هل يمكن إحباط عملية الضم ؟
التاريخ: 
11/05/2020
المؤلف: 

لم يظهر الرئيس ترمب وإدارته، خلال  السنوات الثلاث الماضية، في مهب الريح كما هو اليوم. ترمب عودنا باستمرار على موقفه الهجومي وعلى رباطة جأشه حتى عندما واجه "مهرجان العزل" في مطلع العام الحالي. إلا أنه يقف اليوم حائرا وضعيفا بعد سلسلة الهزائم التي تعرض لها مؤخرا، وخصوصاً فشله الفاضح في إدارة أزمة جائحة كورونا، وما تبعها من انهيار السوق المالي، وخسارة أكثر من ٢٠ مليون وظيفة فقط خلال شهر نيسان/ أبريل الفائت، حتى بلغت نسبة العاطلين عن العمل في البلاد الأعلى في تاريخها ١٤.٧%. كل هذا جعله يشعر بتلاشي فرص إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم.

بيد أن ترمب معروف انه مقاوم عنيد ولا يستسلم بسهولة، ومستعد دوما للكذب والمناورة  وتوجيه الاتهامآت  لخصومه بدون دليل. وهو وجد سريعاً الشماعة التي يعلق عليها فشل إدارته،  فشن هجوما على معارضيه في الداخل من حكام الولايات الديمقراطيين ومحافظي المدن الكبرى، واتهمهم بإعاقة عمل المؤسسات الفيدرالية، كما وجد ضالته، على الصعيد الخارجي، في التصعيد ضد الحكومة الصينية ومهاجمة منظمة الصحة العالمية.

ويسحب هجوم ترمب المضاد هذا نفسه على مجمل مواقفه السياسية والاقتصادية، ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية تعامله، في ظل هذه اللحظات المعقدة وغير المستقرة، مع الوضع الفلسطيني. فموقف ترمب من الفلسطينيين لا يخفى على أحد، وهو ماض وإدارته في تصفية القضية الفلسطينية، دون أدنى اعتبار لموقف المجتمع الدولي، ومواقف حلفائه الأوروبيين الذين عبروا عن معارضتهم أي تغيير على أرض الواقع من دون موافقة الطرفين. ويطمح ترمب، المهووس في تخليد اسمه، إلى أن يكون الرئيس الأمريكي الذي قدم لإسرائيل ما لم يجرؤ على تقديمه أي رئيس آخر، ويسعى في الوقت نفسه، وهو التاجر الشاطر، إلى  توظيف خطته المزعومة بإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لتعزيز فرص إعادة انتخابه، وذلك عبر إرضاء اللوبي الصهيوني وكبار متبرعي الحزب الجمهوري. لذلك، هو لا يخفي حماسه لدعم جميع قرارات الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً إذا ما أقدم نتنياهو، وحليفه الجديد غانتس، على تنفيذ وعدهما بضم أراضي الأغوار وشمال البحر الميت والكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو، والسفير الأمريكي في القدس فريدمان، واضحة ون دون أي مواربة.

ولن يكون توقيت عملية الضم (إذا تمت) في تموز مصادفة، فهي سوف تترافق مع احتدام الحملة الانتخابية بين مرشحي الحزبين للرئاسة الأميركية، ومع فترة انعقاد مؤتمري الحزبين اللذين يتحولان في العادة إلى مهرجان مناقصة بين القيادات للتسابق على تأييد إسرائيل. ومن المحتمل أن يضعف هذا التوقيت أي معارضة جدية لخطوة الضم  من جانب قيادات الحزب الديمقراطي، و على الأخص المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي سيجد نفسه محرجا في اتخاذ موقف معارض قوي ضد عملية الضم، وستكون معارضته لفظية ضعيفة، عاجزة عن ان تشكل أي ضغط حقيقي على ترمب.

وكان بايدن قدد عبّر في الاسبوع الماضي عن معارضته نية الحكومة الإسرائيلية الإقدام على الضم، لأنه كما وصفه سوف يعيق حل الدولتين، ولكن لا أحد يعرف مدى جديته في معارضة الإجراءات الإسرائيلية، وكم سوف يدافع عن موقفه هذا في مواجهة اللوبي الصهيوني عشية انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في تموز القادم. أما إذا وصل إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة، فقد يتخذ موقفاً أكثر تشدداً ولكن من دون أن يجرؤ  على اتخاذ أي خطوات عملية  تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

 وبخصوص الإعلام الامريكي، فمن العروف أن وسائل الإعلام، حتى تلك التي تصنّف بوصفها ليبرالية ، تؤيد في معظمها إسرائيل، فضلاً عن أن الإعلام الأمريكي هو بطبعه، وخصوصا في زمن كورونا والانتخابات الرئاسية، غير معني كثيرا بالقضايا الخارجية، ولن يعير الأحداث في فلسطين اهتمامه مهما هدد الرئيس عباس وحكومته بالعزم على قطع العلاقات مع أمريكا، أو سحب الاعتراف بإسرائيل وإلغاء جميع الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، خصوصا وأن مثل هذه التهديدات تكررت من القيادة الفلسطينية مراراً وتكراراً منذ الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، من دون أن تترافق مع عملية تغير في السلوك الفعلي لهذه القيادة، أو في مقدرتها على إحداث تغيير حقيقي  على أرض الواقع. 

لا شك أن الدعم الأمريكي غير المشروط للحكومة الإسرائيلية يسهل  فرص نجاحها في إنجاز خطواتها الاستيطانية الجديدة، خصوصا في ظل استمرار وضع الانقسام الفلسطيني،  وتمادي حملات التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني. ومع ذلك، فإن حشد الصفوف في الداخل، والتوجه المبكر الى هيئة الامم المتحدة، والعمل الجاد مع المحاكم  الدولية، والتنسيق مع الأصدقاء الأوروبيين، ومحاولة إشراك الروس والصينيين في مؤتمر دولي شامل يرفض سياسة الهيمنة والاستفراد الامريكي بفرض حل من طرف واحد، كل ذلك ربما يكفل إحباط عملية الضم، وربما يفتح الباب لعملية مواجهة واسعة كفيلة بأن تفرض على ترمب - نتنياهو إعادة حساباتهما، ولو إلى حين.  

د. رزق صقر ، هيوستن، ٢٠٢٠/٥/٩.