''سوس المكان".. ضمير المخيم
النص الكامل: 

 حين عكفتُ على كتابة التالي تذكرت أني فلسطيني يحمل صفة السوري، وأنه ليس من حقي البوح بما يجول في خاطري نحو أبناء شعبي الذين يحملون صفة اللبنانيين.

 

تجمّع احتجاجي في مخيم مار إلياس.

 

سخرت من نفسي، إذ استعدت قضية مخيم النبطية الذي أبيد؛ ولاحقاً تل الزعتر؛ ثم صبرا وشاتيلا حيث المجزرة؛ وفي آخر عقد الإبادات في لبنان، على أمل بأن يكون الأخير، كان مخيم نهر البارد، لتنتقل العدوى إلى سورية، فيُباد مخيم اليرموك، آخر واقعات التهجير المستمر، ولا أحد يعلم أي مخيم سيكون التالي.

المخيمات حين أوجدها العالم، أوجدها كي يبيدها، وكي يستمر الصراع والخراب الذهني بحقّ شعب مورست عليه الإبادة الأولى حين هُجّر من أرضه، وبات هذا التهجير موضع نقاش وجدال وبحث ورؤى في بعض الأحيان لا يمكن لها أن ترقى لتكون أكثر من نسج كلام خرافي عن شعب أُبيد.

لا بأس حتى الآن.

كل ما ورد يمكن معالجته بالتاريخ مع مرور الأزمان، وتوالي الأحداث والصرخات.. وصرخة المخيمات الفلسطينية هذه في لبنان، هي أحد آمال اللاجىء الفلسطيني بأن يكون حراً كريماً، وأحد الاعتراضات على النكبة، فالثورة والصرخة تعبيران عن رفضنا المستمر للظلم التاريخي الذي حل بنا وببلدنا.

أنا من الأشخاص الذين يعتبرون أن أي حراك يحتاج إلى قادة، وأشعر بأن حراك القادة لا بد من أن يولد من رحم الفكر..

في ذلك المخيم الصغير الذي أُطلق عليه اسم كنيسة جاورها، "مار إلياس"، انتظم حراك يومي تتخلله ندوات تعريفية بقانون العمل وباقي القوانين.. في هذا المخيم كان القائمون على الحراك شباباً لا شغل لهم سوى أنهم يسندون الجدران.. لأنهم بلا عمل، وبعض أهل المخيم لا ينظر إليهم إلاّ على أنهم "سوس" المكان.

لكن هؤلاء "السوس" عندما أدركوا أن ما يحدث يمسّهم، ويمسّ بقاءهم، كانوا الضمير الذي خرج ليهتف باسم المخيم، فبدا كأن الماضي المتراكم في وعيهم وذاكرتهم جعلهم يدركون أن الكارثة قادمة لمجرد أنهم ينتمون إلى هذا الشعب الذي فرّطت فيه قيادته.. ولأن بعضهم "زعران" فقد انتفضوا هذه المرة ضد الظلم الذي فرضه الأمر الواقع عليهم وعلى ذويهم وعلى أولاد بعضهم، وهذا على الأقل ما حدثني به "م. غ." الذي يحب فتاة من مخيم شاتيلا، ويرغب في الزواج بها، وإنجاب أطفال "لاجئين" منها، سيُحرمون من كل حق، بحسب تعبيره.

العرب والمسلمون في الغالب ينتمون إلى القضية الفلسطينية، بعضهم من منطلقات قومية، ومن كون جيوشهم حاربت في جيش الإنقاذ، والبعض الآخر من كون المسجد الأقصى وقف إسلامي، وبعضهم، كرامة للمسيح وأمه في فلسطين التي هي مهده..

لكن أبناء مخيم مار إلياس، وعين الحلوة، واليرموك، وحندرات، والأمعري، وجرش، والبقعة، وسائر المخيمات، لا يعرفون من الكلام السابق كله إلاّ لفظة العودة التي تجهر بحقّه من دون مواربة..

لذا، خرج أبناء المخيمات، لا للمطالبة بحق العمل، ولا بإقرار حقوقهم المدنية ريثما يعودوا إلى أرضهم.. وإنما ليطالبوا بأرضهم.. أرضهم الفلسطينية فقط.

ممّن؟

من الكل.. الكل.

 

 

 

السيرة الشخصية: 

أيهم السهلي: صحافي فلسطيني.