في القدس.. صدمة ورفض لخطة ترامب وتساؤل عن استراتيجيات الصمود
التاريخ: 
18/02/2020

القدس-ليس ثمة بند أكثر تفصيلاً وتحديداً في خطة "صفقة القرن" الأميركية من ذلك المتعلق بمدينة القدس، وهو ما قاد حملة الاستهجان لهذه الخطة التي عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فقد قابل الفلسطينيون في المدينة المحتلة تفاصيل الطرح الأميركي بكثير من الاستهجان والاستهزاء، ولكن مع كثير من القلق إزاء المستقبل، والتساؤل عن استراتيجيات دعم صمود السكان.

فالخطة الأميركية تعطي إسرائيل سيادة دائمة على الغالبية العظمى من أراضي القدس الشرقية المحتلة سنة 1967، ولكن من دون تحديد مصير واضح لسكانها الذين تركوا أمام خيار الحصول على الجنسية الفلسطينية أو الإسرائيلية أو الإقامة الدائمة.

ويأخذ الفلسطينيون أيضاً على هذه الخطة أنها تعطي اليهود حقاً في الصلاة في المسجد الأقصى مع تمهيد  الطريق أمام التقسيم الزماني والمكاني للمسجد. ولا تكتفي بمنح الفلسطينيين "عاصمة" في كفر عقب أو مخيم شعفاط أو أبو ديس، وإنما تفرض أيضاً عزلاً لنحو 120 ألفاً من سكان المدينة عن القدس الشرقية.

فتذهب الخطة في تفاصيلها بعيداً حتى عما اقترحه الإسرائيليون في المفاوضات بشأن مستقبل المدينة، حينما كان الخلاف يدور على البلدة القديمة وبعض الأحياء في محيطها.

ويرى وزير القدس الأسبق حاتم عبد القادر أن "هذه الخطة، بالتأكيد، تدعو إلى السخرية، وهي لا تمنح حقاً للولايات المتحدة الأميركية ولا لإسرائيل في تقرير مصير القدس، التي أكدت قرارات الشرعية الدولية على أنها مدينة محتلة وأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، ولا يمكن أن تكون عاصمة لإسرائيل". وأضاف عبد القادر، القيادي البارز في حركة "فتح" بالقدس، "لو أعادت هذه الخطة كل فلسطين للفلسطينيين، وجعلت القدس عاصمة لإسرائيل، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بها".

وفي هذا الصدد، يشير عبد القادر إلى أن "هذه الخطة هي بمثابة ذر للرماد في العيون، فالقدس بالنسبة لنا معروفة ومحددة، نحن نتكلم عن القدس القديمة وهي بمساحة كيلومتر مربع واحد، ونتحدث عن الأحياء الفلسطينية في محيط المدينة بمساحة 6 كيلومترات مربعة، نتحدث عن واد الجوز والشيخ جراح والثوري وجبل الزيتون وسلوان ورأس العامود والعيساوية ..القدس هي المدينة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية وتراثها وسورها القديم ..هذه هي القدس بالنسبة لنا".

وأضاف عبد القادر"الخطة الأميركية هي عبارة عن هراء، فهي تعطي قدسنا لإسرائيل وتقترح علينا أحياء معزولة مثل كفر عقب ومخيم شعفاط وأبو ديس كعاصمة، لا يوجد فلسطيني واحد يقبل بهذا الأمر".

ورأى أن "الخطة الأميركية تعطي إسرائيل القدس الشرقية، وتحاول إحداث خلل في التوازن الديمغرافي في المدينة لصالح إسرائيل عبر منح إسرائيل أكبر قدر من المساحة بأقل عدد من السكان".

وفي هذا الصدد، يشير زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إلى أنه في حين أن عدد سكان القدس من حملة الهوية الزرقاء يصل إلى 330 ألفاً، فإن الخطة الأميركية تبقي قرابة 210 آلاف منهم تحت الاحتلال الدائم، وتخرج قرابة 120 ألفاً من المدينة في مناطق تقترحها خطة ترامب عاصمة لفلسطين".

فعلى مدى سنوات، سعت إسرائيل لضمان انتقال عشرات آلاف الفلسطينيين إلى أحياء خارج الجدار، مثل كفر عقب ومخيم شعفاط، بحثاً عن سكن بسعر معقول، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المساكن في باقي أنحاء المدينة بسبب تقييد إسرائيل البناء  فيها، وهدم المنازل بداعي البناء غير المرخص.

وقال الحموري: "من الواضح أن الخطة الأميركية هي استكمال للمخطط الإسرائيلي الهادف لإخراج أكبر عدد من السكان من مدينة القدس. وبطبيعة الحال، فإنه بعد ضم المستوطنات الإسرائيلية إلى القدس، سيكون الفلسطينيون أقلية ضمن ما تسميه صفقة القرن عاصمة إسرائيل الموحدة. فالخطة الأميركية تأخذ الأرض وتبقي الفلسطينيين كسكان تخيّرهم بين الحصول على الجنسية الإسرائيلية، أو الجنسية الفلسطينية أو الإقامة الدائمة، وهو ما يعني أن وجودهم سيبقى مهدداً ورهناً بموافقة إسرائيل".

وتابع الحموري، الذي تنشط مؤسسته في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس: "الخطة الأميركية هي استنساخ رديء لأكثر الأفكار الإسرائيلية عنصرية وتطرفاً".

وأصابت الخطة الإسرائيلية المقدسيين بالذهول

يقول عماد منى، وهو صاحب مكتبة في شارع صلاح الدين في القدس: "حتى في أسوأ الكوابيس، لم نتوقع أن تخرج الخطة الأميركية بهذا الإخراج السيء، فالقدس بالنسبة لنا هي البلدة القديمة وحواريها، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وشارع صلاح الدين وشارع السلطان سليمان ووادي الجوز والشيخ جراح". ويضيف: "هنا ولدت وولد والدي وجدي وأبنائي وهي مدينتنا وهي بلدنا ..أما ما يطرحه ترامب في خطته، فهو كلام فارغ".

ويأمل الفلسطينيون أن لا تجد الخطة الأميركية طريقها إلى التطبيق في نهاية الأمر.

ويقول رامي، وهو تاجر ملابس في البلدة القديمة: "القدس هي مدينتنا شاء ترامب أم أبى، يمكن للرئيس الأميركي أن يمنح نتنياهو واشنطن عاصمة لإسرائيل، ولكن ليس القدس، فلا يمكنه أن يكرر وعد بلفور من خلال وعد من لا يملك لمن لا يستحق". ويستدرك قائلاً: "أخشى من أن إسرائيل ستشدد في المرحلة المقبلة إحكام قبضتها على القدس، باللجوء إلى المزيد من التشديد والانتهاكات ضد الفلسطينيين في المدينة والله المستعان على ما هو قادم".

ويخشى الفلسطينيون في المدينة أيضاً من أن تمنح الخطة الأميركية حقاً لليهود في الصلاة في المسجد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً.

وقالت دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية: "شرعت الخطة رؤية إسرائيل، سلطة الاحتلال، في تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانياً وزمانياً، ودعت إلى تغيير الوضع الراهن بشكل فعلي عندما سمحت "للناس من جميع الأديان بالصلاة في جبل الهيكل/الحرم الشريف بطريقة تحترم ديانتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أوقات الصلوات والأعياد"، وهذه الفقرة تتناقض مع التي سبقتها في الخطة، والتي تتحدث عن الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة".

وفي خطبة الجمعة في المسجد الأقصى، تساءل الشيخ محمد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية، "هل ترضون أن يصبح المسجد الأقصى مرتعاً للمستوطنين ومسجداً ينتهك؟" وقال: "المساس بالأقصى هو مساس بكل مسلم في العالم، فالأقصى لن يكون إلا للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد".

وأضاف الشيخ حسين: "يا أبناء الإسراء والمعراج إن تمسككم بدياركم وحقكم هو ما يذهب بهذه المؤامرة إلى مزابل التاريخ، ورباطكم هو الذي يفشل المخططات، وعد بلفور الذي كان حجر الأساس لهذه النكبة لشعبنا، وهذه الصفقة سوف تفشل لأن الله معكم".

وتجعل الخطة الأميركية من جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على أراضي القدس في سنة   2002 حدوداً لما أسمتها "العاصمة الموحدة غير المقسمة لدولة إسرائيل".

ويلفت خليل التفكجي، الخبير في شؤون الاستيطان، إلى أن إسرائيل أخرجت كفر عقب ومخيم شعفاط خارج الجدار منذ أن أقامته، وحوّلت المنطقتين إلى مناطق عشوائية ذات كثافة سكانية عالية جداً ومهملة من حيث الخدمات، في حين أن أبو ديس هي من محافظة القدس وليست جزءاً مما يسمى بحدود البلدية الإسرائيلية. ويضيف التفكجي: "من المستحيل القبول بواقع تكون فيه القدس الشرقية المحتلة سنة 1967 عاصمة لإسرائيل، وتكون فيه أبو ديس أو كفر عقب أو مخيم شعفاط، في الوقت ذاته، عاصمة لفلسطين؛ فهذا ضرب من الخيال".

أما عبد القادر، فيقول: "ترامب يعطي القدس الشرقية التاريخية لإسرائيل، ويعطينا أحياء معزولة كي تكون عاصمة لنا..هذه ليست قدساً بالنسبة لنا وهي غير مقبولة، فالقدس الشرقية هي وحدة واحدة لا تتجزأ" ويضيف: "هناك إجماع في القدس على رفض هذه الخطة، ولكن في المقابل، يتوجب على السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية بلورة آليات عمل لدعم صمود الفلسطينيين في مدينة القدس. فرفض السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية هذه الخطة هو أمر جيد، وهو ما يجب أن يكون أصلاً، لكنه لا يكفي وحده، إذ يجب أن يترافق مع خطة واستراتيجية واضحة لمواجهة هذه الخطة على الأرض لدعم وجود وصمود الفلسطينيين في المدينة على الأرض، وإلا فإننا، في ظل التصعيد الإسرائيلي، قد نكون مقبلين على وضع كارثي".

عن المؤلف: 

صحافي فلسطيني.