القدس تفتقد بهجة رمضان وتحزن بسبب كورونا
التاريخ: 
08/05/2020

في الطرق المؤدية من أبواب القدس العتيقة إلى المسجد الأقصى تبدو الأزقة القديمة حزينة فلا زينة ولا أجواء رمضانية.

ولا يعكس واقع الحال في المدينة، هذا العام، ما تميزت به من سائر المدن الفلسطينية الأُخرى في شهر رمضان في السنوات الماضية؛ فانتشار فيروس كورونا فرض على مجلس الأوقاف والمقدسات بالقدس تعليق وصول المصلين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وانعكس ذلك على مجمل الأوضاع في المدينة.

وبعد أن كان عشرات آلاف الفلسطينيين من القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر يحرصون على أداء الصلوات، أو تناول وجبات الإفطار في باحات المسجد، باتت أبوابه هذا العام مغلقة.

وقال الشيخ عزام الخطيب، مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إنه "تم اتخاذ القرار حرصاً على سلامة المصلين ولمنع انتشار الفيروس، وحال زوال الأسباب التي فرضت هذا القرار فإن المسجد سيعود لاستقبال المصلين"، وأضاف: "على الرغم من تعليق استقبال المصلين فإن الأذان يُرفع في وقته ويتم أداء الصلوات، بما فيها التراويح وخطب وصلاة الجمعة، في وقتها بمشاركة حراس المسجد وسدنته وموظفين من دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس".

ويحرص الشيخ الخطيب على أداء الصلوات في المسجد، ضمن عدد قليل من المصلين، لكنه يرى أن "الأجواء بطبيعة الحال حزينة وتؤلم القلب"، فقد اختفت عن المسجد هذا العام مشاهد صفوف عشرات آلاف المصلين في داخل المصلى القبلي المسقوف وقبة الصخرة المشرفة وباحات المسجد.

ومنذ بدء الأزمة تبث دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الصلوات على الهواء مباشرة ومن خلال منصاتها في شبكات التواصل الاجتماعي. وخلف إمام يزيح قناع الوجه "الكمامة" ليتمكن من تلاوة القرآن، يصطف عدد من رجال الدين وحراس المسجد وقد وضع بعضهم الكمامات مع الحفاظ على مسافة فيما بينهم.

وجاء في دعاء صلاة التراويح على لسان إمام المسجد الشيخ يوسف أبو سنينة "اللهم إنا نتوجه إليك من هذه الرحاب الطاهرة أن تعيد الأقصى للمسلمين، اللهم عجل بفتح أبوابه أمام المصلين المسلمين يا رب العالمين".

وانعكس إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين على مجمل الأوضاع في مدينة محتلة يخشى نحو 340 ألفاً من سكانها انتشار فيروس كورونا، في وقت تكافح فيه ممارسات لا تتوقف من الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار قال د.حازم الرويضي، من لجنة أطباء سلوان، إنه تم تسجيل 170 إصابة بفيروس كورونا في مدينة القدس الشرقية المحتلة، تعافى 80 منهم من الوباء لتستقر، حتى يوم الأربعاء، أعداد الإصابات على 88 مواطناً وصفت إصاباتهم بالطفيفة بعد وفاة فلسطينيتين متأثرتين بإصابة خطرة بالفيروس.

ومقارنة بالمدن الفلسطينية الأُخرى، فإن الإصابات في القدس الشرقية ومحيطها مرتفعة، وهو ما فسرته مصادر محلية بوجود عدد كبير من العمال في إسرائيل. لكن الإصابات في القدس الشرقية من جهة ثانية، تبدو متواضعة بالنسبة إلى تلك الموجودة في القدس الغربية إذ شخصت وزارة الصحة الإسرائيلية حتى صباح الأربعاء، 3422 إصابة بالفيروس بينها 2082 حالة شفاء.

وكانت وزارة الصحة الإسرائيلية قد حجبت لأكثر من شهر ونصف الشهر المعطيات المتوفرة لديها عن الإصابات في القدس الشرقية قبل أن تبدأ بلدية الاحتلال بنشر معلومات غير مكتملة عن الإصابات في المدينة المحتلة.

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بحجب المعلومات، بل عمدت أيضاً إلى ملاحقة ناشطين وسياسيين فلسطينيين بحجة العمل لمصلحة السلطة الفلسطينية على مواجهة الفيروس. فاعتقلت الاستخبارات الإسرائيلية وزير شؤون القدس فادي الهدمي، ومحافظ المدينة عدنان غيث، وأمين عام المؤتمر الوطني الشعبي للقدس اللواء بلال النتشة، وعشرات الناشطين الآخرين.

وتزامنت محاولات النجاة بأقل عدد من الخسائر بالفيروس في المدينة مع مساعي سكانها لإضفاء الحد الأدنى من البهجة في شهر رمضان. فعلى مدى سنوات اعتاد فريد الباسطي، عضو لجنة شباب البلدة القديمة، تزيين أزقة المدينة احتفاء بقدوم رمضان، وترحيباً بمئات آلاف الفلسطينيين الذين يفدون إليها من الضفة الغربية، وهي فرصتهم الوحيدة للحصول على تصاريح لزيارة المدينة خلال العام، لإحياء الشعائر الدينية في المسجد الأقصى.

أمّا هذا العام، وقبل وقت قصير من موعد الإفطار، فقد جلس الباسطي على مصطبة في الطريق المؤدي إلى باب الساهرة، إحدى بوابات البلدة القديمة، يتنقل بين المواقع في هاتفه النقال، قائلاً: "للأسف فإن الأوضاع المستجدة فرضت عدم التزيين هذا العام، فالمسجد الأقصى مغلق والغالبية من السكان يلتزمون منازلهم"، واستدرك قائلاً: "ومع ذلك هناك محاولات للبهجة وذلك بتزيين مداخل المنازل ونوافذها بالزينة البسيطة في البلدة القديمة".

وقد انعكس غياب الوافدين إلى المسجد الأقصى ومدينة القدس هذا العام على المتاجر التي اعتاد أصحابها اعتبار شهر رمضان شهر الموسم. فالمحال التجارية، وخصوصاً في البلدة القديمة والتي عادة ما كانت تنتعش في الشهر الكريم، أغلقت أبوابها وانتظر أصحابها حصاد الخسائر بدلاً من الأرباح.

وقال زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، "شهر رمضان بالنسبة لتجار القدس هو بمثابة موسم يعوض خسائر الأشهر الماضية ويعين على أعباء الأشهر التالية ولكنه هذا العام كان بمثابة خسارة كاملة فالمحال مغلقة والأسواق فارغة"، وأضاف "ليس فقط أن الحركة التجارية متوقفة بالكامل، ولكن حتى الإغلاق يرتب خسائر على التجار بما فيها الإيجارات والضرائب وتكدس البضائع، وعليه أتوقع أننا نتحدث عن كارثة حقيقية في ظل غياب تعويض لهم عن خسارتهم".

وخلافاً للسنوات الماضية، فقد غابت البسطات عن أزقة البلدة القديمة، وحتى أصحاب منتوجات رمضان مثل القطايف والبرازق والعصائر فإنهم يعملون بالحد الأدنى من المبيعات. وفي مخبز الرازم في حارة السعدية كان عامل يجلس أمام رزم من البرازق بانتظار الزبائن، بينما في السنوات الماضية كان المصلون الخارجون من الصلاة في المسجد الأقصى وسكان البلدة القديمة يصطفون أمام المخبز للحظي برقائق البرازق المغطاة بالسمسم والتي يعتبرها المقدسيون حلوى ما بعد الافطار. واعتبر الرازم أنه "لا مقارنة مع السنوات الماضية ولكن الحمد لله على كل حال". وقد أغلقت المحال التجارية في الحارة أبوابها وبدت كأنها منطقة أشباح.

كما فرضت إجراءات وزارة الصحة الإسرائيلية على مطعم العكرماوي في شارع الزهراء عدم إدخال الزبائن إلى المطعم، وتم استبدال الفلافل الشهيرة بعجينة يستخدمها السكان لقلي الفلافل في منازلهم.

وفي شارع السلطان سليمان وقف العاملون في محل الأرز الشهير خلف مجموعة من زجاجات عصائر اللوز والليمون والتمر هندي. وكان غياب صف الزبائن أمام هذا المحل دلالة على أن شيئاً ما تغير في المدينة.

"كنا نتوقع أن تبلغ نسبة الإشغال في الفندق 100%، لكنها في واقع الحال الآن 0%" هذا ما قاله رجل الأعمال أسامه صلاح، مالك الفندق الوطني في شارع الزهراء، مضيفاً: "في السنوات الماضية كان يفد إلى المدينة حجاج من تركيا وبريطانيا وأندونيسيا وغيرها من الدول الإسلامية من أجل إحياء الصلوات في المسجد الأقصى لكن هذا العام فإن الفندق مغلق". وما أصاب الفندق الوطني أصاب جميع الفنادق في القدس الشرقية المحتلة، فأبوابها كانت مغلقة.

وقد جاء غياب الوافدين في شهر رمضان مباشرة بعد انتكاسة غياب الوافدين من الحجاج المسيحيين للمشاركة في احتفالات عيد الفصح. وكما هي الحال في المسجد الأقصى فإن كنيسة القيامة، التي تُعتبر الأهم بالنسبة إلى المسيحيين على مستوى العالم، مغلقة منذ أكثر من شهر؛ فصلوات الفصح لدى الطوائف المسيحية وفق التقويمين الغربي والشرقي، ومن قبلها سبت النور والجمعة العظيمة اقتصرت على عدد محدود من رجال الدين لأول مرة منذ عقود طويلة.

وقد حافظ وجيه نسيبه على المهمة التي تقوم بها عائلته المسلمة منذ مئات السنين بفتح باب الكنيسة لكنه أكد أنه "لم يسبق أن مر على مدينة القدس وضع كهذا حتى في سنوات الحروب".

فقط مدفع رمضان بقي من تراث رمضان في مدينة القدس الشرقية. ومن على تلة في وسط مقبرة المجاهدين في شارع صلاح الدين حافظ الحاج رجائي صندوقه على إطلاق المدفع الشهير عند الإفطار وعند الإمساك.

شهر رمضان في القدس هذا العام لم يكن كغيره في السنوات الماضية، ويأمل المقدسيون ألاّ يتكرر بهذه الحال مجدداً.