مبادرات خلاّقة في مار الياس
التاريخ: 
23/03/2020
المؤلف: 

لم يعد ممكناً الدخول إلى مخيم مارالياس من دون أخذ حرارة الداخل إليه، وتعقيم الأغراض التي يحملها. ليس في المخيم بيت لم تصله المعقمات الضرورية في زمن كورونا.

لم يُفرض حظر للتجوال عنوة، لكنه حصل بالتمني على الناس في اليوم الثالث عشر من آذار/مارس، أي قبل إعلان الحكومة اللبنانية التعبئة العامة بيومين، وصاحب المبادرة كانت لجنة طوارئ تشكلت من أهالي المخيم الذي يقطنه قرابة ألفي لاجئ من فلسطينيي لبنان وسورية وفقراء من جنسيات أخرى، وذلك تحسباً لأي إصابة بفايروس كورونا داخل المخيم، إذ يمكن أن ينتشر بسرعة قياسية نظراً لتلاصق المنازل وضيق الأزقة التي لا تمنع المارة من الإحساس بأنفاس بعضهم خلال مرورهم بجوار بعضهم البعض.

اللجنة الشعبية في مار الياس، وبسبب وقوع البشر جميعاً تحت وطأة كورونا، ونظراً لواقع المخيم العمراني، اتخذت قرارات تبدو في وهلتها الأولى صارمة، إذ مُنع الأهالي من ترك أولادهم داخل الأزقة، وتم تبليغهم عبر مجموعة "واتس آب" الخاصة بالمخيم، الالتزام بالقرارات والإجراءات المعلنة، حتى أن أفراداً من اللجنة الشعبية جالوا على منازل المخيم، وأخبروا السكان بضرورة إبقاء أطفالهم داخل المنازل حتى انتهاء الأزمة، وبيّنوا للجميع أنه في حال حصول أي إصابة داخل المخيم، فمن الممكن أن يؤدي الأمر إلى كارثة حقيقية ليس من السهل تداركها.

تلك الإجراءات كانت بهدف استباق الأحداث منعاً لتفشي العدوى في المخيم الذي يفتقد إلى الإمكانيات اللوجستية لدى اللجنة الشعبية، التي لا تتوفر لديها موارد مالية أسوة بلجان المخيمات الأخرى، إلا أنها في مواجهة كورونا، تلقت دعماً من السفارة الفلسطينية عبارة عن 4 بدلات عازلة للتعامل مع أي إصابة محتملة داخل المخيم، فضلاً عن الدعم الذي تقدمه جمعية "مساواة" التي قدمت مواد التعقيم وخدمات أُخرى، وقدمت مقرها ليصبح مكاناً لفريق طوارئ مخيم مارالياس. أما وكالة الأونروا، فقامت برش المخيم بمواد التعقيم، واستمرت بتقديم خدماتها المختلفة التقليدية، كجمع القمامة.

ربما من حسن حظ مخيم مارالياس أن لجنته الشعبية، تداركت النقص الحقيقي لديها قبل أشهر، حين بدأت بتدريب 12 شابة وشاباً من أبناء المخيم على أعمال الدفاع المدني، وتمكنت حينها من تأمين مستلزمات أساسية لهؤلاء عبر السفارة الفلسطينية، مثل أجهزة إطفاء وبعض حقائب الإسعافات الأولية، إضافة للباس خصص لهم.

وعلى الرغم من أن الوقت لم يسمح لهذا الفريق بإنهاء التدريبات اللازمة، فإنه بات عماد لجنة الطوارئ العاملة عند مدخلي المخيم الشرقي والغربي، فهو يقوم بعمليات فحص الحرارة، وتعقيم أي مواد تدخل مع سكان المخيم، إضافة إلى تعقيم المخيم يومياً.

يشرف على هذا الفريق مدير مستوصف الشفاء في المخيم وليد الأحمد، ومسؤول الدفاع المدني محمد شحادة الملقب بأبي سمرة، إضافة إلى وليد أورفلي وسلامة الزمار وغيرهم.

هؤلاء المتطوعون يصلون الليل بالنهار، فلا تفرغ مداخل المخيم من أفراد الدفاع المدني الذين يدققون بأي وافد للمخيم، ونظراً لقلة العاملين في هذه المهمة، فقد تم الاستعانة بأفراد الأمن الوطني وعناصر من الفصائل الفلسطينية لسد مداخل المخيم الفرعية، حتى لا يمر أحد من دون الفحص الضروري للحرارة والتعقيم.

بعد أيام من الجهد الذي بذله أفراد الدفاع المدني، فتحت إدارته باب التطوع لشبان وشابات المخيم من فلسطينيين وسوريين، وبالفعل تقدم أكثر من 20 متطوعاً للمساعدة ودعم البقية، بعد تلقيهم توجيهات وتدريبات لازمة لسير العمل بشكل دقيق وفاعل.

أمام الضغط الكبير الذي يطال هؤلاء، ويرهق كاهل المخيم غير المجهز لمواجهة مثل هذه الأزمات الكبيرة، استنفرت نساء من المخيم كغادة عثمان وأم حسن وهويدا وفاطمة وأم مجد، لإعداد وجبات طعام يومية، واستنفر معهم عدد لا بأس به من أبناء المخيم لإيصال الطعام إلى نقاط العمل عند بوابتي المخيم، مع أخذ الجميع بالاحتياطات الضرورية لوقاية أنفسهم ووقاية غيرهم.