تحويل مجاري القدس الرومانية إلى ''درب الحجّاج'': مسعى يميني صهيوني وإفنجيلي جديد لتزوير التاريخ
نبذة مختصرة: 

تكتنز القدس معالم أثرية عديدة تظهر مراحل تتطورها التاريخي، وما فوق الأرض منها يساويه ما تحت الأرض، ومنها مجاري المياه الرومانية التي يسعى اليمين الصيهيوني المتطرف وحليفه الأفنجيلي الأميركي إلى تحويلها لما يروجان أنه "درب الحجاج"، تعزيزاً لروايتيهما الأسطورية عن القدس الموعودة فقط لليهود، وذلك لملاقاة ما يُخطط له في الحاضر من أجل تكريس القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

النص الكامل: 

مقدمة

احتفل الإسرائيليون والأميركيون بشكل صاخب في 30 حزيران / يونيو 2019، وبحضور سفير الولايات المتحدة الأميركية المستوطن ديفيد فريدمان، ومبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للشرق الأوسط جايسون غرينبلات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزوجته ساره، والملياردير اليهودي الأميركي قطب الكازينوهات شيلدون أدلسون[1] وزوجته، والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وشخصيات إسرائيلية أُخرى، بتدشين نفق سمّوه تضليلاً "درب الحجاج". وبغضّ النظر عن هذا الإسفاف في الموقف الأميركي الذي اعتُبر في حينه، قبل إعلان ما يُسمى "صفقة القرن"، أنه انحدار لممثلي الولايات المتحدة الأميركي إلى موقف لم يسبق له مثيل، وتعميق صارخ للاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على القدس، فإن الدبلوماسية الأميركية فقدت أي وقار كان لها، وانساقت تماماً وبشكل مسرحي هزلي خلف المشاريع الاستيطانية والتهويدية بقيادة نتنياهو، فضلاً عن تبنّيها الرواية التاريخية الاستيطانية لتاريخ القدس.

قمت في السابق بكتابة عدة مقالات عن الاستيطان وما يُسمى الحفريات الأثرية،[2] وهو ما فعله آخرون أيضاً[3] وبأشكال متعددة،[4] الأمر الذي يُعفينا من كتابة مزيد عن ذلك، إلّا إن الوضع ارتقى هذه المرة إلى مرحلة جديدة من تزييف التاريخ، وبشكل مضحك، بحيث لم يقتصر ممثلو المسرحية الهزليون على قادة الاستيطان، وخصوصاً ما يُسمى جمعية إلعاد الاستيطانية[5] صاحبة المشروع ومموله، بل تعدّاهم أيضاً إلى ممثلي المؤسستين الحاكمتين في كل من تل أبيب وواشنطن.

 

نتنياهو وغرينبلات وفريدمان يصلّون أمام حائط البراق بعد افتتاح النفق

المصدر: https://twitter.com/usambisrael?lang=en

 

وقد أظهرت الصور فريدمان ونتنياهو يحملان مطرقة كبيرة لهدم الجزء الأخير من الجدار الذي يفصل طرفَي النفق، والصورة محاكاة لأسطورة معروفة سنقوم بمعالجتها أدناه. كما سنقوم في هذه المقالة بتحليل حقيقة هذا النفق من ناحيتين أثرية وتاريخية، ونترك البعد السياسي الجلي، إذ كتب عنه أشخاص كثيرون، بمَن في ذلك أعداد غير قليلة من الإسرائيليين الذين اعتبروا أن المسرحية التي شاهدها العالم كانت مسرحية سمجة بإخراج هواة مسرح.[6]

 I - حقيقة النفق

جاء حفر النفق ضمن خطة واسعة سُميت خطة شالم (Shalem Plan) التي أقرّتها الحكومة الإسرائيلية، والتي تهدف إلى "حفظ وتطوير القدس القديمة"، وهي جزء من استراتيجيا سلطة الآثار الإسرائيلية، لتعزيز الرواية التوراتية لتاريخ القدس من منظور إسرائيلي وبغلاف علمي.[7]

لا يمكن الحديث عن اكتشاف نفق جديد، فقد كان هذا النفق معروفاً منذ القرن التاسع عشر. يخبرنا عارف العارف (سنة 1947) ما نصّه: "كل ما كنا نعرفه في أواخر القرن التاسع عشر، عن طريق تصريف الأقذار في المدينة القديمة أن هناك مجرى قديماً، وأن هذا المجرى الذي أنشأه الرومان ينتهي عند سِلْوان. وظل المجرى غامضاً إلى أن شاء القدر، فانخفض جانب من الطريق عند باب القطّانين من الغرب بفعل السيول والأمطار (1931). ولمّا قامت البلدية تسعى لتعمير المكان المنخفض، ظل عمالها يحفرون في الأرض إلى أن عثروا، على عمق مترين وتسعين جزءاً من مئة المتر من سطح الأرض، على قطعة من الأرض مرصوفة بالبلاط المعروف بالمزي والمصقول صقلاً جيداً. طول البلاطة يتراوح بين المتر ونصف المتر، وثخنها ثلاثون جزءاً من مئة المتر فاعتقدوا أنها جزء من شارع قديم عرفوا من حجارته ومن نوع الفخار الذي وجدوه هناك أنه من صنع الرومان في القرن الرابع للميلاد. ثم راحوا يتعمقون بالحفر في المكان نفسه، وظلوا يحفرون إلى أن عثروا على آثار شارع آخر، وهذا أيضاً مرصوف بالبلاط، ولكن بلاطه أقل صقلاً من الشارع الأعلى. وبين الشارعين، الأعلى والأسفل، متران وعشرة أجزاء من مئة من المتر. وممّا يجدر ذكره أنهم وجدوا، على جانب الشارع الأسفل من الناحية الغربية، مجرى عرفوا من حجارته ومن نوع الفخار الذي عثروا عليه هناك، أنه من صنع الرومان في القرن الأول للميلاد."[8]

ويضيف العارف: "وفي سنة 1942 حدث بالقرب من باب المغاربة، وبفعل السيول والأمطار، انخفاض آخر في الأرض. ولمّا شرعت البلدية في تعمير المكان المنخفض عثر عمالها على جزء آخر من المجرى الروماني المتقدم ذكره، فحفروا في إثر ذلك ثلاثة[9] أنفاق: الأول بداخل السور، في الساحة الكائنة إلى الغرب من الخاتونية وإلى الجنوب من حارة المغاربة، وعلى بعد مئة متر تقريباً من جدار الحرم إلى الغرب. والثاني في الأرض المحاذية للسور من الداخل، وإلى الغرب من باب المغاربة. والثالث بين النفقَين المتقدم ذكرهما، وعلى بعد مئة متر من النفق الأول. والرابع خارج سور المدينة من الناحية القبلية. ولقد عثروا في النفقَين الأول والرابع على آثار الشارع والمجرى اللذين اكتُشفا عند باب القطّانين في سنة 1931، واللذين ذكرناهما في الأسطر المتقدمة."[10]

ويزيد العارف: "أمّا الشارع فعرضه عشرة أمتار وثلاثون جزءاً من مئة من المتر، وهو مرصوف، كما قدمنا، بالبلاط المعروف بالمزي المصقول صقلاً جيداً، وعلى جانبَيه مصرف مفتوح تسيل فيه مياه الأمطار، وهو عبارة عن تجويف بسيط عرضه ثلاثون جزءاً من مئة من المتر. وأمّا المجرى فإن الشطر الأكبر منه مبنيّ بالحجارة الكلسية، والآخر محفور بالصخر، عرضه متر، وارتفاعه متر ونصف. ولا شك في أنه كان لوضع المدينة وتكوينها الطبيعي دخل كبير في تخطيطه، اذ إنه اتّبع الأماكن المنخفضة في المدينة. وما كان هناك مكان أكثر انخفاضاً من الوادي الذي كانوا يسمونه يومئذ: (وادي التروبين)، ونسميه في يومنا هذا (الواد). وبعبارة أخرى، إن المجرى الروماني القديم يقطع المدينة من الشمال إلى الجنوب، فيبدأ عند باب العمود، ثم يمر بحارة الواد وباب السلسلة وحارة المغاربة، إلى أن ينتهي عند القرية المعروفة بسلوان قبلي المدينة."[11]

ويضيف العارف خاتماً تقريره: "انتفعت المدينة من هذا المجرى قرابة خمسة عشر قرناً، ولقد ظهر من الحجارة المتنوعة التي استُعملت في بنائه أنه رُمم، بعد عهد الرومان، مراراً وتكراراً، وهناك آثار تدل على أن يد التجديد والترميم عملت على صونه وإبقائه بعد الفتح الإسلامي، وفي العهد الصليبي، وفي زمن الأيوبيين، والمماليك والأتراك أيضاً."[12]

 

جزء من النفق، المجرى الروماني للمياه العادمة

 

يؤكد عارف العارف تقريباً، ما نعرفه اليوم من خلال الحفريات الأثرية وأعمال الاستكشاف التي تمت منذ القرن التاسع عشر، وما تُظهره أيضاً خريطة مادبا الفسيفسائية (القرن السادس الميلادي).[13] ففي سنة 135م، قام الإمبراطور الروماني هادريان بإعادة بناء القدس من جديد، بعد أن كانت قد دُمرت جزئياً في سنة 70م على يد القائد الروماني طيطس. واعتمد هادريان على بناء شارع روماني طويل مع أعمدة على جانبيه يقطع المدينة من الشمال إلى الجنوب يسمى كاردو مكسيموس، يبدأ بباب العمود شمالاً وينتهي بجنوبي المدينة، ويقع اليوم أسفل سوق باب خان الزيت وامتداداته جنوباً. كما بنى شارعاً آخر يتبع طوبوغرافيا القدس، ويبدأ إلى الجنوب من باب العمود وينحرف شرقاً على امتداد الوادي الطبيعي الذي يقسم المدينة إلى جزء علوي (غربي)، وجزء سفلي (شرقي)، وهذا الشارع يُسمى اليوم طريق الواد حيث يقبع المستوى الروماني بضعة أمتار أسفل المستوى الحالي. ومن الواضح أن مجرى مياه الصرف الصحي حُفر ورُصف في الفترة الرومانية لصرف المياه العادمة للمدينة، إذ إن الوادي (واد الطواحين / تايروبويون / واد الجبانة)[14] هو المسار الطبيعي له، فهو يقطع المدينة من الشمال إلى الجنوب، ويمكن جرّ جميع أنواع الصرف الصحي ومياه الأمطار إليه اعتماداً على الانسياب الطبيعي. وكان المجرى يخرج من منطقة باب المغاربة جنوباً حاملاً مياه الأمطار والصرف الصحي إلى خارج المدينة في اتجاه سلوان ليلقي بها في نهاية المطاف في واد النار.

لا تمكّننا الحفرية من تتبّع النفق بشكل جدي، كما أن الحفريات التي جرت لا تمكّننا من البحث عن سياقات الموقع، إذ إن حفره لم يتم بشكل إزالة طبقة واسعة من فوق إلى أسفل، مثلما هو متّبع في جميع الحفريات العلمية الجدية، الأمر الذي يقود إلى استنتاج سريع فحواه أنه من شبه المستحيل تأريخ النفق، وأن نسبته إلى القرن الأول للميلاد، هو مجرد تكهّن يعبّر عن التمنّي، وليس بالضرورة عن نتائج علمية واضحة، مثلما سنذكر لاحقاً.

من الواضح، سواء من خلال تقرير عارف العارف أو نتائج حفريات النفق، أن الحديث يجري عن مستويين من الأنفاق، الأول هو مستوى طريق روماني كان يربط القدس القديمة بعين سلوان، أحد مصادر تزويد القدس بالمياه، ومن شبه المستحيل تأريخه إلى فترة الملك هيرودوس (أي قبل سنة 4 ق. م.)، والتي جرى فيها اكتشاف فخار ونقود يعودان إلى عدة فترات من القرن الأول بعد الميلاد، ولذلك فإن ربطه بهيودوس هو أيضاً من باب التمنّي والدعاية السياسية، ولا يستند إلى اكتشاف علمي. والمستوى الثاني، هو قناة تصريف للمياه العادمة تعود إلى فترة متأخرة (القرن الثاني للميلاد!)، وهذا المستوى هو الأعلى، أي أن الشارع الروماني المبكر جرى توقيف استعماله إذ بُنيت فوق مستواه القناة المذكورة.

ويشكل امتداد النفق الأول (السفلي / الشارع المبلط) بحدّ ذاته إشكالية للذين يتمنّون أن يكون هذا النفق مساراً للحجاج يربط عين سلوان بـ "هيكل هيرودوس". فلو كان كذلك، مثلما جرى الادعاء وتسميته، فإنه في الحقيقة يمتد في اتجاه طريق الواد على امتداد الجدار الغربي للمسجد الأقصى، ولا يؤدي إلى إحدى بواباته الجنوبية، ولو كان مساراً رابطاً بين بركة عين سلوان والمسجد الأقصى (جبل الهيكل مثلما يُسمى إسرائيلياً)، فمن المفترض أن يقود إلى الباب المزدوج (المسمى إسرائيلياً باب خلدا) الذي يقع أسفل المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، أو إلى الباب الثلاثي الذي يقع بضعة أمتار إلى الشرق من الباب المزدوج، والذي يقود إلى المسجد المرواني، وذلك اختصار لمسافة ربما تصل إلى أكثر من 300 متر على امتداد المسار الذي تم اكتشافه، لكن هذا الشارع يمتد شمالاً، ولا نعرف إلى أين بالتحديد، لكنه لا يؤدي ولا بأي حال من الأحوال إلى المسجد الأقصى، وقد يكون متجهاً إلى باب العمود، الأمر الذي ينفي إمكان ربطه المسجد الأقصى بعين سلوان.

ومن الجدير بالذكر أن آثار الشارع الروماني الهادرياني (القرن الثاني للميلاد) اكتُشفت إلى الغرب من الشارع الروماني المبكر (أي المكتشَف في النفق)، وبالتالي، فإن هذا يؤكد أن شارع النفق كان شارعاً في القدس الرومانية المبكرة يمتد على الجهة الشرقية من طريق الواد، وأن وظيفته هي بالتأكيد ربط عين سلوان بالمدينة، وأنه يتخذ المسار الطبيعي للواد. أمّا اختراع فكرة "طريق الحجاج"، فجزء من تركيب رواية التاريخ المتخيل للقدس خلال الفترة الرومانية المبكرة، المعروفة بفترة الملك هيرودوس، والمسماة إسرائيلياً "فترة الهيكل الثاني".

 II - قصة المطرقة وفتح النفق

تُظهر صورة افتتاح النفق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والسفير الأميركي ديفيد فريدمان، وكل منهما يحمل مطرقة بيده يفتح بها النفق من جهته، فمن أين جاءت هذه الصورة؟ لفهم الأمر لا بد من العودة إلى نفق عين سلون الشهير ونقشه.

 

غرينبلات وفريدمان يفتحان النفق، ومن خلفهم يقف رئيس بلدية  القدس الإسرائيلية

المصدر: https://www.facebook.com/DavidFriedmanSupporters/

 

في الحقيقة استمر استعمال النظم المائية في العصر البرونزي (المعروفة بالنظم الكنعانية) في القدس اليبوسية، ولم يجرِ عليها أي أعمال تطوير مهمة على الأنفاق التي حُفرت في تلة الضهور (القدس اليبوسية) قبل بداية القرن السابع قبل الميلاد، حين بُدىء بأعمال حفر مزيد من الأنفاق والأدراج التي تقود إلى نبع عين سلوان.[15]

وقصة النفق الطويل (نفق عين سلوان) معقدة جداً وفيها كثير من النظريات، كما أن هناك اختلافاً كبيراً في تأريخه، لكن لا مجال هنا لتتبّع ذلك على الرغم من الإثارة الكبيرة التي يحملها تاريخ البحث بشأن هذا النفق المحفور في الصخر الصلد، والذي يبلغ طوله نحو 533م، ويجري تحت الطبقات الصخرية المرتفعة. ولم يتم التوصل حتى الآن إلى قناعات مشتركة بين أصحاب الاختصاص بشأن تأريخه، وهو النفق الذي اعتاد علماء الآثار التوراتية نسبته إلى الملك حزقيا (سمّوه نفق حزقيا)، لكن هذه النسبة لم تعد مقبولة لدى الأغلبية الساحقة من أصحاب الاختصاص، وما يمكن قوله باختصار شديد هو أن هذا النفق نتاجُ عمل عدة فترات زمنية بدأت قبل فترة حزقيا بكثير واستمرت بعده، ولا يمكن أن يكون نتاج فترة واحدة.[16]

وفي العصر الحديدي الثاني (725 - 587 ق. م.)، يمكن ملاحظة نشاطات كبيرة في بناء المدينة وإعادة بناء وترميم ما تهدّم منها جرّاء الغزو الأشوري، وهو ما عُرف في المصادر الأدبية الدينية بنشاطات حزقيا (725 - 697 ق. م.)،[17] إذ جرى اكتشاف عدة مبانٍ عامة صغيرة نسبياً تعود إلى هذه الفترة، والتي تُظهر أن المدينة توسعت في اتجاه الشرق، نحو وادي قدرون خارج الأسوار التي بُنيت حتى هذه الفترة. وتوسعت المدينة أيضاً في اتجاه الغرب، الأمر الذي استدعى مزيداً من الاستثمارات في موضوع المياه وزيادة النجاعة في استخدام نبع سلوان، كما تطلّب شقّ مزيد من الأنفاق لنقل المياه،[18] والتي يُنسب جزء منها إلى تلك الفترة.

ومن أهم ما اكتُشف في هذا النفق نفق شهير عُرف باسم "نقش عين سلوان" في سنة 1880، وذلك على بُعد نحو ستة أمتار من مخرج نفق عين سلوان الذي يصل العين العليا، عين سِتّي مريم، ببركة عين سلوان. والنقش موجود اليوم في متحف الآثار في إستانبول، ويتكون من ستة اسطر تنصّ على ما يلي:

[هذا] (هو) النَّقب، وهذا كان خبر النَّقب. إذ [المنقِّبون يحرِّكون]

المعاول، الرَّجل (منهم) إلى (جانب) رفيقه، إذ بقيت ثلاثة أذرع (لفتح) النَّقـ[ـب. سُمِع] صوت رجل مـ

ـنادٍ لرفيقه؛ إذ كان شرخ في الصخر من اليمين، و[من الشمـ]ـال. وبيوم الـ

نقب نكأوا المنقِّبون، رجل قبالة رفيقه، معولاً على [مـ]ـعول، وجرت

المياه من المخرج إلى البركة. مئتان وألف ذراع ومـ[ـئـ]

ـة ذراع كان ارتفاع الصخر على رؤوس المنقِّبين.[19]

هذا نقش مثير للجدل، وحتى الآن لا يوجد موقف موحد بشأنه بين أصحاب الاختصاص، وذلك على الرغم من تطور علم النقوش الكتابية (epigraphy) خلال العقود الأخيرة، إذ إن نقاط الارتكاز فيه، والتي قد تساهم في تأريخه، قليلة جداً. وأحد أسباب الخلاف أنه لم يُعثر على النقش في سياق أثري، وهو لا يذكر اسم أي أشخاص، ولا يشير إلى حوادث سياسية أو تاريخية لتساهم في تأريخه. ومن الواضح أن موضوع النقش يتمحور حول شقّ نفق لإسالة ماء من عين سلوان إلى الجهة الجنوبية الغربية من القدس العتيقة (اليبوسية). ويُذكر أن العهد القديم ينسب إلى الملك حزقيا شقّ قنوات وبناء برك لتجميع المياه في القدس، وخصوصاً في منطقة عين سلوان، ويتضح ذلك في نصوص سفر الملوك الثاني (20:20). وقد رأى بعض الباحثين أن هذا الإجراءات جاءت ضمن الاحتياطات التي اتخذتها مملكة يهودا لمواجهة خطر الحصار الأشوري الناجم عن حملات الملك الأشوري سنحاريب إلى فلسطين، وهو بالتأكيد أمر لا يمكن الأخذ به، نظراً إلى أن شقّ مثل هذا النفق لوحده سيكون نتاج فترة طويلة من العمل المكثف والشاق، والتي قد تصل إلى أعوام طويلة، ولا يمكن أن يكون حزقيا قد توقّع الغزو الأشوري قبل حدوثه بسنوات طويلة. إذاً، الأمر لا يتعدى نسبة كثير من المظاهر المعمارية إلى "أبطال" تاريخيين، وذلك لإيجاد نقاط ارتكاز في التاريخ. وفي الختام كيف لحزقيا أن يقبل القيام بهذا العمل العظيم الذي يدعو إلى الفخر والاعتزاز، من دون أن يُذكر في النقش، وكيف يمكن أن يقوم العمال بوضع نقش لا يذكر اسم الملك على هذا الإنجاز؟

ما هو ثابت الآن، من ناحية علمية، أن النفق شُقّ على مراحل طويلة استمرت أغلب الظن عقوداً طويلة، مثلما يتضح من خلال أساليب حفر الصخر والأدوات المستعملة. ويتراوح تأريخ النقش ما بين نهاية القرن الثامن أو بداية القرن السابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد،[20] والباحثون في ذلك مدارس شتى.

على أي حال، إذا افترضنا أن هذا النقش يعود إلى بداية القرن السابع قبل الميلاد، فإن نصّه لا يتوافق مع ما هو معروف من النقوش في تلك الفترة، ولا مع نقوش البناء المعروفة من الفترة نفسها، ولا مع أي شكل من أشكال النقوش المعروفة بغضّ النظر عن موضوعاتها، فهو لا يحتوي على دعاء أو لعنة، ولغته تُعتبر غريبة بعض الشيء فهي لا تتوافق واللغات السامية الشمالية الغربية في الفترة المذكورة. لذلك، فإن هذا النقش بحد ذاته، ومن ناحية لغوية، يُعتبر حالة نادرة.[21]

ومن المعتاد أيضاً أن يتم وضع النقوش التأسيسية أو التخليدية في مكان بارز في العمائر كي يتسنى للجميع مشاهدتها، فلماذا تم إخفاء النقش داخل النفق، إذ إنه ليس من المفترض أن يمر الناس هناك، فضلاً عن أن النفق مظلم ولا يسهل مشاهدة النقش حتى للذين يمرون من النفق لسبب ما؟

 

 

نقش نفق عين سلوان المسمى نقش حزقيا، والموجود في متحف الآثار في إستانبول

 

إذاً، أصبحت الصورة واضحة من أين استقى بنيامين نتنياهو والسفير الأميركي فريدمان صورة أن يحمل كل منهما معولاً ويحفر في النفق ليلتقيا مثلما التقى الحفارون من طرفَي النفق في العهد الذي يُنسب إلى حزقيا، فنتنياهو هو "ملك اليهود"، لأن حزقيا كان بحسب رواية العهد القديم "ملك يهودا"، والقصة استحضار لأسطورة نحن غير متأكدين من تاريخها، ولا ممّن يقف وراءها.

لكن في هذه الحالة، لا تؤدي "الحقيقة التاريخية" دوراً ذا شأن، فالمهم في الأمر هو الرسائل السياسية. يقول دورون شبيلمان، نائب رئيس جمعية إلعاد الاستيطانية، إن: "جميع الحجاج اليهود كانوا يصعدون عبر هذا الطريق"، وكي يضمن التأييد المسيحي (المسياني / الإفنجيلي) للمشروع فإنه يضيف: "ومن شبه المؤكد أن المسيح استعمل هذا الطريق خلال فترة الهيكل الثاني، وذلك إلى جانب كثير من علماء وقادة اليهود المشهورين."

ويوافق السفير ديفيد فريدمان على ما ذُكر، فيقول: "تُحضِر مدينة داود الحقيقة والعلم إلى نقاش شابته الخرافات والخداع لفترة طويلة... المكتشفات التي تم التوصل إليها، في معظم الحالات من طرف علماء الآثار العلمانيين، تضع حداً للجهود التي لا أساس لها لإنكار الحقيقة التاريخية لارتباط القدس منذ القِدم بالشعب اليهودي." وأضاف السفير فريدمان: "كان هناك دعم هائل لمدينة داود من جانب الجمهور الأميركي، وهذا مثال آخر، وهو مثال عظيم، للاعتراف بالقيم اليهودية المسيحية التي تأسست عليها الأُمّتان."[22]

قد يبدو هذا الاحتفال المبالغ فيه، والمصوَّر على أنه فتح عظيم، والذي اقتضى جمع هذا العدد من الساسة من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بمثابة إعلان انتصار مُبين، لكن أيضاً يمكن فهمه على أنه ردّ على الانتصار الفلسطيني في إعادة فتح باب الرحمة (بوابة المسجد الأقصى) وصدّ الأطماع الإسرائيلية للسيطرة عليه، فالباب لا يبعد كثيراً عن مسار النفق.

وكي لا يبدو انتقادنا لهذا النفق نابعاً من باب التجنّي السياسي على الاحتلال، واعتبار النفق حلقة إضافية في سلسلة تهويد القدس وهو كذلك، بل إنه حتى من ناحية علمية يُعتبر عملاً لاأخلاقياً ويتناقض مع جميع الممارسات السوية في علم الآثار، فإننا سنكتفي باقتباس ما كتبه اثنان من كبار موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية نفسها، هذه السلطة التي كانت مشاركة بشكل فاعل في مشروع النفق. يقول كل من الدكتور جون سليغمان (John Seligman)[23] والدكتور جدعون أفني (Gideon Avni)[24] في رسائل لهما مع سلطة الآثار الإسرائيلية، وحصل عليها مراسل صحيفة "هآرتس" نير حسون (Nir Hasson): "إن العمل في النفق جرى بالتناقض مع جميع الممارسات المقبولة؛ هذا علم آثار سيئ، وسلطة الآثار [الإسرائيلية] لا يمكن أن تفتخر بهذه الحفريات."[25]

 III - تاريخ حفرية النفق

بدأت حفريات عين سلوان في عين أم الدرج حيث النبع، وذلك بناء على طلب من جمعية إلعاد الاستيطانية وسلطة الطبيعة والحدائق الوطنية الإسرائيلية. وفي سنة 2004 جرى تحوّل مهم عندما اكتُشفت بركة قديمة في أسفل وادي حلوة (سلوان)، وبقايا طريق يقود في اتجاه الشمال صوب البلدة القديمة، في الوقت الذي كان قد بُدىء بحفر النفق الذي يقع في طريق الواد (قرب سوق القطّانين)[26] تحت ما يُسمى كنيس أوهل يتسحاك، والذي هدف إلى ربط طريق الواد بالنفق الغربي الممتد على امتداد الجدار الغربي للمسجد الأقصى وبالتالي بساحة حائط البراق، ومنذ تلك اللحظة كان هناك شعور بأن النفقَين هما على علاقة أحدهما بالآخر. على أي حال، هذا الأمر ليس جديداً، فقد تم التطرق إليه منذ حفريات كل من بليس (Bliss) وديكي (Dickie)، وذلك خلال الأعوام 1894 - 1897م،[27] ومن هنا بدأت تتطور فكرة ربط الموقعَين أحدهما بالآخر.

لكن برزت مشكلة هي أن حي وادي حلوة (جنوبي المسجد الأقصى) الفلسطيني يشمل مئات الأبنية وآلاف السكان، الأمر الذي يعوق فكرة الوصل بين النفقين، فكان القرار في خوض الحرب على جبهتين: الأولى العمل على حفريات في أنفاق تحت حي وادي حلوة، والثاني إطلاق العنان للحركات الاستيطانية السيطرة على بيوت الفلسطينيين فوق الأرض في الحي نفسه، أي محاولة السيطرة فوق الأرض وتحتها، وتحويل المنطقة كلها إلى جزء من السردية التاريخية المكونة من حائط البراق وحارة اليهود وتل سلوان (تل الضهور) حيث المدينة اليبوسية (مدينة داود بالرواية الإسرائيلية).

وفي الجزء الجنوبي من وادي حلوة، تم اكتشاف جزء من الطريق المبلط الذي تحدث عنه كل من ديكي وبليس في دراستهما المذكورة في نهاية القرن التاسع عشر، كما اكتُشف لاحقاً نفق المجاري الروماني المبني من الحجارة بارتفاع يفوق قامة الإنسان، وهو يمر من طريق الواد (على بعد نحو 100م غربي الجدار الغربي للمسجد الأقصى)، ويسير تحت طريق الواد وصولاً إلى وادي حلوة.

ومنذ سنة 2007، قامت سلطة الآثار، وبتمويل من جمعية إلعاد الاستيطانية، بالعمل المكثف على حفر النفق، وذلك لربط بركة سلوان والبرك الرومانية والبيزنطية المحيطة بها بالبلدة القديمة، وقد أدت هذه الحفريات إلى وقوع أضرار بليغة في بيوت سكان حي وادي حلوة.[28] ويتم ضم نفق المجاري، في المناطق التي لم يتم اكتشاف سوى مثل هذا النفق، كي يتم اختلاق ما يُسمى طريق الحجاج، وهو أمر فيه كثير من التمني والتضليل.

وفي سنة 2013، افتُتح جزء من النفق الرابط بين بركة سلوان وموقف سيارات وادي حلوة (المسمى موقف غفعاتي)، على بعد نحو 30م جنوبي سور المدينة الجنوبي. وبعد افتتاح هذا الجزء، بُدىء بالحفر شمالاً في اتجاه ساحة حائط البراق وتحت سور المدينة الجنوبي، بهدف ربط هذا الجزء بالنفق الغربي الذي يسير على امتداد الجدار الغربي للمسجد الأقصى. وفي معرض هذه الحفريات جرى اكتشاف مجموعة من الأنفاق، بعضها معروف لنا من خلال أبحاث القرن التاسع عشر، وأغلبيتها هي قنوات صرف صحي رومانية وبيزنطية وأموية.

لقد أصبح من الممكن الآن الحديث عن شبكة من الأنفاق تبدأ عند نبع سلوان ويمكن السير في النفق الصخري القديم في اتجاه بركة سلوان، ثم الصعود عبر الطريق والنفق الروماني وصولاً إلى ساحة البراق، وبعدها يتم الدخول إلى النفق الغربي على امتداد الجدار الغربي للمسجد الأقصى والخروج إلى طريق الآلام (أسفل المدرسة العمرية) بالقرب من الزاوية الشمالية الغربية للمسجد الأقصى. ولن يقف الأمر عند هذا الحد، فأغلب الظن أن هناك حفريات لا نملك تأكيداً لها، وهي تبدأ في مغارة الكتّان أو مغارة سليمان (المسماة إسرائيلياً مغارة تصدقيا)، والتي تبعد نحو 100م إلى الشرق من باب العمود تحت أسوار المدينة من الخارج،[29] وتتجه صوب الجنوب لتلتقي بالقرب من النزل النمساوي (الهوسبيس) بالنفق الغربي المذكور.

إن السائر في هذه الأنفاق يفقد العلاقة بواقع القدس الحالي، إذا لم يفقد صوابه، ويعيش تجربة فريدة من التاريخ المتخيل، فهو لا يشاهد إلّا ما يُعرض عليه، ولا يقرأ رواية غير تلك التي جرى صوغها بشكل لا يقبل الشك، ويشهد عليها العهد القديم بمختلف شخصياته التي تقوم برواية تاريخ القدس، وباستعمال نص التوراة كأداة تسلط ومصدر لشرعية الرواية، الأمر الذي يضفي على الرواية قدسية لا تقاوَم. كما أن الزائر لا يسمع سوى فترة "الهيكل الثاني"، و"هيرودوس"، و"حزقيا"، و"المملكة المتحدة" و"مملكة يهودا"، و"المكابيين"، و"الحشمونيم"، وتغيب بقية الفترات التاريخية عن الرواية. وهنا في الأنفاق لا ضرورة لتفسير وجود كنيسة القيامة، ولا قبّة الصخرة، ولا كنيسة مريم الجديدة، ولا حتى ملاحظة مئات المباني الصليبية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، بل تغيب المآذن وأبراج الكنائس عن السردية، وتغيب حتى الأسواق، ويتلاشى البشر بسمرة وجوههم الشرقية ورجال الدين بملابسهم الموحدة، إذ ليس ثمة شيء يقتضي تفسير وجودهم. فالأنفاق، كلها تقود إلى "جبل الهيكل"، وجميع الروايات تتمحور حول "الهيكل" بكامل عظمته وتجلياته، وبالتالي تنكشف العلاقة الروحية العميقة التي تربط اليهود بالقدس، وهي علاقة لا يمكن تشبيهها بأي علاقة للمسيحيين أو للمسلمين بالمدينة.

والمثير في الأمر أنه من الصعب تأريخ أغلبية هذه الأنفاق، أو لنقل إنه ليس هناك اتفاق حد أدنى بين أصحاب الاختصاص بشأن تاريخها، إلّا إن الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تقوم جمعية إلعاد الاستيطانية بصوغها، تتحدث أساساً عن هيرودوس (حكم 36 - 4 ق. م.) حتى دمار الهيكل الثاني في سنة 70م. وفضلاً عن ذلك، فإن التواريخ الأُخرى التي اكتُشفت في الأنفاق، هي أمر عابر وغير مهم، فالفترة الرومانية المتأخرة (هادريان وما بعده)، والتي تُعتبر الأكثر تمثيلا في الأنفاق، والفترة البيزنطية، والفترات الإسلامية التي تلتها، لا تظهر في هذه الأنفاق، على الرغم من حضورها بشدة وتشكيلها لجميع التواريخ المفترضة للأنفاق.

ومن نافل القول أن القيمة العلمية لحفريات الأنفاق محدودة جداً إن لم تكن معدومة، علاوة على أنها تُحفر خارج سياقاتها الطبقية (stratigraphy)، الأمر الذي يجعل نتائجها بصورة عامة غير دقيقة ، مع وجود اختلاف كبير بشأنها، علاوة على أن أهميتها لا تتعدى القيمة العاطفية المسيسة والمصطنعة كلياً، مثلما يظهر في صورة المطارق المذكورة.

أُجريت حفريات الأنفاق في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للالتفاف على منع السلطات العثمانية للباحثين الغربيين من النبش تحت المباني والحفر تحت المسجد الأقصى، فالتفوا على هذا المنع وحفروا أنفاقاً تحت الأرض حاولوا من خلالها الوصول إلى المسجد الأقصى. أمّا حفر الأنفاق الحالي في القدس، ومن ضمنه نفق سلوان، فيتم ضمن خطة حكومي، وبقرار سياسي، وتمويل حكومي، تهدف ليس فقط إلى صوغ تاريخ متخيل للقدس، بل أيضاً إلى تأكيد السيطرة الفعلية على ما يسمى "الحوض المقدس" الذي يضم البلدة القديمة والمواقع الدينية والتاريخية المحيطة بها، وتحويل ذلك كله إلى سردية تاريخية يهودية.[30]

من المثير مشاهدة الفيلم المعروض في الصفحة الإلكترونية لسلطة الآثار الإسرائيلية، علاوة على مجموعة من الأفلام ذات التوجه والغرض نفسه، شاركت في إنتاجها وسائل إعلام صهيونية وأُخرى مسيحية صهيونية، حتى وصلت إلى عشرات الأفلام التي تروي رواية يقدمها دائماً أفراد من جمعية إلعاد الاستيطانية، وتهدف إلى اختراع تاريخ لمدينة تحت الأرض عبر حرف الأنفاق، وبالتالي السعي لنفي تاريخ البلدة القديمة وجعلها بلا فائدة.[31]

 

مسار نفق سلوان وعلاقته بسائر الأنفاق

المصدر موقع منظمة عيمك شيفيه، في الرابط الإلكتروني

 

المصادر:

[1] عضو الحزب الجمهوري الأميركي ومن أكبر المتبرعين لحملة ترامب الانتخابية، وهو متبرع كبير للمشروعات الاستيطانية في فلسطين. يملك صحيفة "يسرائيل هيوم" الصادرة في إسرائيل والتي توزَّع مجاناً، وتُعتبر من أكبر داعمي نتنياهو. ويُعتبر أدلسون من أكبر المتبرعين لحفر هذا النفق، ولا أحد يعرف التكلفة الحقيقة لهذا الأمر، لكنها كانت باهظة جداً. ومن المتبرعين الآخرين كل من لاري إليسون مؤسس أوراكل (Oracle)، والمؤسس المشارك لواتس آب (WhatsApp) جان كوم (Jan Koum).

[2] نظمي الجعبة، "القدس القديمة ومحيطها: الانقلاب على المشهد الثقافي وتهويده"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 85 (شتاء 2011)، ص 23 - 40؛ نظمي الجعبة، "القدس بين الاستيطان والحفريات"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 79 (صيف 2009)، ص 39 – 54، ونُشر أيضاً في "حوليات القدس"، العدد 8 (شتاء - ربيع 2009 - 2010)، ص 5 - 20؛ نظمي الجعبة، "مقبرة باب الرحمة"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 117 (شتاء 2019)، ص 94 - 113.

[3] انظر الدراسة الموسعة بشأن الأنفاق في القدس: يوسف النتشة، الحفريات والأنفاق الإسرائيلية في القدس منذ عام 1967: دراسة نقدية في خلفيتها التاريخية والسياسة وفي مناهجها ونتائجه" (الرباط: وكالة بيت مال القدس الشريف، 2019).

[4] يمكن سرد عدد كبير من الدراسات التي طالت الموضوع، نختار منها:

Nadia Abu El‐Haj, Facts on the Ground: Archaeological Practice and Territorial Self‐Fashioning in Israeli Society (Chicago: University of Chicago, 2001); Yigal Bronner, “Archaeologists for Hire: A Jewish Settler Organization is Using Archaeology to Further its Political Agenda and Oust Palestinians from Their Homes”, The Guardian, 1/5/2008; Rafael Greenberg, “Towards an Exclusive Archaeology in Jerusalem: The Case of Silwan/the City of David”, Public Archaeology, vol. 8, issue 1, pp. 35‐50; Adina Hoffman, “Archaeological Digs Stoke Conflict in Jerusalem”, The Nation (18/8/2008); Joseph Krauss, “Secret Jerusalem Tunnel May Spark Conflict”, Arab News (20/3/2008); Katharina Galor, Finding Jerusalem: Archaeology Between Science and Ideology (California: University of California Press, 2017); Raz Kletter, Archaeology, Heritage and Ethics in the Western Wall Plaza, Jerusalem:Darkness at the End of the Tunnel (New York: Routledge, 2019).

[5] جمعية استيطانية نشطة في استيطان سلوان وبدعم رسمي من الحكومة الإسرائيلية، ومن أوساط صهيونية أميركية، مسؤولة عن تمويل الحفريات في سلوان، وتقوم بإدارة المواقع الأثرية في كل من الحديقة الأثرية التي تقع إلى الجنوب من المسجد الأقصى، وخرائب القدس اليبوسية، وعين سلوان وغيرها من المواقع، وتقدم رواية تاريخية صهيونية متكاملة لتاريخ القدس.

وهذه الجمعية أُنشئت في سنة 1986 من أجل تعزيز أواصر الشعب اليهودي بالقدس على مر العصور من خلال تنظيم الجولات في المواقع التاريخية، والتوعية، والاستيطان، ونشرالمواد الدعائية لوسائل الإعلام العالمية، كما تعمل على توطين اليهود في سلوان منذ سنة 1991، فهي المسؤولة عن الاستيطان في عدة عشرات من الوحدات الاستيطانية في سلوان، والتي تشمل نحو 400 مستوطن يهودي. تديور جمعية إلعاد الحديقة الأثرية المسماة "مدينة داود"، وتقوم بجلب آلاف الجنود والطلاب، وتنظم جولات لهم لربطهم بالقدس بروايتها للتاريخ، فضلاً عن تنفيذ مشاريع بناء وتطوير متنوعة، وإجراء الحفريات الأثرية وتمويلها بملايين الدولارات سنوياً. وبشأن نشاطاتها في سلوان، انظر الرابط الإلكتروني، وكذلك الدراسة التي أجرتها حركة السلام الآن عن هذه الجمعية، وذلك في الرابط الإلكتروني.

[6] كتبت جمعية عيمك شيفيه (Emek shaveh) في سياق عرضها للنفق المذكور، أن استعمال الآثار من جانب إسرائيل والمستوطنين كأداة سياسية، يشكل جزءاً من استراتيجيا لتشكيل المدينة التاريخية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المدينة القديمة من طرف واحد. انظر بيان صحافي باللغة الإنجليزية في موقع منظمة عيمك شيفيه، في الرابط الإلكتروني.

[7] بشأن خطة شاليم، انظر الدراسة التي نشرتها مؤسسة عيمك شيفيه في سنة 2020، في الرابط الإلكتروني.

[8] عارف العارف، "المفصل في تاريخ القدس" (القدس: مطبعة المعارف، ط 5، 1999)، ص 460.

[9] يتبيّن من سياق الحديث فيما يلي أن المقصود هو أربعة أنفاق لا ثلاثة.

[10] العارف، مصدر سبق ذكره، ص 460 – 461.

[11] المصدر نفسه، ص 461.

[12] المصدر نفسه.

[13] بشأن خريطة مادبا، انظر: ميشيل بيشريللو، "مادبا كنائس وفسيفساء"، ترجمة ميشيل صباح وآخرين (القدس: معهد الفرنسيسكان للآثار، 1993)، ص 76 - 95.

[14] لا يُعرف حقيقة ما هو اسم الوادي المذكور، أمّا تسمية تايروبويون (Tyropoeon) فوردت لدى المؤرخ الروماني يوسيفوس (ت. نحو 100م)، وهي على الأغلب تسمية محرفة، لكن جرى ترجمة هذه الكلمة غير واضحة المعنى ونسبتها إلى صنّاع الجُبن، وهي بالتأكيد ترجمة بتصرف مبالغ فيه، ولا يُعرف المعنى الحقيقي للتسمية وما علاقة صنّاع الجبن (الجبانة) بالقدس. على أي حال، تُستعمل هذه التسمية في جميع المصادر والمراجع غير العربية، أمّا في العربية فقد استُخدمت كلمة "الواد" أو "واد الطواحين"، وهو ما سيتم اعتماده هنا. لقد ارتفع مستوى الوادي، بمعدل يزيد على ثمانية أمتار، اصطناعياً، ليحمل الحي الحالي المعروف بطريق الواد، والمشكّل من باب المجلس وباب الحديد وسوق القطّانين وطريق باب السلسلة، وليصبح الحي بمستوى ساحات (صحن) المسجد الأقصى، تسهيلاً للحركة، وتبرّكاً بالمسجد. وكان حي حارة المغاربة يقع على الطرف الغربي للواد، إلى الغرب من جدار المسجد، وذلك قبل هدمه بالجرافات الإسرائيلية في سنة 1967 وتشكيل الساحة الضخمة التي تقع أمام حائط البراق.

[15] لمزيد من المعلومات بشأن التطورات التي جرت على النظم المائية في هذه الفترة، انظر:

Ronny Reich and Eli Shukron, "The History of the Gihon Spring in Jerusalem", Levant, vol. 36, issue 1 (2004), pp. 211-223.

[16] انظر:

Katharina Galor and Hanswulf Bloedhorn, The Archeology of Jerusalem: From the Origins to the Ottomans (New Haven; London: Yale University Press, 2013), p. 47.

[17] حزقيا (حزقيال) هو "ذو الكفل" في التراث الإسلامي، ويمكن العودة إلى قصته في العهد القديم في:

سفر الملوك الثاني، الإصحاح 18 – 20؛ سفر إشعياء، الإصحاح 36 – 39؛ سفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 29 – 32

[18] لم يُحسم النقاش المتعلق بتأريخ القنوات كلها، وما ذُكر هنا هو موقف معظم الأثريين، ولذلك يقتضي الحذر وعدم التسرع في تبنّي بعض المواقف.

[19] يُعتبر هذا النقش من الاكتشافت المهمة جداً، وقد تُرجم إلى أغلبية لغات العالم الحية، ونحن اعتمدنا ترجمة عمر الغول للنقش، وهي في جوهرها لا تختلف عن باقي الترجمات. انظر الترجمة في مقالة عمر الغول في موقع "مؤسسة فلسطين للثقافة" في الرابط الإلكتروني.

[20] يقترح العالمان المرموقان جون روجرسون وفيليب دايفيس أن نقش عين سلوان يعود إلى الفترة الهيلينستية (اليونانية)، أي إلى القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد، انظر دراستهما المثيرة:

John Rogerson and Philip R. Davies, “Was the Siloam Tunnel Built by Hezekiah?”, The Biblical Archaeologist, vol. 59, no. 3 (September 1996), pp. 138-149.

[21] وحتى في أوساط الحفارين الإسرائيليين الذين تخصصوا بالحفريات بشأن نبع عين سلوان، فإن تأريخ النفق يعود إلى فترة قبل الفترة التي حكم فيها حزقيا. انظر:

Rony Reich and Eli Shukron, “The Date of the Siloam Tunnel Reconsidered”, Journal of the Institute of Archaeology of Tel Aviv, vol. 38, issue 2 (2011), pp. 147-157.

[22] أجرى المقابلتين الصحافي يعكوف كاتس (Yaakov Katz)، مراسل صحيفة "الجيروزالم بوست"، في 30 / 6 / 2019. انظر الرابط الإلكتروني.

[23] جون سليغمان هو من كبار موظفي سلطة الآثار، ويشغل منصب مدير العلاقات الخارجية والتراخيص في سلطة الآثار الإسرائيلية، وكان مديراً للحفريات والمسوحات والأبحاث في السلطة نفسها، وشغل لمدة 12 عاماً منصب مدير منطقة القدس في السلطة ذاتها.

[24] جدعون أفني هو من كبار خبراء الآثار، ويشغل منصب مدير قسم الآثار في سلطة الآثار الإسرائيلية.

[25] انظر صحيفة "هآرتس" بالإنجليزية، 30 / 6 / 2019، في الرابط الإلكتروني.

[26] كشفت حفريات هذا النفق عن حمام وخان يعودان إلى الفترة المملوكية، وهما يقعان إلى الجنوب من سوق القطّانين، كما كشفت عن طبقات أثرية غير مفهومة، وبقايا مبانٍ تعود إلى مختلف الفترات التاريخية من الفترة المملوكية وصولاً إلى الفترة الرومانية المبكرة، وقد نُشرت معلومات جدية عن الحفرية في تقرير يشمل كثيراً من الصور والمخططات. وجرى أيضاً اكتشاف حمام مملوكي بالقرب من القاعة المذكورة، ويميل الحفارون إلى اعتبار أن القاعة هي جزء من الحمام أو جزء من خان تنكز، وبالتالي تُنسب إلى نشاطات الأمير المملوكي تنكز الناصري، كافل الممالك الشامية. وبشأن الحفرية ونظرية الحفارين، انظر: هربا حاييم بربه وتوفيق دعادلة، "الخان الجنوبي وخان تنكز – مَن سبق الآخر؟"، في: دافيد عميت وآخرون (محرر)، "آخر المكتشفات الأثرية في القدس ومحيطها (القدس: سلطة الآثار والجامعة العبرية، 2011)، ص 142 - 157 (بالعبرية).

[27] أرسل صندوق استكشاف فلسطين خلال الفترة 1894 - 1897، كلاً من فريدريك جونز بليس (Frederick Jones Bliss)، (1859 - 1937)، وآرشيبالد كامبل ديكي (Archibald Campbell Dickie)، (1868 - (1941  لإجراء حفريات في أنحاء القدس كافة. وقد اشتُهرا بحفريات الأنفاق، ومن ضمن ذلك حفر أنفاق في واد الطواحين (الواد)، وكشفا عن جزء من نظام الصرف الصحي في المدينة القديمة. وقد نُشرت أبحاثهما في كتاب يُعتبر دليلاً مهماً لحفاري الأنفاق من الإسرائيليين، انظر:

Frederick Jones Bliss and Archibald Campbell Dickie, “Excavations at Jerusalem, 1894-1897” (London: Committee of the Palestine Exploration Fund, 1898).

[28] بشأن الانهيارات في حي وادي حلوة، انظر الفيلم الوثائقي في الرابط الإلكتروني.

[29] تمتد المغارة التي تبلغ مساحتها نحو تسعة دونمات تحت جزء من البلدة القديمة (حارة السعدية)، وهناك تواريخ متعددة يتم التداول بها بين الباحثين لتحديد بداية حفر المغارة التي استُعملت كمحجر لاستخراج الحجارة لبناء المدينة، وقد استُعملت آخر مرة في زمن السلطان سليمان القانوني (لذلك تسمى مغارة سليمان) لاستخراج الحجارة من أجل بناء الأسوار في القرن السادس عشر، وأُجري فيها العديد من الحفريات. انظر:

Yehiel Zelinger, “Jerusalem, 'Zedekiah’s Cave' ”, Hadashot Arkheologiyot, vol. 125 (31/12/2013).

[30] انظر على سبيل المثال:

Yonathan Mizrachi, “From Silwan to the Temple Mount: Archaeological Excavations as a Means of Control in the Village of Silwan and in Jerusalem’s Old City – Developments in 2012”, Jerusalem: Emek Shaveh, 2013.

[31] انظر على سبيل المثال:

https://www.youtube.com/watch?v=K-ov-VCS6j4

https://www.youtube.com/watch?v=-ajg9HfrzkQ

https://www.jpost.com/Magazine/Ascending-a-2000-year-old-Pilgrimage-Road-593766

https://www.cityofdavid.org.il/en/news/senior-american-and-israeli-officials-attend-inauguration-second-temple-period-pilgrimage-road-

https://www.cityofdavid.org.il/en/news/1000

https://www.cufi.org.uk/news/israel-unveils-pilgrims-road-where-jesus-walked-littered-with-ancient-free-zion-coins/

السيرة الشخصية: 

نظمي الجعبة: أستاذ مشارك وعضو هيئة أكاديمية في دائرة التاريخ والآثار ــ جامعة بيرزيت.