التاريخ الموبوء: من عمواس إلى كورونا
النص الكامل: 

 

هذا زمن فيروس كورونا، وهو ليس أول الأوبئة التي عانت جرّاءها البشرية، بل هو جزء من سلسلة متصلة من الأوبئة التي ضربت ربوع الأرض قاطبة، فما سلمت منها أرض إلّا فيما ندر، فكان هناك الطاعون والحمّى والوباء وأخيراً الفيروس.

هذا زمن فيروس كورونا، وزمن الإحاطة بطرق الوقاية التي نستخرجها من كتب التاريخ التي تناولت تلك الفترات الموبوءة، فنطّلع على الكيفية التي عالج بها الناس آنذاك ذلك الوباء لعل في العبرة ما يفيد في هذه المرحلة الخطرة من حياتنا.

استخدم المؤرخون، ومنهم ابن خلدون، تعبير "الجارف" للدلالة على الوباء الذي يصيب منطقة بأكملها، فيحصد البشر حصداً دلالة على أنه يجترف الناس كالسيل، فلا يُبقي ولا يذر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمكانات الصحية لم تكن بهذا الاتساع مثلما هي الآن. والقارىء لكتب التاريخ يكتشف أن كثيراً من الأوبئة والطواعين أُطلق عليه تعبير الجارف، فهذا اللقب لا يختص بوباء واحد، بل يشترك فيه جميع الأوبئة التي عُرفت بشدّتها وعدوانها على البشرية.

سأبدأ بعرض مفصّل بعض الشيء لأكثر الأوبئة في التاريخ شهرة، إمّا لكونه أول وباء فشا في أثناء الخلافة الراشدية ولهذا كثُر ذكر المؤرخين له بتفصيل لبعض جوانبه مع إغفال جوانب أُخرى، وإمّا لغرابته وهو ما نستنتجه من الأسماء التي أُطلقت عليه، وإمّا لآثاره المهلكة، حتى يندر ألّا نجد له ذكراً في أي كتاب تناول موضوع الأوبئة.

I - طاعون عمواس[1]

لتكن البداية بطاعون عمواس، وهي بلدة في فلسطين تقع بين الرملة وبيت المقدس، تكثر فيها الينابيع الحارة، وقد نجم فيها مرض الطاعون في سنة 18ه/639م،[2] في أيام خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، ومنها انتشر إلى سائر بلاد الشام، فنُسب إليها. وقد وقع الطاعون في ذلك الوقت بعد المعارك الطاحنة بين المسلمين والروم، وكان آخرها معركة اليرموك التي جرت بين المسلمين والبيزنطيين في سنة 15ه/636م، وكان القتل فيها بالآلاف، وفتح بيت المقدس على يد الخليفة عمر في سنة 16ه/637م، والقحط والجدب اللذان ضربا المدينة في سنة 18ه/639م وتسببا بمجاعة شديدة بحيث سُمي ذلك العام عامَ الرمادة لأن الريح كانت "تسفي تراباً كالرماد فسُمي عام الرمادة، واشتد الجوع حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قيحها."[3] ولا شك في أن كثرة القتلى التي أعمل الجو فيها تعفناً وفساداً، والقحط الذي أصاب الأرض، كانا من جملة الأسباب التي أدت إلى تفشي الطاعون والأوبئة في تلك البلاد.

أراد الخليفة عمر آنذاك زيارة الشام، وكان واليه عليها أبا عبيدة عامر بن الجراح، فتحرك في جملة من الأنصار والمهاجرين متجهاً إليها، وعندما وصل إلى سَرْغ على حدود الحجاز والشام لقيه أمراء الأجناد، وكان أبو عبيدة بينهم، وأخبروه أن الأرض سقيمة، فشاور عمر مَن معه في الأمر، هل يُكمل طريقه إليها، أم يعود أدراجه إلى المدينة؟

اختلف المهاجرون والأنصار في هذا الأمر، فمنهم مَن قال بوجوب تكملة المسير، ومنهم مَن قال بضرورة العودة لئلّا يصيب الوباء البقية، فاستقر رأي الخليفة على الرجوع، ولا سيما بعد سماعه مقالة الصحابي عبد الرحمن بن عوف الذي كان متغيباً في بعض حاجته، إذ قال: "قال رسول الله ÷: 'إذا سمعتم به [بالوباء] في أرض فلا تقدموها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه'."

إن الناظر إلى هذ الحديث الشريف يرى فيه الخطوات الواجب اتّباعها لدى تفشّي وباء ما، إذ يتوجب على الشخص الموجود في بلد موبوء أن يبقى فيه فلا يخرج منه لئلّا ينقل المرض إلى الأماكن الأُخرى، فيصيب الأصحاء فيها، كما أن على الشخص تجنّب دخول البلد الموبوء كي لا تنتقل العدوى إليه. وهذا الحديث يتوافق مع ما يوصي به أخصاء الصحة المعاصرون الذين، عن طريق استكشافاتهم العلمية، توصلوا إلى مثل هذه النتيجة بضرورة عزل الأماكن الموبوءة كي لا يفشو المرض في الأصقاع المجاورة، وهذا ما يسمى "الحجر الصحي".

رفض أبو عبيدة ترك المدينة، بل عاب على عمر فراره من قضاء الله، وقال له: "أفراراً من قَدَر الله؟" وكان جواب عمر دالاً على إيمانه بالقضاء والقَدَر، إذ أجابه: "لو غيرَك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم، نفرّ من قَدَر الله إلى قدَرَ الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطتْ وادياً له عُدوتان، إحداهما خَصِبة، والأُخرى جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخصبة رعيتَها بقَدَر الله، وإن رعيتَ الجدبة رعيتَها بقَدَر الله؟"

عاد عمر أدراجه إلى المدينة، لكن عقله كان مع أولئك المرضى، وخوفه كان عظيماً على الأصحاء من تلك المنطقة، وخصوصاً واليه ابن الجرّاح، ويبدو أن الوباء كان في بدايته، ولم يكن قد استشرى وفشا بعد، فكتب عمر إلى أبي عبيدة كتاباً يُعتبر مهماً جداً في معايير السلامة الصحية في زمننا هذا، إذ كتب إليه: "سلام عليك، أمّا بعد، فإنك أنزلتَ الناس أرضاً غَمِقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نَزِهة."[4]

نصيحة عمر هذه درس جيد في الوقاية والابتعاد عن الأمكنة المنخفضة والرطبة إلى الأمكنة ذات الهواء النقي والجاف، إذ أثبت الطب أن الأمكنة الرطبة التي تكثر فيها المياه والمستنقعات تُعتبر بيئة ملائمة لتفشي المرض الذي يتكاثر بشكل أفضل في البيئة الدافئة والرطبة المكتظة بالسكان.

أصيب أبو عبيدة بالمرض، ومع ذلك أخذ بنصيحة عمر، وسار بالناس على الرغم من إصابته إلى أن أنزلهم بالجابية.[5]

لمّا وصل عمر إِلى المدينة بلغته الأخبار بكثرة أعداد الموتى في هذا الطاعون، وكان أبو عبيدة ذا أُثرة في نفس عمر، وكان من أحبّ الأشخاص إلى نفسه، فأرسل إليه كتاباً يستدعيه فيه إليه قائلاً له: "سلام عليك، أمّا بعد، فإنه قد عرضتْ لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها، فعزمتُ عليك إذا نظرتَ في كتابي هذا ألّا تضعه من يدك حتى تُقبل إليّ."

وصل الكتاب إلى أبي عبيدة فأدرك غاية عمر في إخراجه من ذلك المكان الموبوء، فكتب إليه رافضاً المغادرة، ومتمنياً عليه إبقاءه مع جنده إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً: "قد عرفتُ حاجتك، وإني في جند من المسلمين لا أجد في نفسي رغبة عنهم، ولست أريد فراقهم، حتى يقضي الله فيّ وفيهم أمره وقضاءه، فحَلّلْني من عَزْمَتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي، فلمّا قرأ عمر الكتاب بكى، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أمات أبو عبيدة؟ قال: لا وكأنّ قد." وقد يتساءل القارىء هنا عن سبب هذا القرار الذي اتخذه أبو عبيدة، بل قد يخطر على بال أحد ما أن يقول: كيف يخالف أبو عبيدة أمراً من خليفة عُرف بشدته وبأن أوامره قاطعة؟ هذه أسئلة مشروعة، غير أننا قد نجد في ثنايا حديث الرسول آنفاً، وفي رسالة أبي عبيدة، جواباً ربما يحمل بعضاً من المنطق:

يقول الحديث: "... فلا تخرجوا فراراً منه"، لأن المؤمن لا يفرّ من قضاء الله، بل يتوكل عليه ويسلّم بما قسمه له، ولا سيما أن ثمة حديثاً عن النبي يقول فيه إن المطعون شهيد. فقد جاء في الأثر:

حدثنا إسحاق أخبرنا حبّان حدثنا داود ابن أبي الفرات حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة زوج النبي ÷ أنها أخبرتنا أنها سألت رسول الله ÷ عن الطاعون فأخبرها نبي الله ÷ أنه كان عذاباً يبعثه الله على مَن يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلّا ما كتب الله له إلّا كان له مثل أجر الشهيد.[6]

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ÷: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهَدْم، والشهيد في سبيل الله.[7]

ويبدو أن أبا عبيدة المؤمن والتقي المتكل على الله ما كان ليعدل عن حصوله على الشهادة، وما كان ليرضى بأن يوصف بالجبن والخور، وبأنه ترك الناس لينجو بنفسه، الأمر الذي يوصلنا إلى الجواب الثاني الذي نجده في رسالة أبي عبيدة إلى عمر بن الخطاب:

أبو عبيدة الذي لقّبه الرسول بـ "أمين الأمّة"، إذ قال: "إن لكل أمّة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة: أبو عبيدة بن الجراح"،[8] ما كان ليترك الأمانة التي ائتُمن عليها حتى لو كانت بطلب أو أمر من الخليفة نفسه، فهو القائد الذي يجب أن يكون قدوة لجنوده الذين يثبتون في مواقعهم إذا ثبت، ويتخاذلون إذا جبُن وهرب، بل عليه أن يكون المثال لهم والأمين الذي شاطرهم انتصاراتهم سابقاً، ويشاطرهم الآن أوجاعهم وخوفهم وآلامهم.

غير أن ثمة تعليلاً آخر ربما يبدو منطقياً أيضاً: ألا يُحتمل أن أبا عبيدة رفض المغادرة حفاظاً على وصية الرسول في الحديث بضرورة عدم ترك المكان الموبوء؟ لنتخيل أن أبا عبيدة وافق على المغادرة، أليس ممكناً، بل محتملاً، أن يبدأ الناس، وبعضهم لا شك فيه مصاب، بالمغادرة اقتداء به، الأمر الذي سيفضي من دون أدنى شك إلى تفشّي المرض بصورة أسرع وأكثر فتكاً؟

بناء على ذلك نرى في اعتذار أبي عبيدة للفاروق عن الخروج، صورة نموذجية للقائد الأمثل الذي يعتبر نفسه جندياً من الجنود، ومثالاً للإنسان المسؤول الذي يقدّم مصلحة أمته ومجتمعه على مصلحته الشخصية، حتى لو كان الأمر مجرد شك في أن الجنود سيقتدون به في الخروج، فتهلك الأمة جرّاء التفشي السريع للمرض.

توفي أبو عبيدة بعد أن استخلف معاذ بن جبل على الناس، غير أن هذا الأخير ما لبث أن أصيب أيضاً فخلفه عمرو بن العاص الذي ذكرت المصادر التاريخية أن نهاية هذا الوباء كانت على يديه.

ولا شك في أن عمرو كان مواكباً لكل ما جرى ذكره من حديث الرسول، ونصيحة عمر لأبي عبيدة، ولهذا ما إن تولى حتى وقف بالناس خطيباً، وقال لهم مقالته التي كانت السبب المباشر في توقف هذا الوباء، إذ قال: "أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصّنوا [وقيل فتجبّلوا] منه في الجبال"، أي أن حال هذا الوباء كحال النار التي تظل مشتعلة ما دام هناك ما تُحرقه، فإذا لم تجد ما تُحرقه خمدت.

وقد جاء في الأثر أنه حين طُعن الناس في عمواس، أخرجهم عمرو بن العاص إلى الجبال، وقسمهم إلى مجموعات منع اختلاط بعضها ببعض، فظلوا في الجبال فترة من الزمن، حتى مات مَن مات، وعاد بالباقي إلى المدن.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هذا الطاعون استمر وقتاً طويلاً، مع أن المصادر التاريخية لا تذكر مدّته، والدليل على ذلك وجود مراسلات بين عمر وولاته، فالبريد آنذاك لم يكن بالسرعة التي هو عليها الآن، ولا بد من أن كل رسالة كانت تستغرق وقتاً لتصل إلى المرسَل إليه؛ وعندما تخبرنا المصادر أنه كان هناك مراسلات وردود عليها، ندرك أن الطاعون استمر عدة أشهر على أقل تقدير. ولا شك في أن الطاعون عند استخلاف عمرو بن العاص كان في آخر أطواره، الأمر الذي ساعد على خموده ورجوع الناس.

ترك هذا الطاعون آثاراً مهلكة، فقد ذكر الواقدي أنه أودى بحياة خمسة وعشرين ألفاً من سكان بلاد الشام وحدها، وقال غيره: ثلاثون ألفاً، ثم انتقل من بلاد الشام إلى العراق ففتك بأهل البصرة وأهل الكوفة فتكاً ذريعاً. ومات في هذا الطاعون عدد كبير من الصحابة المشهورين كأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، والفضل بن العباس، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان المعروف بيزيد الخير، وضرار بن الأزور، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وسهيل بن عمرو من بني عامر ويكنّى أبا يزيد، وأبي جندل بن سهيل القرشي، وعتبة بن سهيل، وعامر بن غيلان الثقفي، وغيرهم.

II – عذارى وفتيان وأشراف؟

ذكر بعض المصادر أنه انتشر في العراق والشام في سنة 87هـ/706م وباء سُمي طاعون الفتيات أو العذارى، بينما ذكرت مصادر أُخرى أن هذا الطاعون نجم في سنة 86ه/705م، في حين فشا طاعون آخر سُمي طاعون الأشراف في سنة 87هـ/706م.[9] ولهذا نجد خلطاً لدى كثير من المؤرخين، فمنهم مَن اعتبرهما طاعوناً واحداً، ومنهم مَن اعتبرهما طاعونَين أحدهما مختلف عن الآخر، وربما تقارب الزمن الذي فشيا فيه هو السبب في هذا الاختلاف.

أ - طاعون الفتيات

اختلف الإخباريون العرب في سبب تسمية هذا الطاعون بطاعون الفتيات، فمنهم مَن قال إن ضحاياه كانت من النساء والجواري فقط، وهذا أمر يجافي المنطق العلمي لأن الطاعون بحدّ ذاته يتميز بأنه وباء مُعدٍ، وأن قدرته على الانتشار إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة للحدّ منه، تكون كبيرة جداً ومُهلكة. ومن المؤرخين مَن قال إنه سُمي هكذا لأنه أول ما بدأ بالنساء، ومنهم السيوطي وابن حجر العسقلاني اللذان قالا إنه سُمي هكذا لكثرة مَن مات فيه من النساء والعذارى، وفي هذين الخبرين الأخيرَين تعليل مقنع لسبب التسمية.

لنتوقف هنا قليلاً لنتساءل: لماذا بدأ هذا الطاعون بالنساء؟ وللأسف لم أجد مصدراً واحداً ذكر سبب اختيار هذا الطاعون للفتيات، ثم تحوّله، لاحقاً، لحصد أرواح الآخرين، ولهذا كان لا بد من اللجوء إلى التكهنات لتعليل هذا السبب.

كانت الفتوحات العربية آنذاك سمة ميّزت العصور الإسلامية، فالرغبة في نشر الإسلام إلى أصقاع العالم كانت من دواعي الإيمان، وبالتالي كان المجتمع العربي مجتمعاً تكثر فيه الجواري اللواتي كنّ إمّا سبايا، وإمّا غنائم حرب، وإمّا من الرقيق اللواتي كُنّ يُشترَين في أسواق النخاسة التي كانت منتشرة آنذاك، وبالتالي أليس محتملاً أن في الفترة التي فشا فيها طاعون الفتيات أن يكون هناك جارية اِبتيعت أو سُبيت وكانت تعاني مرضاً ما، لكنه لم يكن بادياً عليها، لأن بعض الأوبئة تكون في حالة كمون ثم تطفو وتنتشر؟

لنتخيل أن تلك الجارية دخلت بيت مَن اشتراها، وطبيعي أنها ستكون مع سائر الجواري تشاركهن أكلهن وغسيلهن وحتى النوم في المهجع ذاته، ألا يعني ذلك أنه عندما فشا الوباء فيها انتشر إلى الجواري الأُخريات وبدأ بالقضاء عليهن؟ هذا تعليل محتمل، لكنه مثلما قلت تكهّن وتخيّل.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس ثمة مصدر ذكر اسم مَن مات من النساء فيه، ولا حتى أشهرهن اللاتي توفّين به، ولا حتى مَن مات فيه من الذكور، وهو أمر مستغرب، إذ إن الكتب التي ذكرت أخبار الطواعين كانت تحرص على ذكر مَن قضى فيها، فهل السبب هو أنه لم يحصد إلّا عوام الناس؟

ب - طاعون الفتيان

وقعتُ مصادفة على رسالة لجلال الدين السيوطي عنوانها "رسالة في مرض الطاعون"،[10] وهي غير مذكورة في كتابه عن الطاعون الذي عنوانه: "ما رواه الواعون في أخبار الطاعون"، وأهميتها تكمن في أن السيوطي في كتابه الأخير هذا يذكر الطاعون المذكور آنفاً، بطاعون الفتيات، بينما في تلك الرسالة نجده يذكره باسم: "طاعون الفتيان"، فيقول: "ثم وقع [....] بالبصرة سنة سبع وثمانين، وهو طاعون الفتيان لكثرة مَن مات فيه من الشباب."[11]

وهذا الاسم منطقي أكثر من طاعون الفتيات، وأهميته تكمن في أنه لا يختص بفريق دون آخر، وهو بالتالي يتسق مع ما هو معروف عن الطاعون من أنه إذا فشا فإنه لا يختص بجنس معين بل إنه يعمّ الذكور والإناث معاً، ولو أن أغلبية ضحاياه كانت من الشباب، أي من عمر معين.

ج - طاعون الأشراف

نصل إلى طاعون آخر سُمي طاعون الأشراف لأنه، مثلما قيل، كان يستهدف "الشرفاء" ولهذ سُمّي بهم، إذ حصد منهم الكثير، وقيل لكثرة مَن توفي فيه من أشراف القوم وأكابرهم. وهنا نصل إلى الإشكالية ذاتها التي واجهتنا في الطاعون السابق وهي لماذا استهدف الأشراف؟ فالطاعون لا يميز بين غني وفقير، ولا بين وضيع وشريف، بل يجترف الناس من دون تمييز، ولماذا لم تذكر المصادر سبب فشوّه في الأشراف أولاً، مع "أن هذا الطاعون ربما كان من أسوأ الطواعين في العصر الأموي عنفاً وشراسة، إذ حصد أرواح أهل الشام حصداً، حتى إن الأحياء كانوا يحفرون قبورهم بأيديهم يأساً من النجاة، فالتابعي بُشير بن كعب بن أُبيّ الحميري حفر قبراً لنفسه وظل يقرأ فيه القرآن حتى مات في حفرته. وفي هذا دلالة على أن هذا الوباء كان كارثياً إلى درجة تسليم الناجين منه بأنهم مدرَكون."[12] ومن الذين توفوا جرّاءه: أمية بن خالد بن عبد الله بن أَسيد؛ مُطرّف بن عبد الله الشخير؛ قبيصة بن ذؤيب الخزاعي؛ صعصعة بن حِصن.

وما يلفت الانتباه هنا هو أن هذا الطاعون، انطلاقاً من تسميته، لم يكن كغيره من الطواعين التي تفشو عادة في البيئة التي تقلّ فيها التغذية ووسائل النظافة، وتكثر في أرجائها الأزبال التي تجذب الفئران الناقلة للجرثومة المعدية، وإنما ضرب أولاً سراة القوم وأغنياءهم الذين من المتوقع أن تكون بيوتهم نظيفة، فما السبب يا ترى؟ هل السبب مثلاً أن البيت الذي نجم فيه المرض كان من البيوت التي تفتح أبوابها للفقراء والسائلين أياماً محددة، وبالتالي نقل أحد منهم هذا الوباء؟ غير أن هذا يعني أن الذي نقل العدوى لا بد من أنه نقله إلى غيره ممّن يجالسهم خارج بيت هذا الشريف؛ أو هل السبب أن صاحب البيت أصابته العدوى أولاً في السوق أو الجامع، ثم نقل هو المرض إلى أخصائه وأقرانه من الشرفاء؟

III - الموت الأسود (The Black Death)[13]

من المتواتر أن هذا الطاعون نجم في الصين وسار إلى سائر شرق آسيا، ثم آسيا الوسطى، وحملته السفن التجارية التي كانت تجوب أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، فضرب المشرق العربي، ووصل إلى بقية أوروبا، ومنها إلى شمال أفريقيا. ويُرجح أن هذا الوباء استمر عدة أعوام، بل إن المقريزي ذكر: "ويقال إن هذا الوباء أقام على أهل الأرض مدة خمس عشرة سنة"،[14] وكان ضارياً جداً، وقيل إنه فتك بنحو 50 مليوناً من البشر بين أوروبا وآسيا وحدهما، ومن هذه الحصيلة ما يوازي ثلث سكان أوروبا، أو ربما نصفهم. وتذكر المصادر أن هذا الطاعون بدأ في سنة 742ه/1341م، ثم ازداد خطراً وتفشياً في سنة 749ه/1348م، وأصبح عاماً وشاملاً فلم يترك مكاناً في الأرض إلّا حل به مُفنياً معظم سكانه، حتى إن بعض الأماكن بات مقفراً لم يبقَ فيه أحد.

لنقم بجولة سريعة في أخبار هذا الطاعون وآثاره انطلاقاً ممّا ذكره المؤرخون والرحّالة في كتبهم، ولنبدأ بالمشرق العربي لننتهي بشمال أفريقيا.

كان الرحالة المغربي ابن بطوطة شاهداً على تفشي هذا الطاعون الجارف في المشرق العربي، وذلك عندما كان في طريق العودة من الصين، في اتجاه المغرب، في سنة 749هـ / 1348م، فقد ذكر بعضاً ممّا شاهده من معاناة الناس آنذاك، في حلب وحمص ودمشق وغزة، والقاهرة التي يقول عنها: "وبلغني أن عدد الموتى أيام الوباء انتهى فيها إلى واحد وعشرين ألفاً في اليوم، ووجدتُ جميع مَن كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا."[15]

نبدأ بحلب التي يذكر ابن تغري بردي أنه "بلغ عدة مَن يموت في كل يوم بمدينة حلب خمسمئة إنسان"،[16] دلالة على ضراوة هذا المرض الذي أودى بالسكان عواماً وخاصة، ومنهم المؤرخ والشاعر ابن الوردي الذي كان من مواليد معرة النعمان في سورية، والذي قبل أن يقضي في هذا الوباء، عمل فيه رسالة سماها: "النبا عن الوبا".[17]

وقد صور ابن الوردي في هذه الرسالة "النتائج الخطيرة التي خلّفها هذا المرض، وبيّن مناطق انتشاره، وركّز على مدينته حلب، وأحوال الناس المختلفة فيها، وطرق وقايتهم من الطاعون."[18] كما رسم لنا مسار حركة الوباء، وكيف أنه انتقل مع خطوط التجارة في البحر والبر، وتجاوز أماكن فلم يقع فيها، كمعرة النعمان، و"عبّر عن ذلك بأسلوب الحوار الذي دار بين الطاعون وتلك المدن، [فيقول] (ثم دخل معرة النعمان فقال لها: أنتِ مني في أمان، حماةُ تكفي في تعذيبك، فلا حاجة لي بك [ويذكر هنا شعراً يقول فيه]: رأى المعرّةَ عيناً زانها حَوَرٌ/ لكنّ حاجبها بالجَوْر مقرونُ/// وما الذي يصنع الطاعونُ في بلدٍ/ في كل يوم له بالظلمِ طاعونُ)؟!"[19] أليس يجدر بشعوب الأرض الآن أن تردد هذا القول وهي تواجه طاغوتَين يسعيان لتدميرها وهما وباء كورونا وطواغيت الأرض التي أمسكت بعنق شعوبها لتخمد أنفاسها وكادت تفعل ذلك؟ لكن للمفارقة فإن الأول يجابَه بالابتعاد عنه والعزل الطوعي، بينما مجابهة الثاني تكون بالتصدي له ومقاومته وعدم الفرار من أمامه. إن المصادر ملأى بأخبار مَن قرنوا الطاعون بالحاكم الظالم، حتى إنهم اعتبروهما صنوَين. فقد جرت في زمن العباسيين حادثة معبّرة عن ذلك، إذ للمصادفة البحتة فإن الطواعين التي كانت تقع في أثناء الخلافة الأموية "بمعدل طاعون واحد لكل 4 أعوام ونصف تقريباً، وهو معدل هائل"،[20] توقفت منذ انتهاء الحكم الأموي إلى أيام الخليفة المقتدر بالله (ت. 320ه/932م)، وكان الخلفاء العباسيون يمنّون الناس بأن الله رفع عنهم الطاعون بسبب بركة خلافتهم. يقول الثعالبي: "وقال المنصور يوماً لأبي بكر ابن عياش: من بركتنا أن رُفِع عنكم الطاعون! فقال [ابن عياش]: لم يكن الله ليجمعكم علينا والطاعون"![21]

ويذكر ابن الوردي الطرق التي اتّبعها الناس للوقاية من الطاعون، وفيها نكتشف كم تتغلغل الخرافات إلى أذهانهم فنراهم يبخّرون منازلهم بأنواع متعددة من البخور، ويأكلون نوعاً معيناً من الطعام، بل يتختّمون بالياقوت لاعتقادهم أنه يُبعد هذا الوباء عنهم، ولا شك في أن أحداً بالمصادفة البحتة قد سلم من الوباء وكان يلبس خاتماً من الياقوت، فاعتقد الناس في هذا الأمر؛ يقول ابن الوردي: "فلو رأيتَ الأعيان بحلب وهم يطالعون من كتب الطب الغوامض، ويُكثرون في علاجه من أكل النواشف والحوامض [....]، وبخّروا بيوتهم بالعنبر والكافور والسعد والصندل، وتختّموا بالياقوت، وجعلوا البصل والخل والصحنا [السمك الصغير المملح] من جملة الأدم والقوت، وأقلّوا من الأمراق والفاكهة، وقرّبوا إليهم الأترنج وما شابهه."[22]

ومن أخبار حلب التي يظهر أن الوباء كان أكثر من جارف فيها ما ذكره كامل بن حسين الحلبي الغزي الذي يقول: "وفيها كان الفناء العظيم والطاعون العميم الذي جاز البلاد والأمصار، ولم يُسمع به في سالف الأعصار، وأخلى الديار والبيوت، وأوقع الناس في علة السكوت، وكان إذا طُعن به إنسان لا يعيش أكثر من ساعة رملية، وإذا عاين ذلك ودّع أصحابه، وأغلق حانوته وحضّر قبره ومضى إلى بيته ومات. وقد بلغت عدة الموتى في حلب في اليوم الواحد نحو خمسمئة، وبدمشق إلى أكثر من ألف، ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو العشرين ألفاً."[23]

نكمل سيرنا إلى غزة، وهنا أيضاً نتوقف عند ما أورده ابن تغري بردي عنها، والذي يجعل القارىء يجفل من هول تلك الفاجعة، إذ يقول: "ومات بمدينة غزة [....] زيادة على اثنين وعشرين ألف إنسان، حتى غلقت أسواقها، وشمل الموت أهل الضياع بها، وكان آخر زمان الحرث، فكان الرجل يوجد ميتاً خلف محراثه، ويوجد آخرُ قد مات وفي يده ما يبذره."[24]

أليس مفجعاً تصوّر هذا؟ ألا يسلط الضوء على أحد الآثار التي خلّفها هذا الوباء الذي أفنى الزرع والثمر؟ إذ لا شك في أن هذه الصورة لا تختص بشخص واحد، بل هي دلالة على ما أصاب البلاد من توقف للعجلة الاقتصادية وما تبع ذلك من استغلال بعض مرضى النفوس الأنانيين لهذه الأوضاع، ففشا الغلاء والاحتكار ليس فقط لأسعار السلع، بل حتى لبعض المهن التي أعلى الطاعون من شأنها كمهنة الجنائزي[25] والحمّال وحفّار القبور والقرّاء وغيرها من المهن الصغيرة.

لنتوقف عند الديار المصرية فنقرأ في المصادر ما يستدعي إلى ذهننا نصيحة عمر ابن الخطاب المذكورة آنفاً، فقد ذكر المؤرخون أنه "لمّا تزايد أمر الطاعون بالديار المصرية، وخرج عن الحد، أشارت العلماء أن الناس تخرج قاطبة إلى الصحراء..."[26] وهكذا نرى أن الناس في أثناء الطواعين كانوا يتّبعون ما فعله ممّن سبقهم من الخروج إلى الأماكن البعيدة عن الطاعون، ومنها البادية، فمثلاً، لجأ كثير من الخلفاء الأمويين وأبنائهم إلى "الحجر الطوعي" بابتعادهم عن الناس، والخروج إلى البادية حيث الهواء النقي غير الملوث، وفي ذلك يقول البلاذري في "أنساب الأشراف": "وكان الخلفاء وأبناء الخلفاء من بني أمية يتبدَّوْن (يقصدون البادية) ويهربون من الطاعون، فينزلون البرّية خارجاً عن الناس، فلمّا أراد هشام [الخليفة هشام بن عبد الملك] أن يترك الرصافة قيل له: لا تخرجن، فإن الخلفاء لا يُطعَنون (يصابون بالطاعون)، ولم نرَ خليفة قط طُعن، فقال أبي تريدون أن تجربوا؟"[27]

ويقول المقريزي إن الوباء ابتدأ بأرض مصر في أثناء سنة 748ه/1347م: "وكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف إلى عشرين ألف نفس في كل يوم [....]. ولم يكن هذا الوباء كما عُهد في إقليم دون إقليم، بل عمّ أقاليم الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، جميع أجناس بني آدم، وغيرهم حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البر [....]. ثم اتصل الوباء ببلاد الشرق جميعها."[28]

هذه الأرقام كبيرة وفظيعة جداً، وأعتقد أن مبالغة المؤلفين في ذكرها إن هي إلّا إصرارهم على إبراز هول تلك الفاجعة التي كثر وصفها بأنها ليست كغيرها من الفواجع، وإنما هي حدث فريد لم يختبره الناس قبلاً، إذ إن أعداد الموتى أكبر كثيراً، وأعراض المرض أشد فتكاً وأكثر تغوّلاً.

نصل الآن إلى شمال أفريقيا، وقد استوقفني قول لابن تغري بردي ربما يدل على سبب زيادة تفشي هذا الطاعون في تلك المنطقة، إذ يقول: "وعمّ الموت جزيرة الأندلس بكمالها إلّا جزيرة غرناطة، فإنهم نجوا، ومات مَن عَداهم حتى إنه لم يبقَ للفرنج مَن يمنع أموالهم، فأتتهم العرب من إفريقية تريد أخذ الأموال، إلى أن صاروا على نصف يوم منها، فمرّت بهم ريح فمات منهم على ظهور الخيل جماعة كثيرة، ودخلها باقيهم، فرأوا من الأموات ما هالهم، وأموالهم ليس لها مَن يحفظها، فأخذوا ما قدروا عليه، وهم يتساقطون موتى، فنجا مَن بقي منهم بنفسه، وعادوا إلى بلادهم وقد هلك أكثرهم، والموت قد فشا بأرضهم أيضاً بحيث إنه مات منهم في ليلة واحدة عدد كثير، وبقيت أموال العربان سائبة لا تجد مَن يرعاها، ثم أصاب الغنم داء، فكانت الشاة إذا ذُبحت وُجد لحمها منتَناً قد اسودّ وتغير، وماتت المواشي بأسرها."[29]

وصل هذا الطاعون إلى شمال أفريقيا بين سنتَي 749 - 750هـ / 1348 - 1349م، وكان فظيعاً إلى درجة أنه أُطلق عليه لقب الوباء الجارف لإهلاكه كثيراً من البشر، حتى إن جميع مَن عاصره أفرد له صفحات كثيرة في منشئه وآثاره وعدد الأنفس التي ماتت به وطرق الوقاية منه والأدوية الناجعة في العلاج منه. وقد ظل الوباء في تلك المنطقة أكثر من عامَين، بل إن كتب التراجم تورد أنه استمر عاماً ثالثاً.

عمّ هذا الوباء دول تلك المنطقة كلها إجمالاً، وذكر المؤرخون أعداداً مهولة للضحايا التي وقعت جرّاءه، كابن خاتمة الأنصاري الذي يذكر مثلاً، أنه هلك في يوم واحد في تونس 1200 نسمة، وفي تلمسان ما يزيد على 700 شخص يومياً، وغير ذلك من أعداد في أماكن أُخرى.

وتطرّق ابن الخطيب إلى وباء الطاعون الذي أصاب بلاد المغرب، فوصف بصورة دقيقة انتشاره، ومعاناة الناس خلاله، والضرر العظيم الذي أصابهم، فقال: "ووجدنا الطاعون في بيوتهم قد نزل، واحتجز منهم الكثير إلى القبور واعتزل، وبقر وبزل واحتَجن واختزل فلا تُبصر إلّا ميتاً يُخرَج، وصراخاً يُرفَع، وعويلاً بحيث لا ينفع."[30]

كما كتب المتصوف ابن عبّاد ما فعله الطاعون بسكان فاس، إذ كان "(يتخطفهم واحداً واحداً وجماعة جماعة، ولم يعد فرق بينهم وبين القطوط والكلاب، وقد يصبح بعضهم في أزقة المدينة…. بمنزلة جيفة من الجيف)، ولم يفته أن يندد بغلبة الأنانية على بعض الميسورين [....] وعدم التفاتهم لمساعدة الفقراء وأهل الخصاصة، فقد كانوا يتلاعبون بأنواع الطعام في خضمّ الوباء (في ديارهم ومنازلهم بين خدمهم وحشمهم ويريقون ما فضل منها في المجاري والقنوات)."[31]

في هذه الاقتباسات الثلاثة الأخيرة ما يدل على عظم تلك الكارثة التي أودت بالبشر، وجعلت المجتمع كأنه قبور تُنبش ثم تُردّ على أصحابها لتليها قبور أُخرى تُفتح لتعود فتُغلق، فكأننا نشاهد لوحة كلوحة غيرنيكا التي يربض الموت في كل قسم منها، وكأننا نرى أبواب الجحيم مفتوحة تمد بألسنتها لتلتقط ما يتساقط من البشر.

ولعل الصورة المفجعة التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته، وهو الذي فقد أبوَيه بالطاعون، والتي هي شهادة حية عن هول تلك الكارثة، تقرّب إلى أفهامنا ما جرى، إذ يصف ابن خلدون هذا الطاعون الشديد الوطأة على الناس، وصفاً دقيقاً يُظهر ما خلّفه من هلاك في الأنفس، وخراب في العمران، وكساد في الحالة الاقتصادية:

نزل بالعمران شرقاً وغرباً في منتصف هذه المئة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيّف الأمم، وذهب بأهل الجيل، وطوى كثيراً من محاسن العمران ومحاها، وجاء للدول على حين هَرَمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلّص من ظلالها، وفلّ من حدّها، وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها، وانتقض عمران الأرض بانتقاض البشر، فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السبل والمعالم، وخلت الديار والمنازل، وضعفت الدول والقبائل، وتبدّل الساكن. وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه، وكأنما نادى لسانُ الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة، والله وارث الأرض ومَن عليها. وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تَبدّل الخلقُ من أصله، وتحوّل العالم بأسره، وكأنه خَلْق جديد، ونشأة مستأنَفة، وعالَم مُحْدَث.[32]

هل يشكل كورونا الآن بداية السكون الذي أخبر به ابن خلدون، فتنتهي الحضارات التي تحكم الآن، ومنها مَن بدأ تسميته بالعجوز؟ هل سنشهد تغيراً في أنظمة العالم الآن، فتنهار دول، وقد تختفي، لترتقي أُخرى قديمة أم مُحدَثة، وبالتالي ندخل في نظام كوني جديد؟ هذه أسئلة لا تزال مدار بحث الآن، وعلينا انتظار المقبل من الأيام لنحصل على أجوبة لها.

خاتمة

كانت الأحاديث النبوية مصدراً مهماً استعان به الأقدمون لوقايتهم من الأوبئة، وسأذكر بعضاً من هذه الأحاديث التي تُعتبر من معايير السلامة الصحية المتبعة في عصرنا الحالي.

ذكرتُ سابقاً حديثاً للرسول يقول فيه: "إذا سمعتم به [بالوباء] في أرض فلا تقدموها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه." وهذا أحد أهم معايير السلامة المتمثل بعدم الانتقال بين الأماكن لضمان عدم انتشار المرض، بل يجب التزام المكان كي يتم حصره كالنار التي تخمد إذا لم تجد ما تأكله.

وممّا لا شك فيه أن المسلمين في العصور التالية استعانوا بهذا الحديث، وأقاموا ما يشبه الحجر الصحي، فعزلوا المرضى بالأوبئة، وأنشأوا لهم بيمارستانات خاصة بهم لعزلهم عن بقية الناس كي لا تنتقل العدوى منهم. ففي العهد المملوكي مثلاً، "عمد بعض السلاطين والنواب والميسورين من الأغنياء وأهل الخير إلى إنشاء البيمارستانات التي لا تكاد تخلو مدينة من مدن الشام من بيمارستان خُصصت بعض أقسامها لمداراة المصابين بالأوبئة ومعالجتهم، ووُجد في بعضها قاعة لمرضى الأوبئة والطواعين والحمّيات. ومن الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها البيمارستانات غسل وتكفين مَن يموت فيه من المرضى ممّن لا يجدون مَن يشرف على تجهيزهم ودفنهم [وخصوصاً أن الناس في فترة الوباء كانوا يموتون بأعداد كثيرة، حتى إن الجثث كانت تُترك أحياناً ثلاثة أيام على الأرض، ولا يوجد مَن يدفنها خوفاً من العدوى]، وتتجلى هذه الخدمة الاجتماعية للبيمارستان بوضوح في أثناء فترة انتشار الأوبئة والطواعين."[33]

وتذكر المصادر أن الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي هو أول مَن بنى البيمارستانات في الإسلام للمجذومين والعميان والمساكين، وجعل فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا، وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق.[34]

فالجذام هو من الأوبئة المعدية جداً، وكان منتشراً في العصور القديمة، والأخبار عنه وعن تجنّب الناس مَن يصاب به كثيرة تبدأ من عصر الرسول حتى سنين كثيرة بعده. وما ينطبق عليه ينسحب على وباء الطاعون، فالوباءان خطران ومُعديان يفرّ منهما الولد من أمه، والمرء من زوجه.

يقول الرسول: "فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد"، وجاء في شرح صحيح مسلم أنه "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي ÷ إنّا قد بايعناك فارْجِعْ"،[35] أي أن الرسول لم يُدخله مجلسه، ولم يصافحه، وإنما اكتفى بإرسال من يبلّغه قوله.

ويذكر سبط ابن الجوزي في أخبار سنة 474هـ/1081م، خبراً يصيب الإنسان بالذهول، وفحواه "أن امرأة بنهر الفضل [في بغداد] أصابها جذام فسقط أنفها وشفتاها وأصابع يديها ورجليها، وجافت رائحتها، فأخرجها زوجها وولدها إلى ظاهر المحلة، وبنَوا لها كوخاً تُكنّ فيه، وبقيت مدة فيه لا يقدر أحد من الاجتياز بها من نَتْنها، فجاء ولدها إليها برغيفَين شعير، فقالت له: يا بُنيّ، قف – بالله – حتى أُبصرك، وجئني بجرعة من ماء أشربها فقد قتلني العطش. فلم يقدر الصبي أن يدنو منها وهرب."[36]

وقد يفر المرء من زوجه، فالسخاوي يذكر طرفة عن أحد وجهاء المجتمع آنذاك واسمه حسين بن محمد بن قاريلوك لم يحضر جنازة امرأته المطعونة خوفاً من العدوى. يقول: "ولم يلبث أن وقع الطاعون، فانفرد عن عياله ببستان [....] رجاء التخلص منه، بحيث إن زوجته [....] ماتت فلم يجىء لشهود الصلاة عليها خوفاً من العدوى زعماً، أو الهواء."[37]

وإذا انتقلنا إلى المغرب، فسنجد أنه في سنة 1798م انتشر طاعون فيه، وكان نجم أولاً في الإسكندرية في سنة 1783م، ثم نقله الحجاج والتجار إلى تونس، ومنها إلى الجزائر، وظل المغرب في منأى عنه لعدة أعوام بفضل التدابير الصحية التي أقاموها – وهي مهمة في ذلك الوقت - غير أن تأخير وصول الطاعون إلى ديارهم لم يحل دون تسلله إلى الديار المغربية، ولا شك في أن الطرق البرية كان لها دور فاعل في انتقال المرض. يقول محمد البزاز إن السلطان المغربي أقام أولاً "نطاقاً عسكرياً في الحدود الشرقية لوقاية مملكته من الوباء المتفشي وقتذاك في الجزائر"، كما فرض "الحجر الصحي على السفن القادمة من وهران، وشلّ جميع المواصلات القارية في الحدود الشرقية."[38]

وثمة أحاديث أُخرى للرسول تتطابق ومعايير السلامة في زمننا هذا، ومنها:

1) "اتقوا الذَّرّ فإن فيه النَّسَمَة"، والذرّ هو الغبار، أمّا النَّسَمة[39] فهي كل كائن حي فيه روح وحركة، فقد أثبت الطب الحديث أن بعض الأمراض المعدية يحملها الجو المحمّل بالغبار الذي تتعلق به بعض الميكروبات، فتنتقل من المرضى إلى الأصحاء. وهذا ما نعانيه الآن من فيروس كورونا الذي ينتقل عبر الرذاذ كالعطاس مثلاً، ولم يبقَ إلّا اتقاء الذرّ حفاظاً على سلامتنا.

2) "لا يَرِد مُمْرِض على مُصِحّ"، أي لا تجعلوا المريض يدخل على السليم فيمرض، فالرسول يضع قيوداً على مَن كان مرضه معدياً، وهذا ما نفعله الآن من ابتعادنا عن المصابين بالكورونا، فنلزم بيوتنا ونحجر على أنفسنا.

3) "... فإن من القرف التلف"، والقرف[40] الدنو من الموبوء ومخالطته، لأن هذا يتسبب بالهلاك، فقد جاء في الأثر: "وعن يحيى بن عبد الله بن بحير، قال: أخبرني مَن سمع فروة بن مُسَيْك يقول :قلت: يا رسول الله! عندنا أرض يقال لها أبين، وهي أرض ريفنا وميرتنا، وإن وباءها شديد، فقال: (دعها عنك فإن من القرف التلف)."[41]

أخيراً لا بد من التوقف قليلاً عند ما ذكرته المصادر من الآثار التي تركها الطاعون في المجتمع، كأننا نرى التاريخ يعيد نفسه في زمننا هذا، فلا حركة، ولا أنس وألفة واختلاط، وإنما وحشة وعزلة وخوف يعتمل في النفوس ممّا تحمله الأيام من مصير لا يزال مجهولاً. يقول ابن كثير:

"والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلّا أسواقاً فارغة، وطرقات خالية، وأبواباً مغلقة، ووحشة وعدم أنس."[42]

فنحن محاصرون من عدو فاتك لا نعرف مخططاته، ولا كيف نواجهه، ولا نعرف كيف سيبدو مستقبلنا بعده، وكل ما نعرفه هو أن نلزم بيوتنا، وندعو الله أن يكشف عنا هذه الغمّة، ويحفظ أحباءنا والبشرية جمعاء.

 

من عجائب الطواعين

طاعون الفجأة

يقوا ابن حجر في "بذل الماعون" إن طاعوناً عجيباً "وقع عام 346هـ/957م، فكثر فيه الموت بالفجأة، حتى إن أحد القضاة لبس ثيابه ليخرج إلى مجلس القضاء فأصيب بالطاعون فمات وهو يلبس أحد خُفّيْه." كما يذكر في طاعون سنة 833هـ/1429م أن "غالب مَن كان يموت بالطاعون يغيب عقله، وهذا يموت المطعون وهو يعقل!"

****

طاعون الرقص

في سنة 1518م سيطر جنون على 400 شخص في مدينة ستراسبورغ، في إقليم الألزاس، دفعهم إلى الرقص بصورة متواصلة لعدة أيام ومن دون راحة، حتى تساقطوا أمواتاً جرّاء النوبات القلبية، والسكتة الدماغية، أو الإرهاق.

بدأت الحادثة عندما نفرت فراو تروفيا إلى زقاق بيتها وبدأت ترقص من دون الالتفات إلى محاولات الناس ثنيها عن الرقص، واستمرت في هذا حتى انقضى الليل، وعند بزوغ شمس النهار التالي كان قد انضم إليها 40 شخصاً آخرون شرعوا يرقصون بلا توقف.

تكاثر عدد الأشخاص الذين أُخذوا بهذه الهستيريا الجماعية حتى بلغ عددهم 400 شخص، فقرر مجلس البلاط الملكي احتواء هذه الظاهرة بأن يقيم لهم قاعات خاصة كي يرقصوا فيها لعل إشباع نهمهم إلى الرقص يخفف من هذا الوباء. فُتحت قاعات خاصة لهذا الأمر، غير أن الهستيريا ظلت تتصاعد، وفي مجتمع يحكمه الدين، رأت سلطات الكنيسة أن السبب هو لعنة من القديس فيتوس، ولهذا قررت إرسالهم إلى مزار هذا القديس لإعلان توبتهم التي ستشفيهم.

استمر وباء الرقص أكثر من شهر، من منتصف تموز/يوليو إلى أواخر آب/أغسطس، وفي أوج هذا الجنون بلغ عدد الموتى 10 أشخاص يومياً، وإذا كان هذا العدد صحيحاً، فهذا يعني أن عدد الموتى هو بالمئات.

 

 

* اعتمدت في هذه المقالة، وخصوصاً فيما يتعلق بالطواعين التي حدثت في العصور الإسلامية، على كثير من كتب التاريخ القديمة، وكتب الأحاديث، وبسبب كثرتها والتشابه في المعلومات، لم أُشر إليها في الاقتباسات التي أخذتها منها، وإنما أحيل القارىء الذي يرغب في معرفة المزيد إلى الكتب التالية، وغيرها كثير:

ابن الأثير، "الكامل في التاريخ"؛ ابن كثير، "البداية والنهاية"؛ تاريخ الطبري؛ الواقدي، "كتاب الطبقات"؛ ابن سعد، "كتاب الطبقات الكبير"؛ ابن حجر العسقلاني، "بذل الماعون في فضل الطاعون"؛ صحيح البخاري؛ ابن حجر العسقلاني، "فتح الباري في شرح صحيح البخاري"؛ كتب الصحاح؛ سنن ابن ماجة؛ سنن أبي داود؛ السيوطي، "طبقات الحفّاظ"؛ السيوطي، "ما رواه الواعون في أخبار الطاعون"؛ الذهبي، "سير أعلام النبلاء"؛ ابن قتيبة، "المعارف"؛ ابن أبي حجلة التلمساني، "الطب المسنون في دفع الطاعون"؛ ابن الوردي، "النبا عن الوبا"؛ الصفدي، "الوافي بالوفيات"؛ القاضي عياض، "إكمال المعلم بفوائد مسلم"، وهو شرح لصحيح مسلم؛ ياقوت الحموي، "معجم البلدان"؛ البلاذري، "فتوح البلدان"؛ ابن تغري بردي، "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"؛ المبرّد، "التعازي والمراثي"؛ ابن أبي الدنيا، "الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان"؛ ابن الجوزي، "المنتظَم في تاريخ الملوك والأمم"؛ سبط ابن الجوزي، "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان"؛ ابن خلدون، "المقدمة"؛ رحلة ابن بطوطة، "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"؛ إلخ.

 

المصادر:

[1] ينفرد الزبيدي صاحب "تاج العروس من جواهر القاموس" بمعنى لكلمة عمواس، فيقول: "وقيل: إنما سُمّي طاعون عمواس، لأنه عمّ وآسى: أي جعل بعض الناس أسوة ببعض". وللمفارقة فإن المصادر تكتب أن الزبيدي مات بالطاعون في اليوم ذاته الذي أصيب فيه.

[2] وقيل في سنة 17ه/638م، لكن أكثر المصادر قال بسنة 18ه/639م، فذهبتُ إلى ما ذهبت إليه الأغلبية.

[3] ابن الأثير، "الكامل في التاريخ"، تحقيق عمر عبد السلام تدمري (بيروت: دار الكتاب العربي، 2012)، ج 2، ص 374.

[4] غَمِقة: أصابها ندى وثقل ووخامة. وبلد غَمِق: كثير المياه رطب الهواء ("لسان العرب"، مادة غمق)؛ نَزِهة: بعيدة عذبة نائية من الأنداء والمياه والغَمَق. وأرض نَزِهة أي بعيدة عن الوباء ("لسان العرب"، مادة نزه).

[5] الجابية: قرية من أعمال دمشق، من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران (ياقوت الحموي، "معجم البلدان"). وجاء في "لسان العرب"، مادة: "نَزِهة"، أن عمر قال: "الجابِيَة أرض نَزِهَة، أي بعيدة عن الوباء."

[6] ابن حجر العسقلاني، "فتح الباري في شرح صحيح البخاري"، باب "أجر الصابر في الطاعون".

[7] رواه ابن ماجة وأبو داود وغيرهما.

[8] البخاري، "صحيح البخاري"، كتاب "فضائل الصحابة"، باب "مناقب أبي عبيدة بن الجراح".

[9] وضعه في سنة 86ه/705م، كل من ابن كثير في "البداية والنهاية"، والذهبي في "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، بينما ذكره ابن حجر العسقلاني في "بذل الماعون في فضل الطاعون"، في سنة 87ه/706م.

[10] جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، "رسالة في مرض الطاعون"، تحقيق إياد عبد الحسين صيهود الخفاجي، "دراسات إسلامية معاصرة" (جامعة كربلاء)، العدد 4، ص 1 – 56.

[11] المصدر نفسه، ص 49.

[12] أحمد العدوي، "الطاعون في العصر الأموي: صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، الفصل الثاني. وانظر أيضاً الخبر عن بُشير في: ابن عساكر الدمشقي، "تاريخ مدينة دمشق"، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 2012)، ج 6، ص 131.

[13] هذا الطاعون من أشد الطواعين ضراوة التي فتكت بالبشرية، وأكثرها شهرة في الكتب والمؤلفات، فالأخبار عنه وعن التفصيلات المتعلقة به كثيرة جداً، وكل مَن يرغب في الاستزادة في هذا الموضوع ما عليه إلّا زيارة المواقع الإلكترونية وسيجد مئات المؤلفات عنه، إن لم يكن أكثر.

[14] المقريزي، "السلوك لمعرفة دول الملوك"، تحقيق محمد عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 1997)، ج 4، ص 90.

[15] ابن بطوطة، "رحلة ابن بطوطة: تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، تحقيق محمد عبد المنعم العريان ومصطفى القصّاص (بيروت: دار إحياء العلوم، ط 1، 1987)، ج 2، ص 665 – 666.

ولمزيد عن هذا الطاعون، والطواعين التي ضربت بلاد الشام، انظر:

مبارك الطراونة، "الأوبئة (الطواعين)، وآثارها الاجتماعية في بلاد الشام في عصر المماليك الجراكسة (784 – 922ه / 1382 - 1516م)"، "المجلة الأردنية للتاريخ والآثار"، المجلد 4، العدد 3 (2010).

وثمة أيضاً مقالة جيدة عن الطاعون الأسود وأثره في المشرق، وهي مقالة رصدت تقريباً كل ما ذكرته المصادر عن هذا الوباء في صفحات متناثرة، وبالتالي فإن مَن يرغب في تكوين صورة جامعة لهذا الوباء في المشرق، وفي معرفة أحوال الناس في ذاك الوقت، وما خلّفه من دمار اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي، فإنه سيجد في هذه المقالة ما يشفي غليله من المعرفة بتلك الحقبة. انظر:

رائد عبد الرحيم مصطفى حسن، "طاعون 749ه/1348م في العصر المملوكي الأول وآثاره في جوانب الحياة المختلفة"، "مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية" (نابلس: جامعة النجاح الوطنية)، العدد 48 (1439ه)، ص 229 – 312.

[16] ابن تغري بردي، "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب، د. ت.)، ج 10، ص 198.

[17] لم أقع على هذا الرسالة، لكني وجدت مقالة فيها دراسة مستفيضة عنها، فاعتمدت عليها. انظر: رائد عبد الرحيم مصطفى حسن، "رسالة (النبا عن الوبا) لزين الدين بن الوردي ت 749ه: دراسة نقدية"، "مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية" (نابلس: جامعة النجاح الوطنية)، المجلد 24، العدد 5 (2010).

[18] المصدر نفسه، ص 1498.

[19] المصدر نفسه، ص 1505.

[20] العدوي، مصدر سبق ذكره.

[21] أبو منصور الثعالبي، "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: المكتبة العصرية، ط 1، 2003)، ص 63.

[22] رائد عبد الرحيم مصطفى حسن، "رسالة (النبا عن الوبا)... "، مصدر سبق ذكره، ص 1503 – 1504.

[23] كامل بن حسين الحلبي الغزي، "نهر الذهب في تاريخ حلب" (حلب: المطبعة المارونية، د. ت.)، ج 3، ص 187 – 188.

[24] ابن تغري بردي، مصدر سبق ذكره، ص 198.

[25] يقول ابن الوردي في كتابه: "تتمة المختصر في أخبار البشر" (بيروت، دار الكتب العلمية، 1996)، ج 2، ص 340: "فلقد كثرت فيها أرزاق الجنائزية [....] فلا عاشوا ولا عرقوا، فهم يلهون ويلعبون، ويتقاعدون على الزبون."

[26] انظر: ابن إياس، "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، تحقيق محمد مصطفى (ألمانيا: فرانز شتاينر – فيسبادن، 1975)، ج 1، القسم الأول، ص 531.

[27] البلاذري، "جمل من أنساب الأشراف"، تحقيق سهيل زكّار ورياض زركلي (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1996)، ج 8، ص 389.

[28] المقريزي، "السلوك لمعرفة دول الملوك"، تحقيق محمد عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 1997)، ج 4، ص 80 – 81.

[29] ابن تغري بردي، مصدر سبق ذكره، ص 199 – 200.

[30] ابن الخطيب، "ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب"، تحقيق محمد عبد الله عنان (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1981)، ج 2، ص 268. بقر: توسّع وانتشر؛ بزل: اشتد؛ احتجن: استرسل؛ اختزل: استأصل الناس (انظر لسان العرب كل في مادته).

[31] مصطفى نشاط، "عندما انتشر (الطاعون الأسود) بالمغرب.. هلاك العمران والإنسان"، في موقع "هسبرس"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.hespress.com/histoire/464424.html

[32]ابن خلدون، "المقدمة"، تحقيق عبد الله محمد الدرويش (دمشق: دار يعرب، 2004)، ج 1، ص 120 – 121.

[33] الطراونة، مصدر سبق ذكره، ص 55.

[34] انظر: أحمد عيسى، "تاريخ البيمارستانات في الإسلام" (مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص 129.

[35] النووي، "المنهاج: شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392)، كتاب "السلام"، باب "اجتناب المجذوم". وثمة أحاديث أُخرى عن الرسول تناقض هذا الحديث، لكن مجالها ليس هنا.

[36] سبط ابن الجوزي، "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، تحقيق محمد أنس الخنّ وكامل محمد الخرّاط (دمشق: دار الرسالة العالمية، 2013)، ج 19، ص 355.

[37] السخاوي، "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" (بيروت: دار الجيل، د. ت.)، ص 156 – 157.

[38] محمد الأمين البزاز، "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" (الرباط: كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1992)، ص 87 – 89.

[39] انظر لسان العرب، مادة نسم، وراجع غيره من المعاجم.

[40] انظر لسان العرب، مادة قرف.

[41] أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري، "مرقاة المفاتيح: شرح مشكاة المصابيح"، كتاب "الطب والرقى"، باب "الفأل والطيرة".

[42] ابن كثير، "البداية والنهاية" (بيروت: مكتبة المعارف، 1991)، ج 12، ص 71.