غابت زحمة المخيم وعلا الصوت
النص الكامل: 

 أيقظتني أمي في صباح يوم الاثنين الموافق فيه ١٥ تموز / يوليو لأذهب إلى الجامعة، فتململت من الاستيقاظ باكراً، لكن عندما نظرت إلى ساعة الحائط أدركت أني تأخرت، فنهضت بسرعة وارتديت ثيابي على عجل.

 

 متظاهرون عند مدخل مخيم الرشيدية.

 

خرجت من المنزل متجهاً إلى بداية الشارع حيث تكثر سيارات الأجرة وتتنافس على الراكب، لكن المفاجأة كانت أنني لم أجد أي سيارة. استغربت الأمر، وقلت في نفسي: اليوم هو بداية الأسبوع، وربما يكون هناك ركاب كثر سبقوني ولم يتركوا لي واحدة تعينني في الوصول إلى مقصدي.

قررت المسير حتى مدخل مخيم الرشيدية، ثم الصعود إلى الطريق العام لعلّي أجد سيارة مارّة تقلّني فأتلافى إمكان الغياب عن صفي.

صدمني مشهد آخر عند مدخل المخيم حيث كان عدد من الشبان يقطعون الطريق بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على قرارات وزارة العمل وممارساتها.

لم يمضِ وقت طويل حتى تجمهر السكان كأنهم كانوا ينتظرون تلك اللحظة منذ زمن، لكنهم يحتاجون إلى مَن يبدأها، "وهاي هي"، خرج رجال ونساء؛ أطفال وكبار سن وفتيان ومقعدون وشباب، ليقولوا لا.

مشاعر مختلطة كانت تموج في المكان. صحيح أن الغضب والقهر هما المسيطران، لكن كان هنالك أيضاً مشاعر وعواطف تلفّ المكان. عنفوان الشباب وهمّتهم كانا كافيَين لإزاحة جبل من مكانه؛ كان الكل يعمل والكل يهتف، والكل ينظف.

كثيرون رفضوا الذهاب إلى أعمالهم، وقرروا أن يكونوا جزءاً من الحراك. النساء جئن لشحذ الهمم وتوزيع المياه؛ مطاعم وحوانيت كثيرة بدأت بإرسال الأطعمة إلى المعتصمين.

شبان كانوا في نزاع دائم بسبب اختلاف توجهاتهم السياسية وقفوا جنباً إلى جنب متراصّين، خالعين ثوبهم الفصائلي ومرتدين بدلاً منه ثوبهم المخيماتي الوحدوي.

أستطيع القول إن شرارة التحركات بدأت منذ تلك اللحظة لتنتقل بعدها إلى سائر المخيمات تباعاً.

ومن دون إعلان مسبق، سيطر الإضراب على المخيم، وقاطع السكان الخارج: لا مواد غذائية ولا خبز ولا خضروات، كما أن تجار المخيم التزموا تماماً، اقتناعاً وليس جبراً. وفي الوقت نفسه انطلقت حملة وحدة المخيمات، وبدأ عدد من الشباب بجمع التبرعات لمخيم عين الحلوة من أجل مساندته في إضرابه، فتبرّع الناس بسخاء، وتنافس التجار على حجم المشاركة.

وجود أراضٍ زراعية في الرشيدية حفّز شباب المخيم على العمل كمزارعين، وعلى جني المحاصيل وإرسالها إلى عين الحلوة، كما أن أصحاب الحقول باعوا المحاصيل بلا ربح، وقدّموا كثيراً منها كدعم وتبرّع.

جاء يوم الجمعة وخرج المخيم عن بكرة أبيه في واحدة من أكبر التظاهرات في تاريخه. لم تثنِ المتظاهرين حرارة الشمس، وإنما زادتهم إصراراً؛ النساء الطاعنات في السنّ كُن على الشرفات يرمين الأرز والمياه ويطلقن الزغاريد؛ الحناجر تصدح بأعلى طاقتها حتى أصبح الصوت المبحوح مفخرة لصاحبه.

التحركات لم تنتهِ يوم الجمعة، وإنما استمرت بصورة أكثر تنظيماً، ذلك بأن الفصائل اشتركت مع الشباب في إدارتها وتنظيمها.

 

 

السيرة الشخصية: 

إياد صنديد: ناشط شبابي مقيم في مخيم الرشيدية.