الأسرى المرضى في السجون.... شهداء على قائمة الانتظار
التاريخ: 
08/08/2020
المؤلف: 

في الوقت الذي كان الأسير كمال أبو وعر - 46 عاماً - من بلدة قباطية في محافظة جنين، بانتظار إجراء فحوصات طبية للوقوف على مدى نجاعة 51 جلسة علاج شعاعية خضع لها خلال الثمانية عشر شهراً الماضية في مستشفى رمبام لعلاجه من ورم سرطاني في الحنجرة، أعلنت سلطات الاحتلال في السجون إصابته بفيروس كوفيد-19.

وظهر مرض سرطان الحنجرة لدى أبو وعر، المحكوم بالسجن 6 مؤبدات و50 عاماً، في سنة 2019 عندما بدأ وضعه الصحي يتدهور بالتدريج، بسبب ظروف اعتقاله الصعبة والقاسية، الأمر الذي تسبب في تزايد حجم الورم في الحنجرة، ليخضع لـ 51 جلسة شعاعية تركزت على منطقة الرقبة وهو ما ألحق أضراراً في أحباله الصوتية.

 

بورتريه، ابراهيم النوباني، ٢٠٢٠

 

 وحتى الآن، لا تتوفر لأهل الأسير أو منظمات حقوق الإنسان أو الصليب الأحمر، أي معلومات عن وضعه الصحي، إذ قال شقيقه محمد "لا يوجد لدينا أي تقارير طبية رسمية عن وضعه الصحي، لكننا تبلغنا أنه جرى نقله إلى عيادة سجن الرملة،" موضحاً "أتوقع أن يكون لديه خلال الأيام المقبلة فحوصات مكثفة لمعرفة وضع الفيروس في جسده."

 وأضاف "إن سلطات الاحتلال ترفض السماح لأحد بزيارة كمال أو معرفة وضعه الصحي، لذلك هناك قلق حقيقي على حياته، فمن جهة لا نعلم مدى تطورات إصابته بفيروس كورونا، ولا نتائج الجلسات الشعاعية التي خضع لها في رحلة علاجه من السرطان من جهة ثانية."

تطلق سلطات الاحتلال على أحد المقرات التابعة لسجن الرملة اسم "عيادة طبية"، بينما يصفها الفلسطينيون بـ"المقصلة" كونها تفتقر إلى كل أدوات ومستلزمات العيادة الطبية، وفيها تضع سلطات الاحتلال الحالات المرضية الصعبة.

 وبحسب إحصاءات نادي الأسير يوجد في الرملة 17 أسيراً، وأبرز الأسرى المرضى يقبعون في تلك العيادة منذ سنوات مثل  خالد الشاويش، ومنصور موقده، ومعتصم رداد، وناهض الأقرع، وصالح صالح، وموفق العروق، كما أن العديد من الأسرى الذين احتجزوا لسنوات في تلك العيادة استشهدوا لاحقاً كسامي أبو دياك، وبسام السايح.

وقال مدير نادي الأسير قدورة فارس واصفاً عيادة الرملة "هذا ليس مستشفى، بل هو قسم يتبع للسجن ولا تنطبق عليه شروط ومعايير العيادة الطبية، فهو أقل من ذلك، فسلطات الاحتلال تضع الأسرّة على طبقتين، علماً بأن بعض الأسرى المرضى الموجودين فيها معوق وبعضهم الآخر مصاب بالسرطان أو الجلطات القلبية."

تعتقل إسرائيل في سجونها 4700 فلسطيني، بينهم 700 أسير مريض، ضمنهم نحو 300 حالة مرضية مزمنة بحاجة إلى علاج مستمر، بينهم على الأقل عشرة حالات مصابة بالسرطان وبأورام بدرجات متفاوتة، من بينهم الأسير فؤاد الشوبكي 81 عاماً، وهو أكبر الأسرى سناً، بحسب إحصاءات نادي الأسير.

والأسير الشوبكي يعاني جرّاء سرطان البروستاتا، ومشكلات في النظر، وقد أجريت له عدة عمليات جراحية، بالإضافة إلى مشكلات في الضغط، وأصبح في الآونة الأخيرة يعتمد على رفاقه الأسرى في تلبية حاجته بسبب المرض، علماً بأنه محكوم بالسجن مدة 17 عاماً، وهو معتقل منذ سنة 2006.

لقد انتهجت سلطات الاحتلال سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى منذ احتلال فلسطين سنة 1948 ونفذت إعدامات بحق الأسرى في السجون، وإن كان هناك ضعف في توثيق تلك الحالات تحديداً ما قبل سنة 1967، في حين وثقت الإحصاءات أن عدد شهداء الحركة الأسيرة بعد سنة 1967 بلغ 224 شهيداً، آخرهم الشهيد سعدي الغرابلي من  قطاع غزة، من دون إغفال مئات الأسرى الذين استشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.

أمّا عدد الأسرى الذين قضوا نتيجة سياسة القتل الطبي البطيء عبر إجراءات الإهمال الطبي المتعمد وهي جزء من سياسة ثابتة وممنهجة فقد بلغ 69 أسيراً منذ سنة 1967، كما تحتجز إسرائيل جثامين 6 أسرى استشهدوا داخل السجون، وهم: أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان سنة 1980؛ عزيز عويسات سنة 2018؛ فارس بارود؛ نصار طقاطقة؛ بسام السايح؛ وثلاثتهم استشهدوا خلال سنة 2019، والأسير سعدي الغرابلي الذي استشهد هذا العام.  

لجأت سلطات السجون إلى اعتماد سياسة الإهمال الطبي ضد الأسرى كأداة تنكيل ضدهم، إذ تماطل في تشخيص المرض وإجراء الفحوص الطبية للأسير، وكذلك في تقديم العلاج اللازم، والضغط على الأسير المريض عبر نقله باستمرار بـ "البوسطة"، التي تعد رحلة عذاب له، يعيشها خلال محاولته الحصول على علاج.

تعد السجون بيئة خصبة للمرض، إذ قال رئيس نادي الأسير قدورة فارس إن جريمة إسرائيل، هي أن بيئة السجون والظروف فيها تُعتبر عوامل محفزة للمرض مثل الاكتظاظ الكبير، وسوء التهوية، والرطوبة العالية، وسوء الإنارة، والضغوط النفسية ضد الأسرى على مدار الوقت.

وتتعمد إسرائيل إهمال الأسرى حتى تستفحل بهم الأمراض، من خلال المماطلة واتباع إجراءات بيروقراطية طويلة، إذ أوضح فارس أن "سلطات السجون تتعمد التأخير في عملية تشخيص مرض الأسير، وعند مرض أي أسير تقوم السلطات بإعطائه دواءً بناءً على الأعراض الخارجية من دون إجراء أي فحوص، وهذه العملية تستمر وقتاً طويلاً قبل أن يُشخص المرض، وبعد التشخيص فإن المرحلة العلاجية تخضع لإجراءات بيروقراطية ثقيلة وطويلة بحجة الأمن وهو ما يؤدي إلى استفحال المرض في أجساد الأسرى، بحيث يكون أوان العلاج قد فات."

ولفت فارس إلى أن إسرائيل تمارس سياسة الإهمال الطبي بشكل متعمد، وهذا لا يمكن الاستدلال عليه من خلال إحصاءات وأرقام عدد الشهداء والأسرى، لأن كثيراً من الأسرى يعانون أوجاعاً متعددة وهم في قيد الحياة ولا يتم تقديم العلاج لهم، حتى لو كانت تلك الأمراض تهدد حياتهم، فسلطات الاحتلال على سبيل المثال تخصص يوماً واحداً في الأسبوع لعلاح الأسنان، ولذلك فإن بعض الأسرى عليهم أن ينتظروا 6 أيام حتى يُعرضوا على الطبيب، وفي أحيان كثيرة يعالج طبيب الأسنان الأسرى من دون استخدام "البنج".

ولفت فارس إلى أن سلطات السجون زادت في وتيرة الإهمال الطبي بحق الأسرى عمّا كان سابقاً، قائلاً "قبل 40 عاماً لم يكن الطب متقدماً كما هو الآن، ومع ذلك فإن سلطات الاحتلال تحرم الأسرى فرصة علاج ملائمة بإمكانها إنقاذ حياة الكثيرين وتخفيف معاناتهم."

 ترفض إسرائيل بشكل مطلق الإفراج عن الأسرى المرضى لتلقي العلاج، وتقوم بذلك فقط في حالات نادرة حين تصل إلى نتيجة أن الأسير سيستشهد حتماً، أو بعد استشهاده، وأحياناً تحتجز جثامينهم.

وفي سنة 2013 سلمت سلطات الاحتلال جثمان الأسير ميسرة أبو حمدية إلى ذويه بعد استشهاده، كما سلمت العام الماضي جثمان الشهيد سامي أبو دياك إلى ذويه في الأردن بعد استشهاده، بينما رفضت تسليم جثمان الشهيد بسام السايح بعد استشهاده العام الماضي. وفي سنة 2015 أفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير جعفر عوض من الخليل بغرامة مالية نتيجة صعوبة وضعه الصحي، ليستشهد بعد 3 أشهر جرّاء معاناته عدة أمراض، أبرزها التهاب رئوي حاد ومشكلات في التنفس وضعف شديد في عضلة القلب، إضافة إلى مرض السكري. كما أفرجت سلطات الاحتلال قبل أيام عن الأسير نضال أبو عاهور بكفالة مالية قيمتها 12 ألف شيكل، بعد عام من اعتقاله بسبب وضعه الصحي الصعب، فهو يعاني فشلاً كلوياً وضعفاً في الدم، وتم استئصال كليته اليمنى، وزراعة كلية جديدة، كما تبين مؤخراً إصابته بالسرطان.

وعن التقصير والدور المطلوب لإنقاذ الأسرى المرضى تحديداً، قال فارس إن "المطلوب من الحركة الوطنية أن ينصب عملها وجهودها على تحرير الأسرى، وليس وضع كل جهودها لتحسين الظروف الإنسانية للأسرى على الرغم من أهميتها،" مضيفاً "مهما بذلنا من جهد لا أعتقد أن ذلك سيجعل الاحتلال عصرياً ويحترم القانون الدولي، فهذا وهم."

 ولفت فارس إلى أن هناك تغييراً جوهرياً في التعامل الطبي داخل السجون، مشيراً إلى ارتفاع منسوب العنصرية في إسرائيل، وهو الأمر الذي انعكس على مجمل تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين، ومن بينهم الأطباء الذين يتعاملون مع الأسرى.

ولفت فارس إلى أن الضباط والأطباء الإسرائيليين باتوا يشعرون بأن هناك مظلة حماية لهم مهما ارتكبوا من أخطاء طبية مقصودة أو غير مقصودة، وأنه لن تتم محاسبتهم، الأمر الذي قد يشجع بعضهم على التصرف بوحشية، وهذا أمر بات ملحوظاً.

أمّا عن الجهود السياسية والدبلوماسية، فأشار فارس إلى أن جزءاً من ملف الحرب على غزة المقدم إلى الجنائية الدولية خُصص لعرض الجرائم المقترفة في حق الأسرى، ونحن الآن بانتظار ما ستصدره المحكمة من قرار بهذا الشأن.

 

عن المؤلف: 

أحمد ملحم: صحافي فلسطيني.