هدم منازل الأسرى: إجراء عقابي مخالف للقانون الدولي
التاريخ: 
09/06/2020

بات هدم منازل الأسرى، وتحديداً الذين تتهمهم دولة الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب عمليات مسلحة أدت إلى مقتل جنود أو مستوطنين، أمراً متكرراً خلال الأعوام القليلة الماضية، كان آخرها هدم منزل عائلة الأسير قسام البرغوثي (26 عاماً) من بلدة كوبر شمالي رام الله في ١١ أيار/مايو الماضي.

وقد وجدت عائلة الأسير البرغوثي، المعتقل منذ ٢٦ آب/أغسطس الماضي، نفسها في وضع صعب ولا سيما أن ملكية المنزل المكون من طبقتين وتسوية، لا تعود فقط إلى العائلة، وتحديداً إلى والدته وداد البرغوثي، المحاضرة في دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت، بل أيضاً إلى شقيقتها، التي تمتلك الطبقة السفلى "الأول"، وكانت توشك على إنهاء أعمال تشطيبه تمهيداً للإقامة فيه.

ويعود المنزل أساساً إلى والد وداد البرغوثي الراحل، الذي اعتقله الاحتلال في الماضي وفرض عليه الإقامة الجبرية خلال السبعينيات. وتوضح البرغوثي أنه على الرغم من أن أعمال التدمير التي تركزت أساساً على الطبقة العلوية الخاصة بها وبأسرتها، فإن الطبقة السفلية الخاصة بشقيقتها لم تعد صالحة للسكن، بسبب الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها.

وقبل فترة من هدم المنزل، سارعت العائلة إلى مغادرته، وإخلاء جميع محتوياته، وعلى الرغم من قساوة الحدث، فإن الأسرة تمتعت بروح معنوية عالية في مواجهة الإجراء الإسرائيلي العقابي. وقالت البرغوثي:"هذا البيت شهد الكثير من المناسبات وكذلك اقتحامات قوات الاحتلال، وهو من ضمن أكثر 10 منازل تعرضت للهدم في كوبر... وجدنا الكثير من البيوت مفتوحة أمامنا، ولم نبت ولو ليلة واحدة في العراء، فما قام به الاحتلال لا يزيدنا إلاّ تماسكاً... وإن هذا البيت وكافة البيوت التي هدمها الاحتلال لا تساوي فردة حذاء قسام".

يذكر أنه تم هدم نحو 2130 مبنى في القدس الشرقية خلال الفترة 2000-2019، إضافة إلى 50 ألف مسكن بشكل كلي. كما هدم أكثر من 100 ألف مسكن بشكل جزئي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967.[1]

وقد هدمت قوات الاحتلال منذ مطلع هذا العام أربعة منازل تعود إلى عائلات أسرى في سجون الاحتلال هم: أحمد قنبع من جنين، ووليد حناتشة ويزن مغامس من رام الله، إضافة إلى منزل عائلة الأسير البرغوثي في كوبر. وأوضح نادي الأسير أن قوات الاحتلال هدمت منزل عائلة الأسير قنبع، للمرة الثانية هذا العام، علماً بأنه جرى هدم منزل العائلة سابقاً في سنة 2018. ولفت إلى أن عملية هدم منازل الأسرى طالت العام الماضي، 7 منازل، هي منزل الأسير خليل يوسف جبارين من بلدة يطا جنوبي الخليل، وعاصم البرغوثي من كوبر، ومنزل شقيقه الشهيد صالح، إضافة إلى منازل أربعة أسرى من بلدة بيت كاحل شمالي غربي الخليل هم: أحمد عصافرة، وشقيقه قاسم، ونصير صالح عصافرة، ويوسف سعيد زهور.

وقد تم هدم منزل عائلة الأسير إسلام أبو حميد في مخيم الأمعري للمرة الرابعة في سنة 2018، وتذكر الحاجة لطيفة أبو حميد (74 عاماً)، والدة الأسير إسلام وهي أم لشهيد، وستة أسرى يقبعون في سجون الاحتلال، أربعة منهم محكومون بالسجن المؤبد، أنها تقطن حالياً وثلاثة من أبنائها وعائلاتهم في منزل في رام الله، خصصته السلطة الوطنية لهم بعد عملية الهدم الأخيرة، التي نفذت منتصف كانون الأول/ديسمبر 2018.

وكانت العائلة قد حاولت إعادة بناء منزلها الذي دمره الاحتلال، للمرة الثالثة على التوالي قبل عملية الهدم الأخيرة في إجراء ادعت فيه سلطات الاحتلال أن قطعة الأرض المقام عليها المنزل مصادرة، على الرغم من أنها تقع داخل المناطق المصنفة (أ)، أي التي تتبع أمنياً وإدارياً للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى وقوع المنزل في مخيم للاجئين، أي أنه على أرض خاصة تستأجرها وكالة الغوث الدولية.

يقول الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه أن "سياسة هدم منازل الأسرى المتهمين بارتكاب عمليات بدأت منذ عقود، ففي الثمانينيات، هدمت منازل مقاومين فلسطينيين في الخليل العام 1980 إثر عملية الدبويا، ولكن هذه السياسة تصاعدت من جديد خلال السنوات القليلة الماضية، وقد كانت متبعة كذلك في قطاع غزة قبل الانسحاب من القطاع في العام 2005".

ويتابع: "هذا إجراء عنصري، لا سيما أنه يشمل الفلسطينيين، بينما في الحالات المعاكسة أي عمليات القتل التي نفذها جنود إسرائيليون أو مستوطنون بحق مواطنين فلسطينيين، لا يتم اتباع الإجراء ذاته."  

ويرى أن هذه السياسة تمثل أحد أشكال العقاب الجماعي باعتبار أنها لا تمس الأسير فقط، بل عائلته كذلك، لافتاً إلى أن ما تقوم به سلطات الاحتلال غير قانوني من ناحية إعلان الأراضي المقام عليها المباني المهدمة أراضٍ مصادرة تمنع بموجبها إعادة بناء المنازل من جديد.

ويوضح أن السلطة، تقوم بتوفير مسكن بديل لعائلات الأسرى، بيد أنه يلفت إلى أن مسألة مصادرة الأرض، يصعب من آليات تدخل السلطة لإعادة بناء المباني المدمرة مجدداً.

وفي تعليقه على الموضوع ذاته، يرى مدير عام مؤسسة "الحق" شعوان جبارين، أن بدايات سياسات هدم المنازل تعود إلى سنة 1967، عندما كانت تطال منازل الفدائيين، والأشخاص الذين يتعاملون معهم. ويضيف: "منطق هدم المنازل عقابي، بغية ردع الأشخاص الآخرين عن القيام بأعمال مماثلة، ومحاولة تخويف المجتمع الحاضن لهم."

ويتابع إن هذا إجراء انتقامي وليس قانونياً، إذ لا يوجد في كل العالم من يطبق سياسة هدم المنازل عدا دولة الاحتلال التي تستند إلى الأوامر العسكرية في تعاملها مع منازل الأسرى وممتلكاتهم، وهو ما يتناقض مع المواثيق الدولية. مضيفاً أن المؤسسات الدولية ترى في هدم المنازل جريمة حرب وعقوبة جماعية.

وفي الإطار ذاته، يرى مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، أن هدم البيوت كعقاب جماعيّ هو إحدى الوسائل الأكثر تطرّفاً التي تستخدمها إسرائيل في الضفة، بما في ذلك القدس الشرقية منذ بداية الاحتلال.

وتبعاً لهذه المؤسسة، فإن هدم المنازل هو إجراء إداري يُطبّق دون محاكمة، ودون الحاجة إلى إظهار أدلة أياً كانت، وذلك استناداً إلى المادة 119 من أنظمة الدفاع (الطوارئ لسنة 1945) التي أصدرها الانتداب البريطاني العام 1945.

وتضيف أنه بعد تسليم أمر الهدم للأسرة، يمكنها تقديم اعتراض أمام القائد العسكري خلال 48 ساعة، لكن في قرار محكمة "العدل العليا" الإسرائيلية الصادر سنة 1989، حكمت المحكمة أنه عند رفض الاعتراض، يجب إتاحة الفرصة أمام العائلة لتقدم التماساً للمحكمة ذاتها، قبل تنفيذ الهدم.

وتستدرك أنه على الرغم من أن المحكمة هي التي حكمت بأنه يجب تمكين العائلات من التوجه إليها كي تنظر في أمر الهدم، فإنه يبدو أن قرار الحكم المذكور هو مجرّد إجراء شكلي وتقني لا غير، وأنه يهدف إلى إيجاد وهم يوحي بأنها تحرص على حق الاستئناف المحفوظ لأصحاب المنزل، فعلى مرّ السنين، تم تقديم عشرات الالتماسات ضد هدم المنازل، وطُرحت فيها حجج مبدئية تطعن في قانونية هذه الوسيلة، وحجج تداولية تطعن في طريقة تطبيقها، وحجج ضد استخدامها في حالات عينية، لكن محكمة "العدل العليا" رفضت تلك الالتماسات كلياً باستثناء القليل منها.

وتضيف أن ختم القانونية الذي طبعت به محكمة "العدل العليا" هدم المنازل، أتاح للسلطات مواصلة تطبيق هذه السياسة دون قيد، لكنه لا يكفي لجعل الهدم المنهجي لمنازل الأبرياء، أخلاقياً أو قانونياً، بل إن كل ما يفعله هذا الختم هو أنه يجعل القضاة شركاء في الجريمة.

 

[1] مؤسسة المقدسي، ومركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق.