مفاوضات السلام: الموقف الإسرائيلي عشية مؤتمر مدريد
كلمات مفتاحية: 
مؤتمر مدريد 1991
عملية السلام
الفلسطينيون في إسرائيل
تسوية النزاعات
نبذة مختصرة: 

يتضمن الملف أجوبة لعدد من الشخصيات الفكرية الفلسطينية والعربية التي تمثل مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية عن السؤال الذي وجهته مجلة الدراسات الفلسطينية وهو التالي: في ضوء بدء أعمال 'مؤتمر السلام' ماهي في رأيكم، الآفاق التي يطرحها هذا المؤتمر لحل أو عدم حل القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي؟ شارك في الإجابة كل من : الناطق الرسمي باسم حركة حماس إبراهيم غوشة، ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة الياس شوفاني، والباحث المصري جميل مطر، والباحث الفلسطيني جميل هلال، وأستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية ومستشار الشؤون الخارجية في القصر الحكومي جورج ديب، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عبد الله حوراني، والمستشار السياسي للملك الأردني حسين [عدنان أبو عودة]، والأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة بير زيت علي الجرباوي، والعلامة اللبناني محمد حسين فضل الله، والكاتب المصري محمد سيد أحمد، والأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة. يتضمن الملف رسالة ربى الحصري من مدريد عن المؤتمر، ورسالة وليد العمري عن آراء فلسطينييو 1948 في عملية التسوية ومقالة أحمد خليفة عن المواقف الإسرائيلية من هذه العملية.

النص الكامل: 

وصلت إسرائيل إلى مؤتمر السلام في مدريد بشروطها، تقريباً، ومن دون أن تقدم تنازلات ذات شأن، سواء في النواحي الجوهرية أو في النواحي الإجرائية. ومع ذلك فإنها لم تكن سعيدة بمؤتمر مدريد، ولا تبدو كذلك بعده. والسبب هو استمرار الخلاف بينها وبين الولايات المتحدة في شأن كثير من القضايا الجوهرية، وبعض المسائل الإجرائية، وخشيتها أن تكون الإدارة الأميركية جادة ومصممة فعلاً، هذه المرة، على تحقيق السلام في الشرق الأوسط الذي يعني، إنْ تحقق فعلاً، انتهاء حلم "إسرائيل الكبرى".

إن الموقف الإسرائيلي، في حد ذاته، من القضايا الجوهرية الأساسية – مثل شكل السلام مع العرب ومضمونه، الانسحاب من الأراضي المحتلة، القدس، الاستيطان، مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة السياسي، وما شابه ذلك – معروف جيداً ولا داعي إلى شرحه أو التوسع فيه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى موقفها، في حد ذاته، من بعض المسائل الإجرائية الأساسية. وما يعنينا هنا هو الموقف الإسرائيلي بارتباطه بالعملية السلمية الحالية، أو بالأحرى بارتباطه بالموقف الأميركي، الذي يبدو أنه سيكون العامل الحاسم في تقرير مصير العملية السلمية.

وهنا، ربما كان أول ما يجدر البدء به، هو ما استُجيب له من شروط إسرائيلية من أجل الحصول على موافقة إسرائيل على المشاركة في المفاوضات، ونوجزها بما يلي:

  • استبعاد فكرة المؤتمر الدولي المتمتع بصلاحيات كاملة، والمعقود بدعوة من الأمم المتحدة وبرعايتها، لتطبيق القرارين رقم 242 ورقم 338.
  • القبول بـ"مؤتمر سلام" تكون الأمم المتحدة فيه مدعوة لا داعية، وبصفة مراقب فقط؛ مؤتمر لا يملك "سلطة فرض حلول على الأطراف"، أو "سلطة اتخاذ قرارات للأطراف، أو القدرة على التصويت على القضايا أو النتائج." يعقد جلسات افتتاحية فقط للاستماع إلى خطابات، وينفض بعدها، ولا يمكن الدعوة إلى عقده مرة أخرى إلا :بموافقة جميع الأطراف".
  • قبول سوريا ولبنان و"الأردن – فلسطين" بمفاوضات مباشرة، ثنائية، كل على حدة، مع إسرائيل للتوصل إلى سلام حقيقي على أساس (وليس لـ"تطبيق") القرارين رقم 242 ورقم 338.
  • قبول الدول العربية الرئيسية الأخرى (بالإضافة إلى الدول المذكورة أعلاه) بالمشاركة في مفاوضات متعددة الأطراف مع إسرائيل، للبحث في قضايا مثل: الرقابة على الأسلحة، والأمن الإقليمي، وقضايا اللاجئين (!)، والبيئة، والتنمية الاقتصادية، والموضوعات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين بالتخصيص:

  • القبول بحل على مرحلتين: المرحلة الأولى، "ترتيبات حكم ذاتي" موقت لمدة خمسة أعوام؛ والمرحلة الثانية، حل دائم. وتجرى المفاوضات في شأن الحل الدائم بدءاً من العام الثالث للاتفاق على ترتيبات الحكم الذاتي.
  • التنازل عن التمثيل الفلسطيني المستقل، والقبول بالمشاركة في المفاوضات من خلال وفد أردني – فلسطيني مشترك.
  • التنازل عن مشاركة م. ت. ف. رسمياً في المفاوضات.
  • التنازل عن مشاركة ممثلين عن سكان القدس، وعن الشتات الفلسطيني، في الوفد الرسمي الأردني – الفلسطيني، والاكتفاء بممثلين من الضفة والقطاع من غير سكان القدس.
  • القبول بالبحث في مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في المفاوضات المتعددة الأطراف لا في المفاوضات الثنائية "الأردنية/الفلسطينية" – الإسرائيلية.

وربما في الإمكان، إلى جانب ما سبق ذكره، إضافة الشروط التي قبلت بها الولايات المتحدة من ناحيتها، ونصت عليها في رسالة الضمانات الأميركية لإسرائيل. ونذكر منها هنا ثلاثة شروط، ونتطرق إلى البقية في سياقات أوسع أدناه:

  • إن الولايات المتحدة "لا تؤيد إيجاد رابط بين مختلف المفاوضات لتحقيق تسوية شاملة."
  • إن الولايات المتحدة "لا تؤيد إنشاء دولة فلسطينية مستقلة."
  • إن الولايات المتحدة "لا تهدف إلى إدخال م. ت. ف. في العملية [عملية المفاوضات]، أو التسبب بدخول إسرائيل في حوار أو مفاوضات مع م. ت. ف."[1]

وكانت إسرائيل قد طالبت بصيغ أكثر جزماً، أو على الأقل باستبدال عبارة "لا تؤيد" بكلمة "تعارض"، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك.

       وننتقل من الشروط التي استُجيب لها، حرفياً أو بخطوطها العريضة، إلى الخلافات التي ثارت بين إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا جوهرية ومسائل إجرائية مهمة، ونوضح ما تم بشأنها في الطريق إلى مدريد.

"الأرض في مقابل السلام"

اعتبرت الولايات المتحدة هذا المبدأ، أو بحسب تعبيرها "مناطق في مقابل السلام"، الذي يشكل جوهر قرار مجلس الأمن رقم 242، أيضاً جوهر العملية السلمية الحالية وأساس التحرك الأميركي، كما أعلن ذلك الرئيس جورج بوش أمام الكونغرس في آذار/مارس الماضي، وأمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي.

وقد رفضت إسرائيل هذا المبدأ، وادعت أن القرار رقم 242 يتحدث عن انسحاب إسرائيلي من "مناطق محتلة" (وليس كل المناطق المحتلة) في مقابل السلام، وقد نفذت ذلك بانسحابها من سيناء، وهي ليست ملزمة – بموجب القرار – بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان بالتحديد، ولا تنوي أبداً فعل ذلك.

وقد رفضت الولايات المتحدة بدورها هذا التفسير، وأوضحت أن مبدأ الانسحاب يسري على الجبهات كافة، وأن هذا هو فهم جميع الأطراف التي شاركت في وضعه والتفاوض بشأنه، بما في ذلك إسرائيل نفسها قبل أن تأخذ بهذا التفسير العجيب. لكن إسرائيل أصرّت على تفسيرها الخاص، وطالبت بأن تخلو وثائق المؤتمر من ذكر مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، وأيضاً بأن تلتزم الولايات المتحدة الامتناع من إبداء رأيها في الموضوع، سواء في تصريحات علنية، أو في أثناء المفاوضات عندما يتطلب الأمر تدخلها لحلحلة الأمور.

وكان من نتائج المباحثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن هذه النقطة، أن رسالة الدعوة إلى مؤتمر السلام جاءت خالية من ذكر مبدأ "مناطق في مقابل السلام"، واكتفت على أن المؤتمر يُعقد على أساس القرارين رقم 242 ورقم 338. لكن، في المقابل، رفضت الولايات المتحدة التزام الامتناع من إبداء موقفها، وضمّنت رسائل التطمينات التي وجهتها إلى الفلسطينيين مبدأ "مناطق في مقابل السلام"، وأفهمت إسرائيل أنها ستواصل الإعراب عن موقفها في هذا الشأن، وستتصرف في المفاوضات بوحي منه.

وفي ضوء ذلك، طلبت إسرائيل أن تتضمن رسالة الضمانات الأميركية لها بنداً ينص على حقها في طرح تفسيرها الخاص للقرار رقم 242، وبنوداً أخرى ذات صلة بموضوع الانسحاب، أهمها: إعادة تأكيد التزام الرئيس الأميركي جيرالد فورد لرئيس الحكومة يتسحاق رابين، في سنة 1975، بشأن الجولان، وإعادة تأكيد تصريحات لرؤساء أميركيين ومسؤولين كبار بأن الولايات المتحدة لا تعتبر حدود سنة 1967 "آمنة وقابلة للدفاع عنها."

وقد استجابت الولايات المتحدة جزئياً للمطالب الإسرائيلية في هذا الشأن. وهكذا، نصت رسالة الضمانات الأميركية إلى إسرائيل على أن "هناك تفسيرات مختلفة لقرار مجلس الأمن رقم 242، وأن تلك التفسيرات ستُطرح خلال المفاوضات." ونصت، في موضع آخر، على "أن الولايات المتحدة ستؤيد موقفاً يقضي بأن تسوية شاملة مع سوريا، في سياق اتفاق سلام، يجب أن تضمن أمن إسرائيل إزاء هجوم يُشن ضدها من هضبة الجولان"، وأنها "ستعطي وزناً كبيراً لموقف إسرائيل القائل إن أية تسوية سلمية مع سوريا يجب أن تقوم على بقاء إسرائيل في هضبة الجولان." وفيما يتعلق بالحدود، رفضت النص على أنها "لا تعتبر حدود 1967 آمنة وقابلة للدفاع عنها"، واكتفت بالتأكيد "أن لإسرائيل الحق في حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها"، وأنها "لم تبلور بعد موقفاً نهائياً من مسألة الحدود."

القدس

              أصرّت إسرائيل على أن القدس ليست موضوعاً للتفاوض، بادعاء أنها "عاصمة إسرائيل الموحدة إلى الأبد، تحت السيادة الإسرائيلية"، وأصرّت على استبعادها جملة وتفصيلاً من جميع مراحل المفاوضات. وانطلاقاً من هذا الموقف، رفضت أيضاً مشاركة ممثلين عن سكان القدس العربية في الوفد الفلسطيني في إطار الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك، وفي أية ترتيبات محتملة للحكم الذاتي.

وقد أوضحت الولايات المتحدة من ناحيتها أنها لا تؤيد إعادة تقسيم القدس، لكنها مع ذلك تعتبرها جزءاً من الأراضي المحتلة، وبالتالي موضوعاً للتفاوض بشأنه، ويحق لممثلين عن سكانها أن يشاركوا في المفاوضات وفي ترتيبات الحكم الذاتي.

بيد أن إسرائيل تشبثت بموقفها، وهددت بعدم المشاركة في المفاوضات إذا حاولت الولايات المتحدة إرغامها على التزحزح عنه. وإزاء التعنت الإسرائيلي فضلت الولايات المتحدة الالتفاف حول الموضوع؛

فقد اقترحت تأجيل البحث في موضوع القدس إلى مرحلة المفاوضات مع الفلسطينيين في شأن الحل الدائم، أي بعد ثلاثة أعوام من الاتفاق على ترتيبات الحكم الذاتي، وحل مشكلة تمثيل سكان القدس في المرحلة الحالية من المفاوضات عن طريق تعيين مقدسيين بارزين من سكان القدس سابقاً في الوفد الأردني الذي يشكل جزءاً من الوفد الأردني – الفلسطيني الرسمي. ومن أجل الحصول على موافقة الفلسطينيين على هذا الترتيب، وافقت على تمثيل لسكان القدس في المفاوضات الحالية في وفد "استشاري" فلسطيني يرافق الوفد الرسمي إلى المفاوضات (أنظر في هذا الشأن أيضاً: مسائل إجرائية، أدناه)، وضمنت رسالة التطمينات الأميركية للفلسطينيين بنوداً مخالفة للموقف الإسرائيلي. وقد ورد في هذه البنود: كل ما يفعله الفلسطينيون، خلال هذه المرحلة من المفاوضات، لن يؤثر في مطالبتهم بالقدس الشرقية، ولا يشكل سابقة بالنسبة إلى نتائج المفاوضات؛ موقف الولايات المتحدة هو أن لسكان القدس الحق في التصويت لمؤسسات الحكم الذاتي؛ تعتقد الولايات المتحدة أن لسكان القدس الحق في المشاركة في المرحلة النهائية من المفاوضات؛ تؤيد الولايات المتحدة أن في إمكان الفلسطينيين إثارة اي مطلب خلال المفاوضات، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس الشرقية.

الاستيطان

طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تجميد الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة قبل، أو مع بدء مؤتمر السلام، انطلاقاً من موقفها الثابت والمعلن الذي يعارض الاستيطان ويعتبر المستعمرات "عقبة في طريق السلام"، وذلك كبادرة حسن نية وخطوة لـ"بناء الثقة" في مقابل خطوة عربية موازية تتمثل في إلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل.

وقد رفضت إسرائيل هذا الطلب مدعية أن حق اليهود في الاستيطان في جميع أنحاء "أرض إسرائيل" موضوع غير قابل للنقاش أو المساومة، وأن تجميد بناء المستعمرات من جانب حكومة إسرائيل "سيشكل حافزاً للجانب العربي على الاعتقاد أن ادعاءه ملكية الأرض شرعي وقانوني"،[2]   وأن المستعمرات، في أية حال، "جزء من المسألة الإقليمية، وهذه اتفق على مناقشتها في مرحلة المفاوضات بشأن الحل الدائم."[3]

وقد أدى الرفض الإسرائيلي، والإصرار عليه بشدة، إلى تأجيل الإدارة الأميركية منح إسرائيل ضمانات لقروض بقيمة 10 مليارات من الدولارات، كانت إسرائيل طلبتها لمساعدتها في استيعاب المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي. وتسببت المعركة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بشأن مسألة ضمانات القروض، والتي حرضت الحكومة الإسرائيلية في أثنائها يهود الولايات المتحدة وأنصار إسرائيل في الكونغرس على مجابهة الرئيس الأميركي، وانتهت بهزيمة أنصار إسرائيل في الكونغرس، بنشوء أزمة وتوترات بين الطرفين لا تزال تلقي بظلها على العلاقات بينهما.

وعلى الرغم من انتصار الإدارة الأميركية في معركة الضمانات، فإنها لم تنجح في الحصول على موافقة إسرائيل على تجميد الاستيطان، وكانت النتيجة أنها قبلت ببدء المفاوضات مع استمرار الاستيطان، وأرغمت الفلسطينيين والعرب على القبول بذلك، مع وعود باستمرار الضغط على إسرائيل من أجل إيقاف الاستيطان بعد بدء المفاوضات.

 

الدور الأميركي

طلبت إسرائيل ضمانات من الولايات المتحدة بعدم التدخل في المفاوضات الثنائية المباشرة بينها وبين الدول العربية (والفلسطينيين)، بتقديم تفسيرات أو مقترحات أو تصورات فيما يتعلق بالنقاط المختلف في شأنها، مدعية أن هذا قد يوجد انطباعاً لدى العرب والفلسطينيين بأنه "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فستتقدم [الولايات المتحدة] بمقترحات من جانبها. وإذا نشأ مثل هذا الانطباع، فلن يستطيع أي عربي التوصل معنا إلى حلول وسط في أي موضوع."[4]

وقد رفضت الولايات المتحدة تقديم ضمانات كهذه، وأوضحت أنها وإنْ كانت لن تفرض حلولاً على أحد، فإنها "تحتفظ لنفسها بالحق في إعلان مواقفها عند الضرورة." ولكنها، في الوقت نفسه، امتنعت من وضع أية آلية للتدخل الأميركي (أو الدولي) في المفاوضات من أجل كسر الجمود المتوقع أن يطرأ عليها، مراراً وتكراراً، نتيجة الهوة الكبيرة في المواقف بين الأطراف العربية وإسرائيل فيما يتعلق بمعظم المسائل، واكتفت بما ورد في رسالة الدعوة إلى مؤتمر السلام بأن "من المفهوم أن الدولتين اللتين سترعيان المؤتمر تعهدتا بإنجاح العملية [السلمية]."

مسائل إجرائية

              بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، ثارت بين إسرائيل والولايات المتحدة خلافات في شأن بضع مسائل إجرائية تمت تسويتها بصورة أو بأخرى، لكن من المتوقع أن يشكل عدد منها مصدر احتكاك بينهما في هذه المرحلة أو تلك من المفاوضات:

  • طلبت إسرائيل حق الاعتراض على تشكيلة الوفد الفلسطيني في الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك، واكتفت بتحديد معايير لاختيار أعضاء الوفد وطلبت من الفلسطينيين مراعاتها، وضمنت رسالة الضمانات الأميركية لإسرائيل فقرة تنص على أنه "لن يتعين على أي طرف في العملية الجلوس مع من لا يرغب في مجالسته. ولا يجوز أن يكون هناك مفاجآت فيما يتعلق بنوعية التمثيل في المؤتمر، أو في المفاوضات."
  • اعترضت إسرائيل على "الوفد الاستشاري" الفلسطيني، الذي ضم ممثلين عن القدس والشتات، وطالبت بمنعه من الاشتراك في المؤتمر والمفاوضات، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك ووجهت الدعوة إليه رسمياً ومباشرة للحضور.
  • اعترضت إسرائيل على إلقاء الوفد الفلسطيني الرسمي كلمة مستقلة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر السلام، ورفضت الولايات المتحدة الاعتراض، وخصصت رئاسةُ المؤتمر للوفد الفلسطيني وقتاً مساوياً لوقت باقي الوفود المشاركة في المؤتمر لإلقاء كلمة خاصة به.
  • اعترضت إسرائيل على تلقي الوفد الفلسطيني تعليمات من منظمة التحرير الفلسطينية أو التشاور معها، قبل المؤتمر وخلاله وفي أثناء المفاوضات المرتقبة، وطلبت ضمانات أميركية بذلك، لكن الولايات المتحدة رفضت الاعتراض والضمانات وأكدت حق الوفد الفلسطيني في "التشاور من وراء الستار" مع من يرغب في التشاور معه.

 

التقويم الإسرائيلي لمؤتمر مدريد

[شكل مؤتمر السلام في مدريد، الذي افتتحت جلساته في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1991 واستمر ثلاثة أيام، حدثاً تاريخياً ومنعطفاً مهماً في تاريخ النزاع العربي – الإسرائيلي، بغض النظر عما سيسفر عنه من نتائج. وقد مال المسؤولون الإسرائيليون، كما هو متوقع، إلى التقليل من شأنه، وتحدثوا عنه باقتضاب. لكن المعلقين والخبراء الإسرائيليين كتبوا عنه بإسهاب، واعتبروه حدثاً بالغ الأهمية بما انطوى عليه من معان بمجرد عقده، وبما يمكن أن ينجم عنه، وأوضحوا أيضاً توقعاتهم فيما يتعلق بسير العملية السلمية في ضوء ما جرى في مدريد.

وفيما يلي مقتطفات من الصحافة العبرية، توضح ردة الفعل الإسرائيلية إزاء مؤتمر مدريد، وتعكس تقويم ساسة وخبراء له ولما جرى فيه].

 

مسؤولون وسياسيون

يتسحاق شمير، رئيس الحكومة الإسرائيلية،[5]   اعتبر مؤتمر مدريد "طقساً احتفالياً"، وصرح أنه لم يحدث فيه شيء لم يكن متوقعاً أو "يستدعي تغيير موقفنا من عملية السلام." وصف خطاب بوش بأنه "متوازن جداً؛ بذل جهداً كي لا يزعج أحداً، وأيضاً لم يزعجنا." وأضاف أن بوش "يحاول أن يكون وسيطاً نزيهاً، ويجب عدم استخلاص استنتاجات بعيدة المدى من خطابه."

يوسي بن أهرون، مدير مكتب رئيس الحكومة،[6]  صرح أن الوفد الإسرائيلي مسرور بعدم ذكر بوش في خطابه مبدأ "مناطق في مقابل السلام."

يهودا أولمرت، وزير الصحة،[7]   قال إنه في ضوء ما جرى في مدريد، هناك فرصة لنجاح مفاوضات الحكم الذاتي مع الفلسطينيين "إذا قبلوا ألا تكون هناك نقاشات في المسألة الإقليمية بشأن موضوع القدس." لكنه يتوقع، فيما يتعلق بالمحادثات مع سوريا، "صعوبات من شبه المستحيل تجاوزها." وأضاف: "إن تشديد سوريا على استعادة الجولان، أكثر من تشديدها على التوصل إلى السلام، يشكل العقبة الرئيسية."

شمعون بيرس، زعيم المعارضة،[8]   قال إن المؤتمر لم يكن طقساً احتفالياً، وأنه أرسى وضعاً جديداً. لأول مرة لم تبرز خلافات بين الأطراف الدولية الرئيسية. أثبت المؤتمر أن في إمكان الولايات المتحدة تحريك عملية السلام فعلاً، وأبرز أن التصميم الأميركي قادر على إرغام الأطراف على القبول بأمور لم يكن أحد يحلم بأنها ستقبل بها. وأضاف أن الوفد الفلسطيني، بعلاقته "شبه المخفية شبه المكشوفة" بمنظمة التحرير، حصل على اعتراف دولي.

يتسحاق رابين:[9]   "يبدو لي أن مع كل الحدة التي اتسمت بها أقوال رئيس الوفد الفلسطيني إلى مدريد، فإن ثمة أساساً لمفاوضات بين إسرائيل وممثلي الفلسطينيين.

              "لا يزال الهدف المعلن للفلسطينيين إقامة دولة فلسطينية وتطبيق 'حق العودة'. لكن الممثل الفلسطيني أعرب أمس عن استعداد للتقدم نحو هذا الهدف على مراحل. حتى الآن، لم يكن هناك تعبير رسمي ملزم للوفد الفلسطيني فيما يتعلق بقبول صيغة كامب ديفيد، أي التقدم نحو الحل الدائم على مرحلتين. بعد خطاب أمس هناك عملياً أساس لاستمرار المفاوضات، مقترن – طبعاً – بشرطين صعبين من ناحية الفلسطينيين: إيقاف الاستيطان والبناء؛ إشراف دولي في فترة الحكم الذاتي. شخصياً لا أعتقد أن هذين الشرطين سيظلان ساريي المفعول في مراحل المفاوضات.

              "بحسب اعتقادي، هناك أساس هذا الصباح لتقدم عملي في المفاوضات مع الفلسطينيين، بناء على الصيغة الواردة في مبادرة السلام لحكومة الوحدة الوطنية المعلنة في أيار/مايو 1989 (...)

              "[فيما يتعلق بسوريا] لا أعتقد أن الحكومة الحالية، بسبب سياستها، قادرة على أن تستغل كما يجب أقوال الرئيس بوش في افتتاح مؤتمر مدريد بشأن الحل الوسط الإقليمي. هذه هي أول مرة منذ حرب الأيام الستة يستخدم فيها رئيس أميركي هذه الصيغة 'حل وسط إقليمي'. إن التعبير 'مناطق في مقابل السلام' قابل لتفسيرات مختلفة، بما في ذلك التفسير أن القصد ليس كل المناطق. لكن هذا التعبير الصادر عن بوش يقول بوضوح أن في الإمكان إبقاء جزء من المناطق في يد إسرائيل، من دون تحديد مساحته الآن، أيضاً في إطار معاهدة سلام مع سوريا.

"في أية حال، يبدو أن حل المشكلة بين سوريا وإسرائيل معقد ومركب أكثر كثيراً من الفرص والإمكانات التي أُتيحت لنا للبدء الآن بحل المشكلة الإسرائيلية – الفلسطينية؛ وأقصد بذلك فقط سكان المناطق الفلسطينية."

خبراء ومعلقون

يمكن تلخيص آراء الخبراء والمعلقين في النقاط التالية:

  • المؤتمر حدث تاريخي، كسر محرمات وحطّم عدة أساطير، لكنه لم يؤد إلى اختراق أساسي في اتجاه الحل.
  • حقق الفلسطينيون مكاسب سياسية وإعلامية، وحقق الإسرائيليون مكاسب سياسية، وخرج السوريون منه بخسارة معينة.
  • أبدى الفلسطينيون والأردنيون مرونة كبيرة واستقلالية في التفكير، ورفضوا الاحتواء السوري. والتوقع هو أن تتقدم المفاوضات معهم بسرعة أكبر من تقدمها مع السوريين (واللبنانيين بالضرورة). وقد دعا بعض المعلقين الحكومة الإسرائيلية إلى التعامل مع الوفد الفلسطيني كوفد مستقل، وأعربوا عن رأي فحواه أن ذلك أفضل لإسرائيل وللعملية السلمية.
  • أبدى السوريون تشدداً. والتوقعات هي أن المفاوضات معهم ستتقدم ببطء، لكنهم لن ينسحبوا من العملية السلمية. مؤتمر مدريد أظهر عدم سيطرتهم على القرار العربي (والفلسطيني)، وإمكان عزلهم.
  • تقدم العملية السلمية رهن بتغيير إسرائيل موقفها الحالي من مسألتي الانسحاب من الأراضي المحتلة والاستيطان، ولكن لا توجد مؤشرات على استعدادها لذلك.
  • الأميركيون مصممون على الاستمرار في دفع العملية، وسيضغطون على الأطراف كافة، ومن دون تدخل نشيط منهم لا يمكن تحقيق أي تقدم.

وفيما يلي مقتطفات من آرائهم:

عكيفا إلدار:[10]   فاجأت أحداث مدريد الحكومة الإسرائيلية بتحطيمها عدة أساطير سياسية شرق أوسطية، كانت سائدة قبل المؤتمر. أول وأهم هذه الأساطير "أن الفلسطينيين لا يضيعون فرصة لتضييع فرصة." ثاني هذه الأساطير أنه من دون سوريا لا يمكن تحقيق السلام، وأن سوريا تستطيع أن تملي على العرب الآخرين خطواتهم. والأسطورة الثالثة أن العرب لن يبدأوا مفاوضات مع إسرائيل إلا إذا حصلوا على ضمانات باستعداد إسرائيل لإعادة المناطق في مقابل السلام.

جيمس بيكر برهن في مدريد للإسرائيليين المتشككين أنه يمكن عقد "محادثات مباشرة ثنائية بين إسرائيل وبين كل دولة عربية، من دون شروط مسبقة، ومن دون محاولة فرض تسوية، وحتى من دون حلول مقترحة."

وبرهن الفلسطينيون أنهم مستعدون لأن يقبلوا على الأقل حكماً ذاتياً، حتى على حساب الاصطدام مع السوريين.

وبانطلاق عملية السلام، يتضح "أن حكومة الليكود وشركائه اليمينيين المتطرفين لم تعد تستطيع الاختباء خلف العقبات الإجرائية."

ناحوم بارنيع:[11]   في مدريد تحطمت عدة محرمات سمّمت حياة الإسرائيليين والعرب في الشرق الأوسط عقوداً من الزمن.

              "لم تحدث قبلاً مفاوضات مباشرة وعلنية بين ممثلين عن الفلسطينيين العرب وممَثلين عن دولة إسرائيل المتمتعة بالسيادة.

              "لم يحدث قبلاً اتصال مباشر، من دون حضور أجنبي، بين إسرائيل وسوريا، وبين إسرائيل والأردن. كان هناك لجان وقف إطلاق نار، ومحادثات فصل قوات، ومناقشات سرية في أُطر دولية، لكن لم يحدث قط لقاء مثل لقاء الأحد.

"ولم يَثُرْ سكان المناطق المحتلة قط مثلما ثاروا الآن ضد التطرف التقليدي للسياسة العربية.

"واتضح لسوريا أنها عندما تختار طريق الرفض، فإنها تبقى وحدها، والجميع ضدها، وعلى رأسهم الفلسطينيون من المناطق."

وفي مدريد، "اعترفت إسرائيل اعترافاً واقعياً (de facto)، لأول مرة، بوفد فلسطيني للتفاوض في شأن مصير السكان الفلسطينيين تحت الاحتلال." وفي مدريد، "أظهر الفلسطينيون، أول مرة بعد 100 عام من الصراع، أنهم ناضجون بما فيه الكفاية لمفاوضات براغماتية، عملية وعلنية، مع إسرائيل."

شلومو غازيت:[12]   "إن وفداً فلسطينياً يمثل المناطق قد أصبح حقيقة مفروضة (fait accompli)، وتشكيلته تنسجم مع الموقف الإسرائيلي"؛ إنه لا يضم سكاناً من القدس الشرقية، أو أشخاصاً من فلسطينيي الشتات. ومن الأفضل للحكومة الإسرائيلية أن تجري المفاوضات مع الأردنيين والفلسطينيين عبر وفدين منفصلين. والاعتبارات:

1-  إن إسرائيل، التي كانت هي المبادرة إلى اقتراح وفد فلسطيني من المناطق لإجراء مفاوضات معه في شأن ترتيبات للحكم الذاتي، لم تكن لتحلم بتشكيلة أفضل من هذه بالنسبة إليها.

2-  بما أن سكان المناطق هم الأكثر تعباً ومعاناة نتيجة الضغوط، فإن رغبتهم في تخفيف ضائقتهم ستقودهم إلى تقديم تنازلات واتباع مرونة لا يتسطيع أي طرف عربي آخر القيام بهما.

3- وفد مشترك سيلزم الأردن بالإصرار على "الخط الأخضر" خطاً للحدود بين الدولتين. وفد أردني منفصل عن الوفد الفلسطيني، يتطلب من الأردن مناقشة الحد الذي لا يوجد خلاف في شأنه، أي الحد الانتدابي بين الأردن وفلسطين.

4- مفاوضات منفصلة مع وفدين تعطي إسرائيل فرصة أفضل وأسرع للاتفاق مع كل من الوفدين في محادثات ثنائية مع كل منهما على حدة. ويمكن أيضاً أن تساهم هذه المفاوضات في تسريع عزل سوريا.

موشيه زاك:[13]   "الوسيط الإسرائيلي الذي أدخل الفلسطينيين الخيمة الأردنية، تسبب بتجديد الاتفاق والتنسيق السياسي بين الأردن وم. ت. ف.، وبتقييد ملك الأردن في المفاوضات مع الإسرائيليين.

"إن الخلافات الإقليمية مع الأردن محدودة جداً. وإذا أخرجنا الضفة الغربية من الحسابات وفصلنا المفاوضات مع الأردن عن الموضوع الفلسطيني، فإنه يمكن التوصل بسهولة إلى معاهدة سلام مع الأردن في مفاوضات مباشرة وثنائية. إن المطالب الأردنية الإقليمية في عربة، قرب نهرايم وإيلات، قابلة للحل. وفيما يتعلق بالمسألة الأهم – مشكلة المياه – فإن هناك عملياً اتفاقاً إسرائيلياً – أردنياً. الاتفاقات [الحالية] بين الدولتين يمكن أن تشكل جزءاً محترماً من معاهدة السلام.

"لم يفت الوقف للتفكير فيما إذا كان من الأفضل إخراج الشحنة المتفجرة الفلسطينية من نطاق العلاقات بين إسرائيل والأردن، وحتى من قاعة المفاوضات الثنائية.  وسيكون للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي – أردني تأثير نفسي في المفاوضات في اللجان الأخرى، وأيضاً في الرأي العام العالمي."

"عال همشمار" (افتتاحية):[14]   "إن المساهمة الأهم والأكثر إيجابية التي يجب أن تقدمها الحكومة الإسرائيلية في هذه المرحلة، هي التوقف عن لعبة الاستغماية مع القيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني (...).

"الكل يعرف أن الوفد الفلسطيني يمثل مصالح مختلفة عن مصالح الأردنيين. الكل يعرف أن التوجيهات للوفد الفلسطيني توضع في تونس. الكل يعرف أن رئيسي الوفد هما الحسيني وعشراوي. الكل يعرف ذلك – ومع ذلك تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع هذيانها الأيديولوجي كأنه الحقيقة بعينها.

"من أجل احترامنا الذاتي، ومن أجل نجاح المفاوضات (...)، فإن الوقت حان لمواجهة الحقيقة كما هي؛ هناك شعب فلسطيني موجود في هذا البلد، ولهذا الشعب قيادة، ومع هذه القيادة يجب أن تجرى مفاوضات السلام."

دان أفيدان:[15]   "لم يقد مؤتمر مدريد إلى الاختراق (break through) المتوقع، لكنه أرسى حقيقة مهمة تاريخياً. فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي يجلس ممثلون إسرائيليون مع ممثلين سوريين وأردنيين وفلسطينيين، وجهاً لوجه، ويناقشون السبل للتوصل إلى تسوية سياسية لنزاع الشرق الأوسط. كان هناك أيضاً ممثلون لبنانيون، لكن إسرائيل أجرت مفاوضات مباشرة مع لبنان في السابق.

              "إن الجلوس مع 'العدو الصهيوني' كان تضحية كبيرة من جانب السوريين.ظاهرياً، دخلت الاتصالات السورية – الإسرائيلية طريقاً مسدوداً، لكن الأساس لاستمرار الحوار بين الطرفين قد أُرسي. أولاً، لأن سوريا تريده، فهي لم يعد لديها السند السوفياتي للعودة إلى الخيار العسكري ضد إسرائيل في المستقبل المنظور. ثانياً، برهنت الأحداث في مدريد لسوريا أنها لو قاطعت المحادثات الثنائية مع إسرائيل، لكانت عُزلت في العالم العربي. وبعودتها إلى المحادثات الثنائية، أظهرت أنها ليست أقل براغماتية من العرب الآخرين.

              "الفلسطينيون تبنوا سياسة مرنة من الناحية الإجرائية، ومن ناحية المضمون. فقد حققوا إنجازاً مهماً في مدريد: سُمع صوتهم في جميع أنحاء العالم، بفضل التغطية الإعلامية الهائلة. وكما هي الحال في المفاوضات الثنائية الإسرائيلية – السورية، لم تؤد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية إلى اختراق أساسي، لكن يمكن التوقع أن تكتسب المفاوضات بشأن الحكم الذاتي تسارعاً متدرجاً، وأن تتقدم ربما بسرعة أكبر من المفاوضات الإسرائيلية – السورية، التي تواجه صعوبات بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من الجولان.

"مؤتمر مدريد كان أول خطوة فقط، لكنْ المهمة، في طريق كسر الحاجز النفسي بين إسرائيل والعرب.

"من الآن فصاعداً، نستطيع أن نتوقع مفاوضات طويلة وشاقة ومرصوفة بالأزمات. لكن العملية بدأت كما يبدو، ونجاحها يعتمد على إسرائيل أكثر مما يعتمد على أي طرف آخر (...) ذلك بأن رسالة العرب، بمن فيهم سوريا، في مدريد كانت أنه فقط في مقابل الانسحاب من المناطق سيوافقون أخيراً على بقاء إسرائيل وعقد سلام معها."

زئيف شيف:[16]  بدأت بعد مدريد المرحلة الحساسة، التي يجب خلالها اتخاذ  قرار بشأن ما يجب عدم مناقشته، كي يظل في الإمكان الاستمرار في المفاوضات ودفعها إلى الأمام.

إسرائيل تريد السلام، لكنها تريد أن يدفع العرب ثمنه. ولا يوجد مؤشر على أنها مستعدة للتخلي عن مناطق في مقابل السلام.

تسفي تيمور:[17]  مارس الأميركيون ضغوطات على الجميع – حجز المساعدات المقررة للأردن، وضمانات القروض لإسرائيل، والمساعدات السعودية لسوريا.

ولقد فُهم من دبلوماسيين أميركيين أنه على الرغم من عدم وجود ربط معلن بين ضمانات القروض وتقدّم المفاوضات، فإن تحركاً إيجابياً في مسألة الضمانات لن يحدث من دون ذلك. وفُهم أيضاً أن ألمانيا واليابان ودولاً أوروبية أخرى لن تقدم تسهيلات مالية ومساعدات أخرى من دون تقدم المفاوضات.

مع ذلك يسجل للأميركيين أنهم أكدوا التزامهم تجاه أمن إسرائيل، لا من خلال خطاب بوش فقط، بل أيضاً من خلال دليل ملموس: تعمّدهم الإسراع في إرسال طائرات ف – 15 إلى إسرائيل، التي وصلت قبل يومين من عَقْد المؤتمر. والقصد من وراء ذلك كان استرضاء إسرائيل، وفي الوقت نفسه إفهام العرب أن الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعني إمكان فتح خيار الحرب.

وعد بوش الفلسطينيين بشيء ما – جدول زمني ممكن التحقيق. وإذا سارت الأمور وفقاً لخطة بوس، فإن حكماً ذاتياً سيكون في يد الفلسطينيين خلال عام.

لم يَعِدْ بوش السوريين بشيء. ومن قوله أن الاتفاق لن يتم في يوم أو في شهر أو في عام، يمكن للسوريين أن يستنتجوا أنهم لا يقفون على رأس جدول الأولويات الأميركية.

قال لهم أيضاً أن يتباحثوا في "حل وسط إقليمي" مع إسرائيل، وليس حتى في صيغة "مناطق في مقابل السلام". لكنهم لن يكونوا معنيين بحل وسط من هذا النوع، ولن يكونوا مستعدين للتباحث في أقل من استعادة الجولان كلها في مقابل سلام كامل.

عكيفا إلدار:[18]  من دون تدخل أميركي نشيط لن يحدث تقدم في المفاوضات. "من سيقدم أولاً اقتراحاً بتسوية من أجل حل في هضبة الجولان؟ هل يتخيل أحد أن يتفوه يوسي بن أهرون أمام زميله السوري بجملة حتى من هذا النمط: 'لنفترض أننا أعدنا هضبة الجولان لكم، أية ترتيبات أمنية أنتم مستعدون لاقتراحها علينا؟' وهل يمكن أن يبادر نظيره السوري إلى اقتراح تجريد هضبة الجولان من السلاح ومجال حيوي للمستوطنات اليهودية في مقابل إعادة السيادة عليها لسوريا؟ وفي اللجنة الأردنية – الفلسطينية: هل في وسع إلياكيم روبنشتاين أن يعرض على الفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي للأفراد (personal)، هذا الابتكار العجيب الذي رفضه المصريون قبل عشرة أعوام؟"  

 

[1]   مصادر التقرير هي الصحف الإسرائيلية اليومية، وفي الأساس رسالة الدعوة إلى مؤتمر السلام ورسائل الضمانات الأميركية إلى الأطراف. وحيث ترد اقتباسات مأخوذة من غير هذه المصادر سترد الإشارة إلى المصدر.

[2]    يوسي بن أهرون، مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، في مقابلة معه: "معاريف"، 11/10/1991.

[3]  رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق شمير، في مقابلة معه: "هآرتس"، 15/11/1991.

[4]  دان ميريدور، وزير العدل الإسرائيلي، في مقابلة معه: "يديعوت أحرونوت"، 18/10/1991.

[5]  "هآرتس"، 31/10/1991.

[6]  المصدر نفسه.

[7]  Mideast Mirror, November 8, 1991, p. 2.

[8]  "يديعوت أحرونوت"، 1/11/1991.

[9]  المصدر نفسه.

[10]  "هآرتس"، 4/11/1991.

[11]  "يديعوت أحرونوت"، 4/11/1991.

[12]  المصدر نفسه، 6/11/1991.

[13]  "معاريف"، 1/11/1991.

[14]  "عال همشمار"، 5/11/1991.

[15]  "دافار"، 7/11/1991.

[16]  "هآرتس"، 8/11/1991.

[17]  "عال همشمار"، 8/11/1991.

[18]  "هآرتس"، 27/10/1991.