فلسطينيو لبنان في زمن كورونا.. اصمدوا وحدكم
النص الكامل: 

لم يكن وقع خبر إصابة اللاجئة الفلسطينية النازحة من سورية، م. ش.[1]، في مخيم الجليل في مدينة بعلبك، سهلاً على سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان التي كانت تعيش جميعها على وقع الخوف من انتشار فيروس كورونا داخل هذه المخيمات التي يسكنها فلسطينيون وسوريون وجنسيات أُخرى كالأثيوبيين والهنود وغيرهم.

في 22 نيسان / أبريل الماضي، أُعلنت إصابة الفلسطينية م. ش.، ونُقلت إلى المستشفى الحكومي في بيروت، لتُعزل بسبب وضعها الطبي. ونظراً إلى ارتباط المخيم بمحيطه في مدينة بعلبك، فقد اتخذت الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية إجراءات عمدت فيها إلى تطبيق شكل من أشكال الإغلاق ريثما يتم التأكد من نتائج الفحوصات التي أُجريت على العديد من أهالي المخيم ومحيطه، وهي 152 فحصاً أجراها فريق وزارة الصحة في مستشفى بعلبك الحكومي لسكان المدينة، و94 عيّنة أخذها فريق الترصد الوبائي في الوزارة، بالتعاون مع قسم الصحة في الأونروا، وذلك في عيادة الوكالة في المخيم.

 

حاجز صحي على مدخل مخيم الجليل.

 

بعد أيام من إعلان الإصابة وتسجيل 4 إصابات جديدة من عائلة المصابة الأولى، زار وزير الصحة اللبناني حمد حسن، مخيم الجليل (24 نيسان / أبريل) برفقة سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وعدد من المسؤولين في المحافظة، وممثلين عن الفصائل الفلسطينية واللجنة الشعبية في المخيم. وخلال الزيارة اطّلع الوزير اللبناني على الإجراءات المتخذة هناك للوقاية من الفيروس والحد من انتشاره، وقال: "نحن اليوم في مخيم الجليل للإخوة اللاجئين الفلسطينيين لنقول لهم نحن وإياكم نسيج واحد، المخيم وبعلبك واحد، ونقول بصوت واحد باسم سعادة السفير وسعادة النائب ورئيس البلدية وكل فعاليات المخيم والفصائل والقوى اللبنانية والفلسطينية جميعاً، بأن هذا الإجرام بحق دعم الإخوة الفلسطينيين عبر الأونروا لن يغفره التاريخ." وأضاف في حديثه إلى الصحافيين داخل المخيم: "كل الإجراءات التي نُفذت بحجب الدعم، وكذلك بالنسبة للدولة اللبنانية بمنع الحوالات الخارجية النقدية، له تأثير كبير على إنماء القطاع الصحي ونداء الاستجابة والاستغاثة للمواطنين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين."[2]

 

الوزير حمد خلال زيارته مخيم الجليل.

 

وقد أُعلنت لاحقاً إصابة أُخرى في مخيم الجليل لسيدة خالطت شقيقة المصابة الأولى، فحُجرت في منزلها، ليصبح عدد الإصابات على الصعيد الفلسطيني في لبنان 6 إصابات مؤكدة بفايروس كورونا.

 إجراءات وقائية وحماية ذاتية

لم تُتخذ الإجراءات الاحترازية في مخيم الجليل فقط، بل في غيره من المخيمات الفلسطينية في لبنان أيضاً، مع إعلان التعبئة العامة في لبنان في 15 آذار / مارس الماضي. فمخيم مار الياس على سبيل المثال بدأ بإجراءات الوقاية قبل يومين من إعلان التعبئة العامة في لبنان، وتمثلت هذه الإجراءات في إقفال بوابات المخيم الفرعية، ليقتصر الدخول والخروج من وإلى المخيم عبر بوابتَيه الشرقية والغربية، مع أخذ الحرارة لجميع الداخلين إلى المخيم. كما ثُبّتت غرفة تعقيم على مدخل المخيم، قدمتها إحدى المؤسسات اللبنانية، وثُبّت مثلها عند بوابات معظم المخيمات.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات التي لاقت صدى إعلامياً واسعاً على الأقل فيما يتعلق بمخيم مار الياس، فإنها خُرقت في معظم المخيمات الأُخرى كشاتيلا وبرج البراجنة والبداوي وبرج الشمالي. والأسوأ من ذلك أن بعض اللاجئين تعامل مع "كورونا" المتفشي عالمياً بسخرية، مثل قول لاجىء: "نحنا الفلسطينية ما بصيبنا كورونا"، ولاجىء آخر: "عنّا مناعة من كل شي.. المخيمات فيها كل شي بيعمل أمراض، فبطّلنا نمرض."

مخيم برج البراجنة عمل على تطبيق الإجراءات اللازمة، ومع ذلك لم يكن هناك التزام فعلي، إلّا إن اللجان الأمنية في المخيم اغتنمت فرصة التعبئة العامة في لبنان، ووضع حراسات على مداخله، للقيام بحملات ضد الإتجار بالمخدرات داخل المخيم، وتمكنت فعلاً من إلقاء القبض على بعض التجار وتسليمهم إلى الجهات المسؤولة في الدولة اللبنانية.

نشطت الفصائل في اهتمامها بالمخيمات والتجمعات الفلسطينية، بحيث أصبحت عمليات تعقيم الأزقة والمحال كالعدوى التي شرعت تنتقل من فصيل إلى آخر ومن مؤسسة وجمعية إلى أُخرى، حتى خرجت نكات في أوساط اللاجئين على سبيل: "إذا ما متنا من الكورونا حنموت من ريحة المعقمات." وقدّم بعض الفصائل أيضاً أجهزة فحص الحرارة، وأجهزة التعقيم لتكون بمتناول اللجان الشعبية وطواقم الدفاع المدني في المخيمات، بينما قامت السفارة الفلسطينية بشراء بدلات واقية وزعتها على المخيمات، في حال وجود حالة داخل المخيم ويجب نقلها، فضلاً عن أنها أمّنت أكثر من جهاز تنفس في حال الحاجة إليها.

 

فريق من المتطوعين الفلسطينيين.

 

ولتفعيل العمل أكثر، تشكلت لجنة طوارىء مركزية لمواجهة الوباء في المخيمات، ضمت كل من: السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور؛ مدير الأونروا كلاوديو كوردوني؛ أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات؛ أمين سر تحالف القوى الفلسطينية في لبنان أحمد عبد الهادي؛ المدير العام لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الدكتور سامر شحادة؛ مسؤول الضمان الصحي الفلسطيني الدكتور محمد داود؛ مدير جمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية الدكتور مجدي كريّم؛ ممثل عن اللجان الشعبية والأهلية التابعة لتحالف القوى الفلسطينية محمد الشولي؛ مندوب عن وزارة الصحة اللبنانية؛ لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني؛ أطباء بلا حدود؛ مؤسسات فلسطينية أُخرى معنية بالشأن الطبي والصحي.

وقال أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات لـ "مجلة الدراسات الفلسطينية"، إن "المنظمة منذ البداية عملت جاهدة لمواجهة هذه الأزمات على أساس وحدة الموقف الفلسطيني، فعقدت لقاء مع جميع الفصائل والقوى الوطنية"، وأضاف: "تبنّينا مجموعة إجراءات تتعلق بالوقاية وبحملات إعلامية بالتعاون مع المستشفيات في المناطق، ومع الأونروا والمؤسسات المعنية في وزارة الصحة أيضاً."[3]

 

لجنة الطوارىء الصحية المشتركة بين الفصائل والأونروا خلال أحد اجتماعاتها.

 

عملت السفارة الفلسطينية كذلك على تأمين فحص PCR في مستشفى الهمشري التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بدءاً من 8 نيسان / أبريل الماضي، وأعلنت إدارته في بيان رسمي صدر عنها ووُزّع عبر وسائل الإعلام أنه "بجهود مثمرة قامت بها سفارة دولة فلسطين ممثلة بالسفير أشرف دبور أصبح فحص الكورونا متاحاً في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني - مستشفى الشهيد محمود الهمشري في مدينة صيدا، ليتسنى تشخيص مرض كورونا عوضاً عن إرسال المريض إلى مستشفى رفيق الحريري في بيروت." وساهمت مؤسسة التعاون أيضاً في تجهيز غرف العزل، وأعلنت ذلك في بيان جاء فيه: "وقّعت التعاون اتفاقية مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تنص على تزويده بجهازين متخصصين لتنقية الهواء (Hippa Filter Machine) المستخدمة في المستشفيات في غرف العزل أو وحدة العناية المركزة أو غرف العمليات."[4]

وقال المدير العام لمستشفى الهمشري الدكتور رياض أبو العينين لـ "مجلة الدراسات الفلسطينية" إن "الفحوصات تُجرى يومياً لعدد من الحالات تصل إلى ثلاث، لكن بشرط وجود الأعراض"،[5] مضيفاً أن المستشفى بات مجهزاً بـ "3 غرف عزل صحي"، لكنه أوضح  أن فحوصات مستشفى الهمشري "لم تعتمدها وزارة الصحة اللبنانية."[6]

 

مدخل مستشفى الهمشري.

 

الأونروا.. وجود إعلامي وغياب ميداني

منذ إطلاق التعبئة العامة في لبنان، استمرت الأونروا في إطلاق البيانات المتعلقة بدعم اللاجئين وتوزيع المساعدات، علاوة على حملات التوعية التي كان بعضها يرد يومياً في موقعها، وكذلك البيان الإعلامي الأسبوعي بشأن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتعلقة بجائحة كورونا.[7] أمّا على الأرض فإن الأداء كان غير مُرضٍ للاجئين الفلسطينيين الذين انتقدوا دور الوكالة الدولية المتخصصة بشؤونهم، والذي لا أثر له داخل المخيمات، كما انتقدت الفصائل الفلسطينية عدم فاعلية الأونروا، ووصف أبو العردات دورها بأنه "بطيء"، لكنه أوضح أنها أطلقت عدة نداءات استغاثة، غير أنه "لم يكن هناك استجابة من الدول المانحة، وهذه نقطة نسجلها على الدول المانحة وأشقائنا العرب."

وجدت الأونروا نفسها أمام أزمة جديدة مرتبطة بالاستجابة لنداءات منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بانتشار جائحة كورونا، الأمر الذي مثّل تحدياً جديداً لها لم يكن في الحسبان، على ما أوضحت الناطقة الإعلامية باسم الأونروا في لبنان السيدة هدى سمرا التي قالت لـ "مجلة الدراسات الفلسطينية": "عززنا حالة الطوارىء الموجودة لدينا أصلاً، وعملنا على تحديثها بما يتماشى مع خطر فايروس كورونا."[8] وأضافت أنه "خطر جديد، ولم يكن لدينا فكرة واضحة عن كيفية التعامل معه، إلى أن بدأت الأمور تتضح عالمياً وإقليمياً ومحلياً وفي لبنان."

وليس خافياً على أحد ما تمر به وكالة الأونروا من أوضاع مالية بسبب الضعف الكبير في التمويل وإيقاف الدعم من طرف الولايات المتحدة الأميركية، ولذا لجأت الوكالة إلى تنسيق الجهود مع الأطراف المعنية في لبنان، "لئلا يكون هناك استخدام غير مجدٍ للموارد التي هي قليلة أصلاً"، مثلما قالت السيدة سمرا، مضيفة أن التنسيق شمل "جميع مقدمي الرعاية الصحية على صعيد المخيمات، وهي منظمات غير حكومية محلية ودولية فاعلة أيضاً في هذا المجال، كما تم التنسيق مع جميع الفصائل الفلسطينية، والسفارة الفلسطينية، ووزارة الصحة اللبنانية، والمعنيين في الساحة اللبنانية مثل دائرة إدارة الكوارث، وأيضاً مع منظمة الصحة العالمية ومفوضية اللاجئين واليونيسيف."

وفي سياق نشاطاتها، أصدرت الأونروا في 22 آذار / مارس بياناً وضعت فيه أرقام الخط الساخن في لبنان الخاصة بالأونروا، وعمّمتها على اللاجئين للاتصال بها في حال شعورهم بأي عارض من عوارض كورونا. وأوضح البيان أن الأونروا "ستغطي كلفة الفحوصات المخبرية فقط للحالات التي يتم تحويلها عبر الخط الساخن إلى المستشفى المعتمد وبالتنسيق مع مسؤول الصحة في المنطقة"، وأن "الأونروا ستطبق سياسة الاستشفاء المعتمدة حالياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المصابين بفيروس كورونا، مع دعم إضافي من قبل سفارة فلسطين في لبنان."[9]

لكن هذا الأداء الذي لم يكن مرضياً للاجئين في المخيمات الفلسطينية، لم يترافق مع دعم مالي للاجئين الذين بات معظمهم عاطلاً عن العمل وفي عوز حقيقي، كما أن عمل الأونروا لم يكن واضحاً بالنسبة إلى اللاجئين خلال فترة الحجر. وفي هذا الصدد قال المدير العام للهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي: "تأخرت وكالة الأونروا في متابعة هذا الملف، وكان يمكنها أن تطلب مساعدة من منظمة الصحة العالمية، أو أن تطلب قرضاً مالياً من الأمم المتحدة أو إحدى منظماتها باعتبارنا في حالة طوارىء، وهناك تجربة سابقة في ذلك."[10] وأشار هويدي إلى نقطة إيجابية تُحسب للأونروا على صعيد التعليم كونها "أغلقت المدارس ومارست التعليم عن بُعد، وللموضوعية هذا شيء إيجابي."

نقاط أُخرى اعتبرها عدد من اللاجئين الفلسطينيين إيجابية وتُحسب للأونروا في تعاملها مع الأزمة الراهنة، وهي إدارة العيادات. فقد قالت هدى سمرا إن "الاستعدادات شملت القطاع الطبي خاصة، بحيث أُجري بعض التعديلات على العيادات لفصل المرضى العاديين عن المرضى الذين لديهم عوارض معينة لئلا يحدث اختلاط واحتمال نقل عدوى." أمّا فيما يتعلق بأصحاب الأمراض المزمنة، فقالت: "بتنا نعطيهم الأدوية لمدة شهرين، ولثلاثة أشهر بالنسبة إلى الحوامل، وذلك لتخفيف الزيارات والحركة داخل العيادات."

هذه الأمور خلقت جواً من الراحة لدى العديد من اللاجئين، لكنها لم توقف الانتقادات المستمرة لأداء الأونروا بشأن مواجهة كورونا بشكل مباشر. فمركز سبلين المهني الذي وعدت الأونروا بتحويله إلى مكان مجهز للحجر الصحي لم يُفتتح إلّا في 6 أيار / مايو الماضي، أي بعد مدة طويلة على إعلان التعبئة العامة في لبنان، وقد أوضحت الأونروا في بيان مشترك مع منظمة أطباء بلا حدود الشريكة في هذا المركز، أنه افتُتح "بعد حصول الأونروا في 4 أيار / مايو على موافقة الحكومة اللبنانية لتشغيل المركز."[11] وأضاف البيان أن المركز هو بسعة 100 سرير تقريباً، وجاهز "لاستقبال الأشخاص الذين قد يصابون بمرض كوفيد-19، وتكون لديهم حاجة للعزل الطبي، وكذلك الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالمرض من دون ظهور أية أعراض عليهم، أو الذين يعانون من أعراض طفيفة ومعتدلة والذين لا يستطيعون عزل أنفسهم في منازلهم بسبب الاكتظاظ أو لأسباب أُخرى."

 

الوزير حمد ومسؤولون لبنانيون وفلسطينيون ومدير الأونروا خلال افتتاح مركز الحجر.

 

وخلال الافتتاح الذي حضره وزير الصحة اللبناني حمد حسن بحضور السفير الفلسطيني أشرف دبور والنائبين محمد الحجار وبلال عبد الله وعدد من المسؤولين الفلسطينيين، أعلن الوزير: "إن اليوم هو بداية طريق التعاون العملي مع الإخوة الفلسطينيين."

بطبيعة الحال، تعمل الأونروا على افتتاح مراكز أُخرى داخل المخيمات، ولا سيما مخيم عين الحلوة الذي قال أمين سر فصائل منظمة التحرير في لبنان فتحي أبو العردات لمُعِدّ التحقيق: "إن المنظمة لديها مكان في مخيم عين الحلوة، وهي جاهزة لتقديمه للأونروا وأطباء بلا حدود، كذلك في صور هناك مستشفى البص [التابع للهلال الأحمر الفلسطيني والمقفل حالياً، والخالي من أي معدات]، ولدينا الاستعداد لتقديمه، والمكانان بحاجة إلى تجهيز ومعدات."

تبقى المساعدات المالية التي طال انتظارها، إلى أن أعلنت الأونروا في 7 أيار / مايو الماضي صرف مساعدة مالية إغاثية للاجئين الفلسطينيين، "مقدارها 100,000 ليرة لبنانية للشخص الواحد على الأقل، وهذا مرتبط بسعر الصرف الذي يحدده مصرف لبنان بتاريخ وصول الأموال المحوّلة."[12] وجاء هذا الإعلان في بيان عممته الوكالة على اللاجئين، وأوضحت فيه مَن يستفيد من هذه المساعدة، كما أنها حددت وقت صرفه ابتداء من 14 أيار / مايو الماضي، لكنهاعادت وأعلنت لاحقاً في بيان آخر تأجيل الدفعات إلى ١٨ أيار / مايو بسبب قرار الحكومة اللبنانية الإقفال التام من ١٣ إلى ١٨ أيار / مايو.

غير أن هذه المساعدة لاقت انتقاداً واسعاً بين اللاجئين الفلسطينيين الذين اعتبروا أنها لم تكن بمستوى التوقعات بعد تفاقم الوضع المعيشي في المخيمات والتجمعات الفلسطينية. وقد أوضحت الأونروا في الفقرة الأولى من بيانها المتعلق بالمساعدات أن "أي شخص يقيم في لبنان وهو مسجل لدى الأونروا كمؤهل للاستفادة من خدمات الوكالة، قبل تاريخ 30 نيسان / أبريل 2020، يحق له الحصول على هذه المساعدة المالية الإغاثية باستثناء موظفي الأونروا"، علماً بأن هذا النص استثنى من المساعدة نحو 25,000 لاجىء غير مسجلين في سجلات الوكالة، ومسجلين في سجلات دائرة الشؤون السياسية واللاجئين ومقيمين في لبنان.

فضلاً ذلك، اعتبر العديد من الجهات الفلسطينية، ومنها الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، واتحاد لجان حق العودة، أن المساعدات المقدمة من طرف الأونروا لن تشمل عملياً عائلات اللاجئين الفلسطينيين من سورية الذين تأخرت عليهم مساعدات نيسان / أبريل، والتي أوضح بيان الأونروا المتعلق بالمساعدات المالية أنهم سيحصلون "على دفعتَي شهري نيسان / أبريل وأيار / مايو من المساعدات المتعددة الاستعمالات دفعة واحدة، وهي مبلغ لا يقل عن 600,000 ليرة لبنانية للعائلة عن شهرين، علاوة على مبلغ لا يقل عن 150,000 ليرة لبنانية للشخص الواحد كحصة غذاء عن شهرَي نيسان / أبريل وأيار / مايو."[13] بالتالي، وبحسب بيان الهيئة 302 واتحاد لجان حق العودة، فإن المساعدة المالية لن تشمل اللاجئين الفلسطينيين من سورية، ولا كل مستفيد من "شبكة الأمان الاجتماعي (كل 3 أشهر) وعددهم قرابة 60,000 لاجىء (إحصاء الأونروا 2018 - 2019)"، فهؤلاء سيحصلون على جزء من المساعدة وليس كلها. كما أن "حالات الـ NR [يعني هذا الرمز أن الشخص لا يستفيد من خدمات الإغاثة] وفاقدي الأوراق الثبوتية" لن تشملهم هذه المساعدة وعددهم نحو 15,000 لاجىء فلسطيني، ولن تشمل موظفي الأونروا أيضاً.[14]

في البيان اللاحق الذي صدر تعقيباً على الإقفال العام في لبنان، أوضحت الأونروا بعض الأمور ذات الصلة بموضوع الشؤون [المساعدات للعائلات المعوزة]، مستدركة فيه ما كان غامضاً في بيانات المساعدات المتعلقة بالعائلات المسجلة ضمن شبكة الأمان الاجتماعي، إذ قالت: "بالنسبة لهذه المساعدة، قامت الأونروا بزيادة المبلغ الذي تحصل عليه العائلات المسجلة ضمن شبكة الأمان الاجتماعي في دورات التوزيع العادية خلال العام، كما تمت الاستفادة من سعر صرف أفضل للدولار، وهذا ما سمح بأن يكون المبلغ الذي ستحصل عليه العائلات المسجلة ضمن شبكة الأمان الاجتماعي متساوياً مع بقية العائلات."[15]

 فوضى كراتين المساعدات

لا شك في أن الوضع الاقتصادي ضاغط جداً على حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذا ليس في زمن كورونا فحسب، بل إن الأوضاع متدهورة بصورة عامة أيضاً، وذلك بسبب حرمان اللاجئين الفلسطينيين من مزاولة نحو 36 مهنة. وقد ازداد التدهور منذ العام الماضي مع قرار وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان، ومع الإغلاقات جرّاء احتجاجات الشعب اللبناني التي انطلقت في 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019، لتنضم إليهما الأزمة الراهنة التي اقتضت الحجر المنزلي وتوقّف الأعمال القليلة أصلاً لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

هذه الأوضاع جعلت من الضروري اتخاذ إجراءات لتقديم مساعدات غذائية لسكان المخيمات من اللاجئين الفلسطينيين بشقّيهم اللبناني والسوري،[16] وكذلك اللاجئين السوريين الذين يسكنون في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.[17]

وفي سياق المساعدات العينية، قدمت حركة "فتح" أكثر من 11,000 حصة غذائية وُزعت في جميع المخيمات الفلسطينية، ومثلها قدمت حركة "حماس" آلاف الحصص، كما قدمت حملة تكافلوا التي قامت بالتعاون بين المؤتمر الشعبي الفلسطيني في الخارج وقناة فلسطين اليوم، آلاف الحصص أيضاً، وكذلك بعض الفصائل الفلسطينية الأُخرى. وقام العديد من الجمعيات والمؤسسات العاملة في أوساط الفلسطينيين بتوزيع مواد الإغاثة الغذائية والمالية، مثل مؤسسة التعاون وعدد من شركائها كمركز الجنى وجمعية مساواة ومبادرة "إيد بإيد" والنادي الثقافي الفلسطيني وجمعية الشفاء ومؤسسة بسمة وزيتونة وغيرها. وفضلاً عن ذلك، نُظّمت حملات لجمع الأموال من اللاجئين الفلسطينيين المغتربين في أوروبا وأميركا لإرسالها إلى المخيمات في لبنان.

 

خلال حملة توزيع مساعدات في المخيمات.

 

هذه الإجراءات التي تبدو في ظاهرها ممتازة وفي وقتها الملائم، واجهتها في أثناء تنفيذها مشكلة كبيرة في معظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية، تمثلت في غياب التنسيق بين الجهات التي قامت بالتوزيع، وبرزت المشكلة تحديداً حين حصلت عائلات في بعض المخيمات على أكثر من حصة غذائية، بينما لم تحصل عائلات أُخرى على أي حصة.

وقد تواصل مُعِدّ التحقيق مع أكثر من شخص في عدد من مخيمات بيروت ومخيمات الشمال ومخيمات الجنوب، وجميعهم أكدوا حدوث هذه المشكلة المرتبطة بغياب التنسيق بين المؤسسات العاملة على الأرض.

وقال الباحث في شؤون اللاجئين الفلسطينيين سهيل الناطور لـ "مجلة الدراسات الفلسطينية": "كل تنظيم يحاول أن يجيّر الأمور لنفسه، فعندما وزعت 'حماس'، وزعت لأعضائها وعائلاتهم وبعض المحيطين بها، وعندما وزعت حركة 'فتح' وزعت باسم الرئيس كأنها هدية منه، وليس من المال الفلسطيني العام"، وأضاف: "وعليه، لا يمكن أن نتوقع من مؤسسات صغيرة موزعة في المخيمات أن توحد الجهد، ولذلك وقعت الأخطاء. نحن لسنا موحدين في السياسة ولا في العمل التنظيمي المشترك، فكيف يمكن في عمل كهذا أن نتوحد؟"[18]

أخيراً، تبقى الأرقام العالمية لعداد كورونا المرتبط بأعداد الإصابات والوفيات، غير مطمئنة، ومثلها الأرقام في لبنان التي عادت وارتفعت في 9 - 10 أيار / مايو الماضي، وهو ما يجعل الالتزام بالحجر المنزلي ضرورة بحسب الجهات الرسمية اللبنانية والتقارير الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والمنظمات المعنية. غير أن الواقع الاقتصادي المعيشي المرتبط باللاجئين الفلسطينيين في لبنان يستدعي إجراءات أُخرى، اقتصادية واجتماعية، تعمل معاً لدعم صمود اللاجئين وتمكينهم من الالتزام بالحجر، مثلما أشار كثيرون من الفلسطينيين في لبنان عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال التواصل معهم لإعداد هذا التحقيق.

 

المصادر:

[1] تماثلت م. ش. للشفاء وخرجت من المستشفى الحكومي في 7 أيار / مايو، واستُقبلت بحشد شعبي غفير، مثلما أظهرت فيديوهات استقبالها التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤكد عدم الالتزام بالحجر الصحي المطلوب داخل مخيم الجليل، ولا سيما أن ثمة إصابات أُخرى محجورة فيه. لمشاهدة أحد الفيديوات، انظر صفحة "مخيم الجليل" في موقع فايسبوك في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.facebook.com/groups/544450035620256/permalink/3098718853526682/

[2] "وزير الصحة تفقّد مخيم الجليل في بعلبك: لن نسمح للوباء أن ينتشر داخل المخيم أو خارجه"، "الوكالة الوطنية للإعلام"، في الرابط الإلكتروني التالي:

http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/475342/

[3] مقابلة مع أبو العردات أُجريت عبر تطبيق "واتس أب".

[4] "التعاون تدعم تجهيز غرفتين للعزل في مستشفى الهمشري في صيدا"، موقع "التعاون"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://bit.ly/2STQMaN

[5] كلام الدكتور رياض أبو العينين جاء في مقابلة مع الكاتب أُجريت عبر تطبيق "واتس أب".

[6] حتى تاريخ المقابلة مع الدكتور أبو العينين في 8 أيار / مايو الماضي، لم يكن الفحص في مستشفى الهمشري معتمداً من وزارة الصحة اللبنانية.

[7] انظر صفحة التوعية بشأن فيروس كورونا في موقع الأونروا، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.unrwa.org/ar/covid_19

[8] كلام هدى سمرا جاء خلال مقابلة مع الكاتب عبر تطبيق "واتس أب".

[9] بيان عُمّم على وسائل الإعلام في ٢٢ آذار / مارس.

[10] مقابلة مع علي هويدي أُجريت عبر تطبيق "واتس أب".

[11] بيان عُمّم عبر وسائل الإعلام في ٦ أيار / مايو.

[12]  عُمّم هذا الإعلان عبر وسائل الإعلام في ٧ أيار / مايو، وقد أصبح المبلغ 112,000 في بيان لاحق أصدرته الأونروا في 12 أيار / مايو، وذلك بناء على سعر الصرف الذي حدده مصرف لبنان المركزي.

[13] وفقاً لبيان الأونروا في 13 أيار / مايو أصبحت المساعدة 640,000 ليرة لبنانية للعائلة عن شهرين، علاوة على مبلغ 162,000 ليرة لبنانية للشخص الواحد كحصة غذائية عن شهرَي نيسان / أبريل وأيار / مايو.

[14] بيانان صدرا عن الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، واتحاد لجان حق العودة في لبنان، فنّدا فيهما مساعدات الأونروا للاجئين، وطالباها بالتراجع بحيث تشمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كافة.

[15] بيان عُمّم عبر وسائل الإعلام في 13 أيار / مايو.

[16] تُقدّر أعداد اللاجئين الفلسطينيين اللبنانيين بـ 174,422، واللاجئين الفلسطينيين السوريين بـ 18,601، وذلك بحسب التعداد الرسمي لسنة 2017 الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي – لبنان، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

[17] يُقدّر عددهم بـ 30,368 بحسب المصدر السابق.

[18] كلام سهيل الناطور جاء خلال لقاء مباشر جرى في مكتبه في مخيم مار إلياس.

السيرة الشخصية: 

أيهم السهلي: صحافي فلسطيني مقيم في لبنان.