علي فيصل: ما يجري هو نتيجة مفاوضات عبثية
التاريخ: 
25/11/2015

يرى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤولها في لبنان علي فيصل، رداً على سؤال بشأن تقويم ما يجري في فلسطين، وخصوصاً مع تركيز إسرائيل على تطويع القدس وفرض واقع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، أن "ما يجري في القدس هو نتاج نحو ربع قرن من مفاوضات عبثية مؤطرة باتفاقات أوسلو، تركت القدس وغيرها من القضايا إلى مفاوضات الوضع النهائي، الأمر الذي مكّن إسرائيل من العبث بمدينة القدس، ومحاولة فرض مشروعها بالتدريج تحت غطاء عملية التسوية، التي كان الرابح الأكبر منها هو العدو الإسرائيلي."

ويعتبر فيصل أن "ما تريده إسرائيل اليوم من الاقتحامات المتواصلة لباحات المسجد الأقصى هو أمر معلن منذ زمن.. وفي كل مرة يحاولون جس النبض بالتدريج تمهيداً لفرض مشروعهم بتقسيم الأقصى وباحاته الرئيسية زمانياً ومكانياً، كما حدث في مراحل سابقة مع الحرم الإبراهيمي في الخليل، وهو ما جعل الفلسطينيين يهبّون مدافعين عن القدس ومقدساتها".

ويتابع: "ولأن إسرائيل تدرك أهمية القدس بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني باعتبارها عاصمة دولتهم ومحور نضالهم، فإنها تسعى جاهدة لجرهم إلى حرب دينية تخطط لها المؤسسات الإسرائيلية المتعددة منذ مدة بذريعة حق اليهود في ممارسة شعائرهم الدينية، وهو ما يشكل المدخل لطرح مشروع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، ويمهد أيضاً لطرح المشروع الصهيوني الأكبر 'يهودية الدولة' والترويج لهذا المشروع على نطاق واسع دولياً على خلفية حرب دينية مفتعلة، وخصوصاً أن للقدس مكانة خاصة ليس لدى الفلسطينيين فقط، بل أيضاً لدى المسلمين والمسيحيين بصورة عامة."

الوحدة لصد الهجمة

ويؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ضرورة الوحدة لصد الهجمة الإسرائيلية، ويقول: "لكل ذلك دَعَوْنا في الجبهة الديمقراطية، وندعو إلى الوحدة من أجل القدس، لأن المخاطر التي تتهدد المدينة جدية وكبيرة ونابعة من تفكير عتاة اليمين الصهيوني الذي يسعى لتشريع سيطرته عليها بأي شكل من الأشكال، وهو ما يدعونا مرة أُخرى إلى دق ناقوس الخطر بشأن هذه المخاطر، وكي تحظى قضية القدس بالمكانة والأهمية اللتين تستحقهما في وجدان ونفوس جميع الأحرار في العالم."

ويدعو فيصل إلى توفير "الإمكانات اللازمة لصمود أبناء المدينة، وفي طليعتها وضع استراتيجيا نضالية فلسطينية خاصة بمدينة القدس، وبما يوفر مقومات صمود المقدسيين في أرضهم ويضمن حمايتهم، لأن التجربة علمتنا أن العدو الإسرائيلي لا يردعه إلاّ موقف فلسطيني موحد مسنود بوحدة وطنية فلسطينية حقيقية، وقرار سياسي يقطع مع كل تجربة المفاوضات التي تُعتبر السبب المباشر فيما يجري اليوم، إذ لولا العوامل المساعدة التي وفرها اتفاق أوسلو للاحتلال، ومنها تأجيل البحث في أمور أساسية واستبعادها، كالقدس والاستيطان واللاجئين إلى مفاوضات الوضع الدائم، لما واصل العدو عدوانه بهذه الطريقة على امتداد كل هذه الأعوام."

خيارات البعض تؤخر الانتفاضة

ورداً على سؤال عما إذا كان يتوقع أن تتحول الهبّة الفلسطينية إلى انتفاضة ثالثة، يقول فيصل: "لا نعتقد أن هناك فلسطينياً واحداً تفاجأ بما يحدث في الضفة الغربية المحتلة من هبة شعبية تتطور بالتدريج لتكمل مسارها الطبيعي نحو انتفاضة شعبية تعم كل أرجاء الأرض الفلسطينية. هكذا حدث مع انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987، ومع انتفاضة الاستقلال سنة 2000. لذلك، فالكلام على إمكان اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية ليس جديداً، وكنّا دائماً نقول إن الظروف الموضوعية ناضجة، ولم يكن ينقص إلاّ العامل الذاتي."

ويضيف: "قيادة السلطة لا تريد اندلاع انتفاضة ثالثة، والخيار هو المفاوضات لا التصعيد، في مقابل قرار الحكومة الإسرائيلية السماح باستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين، كأن الشعب المنتفض هو المعتدي، وهو المدجج بالسلاح، وهو الذي يستوطن ويسرق وينهب ويعتقل!! نعم عندما نقول إن الظرف الذاتي ليس ناضجاً نحن نقصد خيارات البعض في المراهنة على خيارات عقيمة لم تجلب لنا ولقضيتنا سوى المآسي، ومَنْ يرهن مصيره للاحتلال يصبح بلا عنوان إذا زال هذا الاحتلال. لذلك لا يمكن فهم الدعوات إلى العودة إلى المفاوضات إلاّ باعتبارها دعوات تقطع الطريق على أي إمكان لتطوير الحراك الشعبي نحو مقاومة وانتفاضة شعبيتين."

ويرى مسؤول الجبهة الديمقراطية في لبنان، أن "ما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمات الممارسات الإسرائيلية على مستوى الاستيطان والتهويد والاعتقال أولاً، والسياسات والمراهنات الفلسطينية والعربية الخطأ على عملية مفاوضات شكلت غطاءً لكل الممارسات الإسرائيلية ثانياً، وثالثاً سوء الأوضاع الاقتصادية الواضحة في تقرير البنك الدولي الذي قال إن الفلسطينيين يزدادون فقراً للسنة الثالثة على التوالي، ورابعاً تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، كما بدا واضحاً في خطابات رؤساء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة."

ويشدد فيصل على أن "المطلوب اليوم عدم تضييع مزيد من الوقت في مواصلة الرهان على الإرادة الخارجية لوقف العدوان الإسرائيلي، وبشكل مباشر يجب التحرك خطوة إلى الأمام عبر تجاوز الصيغ الدبلوماسية والتكتيكية واللجوء إلى الشعب ليأخذ قضيته بيده بإطلاق مقاومته الشعبية التي هي وحدها الكفيلة برسم مسار جديد، وبالتأكيد سيكون أفضل وأرقى من مسارات الخيار التفاوضي الأوحد."

ويتابع أن "ما يحدث اليوم هو تعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني في سعيه للتخلص من الاحتلال والاستيطان بعد أن ثبت بالملموس النتائج التي تولدت بفعل اتفاق أوسلو الذي فُرض على شعبنا، وما زال الشعب يدفع فاتورته الباهظة، في مقابل استخدام إسرائيل للاتفاق باعتباره وسيلة تخلصها من أعباء الاحتلال الذي بات ثمنه الآن مقبولاً بالنسبة إليها. لذلك فقد آن الأوان للتحلل من قيود اتفاق أوسلو، وخصوصاً فيما يتعلق بإلغاء التنسيق الأمني، وتحويل قوات الأمن الوطني الفلسطيني إلى درع يحمي الانتفاضة الشعبية، وكذلك تجاوز اتفاقية باريس الاقتصادية في إطار استراتيجيا تنهي الانقسام وتعزز الوحدة الوطنية بما يضمن حماية الانتفاضة واستمرارها."

حوار شامل لحل شامل

والسؤال الذي يُطرح هو التالي: على الرغم من كل المخاطر المحيطة بالقضية الفلسطينية، فالانقسام لا يزال قائماً، وبالتالي ما هو الدور الذي يمكن أن تؤديه الجبهة الديمقراطية من أجل إنهاء حالة الانقسام قبل أن يفوت الأوان وتصبح كل فلسطين في خبر كان؟

عن هذا السؤال يجيب علي فيصل قائلاً: "منذ اليوم الأول للانقسام، سعت الجبهة الديمقراطية، بشكل منفرد وثنائي وجماعي مع العديد من الفصائل، لممارسة ضغوط سياسية وشعبية على طرفي الانقسام، إضافة إلى عشرات الوثائق الوطنية التي صيغت على يد مجموعة الفصائل الفلسطينية والتي لم تأخذ طريقها إلى التطبيق بسبب طبيعة الأوضاع الفلسطينية، والإصرار على الصفقات الثنائية من جهة، والتدخلات العربية والإقليمية ضمن صراع المحاور العربية والشرق الأوسطية من جهة أُخرى."

ويؤكد فيصل: "نحن نقول أن لا حل إلاّ بالحوار. لكن ليس المطلوب حواراً من أجل الحوار، أو حواراً ثنائياً تكون نتائجه أسوأ من الواقع الراهن. فالحوار الثنائي جُرِّب أكثر من مرة، وكانت نتائجه كارثية على القضية الفلسطينية بصورة عامة، بينما الحوار الشامل أكد فعاليته في أكثر من مناسبة. نحن نعمل اليوم وندعو إلى إعادة صوغ أوضاع جميع المؤسسات السياسية والجماهيرية والنقابية وغيرها بهدف ضمان حضور كل القوى والفعاليات في هذه المؤسسات تبعاً لنفوذها ودورها وحجمها، إلخ، إضافة إلى كسر الاحتكار السياسي بصيغتيه الأحادية والثنائية اللتين تغلفان ازدواج السلطة والصراع المحتدم بين قطبيها، وإلى تجاوز الانقسام الحاد بين كيانين سياسيين منفصلين متناحرين يهددان بإلحاق أفدح الأضرار وطنياً في المدى المباشر، وكذلك المستقبلي المتصل بمصير القضية الوطنية."

"أمّا على مستوى منظمة التحرير"، يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية: "فقد بات الأمر يحتاج إلى معالجة سياسية وعملية لعدد من القضايا، ليس أقلها أهمية ما يتصل بآلية اتخاذ القرار في الهيئات القيادية لمنظمة التحرير، ولا سيما بالنسبة إلى القضايا السياسية التي لا يمكن أن تُخفى حساسيتها وتداعياتها الوطنية والخارجية على أي متابع، والعمل على تصحيح آلية اتخاذ القرار لجهة وقف التفرد وتكريس الشراكة والقيادة الجماعية في أخذ القرارات الوطنية."

وبشأن المساعي التي يبذلها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لعقد اجتماع للهيئة القيادية الفلسطينية في إطار العمل على إنهاء الانقسام بين "فتح" و"حماس"، يوضح فيصل أن "الرئيس نبيه بري طرح في أكثر من مناسبة إمكان استقبال لبنان لقاءً حوارياً فلسطينياً - فلسطينياً ينهي حالة الانقسام الفلسطينية انطلاقاً من إدراكه خطورة استمرار واقع التشرذم. وهذا ما طرحه الرئيس بري أيضاً مع وفد الجبهة الديمقراطية برئاسة نائب الأمين العام الرفيق فهد سليمان الذي التقاه بتاريخ 19/9/2015، حين بلّغ الرئيس بري الوفد استعداده لرعاية حوار فلسطيني يخرج بنتائج عملية تنهي الانقسام بشكل نهائي، وتطبق كل ما تم التوافق بشأنه في فترات سابقة."

"غير أن المشكلة، وكما بيّنت الوقائع مرة أُخرى"، في رأي فيصل: "لم تكن يوماً في مكان عقد الحوار، فكثير من الدول عبّر عن استعداده استضافة مثل هذا الحوار، غير أن طرفي الانقسام ما زالا يفتقدان معاً الإرادة السياسية الضرورية لذلك، وتغليب جهات نافذة لدى الطرفين مصالحها الفئوية، التي راكمتها أعوام الانقسام، على حساب المصالح الوطنية العليا."

فلسطينيو لبنان

ماذا تفعل الجبهة الديمقراطية والفصائل الفلسطينية للحد من معاناة اللاجئين، وخصوصاً في اتجاه تغيير الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين، وإعطاء الأمل مجدداً للشباب الفلسطيني؟ سؤال يجيب عنه المسؤول في الجبهة الديمقراطية قائلاً: "نعم تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية لشعبنا في لبنان صعوبة، وقد سبق أن حذرنا من النتائج المترتبة على تجاهل المرجعيات المعنية هذه المشكلة التي ستمتد بانعكاساتها السلبية إلى خارج المخيمات. وهناك أسباب كثيرة لاستفحال هذا الخطر، وفي طليعتها استمرار الانقسام الداخلي الذي يدفع بكثير من الشباب الفلسطيني إلى اعتبار الهجرة أحد الحلول التي يمكن اللجوء إليها، فضلاً عن سياسة الحرمان من الحقوق الإنسانية المتبعة من الدولة اللبنانية تجاه الفلسطينيين في لبنان، وتراجع خدمات وكالة الغوث، والتوترات الأمنية التي تشهدها بعض المخيمات، وغير ذلك من الأسباب التي تولّد لدى البعض حالات إحباط من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني، وتعبر عن نفسها بالذهاب بعيداً والبحث عن حلول فردية بالهجرة إلى الدول الغربية."

ويعتبر فيصل أن "هناك استهدافاً مقصوداً للمخيمات الفلسطينية ولقضية اللاجئين بهدف ضرب المرتكز الأساسي لحق العودة وإفراغ المخيمات من أبنائها، وخصوصاً مخيمات قطاع غزة ولبنان وسورية، بعد أن تحولت الهجرة من ظواهر فردية يمكن أن تحدث في أي مجتمع، إلى ظاهرة جماعية تهدد بإفراغ المخيمات والتجمعات الفلسطينية من لاجئيها. لهذا دَعَوْنا جميع الهيئات الفلسطينية، الرسمية والشعبية، في البلاد العربية المضيفة وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى إيلاء ملف هجرة شبابنا عبر البحار الاهتمام الذي يستحق باعتباره أولوية وطنية تنذر بمخاطر كبيرة لجهة ضرب النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني."

ويضيف: "إننا كحالة فلسطينية أمام أزمة وطنية كبرى ومأساة على المستوى الجماعي تتطلب من جميع الهيئات الفلسطينية المعنية، سواء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أو حتى الفصائل والمؤسسات المعنية، الوقوف أمامها بهدف تحمل الجميع مسؤوليته.. وندعو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى تحمل مسؤولياتها نحو شعبها، والبحث عن حلول ناجحة وناجعة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين المهددين بالهجرة إلى الموت عبر وضع خطة وطنية تستجيب في الحد الأدنى لمطالب الشباب وطموحاتهم."

لكن ماذا عن مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، أخذاً في الاعتبار تطورات القضية الفلسطينية بصورة عامة: غياب أولويتها عربياً؛ عدم وجود إرادة دولية لتقديم أي حل؛ سوء أوضاع اللاجئين الاقتصادية والأمنية في لبنان، غير المستقر أصلاً هو أيضاً؟

يجيب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية قائلاً: "لا يُخفى على أحد وقوع لبنان في قلب العاصفة بكل ما يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على أوضاعه الداخلية التي تتأثر حكماً بما يدور حولنا. وعلى الرغم من شراسة الصراع وتعدد أطرافه، فإن الشعب الفلسطيني أكد مراراً، بجميع فصائله وتياراته، العمل على إبعاد الحالة الفلسطينية عن هذه الصراعات، لأن همه الأساسي هو قضيته الوطنية، وسعيه الرئيسي اليوم وكما بالأمس وغداً، هو العمل من أجل دعم الكل هذه القضية، وخصوصاً أننا نتلمس المساعي الإسرائيلية للقضاء على حق العودة مستغلة انشغال الجميع بأزمات المنطقة."

وبناء عليه، يرى فيصل أن "تحصين المخيمات الفلسطينية في لبنان، وإبعادها عن دائرة التجاذبات هما مسؤولية فلسطينية ولبنانية مشتركة." ويعتبر أنه "على الرغم من أهمية المواقف الفلسطينية المتكررة والمساعي المبذولة في هذا الاتجاه، فإن المسألة المهمة جداً تبقى في حوار رسمي فلسطيني - لبناني يحصن العلاقات المشتركة، ويضعها على الطريق الصحيح بمعالجة كل المشكلات العالقة التي تحتاج إلى حلول، ويقفل جميع أبواب التدخلات في الأوضاع الداخلية الفلسطينية. ونقصد بذلك معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، وضرورة المبادرة فوراً إلى إقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية."

ويشدد على أن "ما نحتاج إليه أيضاً هو تنظيم الإطار القيادي الفلسطيني بما يعبر عن موقف موحد إزاء مختلف القضايا والمخاطر المحدقة، سواء المحلية أو الإقليمية. ونجاحنا في تنظيم هذا الإطار من شأنه أن يشكل عامل توحيد لنضال اللاجئين، ويكرس ابتعادهم عن الصراعات الإقليمية والمحلية. وعلى الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها ضمان توفير مقومات صيانة الهوية الوطنية بإجراءات تساهم في إلغاء القهر والحرمان عبر إقرار الحقوق الإنسانية."

مستقبل فلسطينيي سورية

بناء على كل التطورات، يُطرح جدياً مستقبل الوجود الفلسطيني في سورية: اللجوء الجديد إلى خارج سورية؛ النزوح داخلها؛ الدمار اللاحق بعدد من المخيمات هناك. وفي هذا السياق يقول فيصل: "لا شك في أن الوجود الفلسطيني في سورية تأثر كثيراً بتداعيات الأزمة هناك، وخصوصاً مخيم اليرموك الذي يمثل الثقل الأساسي لحركة اللاجئين، وهو ما فرض نفسه سلباً من خلال المس بالنسيجين الوطني والاجتماعي للشعب الفلسطيني جراء النزف والهجرة الداخلية من سورية والهجرة إلى خارجها، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى إضعاف نضال اللاجئين من أجل حق العودة. وهذا يصب في خانة استهداف حركة اللاجئين الفلسطينيين إذا ما نظرنا أيضاً إلى ما يحدث للاجئين من سورية إلى لبنان الذين يعيشون حالة بائسة ويضطرون إلى الهجرة البعيدة، وأحياناً كثيرة يتحولون طعاماً للأسماك في البحار، فضلاً عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يواجهون تحديات جساماً، أهمها استكمال إعمار مخيم نهر البارد، وضمان الأمن والاستقرار لهم ولنسيجهم الوطني والاجتماعي، وتوفير الحياة الكريمة من خلال إقرار الحقوق الإنسانية، ويزيد في المشكلات تقليص خدمات الأونروا التي طالت مختلف تجمعات اللاجئين في التجمعات الخمسة: لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة. إن هذه العوامل مجتمعة تفرض على قيادة م.ت.ف ومختلف القوى والفصائل الفلسطينية دوراً استثنائياً للحفاظ على الوجود الوطني الفلسطيني، واستنهاض حركة اللاجئين للدفاع عن حقوقها الوطنية والاجتماعية."

"أمّا في المقلب الآخر"، يتابع فيصل، "ومنذ اليوم الأول للنزوح، تعاملت الهيئات المعنية مع قضية النازحين الفلسطينيين من سورية الى لبنان ببطء شديد، ولم تتخذ التدابير التي تضمن نجاح عمليات الإغاثة. وعلى الرغم من أن العدد ليس كبيراً مقارنة بالعدد الكبير للنازحين السوريين في لبنان، وعدم تسجيل حوادث إخلال بالامن، فإن زج هذه القضية في الصراع السياسي اللبناني من جانب أوساط سياسية وطائفية لبنانية أدى إلى تسييسها عبر إجراءات غير إنسانية بحقهم، الأمر الذي يتطلب تدخل مؤسسات الأمم المتحدة، وخصوصاً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المعنية بالتنسيق مع وكالة الغوث ومؤسسات الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية لتأمين الحماية القانونية للنازحين ومعالجة بعض الخروقات التي تحدث بين الحين والآخر."

ويختم فيصل قائلاً: "إن خيار الشعب الفلسطيني سيبقى في اتجاه قضيته الوطنية والنضال من أجلها. وعلى جميع أطراف الصراع في سورية احترام خيارات الشعب الفلسطيني ودعمها على مختلف المستويات الميدانية والسياسية، والتزام كل الأطراف المعنية سياسة تحييد المخيمات، وخصوصاً مخيم اليرموك، وتوفير البيئة الآمنة لعودة سكانه إليه، واحترام خصوصية المخيم باعتبارها إحدى ركائز حق العودة.

"إن منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة باللجنة التنفيذية ورئيسها، مدعوة إلى إيلاء مخيمات سورية مزيداً من الجهود، وإلى البحث عن مخرج سياسي للوضع الكارثي الذي تعيشه، بما يخفف وطأة الحصار ويفتح الطريق أمام حلول سياسية تُمكّن سكانها من العيش في أمن واستقرار، وتُمكِّن أبناءها النازحين من العودة إلى بيوتهم من جديد."

عن المؤلف: 

أنيس محسن: سكرتير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية.