكونها، وإلى كونها منخرطة في صراع تحرر وطني.

              وللمذاهب الإسلامية المختلفة حجج متضاربة في شأن توافق الإسلام والديمقراطية، ولا سيما في شأن المبادئ الداعية إلى الحرية والعدالة الاجتماعية. والإسلاميون الفلسطينيون يتأثرون عادة بتلك الحجج. ولعل ذلك أيضاً يفسر التباين بين مواقف حماس ومواقف الجهاد الإسلامي.

ولما كانت مواقف الجماعات الإسلامية لا تزال تتطور، فإن مواقفها النهائية من التعددية والديمقراطية مرشحة لأن تتطور أيضاً. أما وجهة هذا التطور، فإنها ستخضع لعامل الزمن والأوضاع الموضوعية والحوادث الطارئة. ويمكن لهذا التقدير أن يستند إلى تجارب الجماعات الإسلامية الأخرى التي اضطرت إلى التكيف إزاء الأوضاع السائدة في مجتمعاتها. وهنا يمكن الإشارة مرة ثانية إلى حالة الإسلاميين في الأردن، وإن يكن في وسع قائل أن يقول إن قبول الإسلاميين الأردنيين مبادئ التعددية ربما كان تكتياً وموقتاً لا أكثر.

وقد ترغم الأوضاع الإسلاميين الفلسطينيين أو قد تستدرجهم إلى أن يكونوا أكثر استجابة أو أكثر قابلية للتعددية أو للسلوك الديمقراطي. فمن ذلك أن تزايد التأييد لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأراضي المحتلة ربما حمل الإسلاميين الفلسطينيين على أن يصبحوا أكثر تحسساً لبرنامج الوطنيين ولقواعد السلوك التي تحددها منظمة التحرير الفلسطينية. كما أن تراجع قوة منظمة التحرير الفلسطينية، من جراء عجزها مثلاً عن الوفاء بما تعد مؤيديها به، ربما ساق الإسلاميين إلى إبطال الأحكام القديمة ومحاولة إقامة أحكام جديدة أكثر ملاءمة للإسلاميين.

إن أداء الوطنيين أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام الجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة عقب حرب الخليج، والنتائج المباشرة والنهائية التي ستسفر العملية عنها، هي العوامل التي ستقوم بالدور الأكبر في تحديد المعادلة بين الوطنيين والإسلاميين. ذلك بأن من شأن تسوية سياسية تحظى بتأييد أكثرية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أن تحرم الإسلاميين فرص استغلال إخفاق الوطنيين.

وإذا غدا الإسلاميون القوة السياسية السائدة في الأراضي المحتلة، فإنهم سيطالبون، مثلما تُطالبُ منظمة التحرير الفلسطينية الآن، بتحقيق إنجازات ملموسة للشعب الفلسطيني. ونظراً إلى أداء المنظمة في الماضي وأدائها في الحاضر، وعجزها عن أن تحقق حتى الآن الأهداف الفلسطينية الوطنية، فمن غير الممكن أن يكون الإسلاميون في المستقبل المنظور أفضل موقعاً من منظمة التحرير في تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي ومن إسرائيل. بل إن مهمة الإسلاميين أصعب من مهمة غيرهم لأنهم يتمسكون بمطالب قصوى، مثل إقامة دولة إسلامية على كامل التراب الفلسطيني.

إن إدراك الإسلاميين لقوة إسرائيل وإجراءاتها القاسية قد يحملهم على تلطيف آرائهم المتصلبة ويحثهم على التماس تعاون وتنسيق أوثق مع سواهم من الجماعات الفلسطينية التي لا بد من تضامنها معهم لتحقيق درجة مقبولة من الوحدة والصمود. لكن مستقبل الإسلاميين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يقع أيضاً بين أيدي السلطات الإسرائيلية، التي يرجَّح أن تتمسك بجدول الأعمال الإسرائيلي في تعاملها مع الإسلاميين والوطنيين على السواء، وذلك بصرف النظر عما سيفعله الإسلاميون.

أخيراً، تبقى مناقشة موقف الإسلاميين الفلسطينيين من التعددية والديمقراطية مسألة أكاديمية. فالمأزق الذي يواجهه الإسلاميون الفلسطينيون، وسواهم من الجماعات الإسلامية، هو كيفية التوفيق بين مفاهيم التعددية والديمقراطية الغربية المنشأ وبين العقيدة الإسلامية. وحتى لو صار الإسلاميون أكثر تقبلاً لهذه الأفكار حقاً، فستبقى هذه مخالفة للعقيدة الإسلامية المستوحاة من القرآن والسُّنة. فالتخلي عن النص وعن اعتماد الإسلام منهجاً يُعَدُّ بدعة عند أصحاب العقيدة القويمة من المسلمين. وبهذا المعنى، تظل مسألة الإسلام والديمقراطية من دون حل. ويبدو أن التناقض يكمن في الأسس وفي محاولة التوفيق القسري بين مصدرين للفكر متناقضين تناقضاً تاماً: الأول ديني إسلامي، والثاني دنيوي وغربي. 

 

[1]   مقابلة شخصية مع الشيخ بسام جرار، من القادة الإسلاميين في الضفة الغربية، رام الله، 22 كانون الأول/ ديسمبر 1991.

[2]   المصدر نفسه.

[3]   مقابلة شخصية مع الدكتور محمود الزهار، من القادة الإسلاميين في قطاع غزة، غزة، 24 كانون الأول/ ديسمبر 1991.

[4]   المصدر نفسه.

[5]   مقابلة مع جرار، مصدر سبق ذكره.

[6]   مقابلة مع الزهار، مصدر سبق ذكره.

[7]   مقابلة مع جرار، مصدر سبق ذكره.

[8]   حركة المقاومة الإسلامية، الكراس رقم 82، 2 كانون الثاني/ يناير 1992.

[9]   مقابلة مع الشيخ أحمد ياسين، "النهار"، 30/4/1989.

[10]   "الشعب"، 11/9/1988.

[11]   "الإسلام وفلسطين"، 30/12/1988، ص 10.

[12]   "الفجر"، 24/9/1990، ص 16.

[13]  "ميثاق حركة المقاومة الإسلامية – حماس"، آب/أغسطس 1988، ص 26.

[14]   المصدر نفسه، ص 28.

[15]   المصدر نفسه، ص 29 – 30.

[16]   المصدر نفسه.

[17]   "الإسلام وفلسطين"، مصدر سبق ذكره، 5/10/1989، ص 7.

[18]   المصدر نفسه.

[19]   المصدر نفسه.

[20]   المصدر نفسه.

[21]   المصدر نفسه.

[22]   المصدر نفسه.

[23]   المصدر نفسه.

السيرة الشخصية: 

زياد أبو عمرو: أُستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة بير زيت في الضفة الغربية. وهو الآن باحث زائر في جامعة جورجتاون في واشنطن.