في هذا العدد
النص الكامل: 

المنطقة تلتهب بالانتفاضات الشعبية، فمن بغداد إلى بيروت بدأت ملامح سياسية جديدة بالتشكل، وهي ملامح تبدو كأنها خارج الصراع الإيراني - السعودي الذي شلّ المنطقة وأغرقها في ضياع استراتيجي، مهمِّشاً الصراع مع الاحتلال الاسرئيلي.

تعيش المنطقة منذ انطلاق انتفاضات "الربيع العربي"، مخاضات صعبة، وأنظمة الاستبداد التي ظنت أنها حسمت الأوضاع لمصلحتها، لم يكن شعورها سوى سراب. وقد بدأ هذا السراب يتبدد في السودان والجزائر، ثم انتقل إلى المشرق العربي في لبنان والعراق، كأن التاريخ يمكر ويخبىء مفاجآته.

أمّا النكبة الفلسطينية المستمرة فتتخذ أشكالاً جديدة عبر تعاظم الاستيطان الإسرائيلي الزاحف في القدس وبقية أنحاء الضفة الغربية، كأن السياسية الفلسطينية صارت تعيش على رصيف اللاشيء عبر انتظارها للانتخابات الإسرائيلية التي لا تَعِد سوى بالضم والمحو والقمع والاحتلال.

المفاجأة السياسية في فلسطين هي حتى إشعار آخر مفاجأة إسرائيلية. فإسرائيل التي خرجت من عمليتين انتخابيتين متلاحقتين تبدو على شفير انتخابات ثالثة، والنِّصاب السياسي الإسرائيلي فقد توازنه عبر عدم قدرة الانتخابات على حسم مصير رئيس الحكومة المتهم بالفساد. لقد تحوّل بنيامين نتنياهو إلى ظاهرة إسرائيلية لا سابق لها، وصار يشبه أي ديكتاتور في العالم الثالث عبر تشبّثه بالسلطة باعتبارها حبل نجاة من الإدانة في المحكمة.

مرض إسرائيل له اسمان: الاحتلال والعنصرية. العنصرية تشرعن الاحتلال وتعطيه بُعده الديني والقيامي الأسطوري، والاحتلال يعيد صوغ العنصرية بالعنف والعسف.

واللافت أن القوى السياسية الرئيسية في إسرائيل، أي اليمين ويمين الوسط، أخرجت موضوع الاحتلال من برامجها الانتخابية، كأن الاحتلال صار جزءاً عضوياً من الواقع السياسي، وبهذا يكون الإجماع السياسي الإسرائيلي قد دفن أوسلو، وألغى احتمال الدولة الفلسطينية المستقلة. داخل هذا الإجماع يدور صراع على شكل السلطة، وعلى ديمقراطية اليهود، وعلى نظام الأبارتهايد الذي صار خياراً إسرائيلياً زاحفاً.

من جهة أُخرى فإن مرض فلسطين يتجسد في شكلين: الانقسام وغياب أفق مقاوم. وهذان الشكلان يقودان إلى تبلور ما يمكن تسميته تحجّراً سلطوياً يصيب السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة، كأن البقاء في السلطة التي لا سلطة لها صار هو الغاية.

انعكس المرض الفلسطيني على الانتخابات الإسرائيلية على شكل غياب كامل، فعندما تغيب فلسطين تحضر إسرائيل. وهذا الغياب الفلسطيني يتجسد في العجز عن تشكيل أي تهديد فعلي للاحتلال، وعن تقديم أي رد جدّي على الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية، والعجز عن مواجهة الموقف الأميركي الذي يريد دفن القضية الفلسطينية بيد حلفائه في الأنظمة العربية.

وبشأن الانتخابات الإسرائيلية واحتمالاتها، أعدّت المجلة محورين:

شارك في المحور الأول: جدعون ليفي وهنيدة غانم ودومينيك فيدال وجميل هلال ومهند مصطفى. ومقالات هذا المحور تعالج الانتخابات الإسرائيلية من عدة منظورات. جدعون ليفي يرسم صورة البرزخ (الليمبو) الإسرائيلي، وهنيدة غانم تقرأ علاقة هذا البرزخ بالاستيطان ومشاريع الضم التي تستغل البرزخ إلى أقصى الحدود من أجل جعل ضمّ الأراضي المحتلة منذ سنة 1967 أمراً واقعاً. وبين البرزخ الإسرائيلي والغياب الفلسطيني والموقف الدولي المؤيد لإسرائيل أو العاجز عن التصدي للهياج الصهيوني الأميركي، نقرأ في مقالات دومينيك فيدال وجميل هلال ومهند مصطفى معالجات متنوعة تأخذنا إلى أبعد من الانتخابات الإسرائيلية.

أمّا المحور الثاني فهو نشر وقائع ندوة خاصة بمجلة الدراسات عُقدت في رام الله وشارك فيها أيمن عودة رئيس القائمة العربية المشتركة والنائب عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهبة يزبك النائب عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، علاوة على رائف زريق وجورج جقمان وأمل جمّال. وأدار الندوة منير فخر الدين، وحررها مهند عبد الحميد.

المسألة التي عالجتها الندوة هي واقع القائمة المشتركة ودورها في الانتخابات الإسرائيلية وبعدها، ومع أن التطورات التي تقود إلى انتخابات إسرائيلية جديدة، ستطرح أسئلة جديدة وتحديات جديدة على فلسطينيي 1948 وعلاقتهم بمشروع وطني فلسطيني بات في حاجة إلى إعادة نظر جذرية، فإن الندوة تشكل بداية حوار علني يجب أن يتبلور في مأسسة ديمقراطية للقائمة، ولدور الفلسطينيين في مواجهة الأبارتهايد الإسرائيلي.

في باب دراسات تنشر المجلة دراستين: الأولى لعمرو سعد الدين بعنوان: "نشوء حركة المقاطعة من خلال مرآة إسرائيلية"، وهي فصل من كتاب عن حركة المقاطعة سيصدر قريباً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. والثانية لمحمد أمارة ووسام مجادلة بعنوان: "مدارس التربية البديلة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل: آفاق وفرص".

مقالات العدد متنوعة وتعالج مروحة موضوعات متعددة، من مبدأ الوصاية في التاريخ الإسلامي على القدس، إلى حكاية الشاعرة دارين طاطور في أروقة المحكمة الإسرائيلية، وصولاً إلى قضية مقاومة المرأة للقتل والتحرش وعلاقة ذلك بالتحرر الوطني.

شارك في هذا العدد: سليمان مراد: "مدينة القدس ومبدأ الوصاية في التاريخ الإسلامي"؛ يهودا شنهاف – شهرباني: "أرس بويتيكا في أروقة العدل"؛ مهند عبد الحميد: " 'طالعات' يُعدن تعريف التحرر الوطني"؛ عامر إبراهيم: "الذاكرة والمنفى في الإنتاج السينمائي الحديث في الجولان"؛ سليم تماري: " تأريخ النكبة: اتجاهات بحثية جديدة"؛ أكرم الصوراني: "سؤال الخروج من المأزق".

في باب شهادات نقرأ نصاً لعبد الله البياري بعنوان: "العودة إلى يافا مجازاً ولوناً ومكاناً".

كما ينشر العدد، علاوة على باب قراءات، تحقيقاً لأيمن السهلي "لجوء عن لجوء بيفرق"، يتابع فيه قضية هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى أوروبا، وتقريراً لعدنان أبو عامر "العدوان الإسرائيلي على غزة: الخلفيات والنتائج والاستخلاصات"، ووجهة نظر لمصعب بشير: "مُفكّك الاستعمار: مشروع مشترك من دون تطبيع"

باب مداخل يعالج مسألتين، فيكتب الياس خوري مقالة بعنوان: "الانتفاضة اللبنانية: موت اللغة القديمة"، يعالج فيه الانتفاضة الشعبية اللبنانية، كما يكتب وليد نويهض مقالة عن الاستراتيجيا الأميركية في المنطقة بعنوان: "أي استراتجيا لأميركا في ظل تراجع موقعها؟"